< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ الروایة الثالثة من القسم الأول

 

الرواية الثالثة: الصحیحة الثالثة لزرارة

[محمّد بن یعقوب] عن علي بن إبراهیم عن أبیه و عن محمّد بن إسماعیل([1] ) عن الفضل بن شاذان جمیعاً عن حمّاد بن عیسی عن حریز عن زرارة عن أحدهما قال:

«قُلْتُ لَهُ: مَنْ لَمْ‌ يَدْرِ فِي أَرْبَعٍ هُوَ أَمْ فِي ثِنْتَيْنِ وَ قَدْ أَحْرَزَ الثِّنْتَيْنِ، قَالَ: يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَ هُوَ قَائِمٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ يَتَشَهَّدُ وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ و إِذَا لَمْ يَدْرِ فِي ثَلَاثٍ هُوَ أَوْ فِي أَرْبَعٍ وَ قَدْ أَحْرَزَ الثَّلَاثَ قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ وَ لَا‌يُدْخِلُ الشَّكَّ فِي الْيَقِينِ وَ لَا‌يَخْلِطُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ وَ لَكِنَّهُ يَنْقُضُ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ وَ يُتِمُّ عَلَى الْيَقِينِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ وَ لَا‌يَعْتَدُّ بِالشَّكِّ فِي حَالٍ مِنَ الْحَالات‌».([2] )

أمّا من جهة السند فالروایة صحیحة بلا كلام، و أمّا الدلالة فهي أیضاً تتمّ بناء على أن یكون موضوع السؤال هنا هو من أحرز الإتیان بالركعة الثالثة و حصل له الیقین بعدم الإتیان بالركعة الرابعة و لكنّه شك بعد ذلك في إتیانها و لم‌یدر في ثلاث هو أم في أربع، فحكم الإمام بأنّه لابدّ أن یبني على الثلاث فیقوم و یضیف إلیها ركعة أخری و الإمام طبّق علیه قاعدة عدم جواز نقض الیقین بالشك.([3] )

مناقشة العلامة الأنصاري في الاستدلال بهذه الصحیحة ([4] )

إنّ الشیخ الأنصاري ذهب إلى عدم دلالة هذه الصحیحة على حجّیة الاستصحاب، و الوجه في ذلك هو أنّ الإتیان بالركعة المأمور بها في هذه الصحیحة بعد الشك في أنّه في ثلاث أو أربع، إنّما یكون بأحد وجهین:

الوجه الأوّل: أن یُؤتی بها بدون التشهد و السلام حتّی تكون ركعة متّصلة، و هذا الوجه مخالف للمذهب و موافق للعامّة، فإنّ معنی قوله: «قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى» هو البناء على الأقلّ المتیقّن و هو ثلاث ركعات ثم إضافة ركعة أخری، و هذا الحكم مخالف لضرورة فقه مذهب الإمامیة.

مضافاً إلى أنّه مخالف لظاهر الفقرة الأولى من هذه الروایة، فإنّ زرارة في صدر هذه الصحیحة قال: «مَنْ لَمْ‌ يَدْرِ فِي أَرْبَعٍ هُوَ أَمْ فِي ثِنْتَيْنِ وَ قَدْ أَحْرَزَ الثِّنْتَيْنِ، قَالَ: يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَ هُوَ قَائِمٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ يَتَشَهَّدُ وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ»([5] ).

فإنّ ظاهره بقرینة تعیین الفاتحة إرادة ركعتین منفصلتین، أعني صلاة الاحتیاط.

فهذا الوجه الأوّل لو تمّ دلّت الصحیحة على حجّیة الاستصحاب و لكنّه مخدوش أوّلاً بمخالفته لمذهب الإمامیة و ثانیاً بأنّه خلاف الظاهر.

الوجه الثاني: أن یؤتی بها مع التشهّد و السّلام حتّی تكون ركعة منفصلة و حینئذٍ فالمراد بالیقین هو الیقین ببراءة الذمّة، فیكون المراد وجوب الاحتیاط و تحصیل الیقین ببراءة الذمّة، لأنّه على فرض إتیانه بثلاث ركعات، تكون هذه الركعة الأخيرة هي الركعة الرابعة فتصحّ الصلاة و لاتنقص منها ركعة، و على فرض إتیانه بأربع ركعات، تكون هذه الركعة الأخیرة ركعة زائدة خارجة عن الصلاة لأنّها تقع بعد التشهّد و السّلام، فزیادتها بعد السلام لاتضّر بصحّة الصلاة.

و قد أرید من الیقین و الاحتیاط في غیر واحد من الأخبار هذا النحو من العمل منها قوله: «إذَا شَكَكتَ فَابْنِ عَلَى الیَقِینِ»([6] ).

فهذه الأخبار الآمرة بالبناء على الیقین و عدم نقضه، یراد منها البناء على ما هو المتیقّن من العدد و التسلیم علیه مع جبره بصلاة الاحتیاط، و لهذا ذكر في غیر واحد من الأخبار ما یدلّ على أنّ هذا العمل محرز للواقع مثل قوله: «ألَا أُعَلِّمُك شَیئَاً إذَا فَعَلْتَه، ثُمَّ ذَكَرتَ أنَّك نَقَصْتَ أو أتْمَمْتَ لَم‌یَكُن عَلیكَ شَيءٌ؟»([7] ).

و قد تصدّی جماعة تبعاً للسیّد المرتضى([8] ) لبیان أنّ هذا العمل هو الأخذ بالیقین و الاحتیاط دون ما یقوله العامّة من البناء على الأقلّ.

و مبالغة الإمام في هذه الصحیحة بتكرار عدم الاعتناء بالشك و تسمیة ذلك في غیرها بالبناء على الیقین و الاحتیاط تُشعر بكونه في مقابل العامّة الزاعمین كون مقتضى البناء على الیقین هو البناء على الأقلّ و ضمّ الركعة المشكوكة.

و الحاصل أنّ المتعیّن هو حمل الصحیحة على الوجه الثاني، فلیس المراد من الیقین هو الیقین السابق حتّی تدلّ على حجّیة الاستصحاب بل المراد هو الیقین بفراغ الذمّة، فلا‌یمكن الاستدلال بهذه الصحیحة على حجّیة الاستصحاب.

جواب صاحب الكفایة عن مناقشة العلامة الأنصاري

إنّ الاحتیاط كذلك [أي البناء على الأكثر و التشهّد و التسلیم ثمّ الإتیان بالركعة المشكوكة على ما هو فتوی علماء مذهب الإمامیة وفقاً للنصوص] لایأبی عن إرادة الیقین بعدم [الإتیان بـ] الركعة المشكوكة بل [نحمل الیقین على الیقین بعدم الإتیان بالركعة المشكوكة حتّی یتمّ أركان الاستصحاب و لانحمله على الیقین بفراغ الذمّة كما ذهب إلیه الشیخ.

و حینئذٍ نقول:] كان [وجوب] أصل الإتیان بها [أي هذه الركعة المشكوكة] باقتضائه [أي باقتضاء لاتنقض الیقین بالشك، لأنّه يدلّ على البناء العملي على عدم الإتیان بالركعة المشكوكة، فتقتضي لزوم الإتیان بها].

غایة الأمر إتیانها مفصولة ینافي إطلاق النقض [أي قاعدة لاتنقض الیقین بالشك] و قد قام الدلیل على التقیید [بإتیانها منفصلة] في الشك في [الركعة] الرابعة [و استصحاب عدم إتیانها]. ([9] )

ایرادات ثلاثه علی جواب صاحب الكفایة

الإیراد الأوّل من المحقّق الإصفهاني

إنّ المحقّق الإصفهاني یری أن قاعدة لاتنقض في الصحیحة الثالثة لزرارة تقتضي عدم الإتیان بالركعة المشكوكة من دون أن یكون إطلاقه مقتضیاً للاتّصال حتّی نلتزم بتقیید إطلاق النقض كما ذهب إلیه صاحب الكفایة قال:

«أمّا كون اللازم إتیانها موصولة أو مفصولة فإنّما هو بدلیل آخر، فإتیانها موصولة بالأدلّة الدالّة على مانعیة الزیادة -من حیث التكبیرة و التسلیمة و نحوهما- و إتیانها مفصولة بما دلّ في المقام على لزوم التسلیمة قبل الشروع في الرابعة و البدأة فیها بالتكبیرة و هكذا.

و بالجملة: كما أنّ اعتبار سائر الشرائط في الركعة الرابعة، لیس بدلیل الاستصحاب بل بإطلاق أدلّة الشرائط الموجبة لاعتبارها في كلّ صلاة سواء كانت واجبة واقعاً أم ظاهراً، فكذا اعتبار وصل [الركعة] الرابعة، بعدم تخلیل ما یوجب فصلها [مثل التشهّد و التسلیم و التكبیر عند افتتاح الركعة الاحتیاطیة] بتلك الأدلّة، و دلیل المورد مقیّد لتلك الإطلاقات، لا لإطلاق دلیل الاستصحاب.

و منه عُلم ما في المتن من المسامحة في دعوی التقیید لإطلاق النقض». ([10] )


[1] و في المغني في الأصول، ج1، ص120 قال في محمد بن إسماعيل النيشابوري: «إنّه محلّ بحث و هو الذي يروي أكثر روايات الفضل بن شاذان، و الحقّ عندنا وثاقته بجهات متعدّدة».
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج3، ص351.، کتاب الصلاة، باب السهو في الثلاث و الأربع، ح3؛ تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج2، ص186.، کتاب الصلاة، باب أحكام السهو في الصلاة و ما يجب منه إعادة الصلاة، ح41؛ الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص373.، کتاب الصلاة، أبواب السهو و النسیان، الباب216، ح3: (رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب‌ مثله)؛ وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص216، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب10، ح3، ط آل البيت.
[3] في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص94. في التعلیقة على قوله: «و الاستدلال بها على الاستصحاب مبني»: «توضيح المقام: أنّ محتملات الرواية ثلاثة:أحدها: إرادة اليقين بعدم إتيان الركعة الرابعة مثلاً، و يراد من حرمة نقض اليقين- بعدم إتيانها- إيجاب الركعة الرابعة، و أما كون اللازم إتيانها موصولة، أو مفصولة، فإنّما هو بدليل آخر ... .ثانيها: - إرادة الاحتياط المقرّر شرعاً- هنا- من (اليقين) حيث إنه عمل يوجب اليقين بالبراءة، و عدم النقص و الزيادة، فالمراد- من عدم نقض اليقين- عدم رفع اليد عن اليقين بالعمل بأحد طرفي الشك بمجرده و يكون المراد من عدم إدخال الشك في اليقين، و عدم خلط أحدهما بالآخر عدم مزاحمة اليقين بالشك، حيث أنه لكلّ منهما مقام من الوثاقة و الوهن، فلا‌ينبغي جعل الوثيق متزلزلاً، أو جعل المتزلزل وثيقاً بإعطاء كلّ منهما منزلة الآخر.و هذا المعنى ما اختاره الشيخ الأعظم في الرسائل‌ معترفاً بأنّه بعيد في نفسه، لكنّه يتعين بعد عدم إمكان حمله على الاستصحاب، و هو كما أفاده بعيد جداً ... .ثالثها: إرادة اليقين المذكور في صدر الصحيحة، حيث قال.: "إِذَا لَمْ يَدْرِ فِي ثَلَاثٍ هُوَ أَوْ فِي أَرْبَعٍ وَ قَدْ أَحْرَزَ الثَّلَاثَ قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ" الخبر و تطبيق العمل المقرر شرعاً على العمل بهذا اليقين»
[4] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص62. طبع النشر الإسلامي: «فیه تأمّل لأنّه إن كان المراد بقوله: «قام فأضاف إلیها أخری» القیام للركعة الرابعة من دون تسلیم في الركعة المردّدة بین الثالثة و الرابعة حتی یكون حاصل الجواب هو البناء على الأقل فهو مخالف للمذهب و موافق لقول العامة ...».قال بعض الأساطين. حول دلالة الرواية الثالثة على حجية الاستصاحب _ على ما في المغني في الأصول، ج1، ص134: «مقتضى التحقيق هوعدم صحّة الاستدلال بها على الاستصحاب؛ و ذلك لأنه وردت عندنا روایات ثلاث بعناوين ثلاثة:1) متی ما شككت فخذ بالأكثر.2) كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر.3) إذا سهوت فابن على الأكثر.و مدلول هذه الروايات هو وجوب التعبد بالبناء على الأكثر، فلو شك مثلاً بين الثلاث و الأربع يبني على الأربع و هكذا...، بينما مدلول الصحيحة - بمقتضى الاستصحاب – هو البناء على عدم الأكثر، فالتعبّد بهذين تعبّدٌ بالمتنافيين؛ فإنّ التعبد بالروايات المذكورة يقتضي التعبد بالإتيان بالركعة الرابعة، و التعبد بالصحيحة يقتضي التعبد بعدم الإتيان بها، و هو تناقض، فتتعارض الطائفتان من هذه الجهة، فعلى القول بالتساقط يسقط الاستدلال بها، و على القول بالتخيير فللمجتهد أن يأخذ بأحدهما.هذا هو الإشكال العمدة على الصحيحة، و إلا فإشكال أن مدلولها الإتيان بركعة متصلة، و هو منافٍ لروايات الاحتياط، من الإتيان بها منفصلة، فمدفوع بما تقدّم عن المحقق الخراساني، من الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد، و الحمل على كون المراد من اليقين فيها هو اليقين بالبراءة خلاف الظاهر، لظهور اليقين في الفعلي، و الأصل في العناوين الفعلية، فلا‌بدّ من تحقق اليقين سابقاً في (لا‌تنقض اليقين بالشك)، و اليقين بالبراءة لم‌يتحقق بعد و إنما سيتحقق»
[6] و هي الرواية الرابعة في المقام و ستأتي في ص233.
[7] «مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ عِيسَى عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى السَّابَاطِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: أَ لَا أُعَلِّمُكَ شَيْئاً إِذَا فَعَلْتَهُ ثُمَّ ذَكَرْتَ أَنَّكَ أَتْمَمْتَ أَوْ نَقَصْتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْ‌ءٌ؟ قُلْتُ بَلَى قَالَ: إِذَا سَهَوْتَ فَابْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ فَإِذَا فَرَغْتَ وَ سَلَّمْتَ فَقُمْ فَصَلِّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ نَقَصْتَ فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَتْمَمْتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ شَيْ‌ءٌ وَ إِنْ ذَكَرْتَ أَنَّكَ كُنْتَ نَقَصْتَ كَانَ مَا صَلَّيْتَ تَمَامَ مَا نَقَصْتَ.» تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج2، ص349.، کتاب الصلاة، باب أحکام السهو (16)، ح36؛ وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص213، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب8، ح3، ط آل البيت.
[8] قال السيد المرتضى في الانتصار في انفرادات الإمامية، السيد الشريف المرتضي، ج1، ص156..: «و الحجة فيما ذهبنا إليه: إجماع الطائفة، و لأن الاحتياط أيضاً فيه لأنه إذا بنى على النقصان لم‌يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo