< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/08/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ الروایة الخامسة

 

المطلب الثالث: تحقیق حول كلمات الأعلام

یمكن أن یقال بإطلاق النهي عن نقض الیقین بالشك، سواء كانا مقیدین بالزمان أو كان الزمان ظرفاً لهما أو كانا مجرّدین عن الزمان، فإنّ عدم إقامة الدلیل على تقییدهما بالزمان في مقام الإثبات لایوجب حمل الروایة على خصوص ما كانا مجرّدین عن الزمان أو كان الزمان ظرفاً لهما بل یوجب إطلاق الروایة بالنسبة إلى جمیع هذه الصور، و نتیجة ذلك إطلاق الروایة بالنسبة إلى النهي عن النقض المذكور سواء كان الیقین و الشك متحدین بحسب المتعلّق ذاتاً و زماناً و كان الاختلاف بحسب زمان الیقین و الشك كما في قاعدة الیقین، أو كان الیقین و الشك متحدین بحسب المتعلّق ذاتاً لا زماناً بأن یكون زمان متعلّق الیقین سابقاً على زمان متعلّق الشك. و بعبارة أخری كان المتیقّن سابقاً زماناً على المشكوك كما في الاستصحاب.

فالروایة على هذا تدلّ على حجّیة قاعدة الیقین كما تدلّ على حجّیة الاستصحاب، و یستفاد من ذلك أنّ قاعدة لاتنقض الیقین بالشك قاعدة ارتكازیة لاینحصر أمرها في الاستصحاب بل تشمل قاعدة الیقین.

بل شمولها لقاعدة الیقین مقدّم على شمولها للاستصحاب، لما أفاده العلامة الأنصاري([1] ) من «أنّ النقض [أي نقض الیقین بالشك] حینئذ [أي فیما إذا استعمل في قاعدة الیقین] محمول على حقیقته [معناه الحقیقي] لأنّه رفع الید عن نفس الآثار التي رتّبها سابقاً على المتیقّن بخلاف الاستصحاب فإنّ المراد بنقض الیقین فيه رفع الید عن ترتیب الآثار في غیر زمان الیقین و هذا لیس نقضاً للیقین السابق إلا إذا أُخذ متعلقه مجرّداً عن التقیید بالزمان الأول».

و الحاصل دلالة هذه الروایة المرویة في الخصال على حجّیة الاستصحاب و حجّیة قاعدة الیقین مع تقیید حجّیتها على ما في النظریة الثانیة و الثالثة.

بحث استطرادي: الأقوال في حجّیة قاعدة الیقین

هنا نظریات أشار إلیها العلامة الأنصاري:

النظریة الأولى: حجّیتها مطلقاً.

النظریة الثانیة: تقیید حجّیتها بعدم نقض الیقین السابق بالنسبة إلى الأعمال التي رتّبها حال الیقین به، كالاقتداء في مثل العدالة بذلك الشخص و العمل بفتواه أو شهادته.

أمّا في غیر حال الیقین به فلا‌یحكم على طبق الیقین و إلا یلزم مخالفة الإجماع.

النظریة الثالثة: تقیید حجّیتها بصورة عدم التذكر لمستند القطع السابق و إخراج صورة تذكره و التفطّن لفساده و عدم قابلیته لإفادة القطع.([2] )

الرواية السادسة: مكاتبة علي بن محمّد القاساني

محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار عن علي بن محمّد القاساني قال: «كَتَبْتُ إِلَيْهِ وَ أَنَا بِالْمَدِينَةِ- أَسْأَلُهُ‌ عَنِ‌ الْيَوْمِ‌ الَّذِي‌ يُشَكُّ فِيهِ مِنْ‌ رَمَضَانَ- هَلْ يُصَامُ أَمْ لَا؟ فَكَتَبَ: الْيَقِينُ لَا‌يَدْخُلُ فِيهِ الشَّكُّ صُمْ لِلرُّؤْيَةِ وَ أَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ».([3] )

الأمر الأول: اعتبار هذه الروایة سنداً

قال الشیخ الأنصاري: «إنّ سندها غیر سلیم»([4] ).

و الوجه في إیراد الشیخ الأنصاري على سند المكاتبة أنه قد ادّعي عدم توثیق علي بن محمّد القاساني بل تضعیف الشیخ إیاه([5] ).

و في قباله قال بعضهم بتوثیقه من جهة اتّحاده مع علي بن محمّد بن شیرة القاساني الذي هو ثقة([6] )، و أخری من جهة اعتماد ابن الولید علیه، و ثالثة من جهة روایة الصفار عنه.

و الحقّ توثیقه من جهة كونه من رجال نوادر الحكمة فتشمله التوثیقات الأربعة (أي توثیق صاحب النوادر و هو محمّد بن أحمد بن یحیی الأشعري و توثیق أبي العباس و توثیق محمّد بن الحسن بن الولید و توثیق الشیخ الصدوق)([7] ).


الأمر الثاني: تقریب الاستدلال بهذه الروایة

بیان الشیخ الأنصاري

قال: «إنّ تفریع تحدید كلّ من الصوم و الإفطار - برؤیة هلالي رمضان و شوال- على قوله: "الْيَقِينُ لَا‌يَدْخُلُه الشَّكُّ" لایستقیم إلا بإرادة عدم جعل الیقین السابق مدخولاً بالشك أي مزاحماً به». ([8] )

توضیح ذلك: إنّ یوم الشك من شهر رمضان إمّا یكون في أوّله و إمّا یكون في آخره، أمّا ما یشك فیه أنّه من شهر شعبان أو رمضان المبارك فهو محكوم بحكم شهر شعبان، لأنّ الیقین السابق تعلّق بكونه في شهر شعبان ثم شك في دخول شهر رمضان و الإمام حكم هنا بأنّ الیقین السابق لایدخله الشك، و نتیجة ذلك هو أنّ الیوم المشكوك فیه یلحق بشهر شعبان و هذا من صغریات قاعدة لاتنقض الیقین بالشك فتدلّ هذه المكاتبة على حجّیة الاستصحاب، و هكذا الأمر بالنسبة إلى الیوم الذي یشك فیه أنّه من شهر رمضان أو شوال، فإنّ الیقین السابق تعلّق بكونه من شهر رمضان ثم شك في دخول شهر شوال فلا‌یُعتنی بالشك و لایدخل في الیقین و هذا أیضاً لیس إلا من جهة حجّیة الاستصحاب في المقام.

هذه المكاتبة أظهر الروایات في حجیة الاستصحاب عند الشیخ الأنصاري.

قال الشیخ الأنصاري: «الإنصاف أنّ هذه الروایة أظهر ما في هذا الباب من أخبار الاستصحاب»([9] ).

و كونها أظهر ما في الباب عند الشیخ الأنصاري لوجوه:

منها أنّ الیقین في هذه الروایة لم‌یكن مسبوقاً بما یوجب اختصاصه بباب خاص مثل الیقین بالوضوء، فلا‌یحتمل هنا كون الألف و اللام فیه للعهد، بل الألف و اللام هنا للجنس.

و منها أنّ الیقین هنا لایمكن فیه احتمال إرادة الیقین ببراءة الذمّة كما احتمله الشیخ في الصحیحة الثالثة لزرارة و في موثقة عمار.([10] )

و منها أنّ الیقین هنا لیس سابقاً على الشك حتّی یحتمل كونه من باب قاعدة الیقین كما احتمله الشیخ في روایة الخصال.

مناقشتان في الاستدلال بالرواية علی حجية الاستصحاب

المناقشة الأولی: من صاحب الكفایة

ربّما یقال: إنّ مراجعة الأخبار الواردة في یوم الشك یُشرف القطع بأنّ المراد بالیقین هو الیقین بدخول شهر رمضان، و أنّه لابدّ في وجوب الصوم و وجوب الإفطار من الیقین بدخول شهر رمضان و خروجه، و أین هذا من الاستصحاب؟ فراجع ما عقد في الوسائل لذلك من الباب([11] ) تجده شاهداً علیه.([12] )


جواب المحقّق الخوئي عن هذه المناقشة

التحقیق هو ما ذكره الشیخ من ظهور الروایة في الاستصحاب، لأنّه لو كان المراد عدم إدخال الیوم المشكوك فیه في رمضان، لما كان التفریع بالنسبة إلى قوله: «وَ أَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ» صحیحاً، فإنّ صوم یوم الشك في آخر شهر رمضان واجب، لقوله: «وَ أَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ» مع أنّه یوم مشكوك في كونه من رمضان، فكیف یصحّ تفریع قوله: «وَ أَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ» الدالّ على وجوب صوم یوم الشك في آخر شهر رمضان على قوله: «الْيَقِينُ لَا‌يَدْخُلُه الشَّكُّ» بناء على أنّ المراد منه عدم دخول الیوم المشكوك فیه في رمضان.

فالصحیح أنّ المراد من قوله: «الْيَقِينُ لَا‌يَدْخُلُه الشَّكُّ» أنّ الیقین لاینقض بالشك فلا‌یجب الصوم في یوم الشك في آخر شعبان، و یجب الصوم في یوم الشك في آخر شهر رمضان، للیقین بعدم وجوب الصوم في الأوّل و الیقین بوجوبه في الثاني، و الیقین لاینقض بالشك، فیصحّ التفریع بالنسبة إلى قوله: «صُمْ لِلرُّؤْيَةِ» و بالنسبة إلى قوله: «وَ أَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ».

و أمّا ما استشهد به صاحب الكفایة من الروایات الدالّة على عدم صحّة الصوم في یوم الشك بعنوان أنّه من رمضان، فمدفوعٌ بأنّ هذه الروایات و إن كانت صحیحة معمولاً بها في موردها، إلا أنّها لاتكون قرینة على كون هذه الروایة أیضاً واردة لبیان هذا المعنی مع ظهورها في الاستصحاب. ([13] )

المناقشة الثانیة: من المحقق النائیني

إنّ المحقّق النائیني یری أنّ قوله: «الْيَقِينُ لَا‌يَدْخُلُ فِيهِ الشَّكُّ» لیس بمعنی "الیقین لاینقضه الشك" و ذلك «لأنّ إرادة النقض من الدخول تحتاج إلى عنایة و رعایة» ([14] ).

جواب المحقّق الخوئي عن هذه المناقشة

«و أما ما ذكره المحقّق النائیني من غرابة هذا الاستعمال، فیدفعه وقوع هذا الاستعمال بعینه في الصحیحة الثالثة المتقدّمة في قوله: "وَ لَا‌يُدْخِلُ الشَّكَّ فِي الْيَقِينِ وَ لَا‌يَخْلِطُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ."

و وقع هذا الاستعمال في كلمات العلماء أیضاً في قولهم "دلیله مدخول" أي منقوض، و اللغة أیضاً تساعده، فإنّ دخول شيء في شيء یوجب التفكیك بین أجزائه المتّصلة، فیكون موجباً لنقضه و قطع هیأته الاتصالیة». ([15] )

و الحاصل أنّ ما أفاده الشیخ الأنصاري و المحقّق الخوئي من دلالة هذه المكاتبة على حجّیة الاستصحاب لا نقاش فیه، و إیراد صاحب الكفایة و المحقّق النائیني لایمكن المساعدة علیه، و التعبیر في هذه المكاتبة عامّ كما في الصحیحة المرویة في الخصال فتعمّ الاستصحاب و قاعدة الیقین.


[2] قال بعض الأساطین: إن السید المجاهد هو أول من ذكر البحث عن قاعدة الیقین في مسائل الاستصحاب.ففي القواعد الشريفة، الجابلقي، الشيخ محمد شفيع، ج2، ص424.: «المقام الرابع عشر فى بيان أنه هل يشترط في الاستصحاب بقاء اليقين السابق؟ فإذا لم‌يكن اليقين باقياً و كان الشك سارياً في اليقين السابق لم‌يكن للاستصحاب حجة بل لابدّ من عدم سريان الشك في اليقين أو لا فيكون حجة مطلقا. و بعبارةٍ أخصر: هل الاستصحاب في الشك‌ الساري‌ حجة أم لا؟ لم‌يتعرض لهذا أحد إلا السيد السند السيد محمد في المفاتيح ...».و في قلائد الفرائد، ج‌2، ص375: «أول من تعرّض لعنوان الشك‌ الساري‌- على ما قيل- هو السيد صاحب المفاتيح».قال في مفاتيح الأصول، المجاهد، السيد محمد، ج1، ص657.: «الرابع: هل يشترط في الاستصحاب كون اليقين بما ثبت في الزمن الأول من حكم أو غيره ثابتاً في الزمن الثاني الذي حصل فيه الشك في بقائه بمعنى أن يكون في حالة الشك في البقاء جازماً بثبوت ما شك في بقائه في الزمن الأول ... أو لايشترط ذلك بل يكفي مجرد اليقين بثبوت حكم أو غيره و إن حصل له الشك في صحة اليقين السابق؟ ... فيه إشكال من إطلاق الأخبار المتقدمة و من الأصل و العمومات المانعة عن العمل بغير العلم و قوّة دعوى عدم انصراف إطلاق النصوص و الفتاوى إلى الصورة الأخيرة لعدم تبادرها منه فإذن الاحتمال الأول في غاية القوة».و ادعی بعض الإعلام الإجماع على عدم حجیة هذه القاعدة:قال في القواعد الشريفة، الجابلقي، الشيخ محمد شفيع، ج2، ص404.: «الاستصحاب في الشك‌ الساري‌ ليس بحجة إجماعاً».و نسب بعض الأصولیین دعوی الإجماع إلى الشیخ الأنصاري:قال الشیخ عليّ (بن محمد رضا بن هادي بن عباس بن علي) كاشف الغطاء في مصادر الحكم الشرعي و القانون المدني، كاشف الغطاء، الشيخ علي (ابن محمد رضا)، ج2، ص149.: «المصدر السادس و العشرون: قاعدة اليقين، و تسمّى بقاعدة الشك الساري ... و القول بعدم حجية قاعدة اليقين‌ هو المشهور و المعروف ... يظهر من كلام الشيخ الأنصاري و غيره دعوى الإجماع على عدم اعتبار القاعدة».و لكن ظاهر عبارة الشیخ عدم صحة دعوی الاجماع:قال في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص69.: «لو سلّم أن هذه القاعدة بإطلاقها مخالفة للإجماع أمكن تقييدها بعدم نقض اليقين السابق بالنسبة إلى الأعمال التي رتّبها حال اليقين به كالاقتداء في مثال العدالة بذلك الشخص و العمل بفتواه أو شهادته أو تقييد الحكم بصورة عدم التذكر لمستند القطع السابق و إخراج صورة تذكّره و التفطّن لفساده و عدم قابليته لإفادة القطع».و تقیید القاعدة بصورة عدم التذكر هو مختار الشیخ جعفر كاشف الغطاءفي أوثق الوسائل فی شرح الرسائل، التبريزي، الميرزا موسى، ج1، ص458.: «يمكن دعوى مخالفة هذه القاعدة للإجماع من رأس، و مخالفة كاشف الغطاء غير قادحة فيها كما لا‌يخفى»‌.و في بحر الفوائد في شرح الفرائد، الآشتياني، الميرزا محمد حسن، ج6، ص404.: «إن تنزيل القاعدة على ما ذكر و تقييد إطلاقها على الصورة المذكورة يعني صورة عدم التذكر لمستند القطع و إخراج صورة التذكر مع العلم بعدم الصلاحية يستفاد من فقيه عصره في كشفه فراجع إليه».قال في كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء - ط الحديثة، كاشف الغطاء، الشيخ جعفر، ج1، ص201.: «و لو لم‌يبق علمه باليقين السابق مع علمه بأنه كان عالماً؛ فلا‌يخلو إما أن ينسى طريق علمه السابق، أو يذكره و يتردد في قابليته لإفادة العلم أو يعلم عدم قابليته، و الأقوى جري الاستصحاب في القسمين الأولين خاصة».و حكم السید محمد سعید الحكیم بارتكازیة القاعدة في هذا القسم قال في الكافي في اصول الفقه، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج2، ص393.: «لا مجال لإنكار ارتكازية قاعدة اليقين‌ فيما لو لم‌يكن ارتفاع اليقين ناشئاً من انكشاف خطأ الاستناد لمستنده، بل من الجهل بحال المستند لنسيانه، فإن البناء على مقتضى اليقين ارتكازي لمشابهته لقاعدة الصحة».و المذكور في كلام الشیخ جعفر الحكم بجریان القاعدة في هذا القسم و لكن ذكر الشیخ الأنصاري أنه احتمله.ففي الفوائد الأصولية، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص676.: «و احتمل كاشف الغطاء البناء على الاعتقاد السابق في صورة غيبة المدرك عن الذهن و تردده بين كونه مما لو حضر أفاد الاعتقاد و بين عدم كونه كذلك».و ذكر الشیخ أن هذا التقیید مختار بعض من تأخر عن كاشف الغطاء قال في الفوائد الأصولیة بعد العبارة السابقة: «و جزم به بعض من تأخر عنه و لم أجد له وجهاً».و المحقق السبزواري ممن قال بعموم أخبار الاستصحاب لقاعدة الیقین؛قال في ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقق السبزواري، ج1، ص44.: «و التحقیق أنه إن فرغ من الوضوء متیقناً للإكمال ثمّ عرض له الشك فالظاهر عدم وجوب إعادة شیء لقوله في صحیحة زرارة: «لاتنقض الیقین أبداً بالشك» و لخبر ابن بكیر السالف و لبعض الأخبار السالفة في هذه المسألة لكن الاستدلال بصحیحة زرارة و موثقة ابن بكیر إنما یتمّ إذا كان المراد بالیقین الجزم، أما لو اعتبر فیه الثبات و المطابقة فلا».و في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص303.: «لو ثبت أن الشك بعد اليقين بهذا المعنى ملغى في نظر الشارع، فهي قاعدة أخرى مباينة للاستصحاب ... و أول من صرّح بذلك الفاضل السبزواري- في الذخيرة- في مسألة من شك في بعض أفعال الوضوء، حيث قال: و التحقيق ... و لعلّه قدس سره تفطّن له من كلام الحلي في السرائر، حيث استدل على المسألة المذكورة: بأنه لا‌يخرج عن حال الطهارة إلا على يقين من كمالها، و ليس ينقض الشك اليقين‌ انتهى. لكن هذا التعبير من الحلي لا‌يلزم أن يكون استفاده من أخبار عدم نقض اليقين بالشك. و يقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء لكن التعبير لا‌يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين، على ما توهّمه غير واحد من المعاصرين‌ و إن اختلفوا بين مدّع لانصرافها إلى خصوص الاستصحاب‌ و بين منكر له عامل بعمومها».و في مصادر الحكم الشرعي: «حكي عن غير واحد من المتأخرين استفادة حجيتها من أخبار الاستصحاب بدعوى عدم اختصاصها بالشك في البقاء».و من المتأخرین القائلین بحجیة قاعدة الیقین ملا آقا الدربندي:قال في خزائن الأحكام، آقا بن عابد دربندی، ج2، ص61.: «فصلٌ في بيان الحال في الاستصحاب في مقام الشكوك السارية و فيه عناوين‌ ... عنوان‌ استشكل جمع من المعاصرين في حجية الاستصحاب في موارد الشكوك السارية ثم استقربوا عدمها، و صرّح جمعٌ بعدمها في أول الوهلة احتجاجاً بالأصل، و فيه: إن الأخبار واردة عليه، و دعوى عدم الانصراف غير مسموعة ... الظاهر من مثل قوله: «من كان على يقين إلخ» هو الانطباق مع استصحاب ما كان شكّه سارياً و بعد الإغضاء عن ذلك أنّ المتبادر من الأخبار كلّها هو اتحاد مورد اليقين و الشك و هذا لا‌يكون إلا في هذه الصورة فبعد رفع اليد عن ذلك نظراً إلى ما أشرنا إليه و إلى الأسئلة في الأخبار لا‌يرفع اليد عن عمومات الأجوبة المعصومية التي لا‌تخصص بخصوص الأسئلة عنوان‌ زعم البعض أن الاستصحاب في موارد الشكوك السارية ليس مما يصدق عليه حدّ الاستصحاب فلا‌يجرى على أنه يعارضه فيها استصحاب آخر فلا‌يكون حجة فهذا كما ترى خبط في خبط، و أظهر في البشاعة من ذلك دعوى الإجماع على عدم الحجية لأجل ذلك»‌.و السید المحقق الیزدي قائل أیضاً بحجیة هذه القاعدة:حاشية فرائد الأصول - تقريرات، اليزدي النجفي، السيد محمد إبراهيم، ج3، ص94..في التعلیقة على قوله: «لكنّ الإنصاف»‌: «بل الإنصاف أن مفاد هذا الخبر بل سائر الأخبار المتقدمة أعمّ من موارد الاستصحاب و قاعدة اليقين، و يفيد فائدتهما، و يراد منه الجامع بينهما بدعوى أن قوله: «من كان على يقين فشك» يصدق على الشك في البقاء و على الشك في أصل الوجود الأول، و قوله: «فليمض على يقينه» يراد منه البناء على ذلك اليقين و إلغاء الشك كيف ما كان الشك، و لا‌ينقض اليقين بالشك يعني لا‌يرفع اليد عن اليقين بشي‌ء بالشك المتعلق بذلك الشي‌ء حدوثاً أو بقاءً ... و ما ذكرنا ليس من استعمال اللفظ في معنيين لأنه لم‌يرد خصوصية الشك‌ الساري‌ و الشك الطارئ من اللفظ حتى يقال إنهما معنيان متباينان لا جامع بين الخصوصيتين، بل الجامع المعرى عن الخصوصيتين. غاية الأمر أن يقال: إن هذا المعنى لا‌يمكن أن يسمّى بالاستصحاب المصطلح و لا بقاعدة اليقين المصطلح فليسمّ بقاعدة إلغاء الشك لكنّه يفيد فائدة القاعدتين كما عرفت، أو يسمّ بقاعدة اليقين بناء على تفسيرها بما يعمّ موارد الاستصحاب و يكون أعم مطلقاً من الاستصحاب.»و ذكر المقرّر إشكالاً على كلام السید المحقق و جواب السید عن هذا الإشكال فراجع.و قال الشیخ غلامرضا القمي: إنّ إرادة قاعدة الشك الساري في خبر الخصال أولى من إرادة الاستصحاب قال في قلائد الفرائد، ج‌2، ص136: «و الثاني أولى بالإرادة، كيف و يشهد له أولاً: أن الظاهر من قوله: «من كان على يقين فشك» أي فشك في نفس اليقين و تقدير متعلق آخر للشك كما هو في الوجه الأول خلاف الظاهر. و ثانياً: اشتمال الحديث الشريف على كلمة كان و لفظ الفاء، فإن ظاهره حينئذ أن المعتبر في المقام تأخر الشك عن اليقين مع أن الاستصحاب على ما تقدّم في صدر الباب لا‌يختص مورده بتلك الصورة؛ بل يجري فيما إذا انعكس أو اتّحد زمان حصول الوصفين ... و ثالثاً: تمسّك الفقهاء بالخبر الشريف في مسألة الشك بعد الفراغ عن الوضوء في جزء أو شرط منه؛ فإن قاعدة الشك بعد الفراغ من أفراد الشك الساري؛ و لذا قيل: إنّ كلّ فرد من قاعدة الشك بعد الفراغ لا‌محالة ينتهي إلى الشك الساري، و لا عكس»
[4] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص71.؛ و علق على كلام الشيخ الأنصاري في المغني في الأصول، ج1، ص153: «و أمّا قول الشيخ بعدم سلامتها من حيث السند، فهو لأجل اشتماله على علي بن محمد القاساني، و الإشكال فيه من جهتين:الأولى: من جهة قول النجاشي في ترجمته [ص255] بعد أن قال فيه: كان فقيهاً مكثراً من الحديث فاضلاً غمز عليه أحمد بن محمد بن عيسى، و ذكر أنّه سمع منه مذاهب منكرة، و ليس في كتبه ما يدلّ على ذلك.الثانية: و من جهة قول الشيخ الطوسي: محمد بن علي القاساني ضعيف.و لعلّ تضعيف الشيخ [الطوسي] من جهة قول أحمد بن محمد بن عيسى، و قد حمل صاحب نقد الرجال [ج3، 271] تضعيف الشيخ [الطوسي] له على الاشتباه بين علي بن محمد القاساني و بين غيره، و الحقّ أنّه ابن شيرة و هو ثقة.و كيف كان فالكلمات فيه مختلفة، و البحث في توثيقه و تضعيفه طويل الذيل، و مجمل القول فيه: أنّه قد وثّقه العلّامة. و صاحب نقد الرجال و ضعّفه آخرون، استناداً إلى كلام أحمد بن محمد بن عيسى، و الأظهر عندنا وثاقته، فالرواية معتبرة»
[5] رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، ج1، ص417..: «علي‌ بن‌ محمد القاساني‌، ضعيف، أصبهاني، من ولد زياد مولى عبد الله بن عباس، من آل خالد بن الأزهر»
[6] في ترتيب خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، العلامة الحلي، ج1، ص310..: «علي‌ بن‌ محمد القاشاني‌: أصبهاني من ولد زياد مولى عبيد الله بن عباس من آل خالد بن الأزهر ضعيف، قاله الشيخ، و من أصحاب أبي جعفر الثاني الجواد، ثم قال: عليّ بن شيرة؛ بالشين المكسورة و الياء الساكنة المنقطة تحتها نقطتين و الراء؛ ثقة من أصحاب الجواد عليه السلام. و الذي يظهر لنا أنهما واحد لأن النجاشي قال: علي بن محمد بن شيرة القاشاني أبو الحسن كان فقيهاً مكثراً من الحديث فاضلاً غمز عليه أحمد بن محمد بن عيسى ذكر أنه سمع منه مذاهب منكرة و ليس في كتبه ما يدلّ على ذلك، له كتب أخبرنا علي بن محمد بن شيرة القاشاني بكتبه»
[7] و في رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص348..: «قال أبو العباس بن نوح: و قد أصاب‌ شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه و تبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه الله على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه، لأنه كان على ظاهر العدالة و الثقة»
[10] تقدّم في ص223، و ص238.
[11] راجع الوسائل، ج10، ص252، أبواب أحكام شهر رمضان، باب3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo