< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /إنارة في نظریة المحقق الخوئي

 

إنارة في نظریة المحقق الخوئي

إنّ المحقّق الخوئي لم‌یلتزم بعدم جریان الاستصحاب في الشبهات الحكمیة الكلّیة مطلقاً بل قال فیها بالتفصیل، فالتزم بجریانه فیها في موردین:

المورد الأوّل: الأحكام غیر الإلزامیة، حیث أنّه لایعارضه استصحاب عدم جعل الإباحة لأنّ الإباحة لاتحتاج إلى الجعل، فإنّ الأشیاء كلّها على الإباحة ما لم‌یجعل الوجوب و الحرمة، و الدلیل على ذلك قوله: «اُسْكُتُوا عَمَّا سَكَتَ‌ اللَّه [عَنهُ]‌» ([1] ) و قوله: «مَا حَجَبَ‌ اللَّهُ‌ عِلْمَهُ‌ عَنِ الْعِبَادِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُم»([2] ) و قوله: «إنّما هلك الناس لكثرة سؤالهم»([3] [4] [5] [6] ) فالمستفاد من هذه الروایات أنّ الأشیاء على الإباحة ما لم‌یرد أمر أو نهي من قبل الشارع.([7] )

المورد الثاني: الشبهات الحكمیة الوضعیة التي هي نظیر الطهارة من الخبث و الحدث، كما إذا شككنا في انفعال الماء العالي بملاقاة النجاسة السافلة، فنجري استصحاب الطهارة و لایعارضه استصحاب عدم جعل الطهارة، لأنّ الطهارة نظیر الإباحة لاتحتاج إلى الجعل بل الأشیاء كلّها على الطهارة ما لم‌تعتبر النجاسة فیها من قبل الشارع، بل استصحاب عدم جعل النجاسة معاضد لاستصحاب بقاء الطهارة ... .

نعم إذا شككنا في بقاء النجاسة المتیقّنة كمسألة تتمیم الماء القلیل النجس كرّاً فلا مجال لجریان استصحاب بقاء النجاسة، للمعارضة باستصحاب عدم جعل النجاسة بعد التتمیم.([8] )

المتحصّل

إنّ التفصیل بین الشبهات الحكمیة الكلّیة و بین الشبهات الحكمیة الجزئیة و الموضوعات الخارجیة ممّا لایمكن الالتزام به.

التفصیل الخامس:
بین الحكم التكلیفي و الوضعي و بین متعلقات الحكم الوضعي

إنّ المستفاد من عبارة الفاضل التوني هو التفصیل بین الحكم التكلیفي و الوضعي و بین متعلّقات الحكم الوضعي و هي ذات السبب و الشرط و المانع بعدم جریان الاستصحاب في الأول و جریانه في الثاني. نعم قد اشتهر بینهم أنّه یفصّل بین الحكم التكلیفي و الوضعي و لكن الظاهر هو ما ذكرناه، فإنّ بعض شرّاح كلام العلامة الأنصاري مثل المحقّق التبریزي صاحب أوثق الوسائل استظهر([9] ) ذلك من كلام الفاضل التوني، كما أنّ بعض شرّاح كفایة الأصول كصاحب منتهي الدرایة أیضاً استفاد([10] ) من كلام الفاضل التوني ذلك التفصیل، فما نسب إلیه من أنّه یقول بعدم جریان الاستصحاب في الأحكام التكلیفیة و جریانه في الأحكام الوضعیة هي نسبة غير صحيحة، و لعلّ منشأ ذلك هو أنّه قد یتسامح فیطلق الحكم الوضعي على نفس ذات السبب و الشرط و المانع كما أنّه قد یتسامح و یطلق الحكم التكلیفي على ذات الواجب و الحرام مع أنّ الحكم الوضعي لیس إلا السببیة و الشرطیة و المانعیة. أمّا ذات السبب و ذات الشرط و ذات المانع فكلّها متعلّقات الأحكام الوضعیة كما أنّ الحكم التكلیفي هو الوجوب و الحرمة، و أمّا الواجب و الحرام فهما متعلّقا الحكم التكلیفي.

كلام الفاضل التوني

الأحكام الشرعیة تنقسم إلى ستّة أقسام: الأوّل و الثاني: الأحكام الاقتضائیة المطلوب فیها الفعل و هي الواجب و المندوب. و الثالث و الرابع: [الأحكام] الاقتضائیة المطلوب فیها الكفّ و الترك و هي الحرام و المكروه. و الخامس: الأحكام التخییریة الدالّة على الإباحة. و السادس: الأحكام الوضعیة كالحكم على الشيء بأنّه سبب لأمر أو شرط له أو مانعٌ عنه.

و المضایقة بمنع أنّ الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي ممّا لایضرّ في ما نحن بصدده.

إذا عرفت هذا فإذا ورد أمر بطلب شيء فلا‌یخلو إمّا أن یكون موقّتاً أو لا.

و على الأوّل: یكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كلّ جزء من أجزاء ذلك الوقت ثابتاً بذلك الأمر فالتمسك حینئذ في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنصّ، لا بالثبوت في الزمان الأوّل حتّی یكون استصحاباً و هو ظاهر.

و على الثاني: أیضاً كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار و إلا فذمّة المكلّف مشغولة حتّی یأتي به في أيّ زمان كان ... .

فالأحكام [التكلیفیة] الخمسة المجرّدة عن الأحكام الوضعیة لایتصوّر فیها الاستدلال بالاستصحاب.

و أمّا الأحكام الوضعیة، فإذا جعل الشارع شیئاً سبباً لحكم من الأحكام الخمسة كالدلوك لوجوب الظهر و الكسوف لوجوب صلاته و الزلزلة لصلاتها و الإیجاب و القبول لإباحة التصرّفات و الاستمتاعات في الملك و النكاح ... فینبغي أن یُنظر إلى كیفیة سببیة السبب هل هي على الإطلاق كما في الإیجاب و القبول ... أو في وقت معیّن كالدّلوك و نحوه ... فإنّها أسباب للحكم في أوقات معینة، و جمیع ذلك لیس من الاستصحاب في شيء [و المستفاد من عبارته إلى هنا عدم جریان الاستصحاب في الأحكام التكلیفیة و الأحكام الوضعیة].


[1] مضت في ص377.
[2] مضت في ص377.
[3] مجمع البحرين، الطريحي النجفي، فخر الدين، ج2، ص563. عن أمير المؤمنين: خطب رسول الله فقال: «إنّ الله كتب عليكم الحجّ». فقام عكاشة بن محصن، و قیل سراقة بن مالك فقال: أفي كلّ عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتّى عاد مرّتين أو ثلاثا. فقال رسول الله.: «ويحك، و ما يؤمنك أن أقول: نعم. و الله لو قلت: نعم، لوجبت. و لو وجبت ما استطعتم. و لو تركتم لكفرتم. فاتركوني كما تركتكم. فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم‌، و اختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشي‌ء، فأتوا منه ما استطعتم. و إذا نهيتكم عن شي‌ء، فاجتنبوه».‌
[4] بحار الأنوار - ط مؤسسةالوفاء، العلامة المجلسي، ج1، ص224. كِتَابُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. يَقُولُ‌ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تُكْثِرُوا السُّؤَالَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ‌ أَنْبِيَاءَهُمْ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ:‌ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)‌ وَ اسْأَلُوا عَمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِينِي وَ يَسْأَلُنِي فَأُخْبِرُهُ فَيَكْفُرُ وَ لَوْ لَمْ يَسْأَلْنِي مَا ضَرَّهُ وَ قَالَ اللَّهُ‌ (وَ إِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ‌) إِلَى قَوْلِهِ‌: (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِين)»
[6] تفسير العيّاشي، العياشي، محمد بن مسعود، ج2، ص261. عن أحمد بن محمد قال‌ كتب إلي أبو الحسن الرضا.: «عافانا الله و إياك أحسن عافية، إنما شيعتنا من تابعنا و لم يخالفنا، و إذا خفنا خاف و إذا أمنا أمن، قال الله (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‌) قال: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ‌) الآية- فقد فرضت عليكم المسألة و الرد إلينا، و لم يفرض علينا الجواب، أ و لم تنهوا عن كثرة المسائل- فأبيتم أن تنتهوا إياكم و ذاك فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم‌ لأنبيائهم، قال الله:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‌)»
[7] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص47.. «لایخفی أن ما ذكرناه من عدم جریان الاستصحاب في الشبهات الحكمیة مختصّ بالأحكام الإلزامیة من الوجوب و الحرمة، و أما غیر الإلزامي فلا مانع من جریان الاستصحاب فیه و لایعارضه استصحاب عدم جعل الإباحة ما لم‌یجعل الوجوب و الحرمة ...»
[8] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص47.. «و ظهر بما ذكرناه أنه لا مانع من جریان الاستصحاب في الشبهات الحكمیة الوضعیة كالطهارة من الخبث و الحدث كما إذا شككنا في انفعال الماء العالي بملاقاة النجاسة السافلة ...»
[9] أوثق الوسائل فی شرح الرسائل، التبريزي، الميرزا موسى، ج1، ص474.. «و إن لم‌یلزم مما حقّقه» إلخ: «قد أوضحه المصنف رحمه الله عند بیان محل النزاع، و حاصله: إنّ ما ذكره تفصیل بین الأحكام التكلیفیة و الوضعیة و بین متعلقات الأحكام الوضعیة و هو السبب و الشرط و المانع بل ما ذكره عند التحقیق لیس قولاً بالتفصیل بل قول باعتبار الاستصحاب مطلقاً لأنّه إنّما منعه في الوارد التي منعه فیها بزعم عموم دلیل الحالة السابقة للحالة اللاحقة لا من جهة عدم اعتبار الاستصحاب من حیث هو، و هذا لیس قولاً بالتفصیل لأنّه إنما یتحقق مع قوله بعدم اعتباره في بعض الموارد مع فرض كونه مورداً له كما هو واضح»
[10] منتهى الدراية، المروج الجزائري، السيد محمد جعفر، ج7، ص246. «.. و بما نقلناه عن هذا الفاضل ظهر أنّ نسبة التفصیل في حجیة الاستصحاب بین الحكم التكلیفي و الوضعي إلیه لیست كما ینبغي لأنّه فصّل بین الحكم الوضعي بمعناه المعروف المقابل للحكم التكلیفي كالسببیة و الشرطیة و المانعیة فاختار عدم جریان الاستصحاب فیه و بین متعلقات هذه الأمور أعني ذات السبب و الشرط و المانع فقال بجریانه فیها بقرینة تصریحه بإجراء الاستصحاب في نجاسة الماء المتغیر و هي سبب حكم شرعي أعني وجوب الاجتناب و إطلاق الحكم الوضعي على نفس السبب و إن كان مسامحیاً كإطلاق الحكم التكلیفي على الواجب و الحرام مع أنهما متعلقان للحكم و هو الوجوب و الحرمة إلا أن هذه المسامحة لاتقتضي أن ینسب إلیه ما هو المعروف، و ما ذكرنا هو محصّل ما أفاده العَلَمان المحقّقان الآشتیاني و الشیخ موسي التبریزي صاحب الأوثق في تحقیق ما رامه الفاضل التوني). و قال ثانیهما ...»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo