< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ الروایة الثانیة

 

إیراد الشیخ الأنصاري على الجواب الثاني

إنّ ظاهر قوله: «فَلَيْسَ يَنْبَغِي» یعني لیس ینبغي لك الإعادة لكونه نقضاً، كما أنّ قوله في الصحیحة: «لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَداً» عدم إیجاب إعادة الوضوء فافهم فإنّه لایخلو عن دقّة.([1] )

و بعبارة أخری: إنّ الصحیحة ظاهرة في أنّ علّة عدم وجوب الإعادة هي حرمة نقض الیقین بالشك، لأنّ الإعادة نقض للیقین بالشك، فلیست علّة عدم وجوب الإعادة قاعدة اقتضاء الأمر الظاهري الإجزاء.

توجیه صاحب الكفایة للجواب الثاني([2] )

إنّ العلّة لعدم وجوب الإعادة إنّما هي قاعدة إجزاء الأمر الظاهري و لكن الوجه للتعلیل بقاعدة لاتنقض الیقین بالشك هو أنّ قاعدة لاتنقض توجب إنشاء الأمر الظاهري بالصلاة مع الطهارة الاستصحابية، فعلى هذا قاعدة لاتنقض الیقین بالشك هي منشأ تحقّق الأمر الظاهري في المقام فیصحّ التعلیل به، فالتعلیل بالاستصحاب و قاعدة لاتنقض من باب التعلیل بما هو منشأ العلّة و سببها.

تأیید المحقّق النائیني لما أفاده صاحب الكفایة

إنّ صحّة التعلیل في مفروض السؤال یتوقّف لا‌محالة على ضمّ كبری أخری إلیه تكون العلّة في الحقیقة هي تلك الكبری، على وجه یندرج المورد فیها و یكون من صغریاتها فالتعلیل بالاستصحاب بعد انكشاف الخلاف لایخلو إمّا لأجل كون الشرط هو إحراز الطهارة و إمّا لأجل اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء، فیكون التعلیل بالاستصحاب تعلیلاً بما هو المحقّق للعلّة و هي إحراز الطهارة أو اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء. ([3] )

فبناء على كون العلّة في الروایة نفس قوله: «وَ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ» لابدّ من ضمّ أحد الأمرین لیستقیم التعلیل، و لا معیّن لأحدهما بالخصوص، فالروایة تكون من هذه الجهة مجملة.

بحث استطرادي في أنّ الطهارة شرط للصلاة أو أنّ النجاسة مانعة عنها

قبل الورود في المناقشة في كلمات الأعلام نشیر إلى نزاعهم حول شرطیة الطهارة للصلاة أو مانعیة النجاسة عنها؛ فقال بعضهم بالأوّل([4] )، و قال بعضهم بالثاني([5] )، و قال بعضهم بالجمع بینهما بأن تكون الطهارة شرطاً و النجاسة مانعاً.

قال المحقّق الخوئي بأنّ القول الثالث لایمكن الالتزام به، لما تقدّم في بحث اجتماع الأمر و النهي من أنّه یستحیل جعل الشيء شرطاً و جعل ضدّه مانعاً و لا‌سیّما في ضدّین لا ثالث لهما.

ثمّ قال: «لا إشكال في أنّ الغافل خارج عن محلّ الكلام على كلا التقدیرین لعدم الإشكال في صحّة صلاة الغافل عن نجاسة الثوب مثلاً على كلا القولین و لم‌نجد من استشكل في صحة صلاة الغافل من القائلین بشرطیة الطهارة و لا من القائلین بمانعیة النجاسة، و لا إشكال أیضاً في أنّ النجاسة الواقعیة مع عدم إحرازها لیست مانعة عن الصلاة فمن صلّى مع القطع الوجداني بطهارة ثوبه أو مع الطهارة الظاهریة لأجل التعبّد الشرعي بالأمارة كإخبار ذي الید و البیّنة أو الأصول العملیة كأصالة الطهارة و الاستصحاب فانكشف بعد الصلاة وقوعها مع النجاسة، لا إشكال في عدم وجوب الإعادة، للنصوص الواردة في المقام .. فتلخّص مما ذكرنا أنّ المانع على القول بالمانعیة هو النجاسة المحرزة لا النجاسة الواقعیة ... و على القول بالشرطیة لیس الشرط هي الطهارة الواقعیة و إلا تلزم الإعادة في الصور المذكورة، و لا إحراز الطهارة فإنّه من تیقّن بنجاسة ثوبه و صلّى معه للاضطرار لبرد و نحوه، ثمّ انكشفت بعد الصلاة طهارة ثوبه، فلا إشكال في عدم وجوب الإعادة علیه و لو انكشف عدم تضرّره بالبرد لو لم‌یلبس الثوب المذكور، مع أنّه لم‌یحرز الطهارة حین الإتیان بالصلاة ... .

بل الشرط هو الجامع الأعمّ من الطهارة الواقعیة و الظاهریة المحرزة بالقطع الوجداني أو بالأمارات و الأصول، فعلى القول بالشرطیة الشرط هي الطهارة بالمعنی الأعمّ، لاخصوص الطهارة الواقعیة و لا خصوص الطهارة المحرزة.([6] )

مناقشة المحقّق الخوئي في كلمات الأعلام

كلّ ذلك لایخلو من الإشكال، لأنّ معنی دلالة الأمر الظاهري على الإجزاء، هو كون الشرط أعمّ من الطهارة الواقعیة و الظاهریة و الاختلاف بینهما في مجرّد التعبیر، و ذلك لأنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهري مقتضٍ للإجزاء عن الأمر مادام الشك موجوداً بلا إشكال.

و أمّا بعد زوال الشك و كشف الخلاف فلا معنی للإجزاء عن الأمر الظاهري، لأنّ الأمر الظاهري حینئذٍ منتفٍ بانتفاء موضوعه و هو الشك، فلیس هنا أمر ظاهري حتّی نقول بالإجزاء عنه أو بعدمه، فإن قلنا بالإجزاء عن الأمر الواقعي فمعناه كون الشرط أعمّ من الطهارة الواقعیة و الظاهریة، لأنّه لو كان الشرط هو الواقعي فقط، لایعقل الإجزاء عنه بشيء آخر، فمن صلّى إلى جهة لقیام البیّنة على أنّها هي القلبة، ثم انكشف بعد الصلاة كون القبلة في جهة أخری، فمعنی إجزاء هذه الصلاة التي أتی بها إلى غیر جهة القبلة عن الصلاة إلى جهة القبلة، كون الشرط هو الأعمّ من القبلة الواقعیة و الظاهریة الثابتة بالبیّنة، لأنّه لا معنی للقول بأنّ الشرط هو القبلة الواقعیة و تجزي عنها جهة أخری.

فظهر أنّ إشكال صاحب الكفایة على الشیخ و العدول عن الجواب بالإجزاء إلى الجواب بكون الشرط هو الأعمّ لیس على ما ینبغي، و كذا ظهر عدم صحّة ما ذكره المحقّق النائیني من أنّ التعلیل یصحّ على كلا الوجهین فإنّه لیس هنا إلّا وجه واحد ذو تعبیرین.([7] )

الجواب الثالث عن مناقشة شارح الوافیة: من المحقّق الخوئي

إنّ التعلیل المذكور ناظر إلى وجود الأمر الظاهري حال الصلاة، لا ما بعد الصلاة، بعد كون الإجزاء مفروغاً عنه عند الراوي، فالتعلیل ناظر إلى الصغری بعد كون الكبری مسلّمة من الخارج.

فحاصل التعلیل بعد سؤال الراوي عن علّة عدم وجوب الإعادة في هذه الصورة مع وجوب الإعادة في الصورتین السابقتین أنّ المصلّي في هذه الصورة محرز للطهارة الظاهریة حال الصلاة، لكونه متیقّناً بها فشك و لایجوز نقض الیقین بالشك، بخلاف الصورتین السابقتین للعلم التفصیلي بالنجاسة في إحداهما و الإجمالي في الأخری، فتنجّز علیه التكلیف و لم‌یستند إلى أمر ظاهري فتجب علیه الإعادة و دلالة الأمر الظاهري على الإجزاء في باب الطهارة ممّا لا إشكال فیه و لا خلاف، فمراد الشیخ من دلالة الأمر الظاهري على الإجزاء هي الدلالة في باب الطهارة لا مطلقاً و لایرد علیه شيء. ([8] )

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى دلالة الفقرة الثالثة من صحیحة زرارة الثانیة على حجّیة الاستصحاب، فالحقّ أنّ هذه الفقرة لاتدلّ على حجّیة قاعدة الیقین كما توهّم، و أیضاً لایرد على دلالة الصحیحة ما أورده شارح الوافیة من عدم انطباق التعلیل على المورد حتّی یقال بالاضطراب في دلالة الصحیحة على حجّیة الاستصحاب من جهة عدم الانطباق المذكور.

الموضع الثاني: دلالة الفقرة السادسة على حجّیة الاستصحاب

لا نقاش في دلالة هذه الفقرة فإنّ الإمام فصّل في الجواب عن السؤال السادس و مورد السؤال في الصورة الثانیة هو أنّه قد تیقّن بالطهارة و لم‌یحصل له العلم بالنجاسة قبل الصلاة (سواء حصل له الشك فیها أم لا) و في أثناء الصلاة رأی النجاسة رطبة فشك في أنّه كان قبل الصلاة أو عرض في أثنائها، فهذا مورد قاعدة عدم جواز نقض الیقین بالشك.

 


[2] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص395..: «إنّه لایكاد یصحّ التعلیل لو قیل باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء كما قیل ضرورة أنّ العلة علیه إنّما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للإجزاء و عدم إعادتها لا لزوم النقض من الإعادة كما لایخفی.اللهم إلا أن یقال: إنّ التعلیل به إنّما هو بملاحظة ضمیمة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء بتقریب أنّ الإعادة لو قیل بوجوبها كانت موجبة لنقض الیقین بالشك في الطهارة قبل الانكشاف و عدم حرمته شرعاً و إلا للزم عدم اقتضاء ذاك الأمر له كما لایخفی مع اقتضائه شرعاًَ أو عقلاً فتأمّل، و لعل ذلك مراد من قال بدلالة الروایة على إجزاء الأمر الظاهري ...»
[4] قال المحقّق النائيني في أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص364..: «الظاهر كما عرفت هو شرطية الطهارة لا مانعية النجاسة»
[5] فقال بعض الأعاظم في كتاب الاستصحاب، ص49: «إنّ الأظهر من الأدلّة على كثرتها هو مانعية النجاسة من الصلاة، لا شرطيّة الطهارة، كما يظهر لمن تدبّرها، و إن كان بعضها يوهم الشرطية مثل هذه الصحيحة، لكنّ المانعيّة هي الأقوى بحسب مفاد الأدلّة».
[6] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص54.و في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص77..في التعلیقة على قوله: «و لا‌يكاد يمكن التفصّي عن هذا الإشكال إلّا بأن يقال»: «تحقيق الحال يقتضي بيان المحتملات لما هو شرط أو مانع، من الطهارة و النجاسة في باب الصلاة:أحدها: أن تكون الطهارة الواقعية شرطاً واقعياً، و الطهارة التعبدية الظاهرية شرطاً فعلياً بمعنى أن الطهارة التي أخبرت بها البيّنة، أو الطهارة المتيقّنة سابقاً المشكوكة لاحقاً، أو الطهارة المشكوكة، جعلت لها الشرطية فعلاً، كجعل الشرطية واقعاً للطهارة الواقعية، فالصلاة المقرونة بإحدى الطهارتين مقرونة بالشرط حقيقة، و عليه فلا‌ينكشف فقد الشرط بوقوع الصلاة في النجاسة الواقعية.ثانيها: أن تكون الطهارة الواقعية شرطاً واقعياً، و إحراز الطهارة التعبدية شرطاً ظاهرياً فعلياً، و حينئذٍ لا إعادة فإن انكشاف خلاف الطهارة التعبدية لا‌يلازم انكشاف وقوع الصلاة بلا شرط، فإنّ إحرازها ليس له انكشاف الخلاف.ثالثها: أن يكون إحراز الطهارة الواقعية وجداناً شرطاً واقعياً، و إحراز الطهارة الواقعية تعبداً شرطاً ظاهرياً فعلياً، فيندفع النقض المتقدم لكون نفس إحرازها وجداناً شرطاً واقعياً.رابعها: أن تكون النجاسة المعلومة- و لو سابقاً- عند الالتفات إليها مانعة عن الصلاة، فالنقوض المتقدمة كلها مندفعة، فإنه إما لا نجاسة واقعاً أو لا علم بها، إلّا أن مقتضاه عدم المانع بعدم العلم، فلا موقع للتعبد بعدمها بالأمارات أو الأصول و القواعد، للقطع بعدم المانع، و إن كانت النجاسة موجودة واقعاً.خامسها: أن تكون النجاسة- التي لم‌تقم الحجة على عدمها- مانعة واقعاً بتعميم الحجة إلى العقلية و الشرعية، فيكون الحجة ما يكون معذّراً- عقلًا و شرعاً- لا بمعنى الواسطة في إثباتها أو نفيها تعبداً، فإنّه يوجب خروج العلم بعدم النجاسة، فإنّه لا وساطة له في نفيها تعبّداً، مع أن التعبد بعدمها- في موارد البيّنة على عدمها، أو استصحاب عدمها- مع عدم المانعية لها واقعاً لا معنى له.و قال بعد المناقشة في ما عدا الأخیر: «و الذي يوافق الأخبار و فتاوى علمائنا الأخيار هذا الوجه الأخير، و ليست الطهارة الواردة في الروايات و الكلمات إلّا عدم النجاسة، فإنّ النجاسة هي القذارة المنفرة شرعاً واقعاً، كما أنّها عرفاً كذلك، فالطهارة ليست إلّا الخلوّ عنها، و ليست هي- كالطهارة من الحدث- أمراً وجودياً، و حالة معنوية نورانية، و النجاسة إذا كانت مانعة فعدمها شرط»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo