< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/08/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الأول؛ الإیراد الخامس

 

الإیراد الخامس: من المحقق الخوئي أیضاً

و هو النقض باستصحاب عدم الغایة.

قال: «الثالث: استصحاب عدم الغایة و لو من جهة الشبهة الموضوعیة، كما إذا شك في ظهور هلال شوال أو في طلوع الشمس، فإنّ الشك فیه من قبیل الشك في المقتضي، لأنّ الشك في ظهور هلال شوال في الحقیقة شك في أنّ شهر رمضان كان تسعة و عشرین یوماً أو لا، فلم‌یحرز المقتضي من أوّل الأمر، و كذا الشك في طلوع الشمس شك في أنّ ما بین الطلوعین ساعة و نصف حتّی تنقضي بنفسها أو أكثر، فلم‌یحرز المقتضي.

مع أنّ الشیخ قائل بجریان الاستصحاب فیه، بل الاستصحاب مع الشك في هلال شوال منصوص بناءً على دلالة قوله: «صُمْ لِلرُّؤْيَةِ وَ أَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ» على الاستصحاب». ([1] )

یلاحظ علیه

لعلّ وجه التزام الشیخ الأنصاري بجریان الاستصحاب عند الشك في تحقّق الغایة من جهة الشبهة الموضوعیة هو ما تقدّم في كلام المحقّق الخوئي من أنّ هذا المورد «و إن لم‌یكن من موارد الشك في الرافع حقیقةً، لأنّ الرافع لایكون نفس الزمان بل لابدّ من أن یكون زمانیاً و لیس في المقام إلا الزمان، لكنه في حكم الشك في الرافع عرفاً فیجري فیه الاستصحاب»([2] ) بل قال المحقّق النائیني: «إنّ الشك في الغایة بأقسامه قسم آخر یغایر الشك في المقتضي ... إلا أنّه یلحق بالشك في المقتضي تارة و بالشك في الرافع أخری، فإنّ الشك في الغایة إن كان من جهة الشبهة المفهومیة أو الحكمیة یلحق بالشك في المقتضي ... و أمّا إذا كان من جهة الشك في تحقّق الغایة [الشبهة الموضوعیة] فهو ملحق بالشك في الرافع»([3] ).

الإیراد السادس: من المحقق الخوئي أیضاً

و هو جواب حلّي: «بیانه أنّه إن لوحظ متعلّق الیقین و الشك بالنظر الدقّي، فلا‌یصدق نقض الیقین بالشك حتّی في موارد الشك في الرافع، لأنّ متعلّق الیقین إنّما هو حدوث الشيء و المشكوك هو بقاؤه ... فبعد كون متعلّق الشك غیر متعلّق الیقین لایكون عدم ترتیب الأثر على المشكوك نقضاً للیقین بالشك ففي مثل الملكیة و غیرها من أمثلة الشك في الرافع متعلّق الیقین هو حدوث الملكیة و لا یقین ببقائها بعد رجوع أحد المتبایعین في المعاطاة، فعدم ترتیب آثار الملكیة بعد رجوع أحدهما لایكون نقضاً للیقین بالشك و هكذا سائر أمثلة الشك في الرافع.

و إن لوحظ متعلّق الیقین و الشك بالنظر المسامحي العرفي و إلغاء خصوصیة الزمان بالتعبد الشرعي ... فیصدق نقض الیقین بالشك حتّی في موارد الشك في المقتضي، فإنّ خیار الغبن كان متیقّناً حین ظهور الغبن و هو متعلّق الشك بعد إلغاء الخصوصیة، فعدم ترتیب الأثر علیه في ظرف الشك نقض للیقین بالشك.

و حیث أنّ الصحیح هو الثاني لأنّ متعلّق الیقین و الشك ملحوظ بنظر العرف و الخصوصیة من حیث الزمان ملغاة بالتعبّد الشرعي فتستفاد من قوله: «لاتَنْقُضِ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ» حجّیة الاستصحاب مطلقاً، بلا فرق بین موارد الشك في المقتضي و موارد الشك في الرافع».([4] )

و هذا مبني على تعلّق النقض بالیقین الذي هو أمر مبرم مستحكم.

و الحاصل هو حجّیة الاستصحاب من غیر فرق بین الشك في المقتضي و الرافع فالتفصیل بینهما لایمكن الالتزام به.([5] )

 

التفصیل الثاني: بین الشك في وجود الرافع و بین الشك في رافعیة الموجود

ملخّص ما أفاده المحقّق السبزواري

إنّ الشك إذا كان في وجود الرافع فقوله في صحیحة زرارة: «لَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَداً» يدلّ على النهي عن نقض الیقین بهذا الشك، و أمّا إذا كان الشك في رافعیة الشيء الموجود فالیقین السابق لاینقض بهذا الشك بل إنّما یحصل النقض بالیقین بوجود ما شك في كونه رافعاً.

و على هذا یصدق نقض الیقین بالشك عند الشك في وجود الرافع و الشارع نهى عن نقض الیقین بهذا الشك، أمّا عند الشك في رافعیة الموجود فلا‌یصدق نقض الیقین بالشك بل یصدق نقض الیقین بالیقین.

و نتیجة ذلك هو أنّ صحیحة زرارة تنهى عن نقض الیقین بالشك فتشمل الشك في وجود الرافع و تأمر بنقض الیقین بیقین آخر و هذا أیضاً ینطبق على الشك في رافعیة الموجود فالاستصحاب یجري عند الشك في الرافع دون الشك في رافعیة الموجود. ([6] )

الإیراد على هذا البیان

إنّ نقض الیقین بیقین آخر إنّما یكون فیما إذا تعلّق الیقین الثاني بارتفاع متعلّق الیقین الأوّل، مثلاً إذا تیقّن بالحدث ثم تیقّن بالطهارة فقد یحصل نقض الیقین بالیقین، أمّا إذا تیقّن بالحدث و بعد ذلك حصل له العلم بوجود شيء یشك في رافعیته بالنسبة إلى الحدث، فلا‌یتیقّن بما یرفع الحدث بل یشك في ارتفاعه و حینئذٍ الشك في رافعیة الشيء الموجود من مصادیق نقض الیقین بالشك لا من مصادیق نقض الیقین بالیقین.

و على هذا فصحیحة زرارة تشمل الشك في رافعیة الموجود كما تشمل الشك في وجود الرافع. ([7] )

التفصیل الثالث: بین الدلیل العقلي و الدلیل الشرعي

بیان الشیخ الأنصاري

إنّ الشیخ الأنصاري فصّل في حجّیة الاستصحاب من جهة الدلیل و ذهب إلى حجّیة الاستصحاب فیما إذا كان الحكم ثابتاً بالدلیل الشرعي و إلى عدم حجّیته فیما إذا كان الحكم ثابتاً بالدلیل العقلي، فقال:

«إنّه قد یثبت [الحكم] بالدلیل الشرعي و قد یثبت بالدلیل العقلي و لم‌أجد من فصّل بینهما إلا أنّ في تحقّق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدلیل العقلي و هو الحكم العقلي المتوصّل به إلى حكم شرعي تأمّلاً، نظراً إلى أنّ الأحكام العقلیة كلّها مبیّنة مفصّلة من حیث مناط الحكم، و الشك في بقاء المستصحب و عدمه لابدّ و أن یرجع إلى الشك في موضوع الحكم، لأنّ الجهات المقتضیة للحكم العقلي بالحسن و القبح كلّها راجعة إلى قیود فعل المكلّف الذي هو الموضو

فالشك في حكم العقل حتّی لأجل وجود الرافع لایكون إلا للشك في موضوعه، و الموضوع لابدّ أن یكون محرزاً معلوم البقاء في الاستصحاب ... .

و لا فرق فیما ذكرنا بین أن یكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع و بین أن یكون لأجل الشك في استعداد الحكم، لأنّ ارتفاع الحكم العقلي لایكون إلا بارتفاع موضوعه، فیرجع الأمر بالآخرة إلى تبدّل العنوان.

أ لا‌تری أنّ العقل إذا حكم بقبح الصدق الضارّ فحكمه یرجع إلى أنّ الضارّ من حیث أنّه ضارّ حرام، و معلوم أنّ هذه القضیة غیر قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم بتحقّقه سابقاً، لأنّ قولنا "المضرّ قبیح" حكم دائمي لایحتمل ارتفاعه أبداً و لاینفع في إثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر، و لایجوز أن یقال: إنّ هذا الصدق كان قبیحاً سابقاً فیستصحب قبحه، لأنّ الموضوع في حكم العقل بالقبح لیس هذا الصدق، بل عنوان المضرّ و الحكم له مقطوع البقاء.

و هذا بخلاف الأحكام الشرعیة، فإنّه قد یحكم الشارع على الصدق بكونه حراماً و لایُعلم أنّ المناط الحقیقي فیه باقٍ في زمان الشك أو مرتفع -إمّا من جهة جهل المناط أو من جهة الجهل ببقائه مع معرفته- فیستصحب الحكم الشرعي».([8] )

و بعبارة أخری: إنّ جریان الاستصحاب في الحكم الشرعي یعتبر فیه اتّحاد الموضوع في القضیة المتیقّنة و القضیة المشكوكة و إلّا فمع عدم اتّحاد الموضوع فیهما لایصدق نقض الیقین بالشك، كما أنّه مع العلم ببقاء الموضوع مع جمیع قیوده و خصوصیاته لایحصل الشك في الحكم الشرعي حتّی یستصحب، بل الاستصحاب یجري فیما إذا رأی العرف اتّحاد موضوع القضیة المتیقّنة و المشكوكة مع حدوث خصوصیة أو انتفائها في الموضوع، بحیث في نظر العرف لایوجب حدوث تلك الخصوصیة أو انتفاؤها اختلافَ موضوع القضیّتین و لكن یوجب الشكَّ في بقاء الحكم الشرعي.


[5] و نشیر هنا في الهامش إلى نظریة المحقق الإصفهاني و نظریة بعض الأساطین:أما نظریة المحفق الإصفهاني:إنّ المحقق الإصفهاني قال في نهایة الدرایة، ج۳، ص۵۵في التعلیقة على قوله: «نعم لكنّه حيث لا انتقاض لليقين» یذكر إشكالاً في انطباق قاعدة عدم نقض الیقین بالشك على الاستصحاب مطلقاً:قال: «إنّ اليقين- باعتبار إبرامه لوثاقته، أو لارتباطه- و إن كان قابلاً لإسناد النقض إليه، إلّا أن هذا المعنى غير محقّق في باب الاستصحاب، لأن اليقين متعلّق فيه بالحدوث، و الشك بالبقاء، و حيث لا يقين بالبقاء، فليس رفع اليد عن البقاء نقضاً لليقين، حيث لا يقين به، بل مجرّد قطع البقاء عن الحدوث بل المناسب لحلّ اليقين تنزيل الأخبار على أحد معان ثلاثة: إما قاعدة اليقين و إما قاعدة المقتضي و المانع و إما الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع.بيانه: إنّ اليقين في (قاعدة اليقين) حيث تعلّق بالحدوث، و الشك أيضاً متعلق به، فعدم ترتيب آثار الحدوث حلّ لليقين به المقتضي لترتيب الأثر عليه.و أما قاعدة (المقتضي و المانع) فتقريبها بوجهين:أحدهما- ما عن بعض أجلّة العصر: و هو أن المقتضي لمكان اقتضائه لشي‌ء نزل منزلة الأمر المبرم، فتفكيكه و أخذ مقتضاه منه حلّ للمقتضي ...ثانيهما- ما عن بعض المدقّقين من أهل العصر [هو الشيخ هادي الطهراني في محجّة العلماء، ص229] و هو أنّ العلم بالمقتضى، و إن كان علماً به فقط، لكنّه حيث كان محكوماً عند العقلاء بترتيب مقتضاه عليه- عند الشك في مانعه- فلا جرم يكون المكلف على يقين و بصيرة من أمره، فمن هذه الجهة يكون علمه بالمقتضي يقيناً مبرماً، يصحّ إسناد النقض إليه، و جعل عدم ترتيب مقتضاه عليه نقضاً و حلاً له ...و أما الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع، فتقريبه بوجهين:أحدهما- ما عن شيخنا الأستاذ كما في الكتاب تلويحاً و في تعليقته المباركة تصريحاً- و هو: أن المتيقّن حيث أنه من شأنه البقاء، فاليقين تعلّق بأصله حقيقة و ببقائه اعتباراً نظير ثبوت المقبول بثبوت القابل ... و عليه فذلك اليقين السابق- بالحدوث- يقين ببقائه لقابليته للبقاء...ثانيهما- ما عن بعض أجلة العصر) [هو المحقق الهمداني في الفوائد الرضوية، ص151، 164] و هو تقدير اليقين بالبقاء في ظرف الشك لا في ظرف اليقين بالحدوث، كما في الأول و حاصله أنّ وجود المقتضي للبقاء كما يصحّح تقدير البقاء و فرضه بفرض المقتضي، فكذلك اليقين بالمقتضي يصحّح فرض اليقين بمقتضاه بقاء، بخلاف ما إذا لم‌يكن هناك مقتض ...»ثم یجیب عن هذا الإشكال بقوله:«و التحقيق أنّه لا موجب لتنزيل الأخبار على ما ذكر أما على قاعدة اليقين، فمثل هذه الصحيحة- المفروض فيها الشك في الطهارة الفعلية لأجل الشك في النوم- غير قابل للتنزيل على قاعدة اليقين و سيجي‌ء- إن شاء الله تعالى- الكلام في غيرها مما يتوهّم دلالته عليها مع دفعه.و أما على قاعدة (المقتضي و المانع) بالتقريب الأول، ففيه: أولاً: إنّ الحيثية- التي بها يكون المقتضي بمنزلة المبرم- حيثية اقتضائه، لا ترتّب مقتضاه عليه، فإنّ مجرّد ترتب شي‌ء على سببه لا‌يكون إبراماً له، حتى يكون عدم ترتّبه حلاً و نقضاً له، و من البيّن أن وجود الرافع أو المانع يكون حائلاً بين المقتضي و مقتضاه، لا بين المقتضي و اقتضائه، بل المقتضي على اقتضائه، و لو مع وجود مانعه أو رافعه، فلا زوال لإبرامه حتّى يتحقّق النقض.و ثانياً- إنّ التفكيك بين المقتضي و مقتضاه لا‌يوجب صدق النقض، و لذا لا‌يكون إطفاء السراج نقضاً له ... نعم ربما يكون بعض المقتضيات- من حيث كونها أموراً ارتباطية في نفسها، أو مما يترقّب معها الثبات و الاستقرار- يصدق النقض بالإضافة إليها بلحاظ تلك الحيثية ...و أما التقريب الثاني من قاعدة (المقتضي و المانع) ففيه: أنّ ظاهر هذه الصحيحة كغيرها- من فرض اليقين و الشك و صدق النقض، ليكون صغرى للكبرى العقلائية الارتكازية- فلا‌بدّ من انحفاظ الصغرى، مع قطع النّظر عن الكبرى، و لا‌يعقل كون الكبرى مقوّمة و محققة لصغراها، فعدم نقض اليقين بالشك مما بنى عليه العقلاء، لا أن العلم بالوضوء يقين بالطهارة بملاحظة بناء العقلاء ...و أما تنزيل الأخبار على الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع فالتقريب الأول و إن امتاز عن الثاني بالدقة و المتانة، إذ يرد على التقريب الثاني أنه غير صحيح ثبوتاً و إثباتاً؛ أما ثبوتاً فبأنّ المراد من مقتضى البقاء كون الشي‌ء من شأنه البقاء لا أن هناك مقتضياً يترشّح منه الشي‌ء ليكون ثبوته بالذات له بالعرض، حتّى يكون اليقين به يقيناً بمقتضاه تقديراً و عرضاً ... و أما إثباتاً فإنّ الظاهر من قوله: «و لا‌ينبغي لك أن تنقض اليقين» هو اليقين المذكور بقوله: «و إلا فإنّه على يقين من وضوئه» أو «لأنك كنت على يقين من طهارتك» لا اليقين المقدر، فيعلم منه أن النقض باعتبار اليقين المذكور لا اليقين المقدر.إلّا أنه يرد عليهما معاً أنّ اعتبار النقض في الاستصحاب غير اعتبار النقض في قاعدة اليقين- بمعنى أنّ اللازم في الاستصحاب وحدة المتعلق من جميع الجهات إلّا من حيث الزمان- حدوثاً و بقاءً- دون قاعدة اليقين فإنّه واحد حتّى من هذه الجهة فاعتبار تعلّق اليقين بالبقاء يوجب دخول النقض في النقض المعتبر في قاعدة اليقين دون الاستصحاب، فهو قولٌ باعتبار قاعدة اليقين. غاية الأمر بنحو تعمّ اليقين بالحقيقة أو بالاعتبار.»ثمّ یذكر إشكالات ثلاثة في تنزیل الأخبار على الاستصحاب بقول مطلق و یجیب عنها:قال: «و حيث عرفت أنه لا موجب لتنزيل الاخبار على ما ذكر، بل عدم صحّة تنزيلها عليه، فاعلم أن الإشكال في تنزيل الأخبار على الاستصحاب بقول مطلق من جهات:إحداها: أن نقض اليقين عبارة عن نقض المتيقن، و ما لم‌يكن من شأنه البقاء لا حلّ له مجازاً، فلا‌يصدق النقض إلّا في مورد الشك في الرافع.و تندفع: بأنها إنما ترد إذا أريد من نقض اليقين نقض المتيقن بنحو التجوّز في الكلمة أو بنحو الإضمار، فإنّ عنوان النقض يتعلق- حينئذٍ- بالمتيقّن، و لا‌بدّ من أن يكون له إبرام ليكون له نقض، و أما إذا كان نقض اليقين بنحو الكناية عن عدم ترتيب آثار البقاء فلا‌يرد المحذور، إذ المكنّى عنه ليس إلّا المعنى و اللبّ، و ليس فيه عنوان النقض المقتضي لما ذكر، و عنوان النقض في مرحلة الإسناد الكلامي قد نسب إلى ما يناسب النقض بعنوانه إما لوثاقته أو لارتباطه.ثانيتها: إنّا سلّمنا أن وثاقة اليقين أو ارتباطه بمتعلّقه يصحّح إسناد النقض إليه، إلّا أن الاستصحاب متقوّمٌ باليقين بالحدوث و الشك في البقاء و لا‌يكون الشك في البقاء ناقضاً لليقين بالحدوث، إذ ليس الشك في شي‌ء حلاً لليقين بشي‌ء آخر، إلّا بعناية موجودة في مورد الشك في الرافع دون غيره و لا بدّ من تصحيح مرحلة الإسناد الكلامي، حتّى يعقل أن يكون كناية عن ترتيب آثار البقاء.و يندفع: بأنه لم‌يؤخذ- في مرحلة الإسناد الكلامي- حدوث و بقاء و لا سبق و لحوق زمانيان في متعلق اليقين و الشك، حتّى يمنع عن صحة الإسناد، إلّا بعناية مخصوصة بمورد الشك في الرافع.ثالثتها: إن نقض اليقين بالشك- بعنوان الكناية- يقتضي أن هناك ما يكون هو المراد الجدي، و حيث لا إهمال في الواقع، فالمراد الجدي: إما ترتّب آثار المتيقن حدوثاً- كما هو مفاد قاعدة اليقين- أو ترتيب آثار المتيقن بقاء فيما كان من شأنه البقاء- كما هو مفاد الاستصحاب في مورد الشك في الرافع بخصوصه- أو ترتيب آثار البقاء مطلقاً، و لو لم‌يكن من شأنه البقاء- كما هو مفاد الاستصحاب بقول مطلق-.فلا‌بدّ أن يراد أحد هذه اللوازم معيناً، و من الواضح: أن ترتيب آثار اليقين حدوثاً لازم إبقاء اليقين بالحدوث عملًا، و عدمه نقض لليقين به عملًا، و ترتيب آثار البقاء فيما من شأنه البقاء لازم إبقاء اليقين بالبقاء عملًا بالعناية ... بخلاف ترتيب آثار البقاء فيما ليس من شأنه البقاء، فإنّه ليس لازماً لإبقاء اليقين، حيث لا مساس لليقين بالبقاء ... فلا‌يمكن أن يكون نقض اليقين بالشك كناية عنه، حيث لا ملازمة حتّى تصحّ الكناية.و تندفع: بأن إيراد المعنى الكنائي إن كان للانتقال إلى أحد الأمور الثلاثة بخصوصياتها و تعيّناتها، فالإيراد وارد، إذ لا ملازمة، إلّا بين المعنى الكنائي، و الأول و الثاني، دون الثالث.و إن لم‌يكن إيراد المعنى الكنائي- الّذي لم‌يؤخذ فيه عنوان الحدوث و البقاء- إلّا للانتقال إلى ما يلازمه، لا بتعيّنات اليقين و الشك، فلا‌محالة يكون اللازم هي الجهة الجامعة، القابلة لأحد التعيّنات المذكورة في المكنّى عنه، فإنّ بقاء اليقين بشي‌ء يقتضي الجري على وفقه، و عدمه يقتضي عدمه، فيكون كناية عن ترتيب آثار المتيقّن من دون تعيّنه بالحدوث و البقاء ... و حيث أنّ المراد الجدي لا‌يعقل إلّا متعيّناً ... فلا‌محالة يقيد الجهة الجامعة بالنهي عن نقض اليقين، و تعيّنها بدالّ آخر، كالقرائن الكلامية النافية لقاعدة اليقين، و كإطلاق اليقين و الشك- من حيث كونه من شأنه البقاء- النافي لإرادة الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع».أما نظریة بعض الأساطين: فإنّه لم‌یلتزم بتفصيل الشيخ الأنصاري و قال - على ما في المغني في الأصول، ج1، ص194-: «و مقتضى التحقيق في المسألة يقتضي التأمل في أمرين:الأول: في صحّة إسناد النقض إلى اليقين، مع قطع النظر عن سببه، و متعلقه، و عن ما هو خارج عن ذاته.الثاني: في عدم المانع عن صحة الإسناد.و جميع كلمات المحققين تتمركز حول هذين الأمرين، فمتى ما ثبت المقتضي لصحّة الإسناد و عدم المانع عنه ثبتت حجية الاستصحاب مطلقاً، في ما إذا كان الشك في المقتضي، و ما إذا كان في الرافع، و متى ما تخلّف أحد الأمرين انحصرت حجيته في الشك في الرافع».و بعد أن ذكر الأنظار في الأمرين استنتج في ص209: «1- أنّ المراد من المقتضي في المقام ما له استعداد البقاء.۲- أن رأي الشيخ و المحقق النائيني هو التفصيل بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع، فيجري الاستصحاب في الثاني دون الأول.3- أن رأي المحقق الخراساني و غيره من المحققين عدم التفصيل و هو الحقّ.۴- أن نسبة النقض إلى اليقين بلحاظ المتيقّن عند الشيخ و المحقق النائيني، و بلحاظ نفس اليقين عند المحقق الخراساني و هو الحقّ».
[6] ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقق السبزواري، ج1، ص115.: «مسألة: للأصحاب في طریق تطهیر المضاف إذا عرض له التنجّس أقوال: الأول: ... و الأقرب الاكتفاء بالكریة و إن التغیر في الأوصاف غیر مؤثر في النجاسة إذا بقي إطلاق الإسم بعد الامتزاج، و أما إذا سلب الإسم ففیه تردّد و كذا إذا اتّصل بالكثیر من غیر امتزاج ففي طهارته بمجرد ذلك تردّد لنا على الاكتفاء بالكرّ ... و على عدم تأثیر تغیّر أحد الأوصاف بالمضاف ... و أما إذا سلب الاسم فالتردّد فیه ینشأ من أنّ الكر بعد امتزاجه بالمضاف حینئذ صار مضافاً و لم‌یصدق علیه الماء حتی یندرج تحت العمومات السابقة فیمكن أن یقال: إنّه نجس لأن الماء المضاف قبل امتزاجه بالكر كان نجساً فیستصحب فیه الحكم المذكور إلى أن یثبت الرافع لأن الیقین لاینتقض إلا بالیقین ... و یرد علیه أن التحقیق إن استمرار الحكم تابع لدلالة الدلیل على الاستمرار ثانیاً و إلا فلا فهاهنا لما دلّ الإجماع على استمرار النجاسة في الماء المضاف النجس إلى زمان ملاقاته مع الماء الكثیر حكمنا به و بعد الملاقاة فالحكم مختلف فیه فإثبات الاستمرار حینئذ یحتاج إلى دلیل.لا‌يقال: قول أبي جعفر. في صحيحة زرارة: «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين أبداً بالشك و لكن تنقضه بيقين آخر» يدلّ على استمرار أحكام اليقين ما لم‌يثبت الرافع.لأنّا نقول: التحقيق أن الحكم الشرعي الذي تعلّق به اليقين: إما أن يكون مستمراً- بمعنى أن له دليلاً دالّاً على الاستمرار بظاهره- أم لا، و على الأول فالشك في رفعه على أقسام: الأول: إذا ثبت أن الشيء الفلاني رافعٌ لحكمه لكن وقع الشك في وجود الرافع. الثاني: أن الشيء الفلاني رافع للحكم معناه مجمل فوقع الشك في كون بعض الأشیاء هل هو فرد له أم لا؟ الثالث: أن معناه معلوم لیس بمجمل لكن وقع الشك في اتّصاف بعض الأشیاء به و كونه فرداً له لعارض كتوقّفه على اعتبار معتذراً و غیر ذلك. الرابع: وقع الشك في كون الشي‌ء الفلاني هل هو رافع للحكم المذكور أم لا؟و الخبر المذكور إنما يدلّ على النهي عن النقض بالشك، و إنما يعقل ذلك في الصورة الأولى من تلك الصور الأربعة دون غيرها لأن في غيرها من الصور لو نقض الحكم بوجود الأمر الذي شك في كونه رافعاً لم‌يكن النقض بالشك، بل إنما حصل النقض باليقين بوجود ما یشك في كونه رافعاً أو باليقين بوجود ما يشك في استمرار الحكم معه لا بالشك؛ فإن الشك في تلك الصور كان حاصلاً من قبل و لم‌يكن بسببه نقض، و إنما حصل‌ النقض حين اليقين بوجود ما يشك في كونه رافعاً للحكم بسببه؛ لأن الشي‌ء إنما يستند إلى العلة التامة أو الجزء الأخير منه فلا‌يكون في تلك الصور نقض للحكم اليقيني بالشك، و إنما يكون ذلك في صورة خاصة غيرها فلا عموم في‌ الخبر»
[7] إیراد بعض الأساطين على تفصيل المحقّق السبزواري.: في المغني في الأصول، ج1، ص325 و استدلّ على ذلك بقوله: «لأنه و إن افترقت الحالتان بحيث لا‌يوجد في الحالة الأولى - بعد اليقين السابق إلا الشك فقط، و هو الشك في الرافع، و أما في الحالة الثانية فيوجد يقين و شك إلا أنه لا صلاحية لهذا اليقين لنقض اليقين السابق؛ فإن اليقين الناقض هو الذي يتعلق بعين ما تعلّق به اليقين المنقوض، بحيث يتعلق اليقين اللاحق بضدّ الحالة التي تعلّق بها اليقين السابق أو بنقيضها، و أما إذا لم‌يكن متعلّقه ضدّ الحالة السابقة و لا مناقضاً لها فلا‌يمكن أن يكون هذا اليقين ناقضاً لليقين السابق، و ما نحن فيه من هذا القبيل فكأنّ اليقين اللاحق لم‌يكن و يبقى الشك فقط فيكون صغرى إلى (لا‌تنقض اليقين بالشك)، فمن كان على يقين بالطهارة من الحدث ثمّ خرج منه بلل مردد، فمتعلق يقينه الثاني خروج البلل، و هذا المتعلق ليس ضدّ الطهارة الحدثية و لا نقيضها، فاليقين و إن وجد إلا أنه تعلّق بأمر ليس له ناقضية لليقين السابق.و بعبارة أخرى: أنه بعد معرفة استحالة الشك في الأمور الوجدانية، و أن الشك يتعلق دائماً بأمر خارج عن وعاء النفس، فمن كان على يقين بالطهارة و خرج منه بلل مردّد بين البول و المذي فهو على يقين بخروج البلل، و هذا اليقين الثاني صار سبباً للشك في بقاء الطهارة؛ لأنه بالوجدان يشك في تحقّق الناقض للوضوء، فيكون مورد الشك في رافعية الموجود صغرى إلى (لا‌تنقض اليقين بالشك)، لا إلى (و لكن انقضه بيقين آخر)»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo