< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/10/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الرابع؛ بیان المحقق النراقي

بیان المحقّق النراقي ([1] )

إنّ المحقّق النراقي یعتقد في الشبهات الحكمیة الكلّیة بتعارض استصحاب الوجود و العدم و مثّل لذلك بما إذا علم أنّ الشارع أمر بالجلوس یوم الجمعة و علم أنّه واجب إلى الزوال و لم‌یعلم وجوبه فیما بعد، فحینئذٍ استصحاب عدم وجوب الجلوس قبل ورود أمر الشارع یتعارض مع استصحاب وجوب الجلوس في یوم الجمعة فیتساقطان، و أیضاً مثّل لذلك بوجوب الصوم إذا عرض مرض یشك في بقاء وجوب الصوم معه فإنّه یتعارض استصحاب وجوب الصوم قبل عروض المرض و استصحاب عدم وجوب الصوم الأصلي فإنّ المحقّق النراقي یقول بتعارض الاستصحابین إلا أن یرجع إلى استصحاب آخر حاكم على استصحاب العدم و هو عدم الرافع و عدم جعل الشارع مشكوك الرافعیة رافعاً.

مناقشات ستّ في نظریة المحقّق النراقي

المناقشة الأولی: من الشیخ الأنصاري

إنّ العلامة الأنصاري أجاب عن المحقّق النراقي في فرضین: أحدهما: مفرّدیة الزمان للموضوع و بتعبیر آخر قیدیة الزمان للحكم المجعول أو متعلّقه. و ثانیهما: عدم مفرّدیة الزمان للموضوع بل ظرفیته للحكم أو متعلّقه، فقال:

«إنّ الأمر الوجودي المجعول إن لوحظ الزمان قیداً له أو لمتعلّقه، بأن لوحظ وجوب الجلوس المقیّد بكونه إلى الزوال شیئاً و المقیّد بكونه بعد الزوال شیئاً آخر متعلّقاً للوجوب، فلا مجال لاستصحاب الوجوب للقطع بارتفاع ما علم وجوده و الشك في حدوث ما عداه، و لذا لایجوز الاستصحاب في مثل: «صُم یومَ الخمیس» إذا شك في وجوب صوم یوم الجمعة.

و إن لوحظ الزمان ظرفاً لوجوب الجلوس، فلا مجال لاستصحاب العدم، لأنّه إذا انقلب العدم إلى الوجود المردّد بین كونه في قطعة خاصّة من الزمان و كونه أزید، و المفروض تسلیم حكم الشارع بأنّ المتیقّن في زمان لابدّ من إبقائه، فلا وجه لاعتبار العدم السابق». ([2] )

جواب المحقّق الخوئي عن هذه المناقشة

إنّ الزمان إن كان مفرّداً فلا‌یجری استصحاب الوجود لعدم اتحاد الموضوع و یجری استصحاب العدم و إن لم‌یكن الزمان مفرّداً فیجري استصحاب الوجود لاتحاد الموضوع و لایجري استصحاب العدم فلا معارضة بین الاستصحابین و ذلك لما قد أوضحناه من وقوع المعارضة [بین استصحاب الوجود و استصحاب العدم] مع عدم كون الزمان مفرّداً و وحدة الموضوع فیقال: إنّ هذا الموضوع الواحد كان حكمه كذا و شك في بقائه فیجري استصحاب بقائه و یقال أیضاً: إنّ هذا الموضوع لم‌یجعل له حكم في الأوّل لا مطلقاً و لا مقیّداً بحال، و المتیقّن جعل الحكم له حال كونه مقیّداً، فیبقی جعل الحكم له بالنسبة إلى غیرها تحت الأصل [أي تحت أصل عدم الجعل] فتقع المعارضة بین الاستصحابین مع حفظ وحدة الموضو

و ما ذكرناه عین ما ذكره الشیخ من الوجه لعدم جریان الاستصحاب في الشبهات الموضوعیة إذا كان الشك من ناحیة المفهوم، كما إذا قال المولى: «أكرم العلماء» و كان زید عالماً فزالت عنه ملكة العلم و شككنا في وجوب إكرامه من جهة الشك في شمول مفهوم العالم للمنقضي عنه المبدأ أو اختصاصه بالمتلّبس فلیس في المقام شك في شيء من الأمور الخارجیة، بل الشك إنّما هو في جعل الشارع سعةً و ضیقاً، فیجري التعارض بین الاستصحابین على النحو الذي ذكرناه حرفاً بحرف.([3] )


[1] . و إليك عبارة المحقق النراقي في مناهج الأصول، ص237 من نسخة مكتبة الفیضیة قال.: «... و التحقيق أنّ تعارض‌ الاستصحابين‌ إن‌ كان‌ في موضوع و حكم واحد فلا‌يمكن العمل بشي‌ء منهما و يتساقطان فيرجع إلى أصل البراءة و شبهه، و ذلك كما إذا قال الشارع في ليلة الجمعة مثلاً: صم، و قلنا بأنّ الأمر للفور و كنّا متوقّفين في إفادته المرّة أو التكرار فنقطع بوجوب صوم يوم الجمعة و نشكّ في السبت و فيه يتعارض الاستصحابان لأنّا كنّا يوم الخميس متيقّنين بعدم وقوع التكليف بصوم يوم الجمعة و لا السبت و بعد ورود الأمر قطعنا بتكليف صوم الجمعة و شككنا في السبت، و هذا الشك مستمرّ من حين ورود الأمر إلى يوم السبت و لاینقض الیقین بالشك فيستصحب عدم تكليف يوم السبت بالصوم، و كذا نقطع يوم الجمعة بالصوم و يشك في السبت فيستصحب التكليف أي وجوب الصوم فيحصل التعارض. فإن قلت: عدم التكليف المعلوم قبل الأمر إنّما يستصحب لولا الدليل على التكليف و استصحاب الوجوب المتيقن في الجمعة دليل شرعي فيرتفع عدم التكليف و ينقض اليقين باليقين. قلنا: مثله يجري في الطرف الآخر فيقال: وجوب صوم الجمعة إنّما يستصحب لولا الدليل على عدمه و استصحاب عدمه المتيقّن قبل ورود الأمر دليل شرعي فيرتفع الوجوب. لا‌يقال: إنّ العلم بالعدم قد انقطع و حصل الفصل فكيف يستصحب لأنّا نقول: إنّه لم‌يحصل فصل أصلاً بل كنّا قاطعين بعدم إيجاب صوم السبت يوم الخميس و شككنا فيه بعد الأمر و لم‌نقطع بوجوب صومه أصلاً فيجب استصحابه. و إن كان تعارضهما في حكمين من موضوع أو موضوعين و استلزم أحدهما خلاف الآخر فهو على قسمين: أحدهما: أن یكون الحكم الثابت بأحد الاستصحابين مزيلاً للحكم المستصحب بالآخر و بالعكس. و ثانيهما: أن يكون أحدهما كذلك دون الآخر. و أمّا ما لم‌يكن شي‌ء منهما كذلك فهو خارج عن البحث إذ لا تخالف بینهما و المراد بكونه مزيلاً له كونه مما جعله الشارع في الشرعيات أو الواضع في اللغويات أو العادة أو الحس أو العقل سبباً و علة رافعة له بلا واسطة أو بالواسطة بأن يكون سبباً لحكم آخر هو سبب إزالته. فمثال الأوّل كما إذا ورد عام و خاص متنافيا الظاهر فإنّ أصالة عدم القرينة في الخاص سبب للحكم بإرادة الحقيقة و هو سبب لتخصيص العام و أصالة عدم تخصيص العام سبب للحكم بإرادة العموم و هو سبب للتجوّز في الخاص إن قلنا بكون العام خاصاً لقرینة التجوز. و مثال الثاني مسئلة الصيد ... .فإن كان من القسم الأول فيتعارض الاستصحابان و يتساقطان إلا أن يكون لأحدهما مرجّح كما في مثال العام و الخاص على القول بالتعارض حيث أنّ فهم الإجماع و فهم العرف و سائر ما مرّ في مبحثه يرجح بقاء الخاص على حقيقته و إن كان من القسم الثاني‌ فیجب العمل باستصحاب الحكم المزيل دون الآخر ...».و قال في ص240 في الفائدة الأولى: «إعلم أنّ بعد ما عرفت حال تعارض الاستصحابين و أنّهما يتساقطان و لا حجية لأحدهما إذا وردا على حكم واحد أو حكمين مع ثبوت الرافعية من الجانبين و إن الحكم للمزيل مع ثبوت الرفع من أحدهما يظهر لك حال الاستصحاب في الأقسام الثلاثة المذكورة في المقدمة الأولى و يعلم أنّه لا حجية للاستصحاب في القسم الثالث مطلقاً و هو الذي علم ثبوت الحكم في الجملة أو في حال و شك فيما بعده، و ذلك لأنّ بعد ما علم حكم في وقت أو حال و شك فيما بعده و إن كان مقتضى اليقين السابق و استصحاب ذلك الحكم وجوده في الزمان الثاني أو الحالة الثانية و لكن مقتضى استصحاب حال العقل عدمه لأنّ هذا الحكم قبل حدوثه كان معلوم العدم مطلقاً علم ارتفاع عدمه في الزمان الأول فيبقى الباقي مثلاً إذا علم أنّ الشارع أمر بالجلوس في يوم الجمعة و علم أنّه واجب إلى الزوال و لم‌يعلم أنّه یجب بعده أیضاً فنقول: كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة و فيه إلى الزوال و بعده معلوماً قبل ورود أمر الشارع و علم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة و علم ارتفاعه و التكليف بالجلوس فيه قبل الزوال و صار بعده موضع الشك فلنا شك و يقينان و ليس إبقاء حكم أحد اليقينين بالأخبار المذكورة أولى من إبقاء حكم الآخر بها.فإن قلت: يحكم ببقاء اليقين المتّصل بالشك و هو اليقين بالجلوس، قلنا: إنّ الشك في تكليف ما بعد الزوال حاصل قبل مجي‌ء يوم الجمعة وقت ملاحظة أمر الشارع فشك في يوم الخميس مثلاً في حال ورود الأمر في أنّ الجلوس غداً هل هو المكلف به بعد الزوال أيضاً أم لا و اليقين المتصل به هو عدم التكليف فيستصحب و يستمرّ ذلك إلى وقت الزوال ...»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo