< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الرابع؛ القسم الثاني من الروایات؛ الاشکال الثاني علی الاحتمالان الرابع و السابع

 

الإشكال الثاني ([1] )

إنّه لایمكن جعل العلم بالحرمة أو القذارة غایة للحكم الظاهري و الواقعي فإنّ العلم بالحرمة أو القذارة غایة للحكم الظاهري فیكون بالنسبة إلیه قیداً موضوعیاً لأنّه قید موضوع الحكم الظاهري، فإنّ مفاد قوله: «كُلُّ شَيءٍ طَاهِرٌ» إذا كان مسوقاً لبیان الحكم الظاهري هو «كلّ شيء لم‌یعلم نجاسته فهو طاهر»، و بعبارة أخری: «كلّ شيء شك فیه فهو طاهر».

و لكن وجود العلم بالحرمة و القذارة لیس غایة للحكم الواقعي، فإنّ غایة الطهارة الواقعیة و رافعها هي عروض النجاسة، لا العلم بالنجاسة، و لذا لابدّ من عنایة و هي أخذ هذا العلم طریقاً إلى وجود غایة الحكم الواقعي أو رافعه.

و حینئذٍ یلزم من القول بدلالة هذه الروایات على الحكم الواقعي و الظاهري معاً اجتماع الطریقیة و الموضوعیة في العلم بالحرمة أو القذارة.

جواب المحقّق الخوئي عن الإشكال الثاني

إنّ العلم لیس غایة للحكم الواقعي و لا للحكم الظاهري، بل غایة للحكم بالبقاء و الاستمرار فیكون دالاً على استصحاب الحكم السابق سواء كان واقعیاً أو ظاهریاً، فبقوله: «كُلّ شَيءٍ نَظِیف» تمّت إفادة الحكم الواقعي و الظاهري لشمول «الشيء» الشيء‌ المعلوم و الشيء المجهول على ما ذكرنا.

و یكون قوله: «حَتَّی تَعلَم» إشارة إلى الحكم ببقاء الحكم الثابت سابقاً و استمراره إلى زمان العلم بالنجاسة، فیكون العلم موضوعیاً و قیداً للاستصحاب لأنّه بالعلم یرتفع الشك، و بارتفاعه لم‌یبق موضوع للاستصحاب كما هو ظاهر.([2] )

تحقیق حول هذا الجواب

إنّ هذا الجواب یتّجه بالنسبة إلى الاحتمال السابع، و أمّا على الاحتمال الرابع فالغایة (و هي قوله: «حَتَّی تَعلَم أَنَّهُ قَذِرٌ») لاتحمل على بقاء الحكم الثابت حتّی یدلّ على الاستصحاب بل تكون غایة للحكم الواقعي و الظاهري، و لا محذور في اجتماع الطریقیة و الموضوعیة بناءً على جواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنی.

الإشكال الثالث

«إنّ الحكم الثابت لأي عنوان عام و إن كان یسري إلى كلّ فرد من أفراده العرضیة إلا أنّ ثبوت الحكم له بتوسط ذاك العنوان، لا بما له من الخصوصیة.

مثلاً: إذا ثبت وجوب إكرام العالم بنحو العموم، فسرایة الحكم إلى العالم العادل مثلاً لأجل كونه عالماً، لا لكونه عادلاً، ففي الحقیقة الحكم ثابت للجامع مع إلغاء خصوصیة الأفراد، لا لكلّ خصوصیةٍ خصوصیةٍ، فإذا كان الأمر كذلك في العناوین العرضیة، ففي العنوان الطولي بطریق أولى فغایة ما یقتضیه كون المشكوك شیئاً هو ثبوت الحكم له بما هو شيء، لا بما هو مشكوك، الذي هو موضوع الحكم الظاهري.» ([3] )

توضیح ذلك: إنّ قوله: «كُلُّ شَيءٍ طَاهِر» أو «كُلّ شَيءٍ نَظِیف» مطلق یشمل الشيء بما هو شيء و الشيء بما هو مشكوك، و لكن الحكم بأنّه طاهر أو نظیف إنّما هو باعتبار كونه شیئاً، لأنّ الموضوع في‌ هذه الروایة هو عنوان عام و هو «كلّ شيء»، كما أنّ الموضوع في المثال المتقدّم الذي أفاده المحقّق النائیني (أكرم كلّ عالم) هو «العالم» و الخصوصیات الصنفیة مثل كونه عادلاً أو كونه عربیاً أو أعجمیاً كلّها خارجة عن العنوان العام، و تلك الخصوصیات غیر دخیلة في الحكم المستند إلى العنوان العام الذي هو وجوب الإكرام في المثال المتقدّم و طاهر و نظیف في ما نحن فیه.

و نتیجة ذلك أنّه لاتدلّ هذه الروایات على الحكم الظاهري، لأنّ موضوع الحكم الظاهري هو الشيء بما أنّه مشكوك الحكم، و على أساس ذلك مدلول هذه الروایات هو الحكم الواقعي للأشیاء.

أضاف المحقّق الخوئي إلى ذلك بیاناً آخر قال:

إنّ الحكم المذكور في قوله: «كُلّ شَيءٍ نَظِیف» لایكون شاملاً للشيء‌ المشكوك فیه أصلاً، لأنّ عموم قوله: «كُلُّ شَيءٍ» قد خُصّص بمخصّصات كثیرة دالّة على نجاسة بعض الأشیاء كالكلب و الكافر و البول و سائر النجاسات.

و المائع المردّد بین الماء و البول مثلاً لایمكن التمسّك لطهارته بعموم قوله «كُلّ شَيءٍ نَظِیف» لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقیة.

فالشيء المشكوك فیه لایكون داخلاً في عموم قوله: «كُلّ شَيءٍ نَظِیف» لا من حیث الحكم الظاهري، لأنّ الموضوع هو الشيء، لا المشكوك فیه، و لا من حیث الحكم الواقعي لكونه مشكوكاً بالشبهة المصداقیة. ([4] )

توجه الإشكالات الثلاثة إلی الاحتمال الرابع و السابع معاً

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي یقول: إنّ هذه الإشكالات الثلاثة من المحقّق النائیني تتوجّه إلى الاحتمال السابع الذي هو مختار صاحب الكفایة في تعلیقته على الرسائل، و لكن المحقّق الخوئي یقول في ذیل الإشكال الثالث: «و هذا الإشكال متین جداً و لا دافع له، و ظهر منه عدم صحّة الاحتمال الرابع».([5] )

ملاحظاتنا علی الإشکالات الثلاثة

و لابدّ من الملاحظة عليها من عدّة جهات:

الأولى: إنّ الإشكالات التي أوردها المحقّق النائیني ناظرة إلى الجمع بین الحكم الواقعي و الظاهري، لا خصوص الاحتمال السابع. نعم الاحتمال السابع أیضاً من مصادیق الجمع بین الحكم الواقعي و الظاهري.

الثانیة: إنّ الإشكال الثالث لایتوجّه إلى الاحتمال الرابع بناء على القول بأنّ الغایة التي ذُكرت في آخر الكلام و هي قوله: «حَتَّی تَعلَم أَنَّهُ قَذِرٌ» تكون قیداً للموضوع و هو قوله: «كُلُّ شَيءٍ» فیما إذا حملناه على الحكم الظاهري، فإنّ الموضوع حینئذٍ هو «الشيء بما لم‌تعلم أنّه قذر». و بعبارة أخری إنّ الموضوع هو «الشيء بما أنّه مشكوك».

نعم هذا الإشكال یتوجّه إلى الاحتمال السابع الذي هو مختار صاحب الكفایة في تعلیقته على فرائد الأصول، لأنّ الغایة المذكورة في آخر الروایة بناء على الاحتمال السابع تكون مسوقة لبیان حكم الاستصحاب و استمرار الحكم و بقائه ما لم‌یعلم بأنّه قذر أو ما لم‌تعلم حرمته، فمفاد قوله: «حَتَّى‌ يُعْلَمَ‌ أَنَّهُ‌ قَذِرٌ» هو مفاد قوله: «بَل انقُضْه بِیَقِینٍ آخَرَ» الذي تقدّم في صحیحة زرارة، و حینئذٍ لاتكون الغایة المذكورة قیداً للموضوع.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص375.. «و مع قطع النظر عن ذلك أیضاً كیف یمكن جعل العلم بالحرمة أو القذارة غایة للحكم الظاهري و الواقعي مع أنّه بنفسه غایة للأول دون الثاني و إنما یحتاج جعله غایة له إلى عنایة أخذه طریقاً إلى وجود غایة الحكم الواقعی أو رافعه ...»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo