< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/10/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الرابع: بین الأحکام الکلیة و غیرها

 

التفصیل الرابع: بین الأحكام الكلّیة و غیرها

إنّ المحقّق النراقي ([1] ) و المحقّق الخوئي ذهبا إلى عدم جریان الاستصحاب في الشبهات الحكمیة الكلّیة لابتلاء الاستصحاب فیها بالمعارض و لكن المشهور حجّیته من غیر ابتلائه بالمعارض.

نظریة المحقّق الخوئي

إنّ الشك إمّا یرجع إلى مقام الجعل و إمّا یرجع إلى المجعول؛ و ما یرجع إلى المجعول إمّا لأجل الاشتباه بالأمور الخارجیة (أي تكون الشبهة موضوعیة) و إمّا لأجل الشك في دائرة المجعول سعة و ضیقاً (أي تكون الشبهة حكمیة).

و الشك الراجع إلى المجعول فیما إذا كانت الشبهة حكمیة على قسمین: إمّا یكون الزمان مفرّداً للموضوع و إمّا لا‌یكون مفرّداً.

و الكلام هو في هذا القسم الأخیر الذي لا‌یكون الزمان مفرّداً للموضوع، و المحقّق النراقي و المحقّق الخوئي ذهبا إلى تعارض استصحاب بقاء المجعول و استصحاب عدم الجعل هنا و لكن المشهور یقول بجریان استصحاب وجود المجعول من غیر ابتلائه بالمعارض.

توضیح تفصیلي

«إنّ الشك في الحكم الشرعي على قسمین:

[الأوّل:] تارة یكون راجعاً إلى مقام الجعل و لو لم‌یكن المجعول فعلیاً، لعدم تحقّق موضوعه في الخارج، كما إذا علمنا بجعل الشارع القصاص في الشریعة المقدّسة و لو لم‌یكن الحكم به فعلیاً لعدم تحقّق القتل، ثمّ شككنا في بقاء هذا الجعل، فیجري استصحاب بقاء الجعل و یسمّی باستصحاب عدم النسخ و هذا الاستصحاب خارج عن محلّ الكلام.

و إطلاق قوله: «حَلَال مُحَمَّدٍ حَلَالٌ [أَبَداً] إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ حَرَامَهُ حَرَامٌ [أَبَداً] إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة»([2] ) یغنینا عن هذا الاستصحاب.

[الثاني:] و أخری یكون الشك راجعاً إلى المجعول بعد فعلیّته بتحقّق موضوعه في الخارج كالشك في حرمة‌ وطي المرأة بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال».([3] )

و هذا القسم الثاني على صورتین:

«الشك في المجعول مرجعه إلى أحد أمرین لا ثالث لهما لأنّ الشك في بقاء المجعول:

[الصورة الأولى:] إمّا أن یكون لأجل الأمور الخارجیة بعد العلم بحدود المجعول سعةً و ضیقاً من قبل الشارع فیكون الشك في الانطباق، كما إذا شككنا في انقطاع الدم بعد العلم بعدم حرمة الوطي بعد الانقطاع و لو قبل الاغتسال و یعبّر عن هذا الشك بالشبهة الموضوعیة.

و جریان الاستصحاب في الشبهات الموضوعیة ممّا لا إشكال فیه و لا كلام كما هو مورد الصحیحة و غیرها من النصوص.

[الصورة الثانیة:] و إمّا أن یكون لأجل الشك في دائرة المجعول سعةً و ضیقاً من قبل الشارع، كما إذا شككنا في أنّ المجعول من قبل الشارع هل هو حرمة وطي الحائض حین وجود الدم فقط، أو إلى حین الاغتسال؟

و الشك في سعة المجعول و ضیقه یستلزم الشك في الموضوع لا‌محالة، فإنّا لاندري أنّ الموضوع للحرمة هل هو وطي واجد الدم أو المحدث بحدث الحیض؟ و یعبّر عن هذا الشك بالشبهة الحكمیة».([4] )

ثمّ إنّ هذه الصورة الثانیة على نحوین:

«[النحو الأوّل:] إن كان الزمان مفرّداً للموضوع و كان الحكم انحلالیاً كحرمة وطي الحائض مثلاً، فإنّ للوطي أفراداً كثیرة بحسب امتداد الزمان من أوّل الحیض إلى آخره و ینحلّ التكلیف و هو حرمة وطي الحائض إلى حرمة أمور متعدّدة و هي أفراد الوطي الطولیة بحسب امتداد الزمان، فلا‌یمكن جریان الاستصحاب فیها حتّی على القول بجریان الاستصحاب في الأحكام الكلّیة،‌ لأنّ هذا الفرد من الوطي و هو الفرد المفروض وقوعه بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال لم‌تعلم حرمته من أوّل الأمر حتّی نستصحب بقاءها.

نعم الأفراد الأخر كانت متیقّنة الحرمة و هي الأفراد المفروضة من أوّل الحیض إلى انقطاع الدم و هذه الأفراد قد مضى زمانها إمّا مع الامتثال أو مع العصیان، فعدم جریان الاستصحاب في هذا القسم ظاهر.

[النحو الثاني:] و إن لم‌یكن الزمان مفرّداً [للموضوع] و لم‌یكن الحكم انحلالیاً، كنجاسة الماء القلیل المتمّم كرّاً، فإنّ الماء شيء واحد غیر متعدّد بحسب امتداد الزمان في نظر العرف و نجاسته حكم واحد مستمرّ من أوّل الحدوث إلى آخر الزوال، و من هذا القبیل الملكیة و الزوجیة.

فلا‌یجري الاستصحاب في هذا القسم أیضاً، لابتلائه بالمعارض، لأنّه إذا شككنا في بقاء نجاسة الماء المتمّم كرّاً فلنا یقین متعلّق بالمجعول و یقین متعلّق بالجعل، فبالنظر إلى المجعول یجري استصحاب النجاسة لكونها متیقّنة الحدوث مشكوكة البقاء.

و بالنظر إلى الجعل یجري استصحاب عدم النجاسة، لكونه أیضاً متیقّناً و ذلك للیقین بعدم جعل النجاسة للماء القلیل في صدر الإسلام لا مطلقاً و لا مقیداً بعدم التتمیم، و القدر المتیقّن إنّما هو جعلها للقلیل غیر المتمّم.

أمّا جعلها مطلقاً حتّی للقلیل المتمّم فهو مشكوك فیه فنستصحب عدمه و یكون المقام من قبیل دوران الأمر بین الأقلّ و الأكثر فنأخذ بالأقلّ لكونه متیقّناً و نجري الأصل في الأكثر لكونه مشكوكاً فیه.

فتقع المعارضة بین استصحاب بقاء المجعول و استصحاب عدم الجعل.

و كذا الملكیة و الزوجیة و نحوهما، فإذا شككنا في بقاء الملكیة بعد رجوع أحد المتبایعین في المعاطاة فباعتبار المجعول و هي الملكیة یجري استصحاب بقاء الملكیة و باعتبار الجعل یجري استصحاب عدم الملكیة، لتمامیة الأركان فیهما على النحو الذي ذكرناه».([5] )


[1] ستأتي الإشارة إلى ما أفاد المحقق النراقي بعد نقل بيان المحقّق الخوئي. في ص365
[2] . «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عَنِ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ فَقَالَ حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ حَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ وَ لَا يَجِي‌ءُ غَيْرُهُ ...». الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج1، ص580.، کتاب فضل العلم، باب البدع و الرأي و المقاییس، ح19.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo