< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الأول؛ استدلال الشیخ الأنصاري لهذا التفصیل

 

استدلال الشیخ الأنصاري لهذا التفصیل

إنّ الظاهر من كلام الشیخ الأنصاري أنّه أراد من الیقین «نفس المتیقّن» كما قال: «لایتوهّم الاحتیاج حینئذٍ إلى تصرّف في الیقین بإرادة المتیقّن منه، لأنّ التصرّف لازم على كلّ حال، فإنّ النقض الاختیاري القابل لورود النهي علیه لایتعلّق بنفس الیقین على كلّ تقدیر، بل المراد نقض ما كان على یقین منه و هو الطهارة السابقة أو أحكام الیقین».([1] )

و لذا أُسنِد([2] ) إلى الشیخ أنّه یقول: إذا كان المتیقّن ممّا له دوام في نفسه یكون أمراً مبرماً مستحكماً و یصحّ إسناد النقض إلیه، و إذا لم‌یكن المتیقّن كذلك لایصحّ إسناد النقض إلیه، لأنّ النقض حلّ شيء‌ مبرم مستحكم.

و تطبیق ذلك هو أنّ الشيء إذا شك في وجود المقتضي له لایكون مبرماً مستحكماً فلا‌یصدق فیه «نقض الیقین بالشك».

إیرادات ستّة على استدلال الشیخ

الإیراد الأول: من صاحب الكفایة ([3] )

«لایخفی حسن إسناد النقض -و هو ضدّ الإبرام([4] )- إلى الیقین و لو كان [الیقین] متعلّقاً بما لیس فیه اقتضاء للبقاء و الاستمرار، لما یتخیّل فیه [أي في الیقین] من الاستحكام، بخلاف الظنّ فإنّه یظنّ أنّه لیس فیه إبرام و استحكام [فلا‌یصحّ إسناد مادة النقض إلى الظن لعدم ثباته و عدم استحكامه] و إن كان [الظن] متعلّقاً بما فیه اقتضاء ذلك [أي اقتضاء البقاء و الاستمرار] ... و بالجملة لایكاد یشك في أنّ الیقین كالبیعة و العهد إنّما یكون حسن إسناد النقض إلیه بملاحظته لا بملاحظة متعلّقه [فإنّ إسناد النقض إلى البیعة و العهد إنّما یكون بملاحظة استحكام نفس العهد و البیعة؛ سواء كان متعلّق العهد و البیعة أمراً مبرماً أو لم‌یكن مبرماً، و مثال ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ ([5] )] ... .

فإن قلت: نعم و لكنّه حیث لا انتقاض للیقین في باب الاستصحاب حقیقةً، فلو لم‌یكن هناك اقتضاء البقاء في المتیقّن لما صحّ إسناد الانتقاض إلیه بوجه و لو مجازاً، بخلاف ما إذا كان هناك [أي كان في المتیقّن اقتضاء البقاء] فإنّه و إن لم‌یكن معه أیضاً انتقاض حقیقةً [حیث أنّه إذا كان في المتیقّن اقتضاء البقاء فالیقین السابق المتعلّق بالمتیقّن باقٍ بحاله و لم‌ینتقض حقیقة] إلا أنّه صحّ إسناده [أي إسناد النقض] إلیه [أي إلى الیقین] مجازاً، فإنّ الیقین معه كأنّه تعلّق بأمر مستمرّ مستحكم قد انحلّ و انفصم بسبب الشك فیه من جهة الشك في رافعه.

قلت: الظاهر أنّ وجه الإسناد هو لحاظ اتّحاد متعلّقي الیقین و الشك ذاتاً و عدم ملاحظة تعدّدهما زماناً و هو كافٍ عرفاً في صحّة إسناد النقض إلیه [أي إلى الیقین] و استعارته له، بلا ‌تفاوت في ذلك أصلاً في نظر أهل العرف بین ما كان هناك اقتضاء البقاء و ما لم‌یكن».

الإیراد الثاني ([6] )

«إنّ دلیل الاستصحاب غیر منحصر في الأخبار المشتملة على لفظ النقض حتّی یختصّ بالشك في الرافع، بل هناك خبران آخران لایشتملان على لفظ النقض، فیعمّان موارد الشك في المقتضي أیضاً:

الأوّل: روایة عبد الله بن سنان الواردة في من یعیر ثوبه الذمّي و هو یعلم أنّه یشرب الخمر و یأكل لحم الخنزیر قال: فهل عليّ أن أغسله؟ فقال: «لَا تَغْسِلْهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَإِنَّك‌ أَعَرْتَهُ إِيَّاهُ وَ هُوَ طَاهِرٌ وَ لَمْ تَسْتَيْقِنْ أَنَّهُ نَجَّسَهُ »([7] ).

الثاني: خبر محمّد بن مسلم عن الصادق: «مَنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ فَأَصَابَهُ شَكٌّ فَلْيَمْضِ عَلَى يَقِينِهِ فَإِنَّ الْيَقِينَ لَا يُدْفَعُ بِالشَّك‌»([8] ).

جواب المحقّق الخوئي عن هذا الإیراد

«أمّا الأوّل [أي صحیح عبد الله بن سنان] فمورده هو الشك في الرافع، لأنّ الطهارة ممّا له دوام في نفسه لولا الرافع، فلا وجه للتعدّي عنه إلى الشك في المقتضي. و أمّا التعدي عن خصوصیة الثوب إلى غیره و عن خصوصیة الذمي إلى نجاسة أخری و عن خصوصیة الطهارة المتیقّنة إلى غیرها، فإنّما هو للقطع بعدم دخل هذه الخصوصیات في الحكم، و لكن التعدي عن الشك في الرافع إلى الشك في المقتضي یكون بلا دلیل.

و أمّا الثاني ففیه الأمر بالإمضاء و هو مساوق للنهي عن النقض، لأنّ الإمضاء هو الجري في ما له ثبات و دوام، و یشهد له ما في ذیل الخبر من أنّ الیقین لایدفع بالشك، لأنّ الدفع إنّما یكون في شيء یكون له الاقتضاء».([9] )

یلاحظ علیه

إنّ ما أفاده بالنسبة إلى صحیحة عبد الله بن سنان و إن كان تامّاً بلا إشكال و لكن ما أجاب به عن صحیحة محمّد بن مسلم و أبي بصیر فلا‌یمكن المساعدة علیه، و الوجه في ذلك:

أوّلاً: إطلاق مادّة المضيّ فإنّها لاتختص بما له اقتضاء البقاء بل تستعمل فیما ینقضي مثل الزمان كقولهم: مضى الیوم و مضى الساعة، فما أفاده من أن الإمضاء هو الجري فیما له ثبات و دوام مخدوش.

و ثانیاً: لو سلّمنا ذلك و قلنا بأنّ الإمضاء هو الجري في خصوص ما له ثبات و دوام فلا‌یدلّ ذلك على اختصاص هذه الصحیحة بالموارد التي فیها اقتضاء البقاء و الدوام بل الإمضاء هنا تعلّق بنفس مادّة الیقین حیث قال الإمام: «فَلْيَمْضِ‌ عَلَى‌ يَقِينِهِ» و الیقین هو ما له اقتضاء البقاء و الدوام، سواء كان المتیقّن ممّا له اقتضاء الدوام أو لم‌یكن، و هذه الملاحظة الثانیة في الحقیقة ترجع إلى الإیراد الذي أفاده صاحب الكفایة على نظریة الشیخ الأنصاري.


[4] أمور أربعة للمحقق الإصفهاني مرتبطة بالمقام: الأول: تقابل النقض و الإبرام من أيّ أنحاء التقابل؟ قال في نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، ج3، ص51في التعلیقة على قوله: «حسن إسناد النقض و هو ضدّ الإبرام»: «هكذا ذكره جملة من الأعلام، و الظاهر أن النقض نقيض الإبرام و تقابلهما ليس بنحو التضادّ و لا بنحو السلب و الإيجاب، بل بنحو العدم و الملكة، فهو عدم الإبرام عما من شأنه أن يكون مبرماً فما ليس من شأنه الإبرام لا منقوض و لا مبرم، مع أن الشي‌ء لا‌يخرج عن طرفي السلب و الإيجاب، فيعلم منه أن تقابلهما ليس بنحو السلب و الإيجاب كما أنه ليس هناك صفتان ثبوتيّتان تتعاقبان على موضوع واحد، ليكون التقابل بينهما بنحو التضادّ بل الإبرام هيئة خاصة في الحبل أو الغزل- مثلًا- كما سيجي‌ء إن شاء اللّه تعالى بيانها. و ليس النقض إلّا زوال تلك الهيئة، و توهّم أنّ نقض الغزل بمعنى فتوره و هو هيئة ثبوتية مدفوعٌ بأن الفتور بمعنى يساوق الضعف- المقابل للقوّة تقريباً- و القوة و الإتقان و الأحكام لازم الإبرام، كما أن الفتور لازم زوال الإبرام- أحياناً لا أنه عينه، و ليس نقض الغزل إلّا عوده على ما كان من عدم الإبرام ...».الثاني: ‌قال في محجة العلماء، ج2، ص228: «إنّ الناقض لابدّ أن يكون مجامعاً مع المبرم حتّى ينقضه و يرفع إبرامه فلا‌یمكن تحقّق النقض مع زوال المبرم».و یرد المحقق الإصفهاني هذا بقوله: «وحيث عرفت أن النقص ليس ضدّ الإبرام، تعرف أنه لا‌يشترط فيه بقاء المادة أي الموضوع- حيث أنه لابدّ في الضدين من موضوع واحد يتعاقبان عليه، و أما في العدم و الملكة فلا‌يشترط بقاء الموضوع بل إذا كانت الصفة الوجودية عرضية منتزعة من خارج مقام الذات- ككون الحبل مبرماً- فبقاء الموضوع شرط و إن كانت ذاتيّة للموضوع، و منتزعة عن مقام ذاته، فلا‌محالة يكون زوالها بزوال الموضوع- كإبرام اليقين و العهد و العقد و اليمين- و قد نصّ بعض أكابر فنّ الحكمة بعدم لزوم بقاء الموضوع فيما عدا المتضادين من المتقابلين ... و يشهد بذلك أنّ الذاتيّات و لوازمها متقابلات مع سلوبها و نقائضها، مع أن سلوبها مساوقة لعدم الذات، و كذا العقد و الحلّ متقابلان بتقابل العدم و الملكة، و هما واردان على العهد و القرار المعاملي من الطرفين فارتباط أحد الالتزامين بالآخر معنى العقدية، و زوال الارتباط معنى انحلال أحد العهدين و الالتزامين عن الآخر، و إن كان زواله مساوقاً لزوال الالتزام المعاملي من الطرفين. و مما ذكرنا تبيّن فساد توهّم‌ أنّ الناقض لابدّ أن يكون مجامعاً مع المنقوض، حتّى ينقضه و يرفع إبرامه وجه الفساد أنّ المتقابلين- بأيّ نحو كانا- لا‌يعقل أن يكون أحدهما موضوعاً للآخر، إذ المقابل لا‌يقبل المقابل، بل العقد و الحل واردان على العهدين و متبادلان فيهما، و كذا الإبرام و النقض على الحبل و الغزل».الثالث: حقیقة النقض رفع هیأة التماسك. قال : «ثمّ إنّ الإبرام و النقض، هل هما بمعنى الهيئة الاتصالية و رفعها- كما عن شيخنا العلامة الأنصاري أو بمعنى الإتقان و الإحكام و عدمه، أو بمعنى هيئة التماسك و الاستمساك و رفعها- تقريباً- ؟ و الظاهر هو الأخير، إذ لا دخل للاتصال المقابل للانفصال بالإبرام المقابل للنقض فإنّ النقض هو انحلال ما للشي‌ء من هيئة الالتئام، و لعلّ المراد به الاتصال المقابل للانحلال- مسامحة- كما أن الإتقان و الإحكام يصدق فيما لا‌يصدق فيه الإبرام، فيعلم منه أن الإتقان لازم أعمّ للإبرام، و من الواضح أن هيئة التماسك لا‌يكون إلّا في مركب ذي أجزاء، فيكون متماسكاً- تارة- و متفاسخاً و منحلًا- أخرى- و عليه، فلا‌يصدق الإبرام و النقض إلّا في المركبات الحقيقية و الاعتبارية، حقيقة».الرابع: إسناد النقض إلى الیقین و الشك یكون بلحاظ ارتباطهما بمتعلقهما.قال: «و أما في البسائط- كاليقين و اليمين و العهد و العقد- من تنزيلها منزلة المركب، و لا‌محالة يكون بلحاظ لوازم المركب الموصوف بالإبرام، فيدور الأمر بين أن يكون إبرام اليقين بلحاظ وثاقته، و إتقانه و إحكامه، و كلّ أمر مبرم محكم، أو بلحاظ ارتباط بعض أجزاء المبرم ببعض و لليقين و اليمين ارتباط بمتعلقهما، و كذا العهد و العقد.فعلى الأول يكون نسبة النقض إلى الشك في قوله عليه السلام: (و لكن ينقض الشك باليقين) لمجرّد الجناس اللفظي إذ لا وثاقة له حتّى ينتقض، و على الثاني يكون نسبة النقض إليه بالحقيقة، لارتباط الشك بالمشكوك على حدّ ارتباط اليقين بالمتيقّن و لعلّه بهذه العناية يضاف إلى العدم و يقال: إنّ الوجود ناقض العدم، و إن السلب و الإيجاب نقيضان فكأنّ الماهية مربوطة و مقرونة بالعدم، و إلّا فلا وثاقة للعدم ... و لا‌يخفى عليك أن اليقين- حيث أنه حالة جزمية- و إن كان وثيقاً محكماً، و الشك حيث أنه عين التزلزل و التردّد، فهو عين الوهن، و عدم الوثاقة، إلّا أن وثاقة اليقين ليست مصحّحة لإسناد النقض، بل باعثة على الأمر بالتمسك به في قبال الشك كما أن وهن الشك، و عدم وثاقته ليس منافياً لإسناد النقض إليه، بل باعث على النهي عن التمسك به في قبال اليقين ...».
[7] . تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج2، ص361.، کتاب الصلاة، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان و ما لا يجوز(17)، ح27؛ الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص393.، کتاب الصلاة، أبواب ما يجوز الصلاة فيه و ما لا يجوز من اللباس و المكان‌، الباب231، ح1؛ وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص521، أبواب النجاسات و الأواني و الجلود، باب74، ح1، ط آل البيت.
[8] الخصال، الشيخ الصدوق، ج2، ص611.، باب الواحد إلى المأئة، علم أمير المؤمنين أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ...؛ وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص246، أبواب نواقض الوضوء، باب1، ح6، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo