< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/10/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛ التفصیل الخامس

 

فظهر ممّا مرّ أنّ الاستصحاب المختلف فیه لایكون إلا في الأحكام الوضعیة أعني الأسباب و الشرائط و الموانع للأحكام الخمسة من حیث أنّها كذلك و وقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعیّتها،كما یقال في الماء الكرّ المتغیّر بالنجاسة إذا زال تغیّره من قبل نفسه بأنّه یجب الاجتناب عنه في الصلاة لوجوبه قبل زوال تغیّره، فإنّ مرجعه إلى أنّ النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغیّره، فتكون كذلك بعده. ([1] [2] )

هذا ما أفاده الفاضل التوني و عبارته هنا یستفاد منها جریان الاستصحاب في نفس ذات السبب و الشرط و المانع حیث أنّه صرّح بجریان الاستصحاب في النجاسة التي هي السبب للحكم التكلیفي بوجوب الاجتناب و لم‌یقل بجریانه في السببیة التي هي حكم وضعي.([3] [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] [11] [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] )

و قبل الورود في البحث عن التفصیل المذكور ینبغي التكلّم حول حقیقة الحكم و انقساماته.

المقام الأول: حقیقة الحكم التكلیفي و الوضعي

الموضع الأوّل: حقیقة الحكم التكلیفي

نظریة المحقّق الإصفهاني

قال: «إنّ المجعول التشریعي المعبّر عنه بالحكم ینقسم إلى تكلیفي و وضعي».

ثمّ أشار إلى انقسامات الحكم التكلیفي فقال:

«إنّ المعبّر عنه بالحكم التكلیفي ینقسم إلى الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و الإباحة.

و الجامع بین الإیجاب و الاستحباب هو الإنشاء بداعي جعل الداعي، و ذلك لأنّ الشخص إذا تصوّر الفعل و صدّق بما فیه من الفائدة یشتاقه قهراً، فإذا كان المشتاق إلیه من أفعال نفسه و بلغ شوقه إلیه حدّ النصاب، حدث هیجان في الطبیعة فیحرّك عضلاته نحوه فیوجده، و إذا كان من أفعال الغیر، فحیث أنّ فعل الغیر تحت اختیاره و إرادته و تنبعث إرادته عن الداعي، یتسبّب إلى جعل الداعي له لیرید و یفعل.

فإذا كانت إرادته لفعل الغیر منبعثة عن مصلحة لزومیة، كان البعث المنبعث منها إیجاباً و إلا كان استحباباً.

كما یمكن أن یفرق بینهما باعتبار البعث الأكید و غیره لمن لایعتقد انبعاث الحكم عن مصلحة، أو لا إرادة تشریعیة في المبدأ تعالى، أو لا شدّة و لا ضعف في الإرادة في مقام استیفاء الغرض الذي لابدّ له منه و غیر ما لابدّ له منه، فإنّه في جمیع هذه الصور یكفي اعتبار البعث الأكید و غیره على طبق التحریك الخارجي فارقاً بین الإیجاب و الاستحباب.

و أمّا التحریم و الكراهة، فالإنسان إذا توجّه إلى ما فیه مفسدة و ما لایلائمه فلا‌محالة تحدث في نفسه كراهة موجبة لانقباضه عنه فلا‌یفعله، و إذا كان ما یكرهه نفساً فعل الغیر، فلا‌محالة یزجره عنه لتحدث في نفسه كراهة موجبة لانقباضه عنه و بقائه على عدمه.

و كما أنّ جعل الداعي جعل ما یمكن أن یكون داعیاً، بحیث لو لم‌یكن له داعٍ من قبل نفسه أو كان له داعٍ إلى خلافه یصحّ حدوث الداعي بسببه و زوال الداعي إلى خلافه، كذلك جعل الزاجر جعل ما یمكن أن یكون زاجراً، بحیث لایحدث بسببه داعٍ إلى الفعل أو یزول الداعي الموجود، فلا‌یلزم مساوقته لطلب الكفّ و علیه فطلب الترك لازم الزجر عن الفعل المقابل للبعث بنحو الفعل و كما أنّ الثاني [أي البعث نحو الفعل] یتضمّن الإیجاد التسبیبي بالبعث كذلك الأوّل [أي الزجر من الفعل] إعدام تسبیبي بالزجر، و مع عدم البعث و الزجر لا معنی للإیجاد و الإعدام تسبیباً، حیث لا سبب یتسبّب به إلى أحدهما و ممّا ذكرنا في الوجوب و الاستحباب یعلم الفرق بین التحریم و الكراهة.

و أمّا الإباحة و الترخیص، فمجمل القول فیها أنّ المباح و إن كان لا اقتضاء لعدم المصلحة و المفسدة فیه مطلقاً، إلا أنّ عدم المقتضي لازمه عدم الأحكام الأربعة لا ثبوت حكم خامس، فالإباحة عن مصلحة في نفسها إذ كما أنّ الحكمة الإلهية تقتضي إیصال المصلحة بالبعث و الصدّ عن الوقوع في المفسدة بالزجر، كذلك تقتضي إرخاء العنان و الترخیص لئلّا یكون العبد في الضیق صدوراً و وروداً، حیث أنّ رسم العبودیة و زيّ الرقیة یقتضي صدور العبد و وروده عن رأي مولاه». ([21] )

فالمصلحة اللاقتضائیة في الحكم بالإباحة لیس في المتعلّق بل في نفس الحكم فالحكم بالإباحة لا اقتضائي من حیث المتعلّق و اقتضائي من حیث مصلحة الترخیص في نفس الحكم.


[3] نسب إلى الفاضل التوني. وجوه خمسة:الوجه الأول: التفصیل بین الأحكام الوضعیة (نفس الأسباب و الشروط و الموانع) و الأحكام التكلیفیة التابعة لها و بین غیرها من الأحكام الشرعیة
[4] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص50..: «السابع: التفصيل بين الأحكام الوضعيّة- يعني نفس الأسباب و الشروط و الموانع- و الأحكام التكليفيّة التابعة لها، و بين غيرها من الأحكام الشرعيّة، فيجري في الأوّل دون الثاني»‌
[5] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص121.. «حجّة القول السابع- الذي نسبه الفاضل التوني قدّس سرّه إلى نفسه، و إن لم‌يلزم ممّا حقّقه في كلامه-: ما ذكره في كلام طويل له‌ ...»
[6] خزائن الأحكام، آقا بن عابد دربندی، ج2، ص56.. «عنوان‌ الحقّ أنّه ... يقول بعدم تعقل جريانه في الأحكام الشرعية ابتداء سواء دلّ عليها بخطاب الاقتضاء و التخيير أو الوضع و جريانه فيها تبعاً للأسباب و الشروط و الموانع. و بعبارة أخرى: عدم جريانه لا في الأحكام الشرعية و لا في الوضعيّة من حيث هي هي بل في الأحكام الوضعيّة بمعنى آخر بأن يراد منها نفس الأسباب و الشروط و الموانع لا مطلقاً أيضاً بل إذا كانت من المطلقات و في الأحكام الشرعية أيضاً بعد ذلك بتبعيّتها»
[7] أصول الفقه مع تعليق زارعي السبزواري، المظفر، الشيخ محمد رضا، ج1، ص613.. «السابع: التفصيل بين الأحكام الوضعية- يعني نفس الأسباب، و الشروط، و الموانع- و الأحكام التكليفية التابعة لها، و بين غيرها من الأحكام الشرعية، فيجري في الأول دون الثاني»
[8] الوجه الثاني: التفصیل بین موضوعات الأحكام الوضعیة (نفس الأسباب و الشروط و الموانع) و بین غیرها.
[9] المحكم في أصول الفقه - ط مؤسسة المنار، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج5، ص197.. «ذهب الفاضل التوني‌ قدس سره إلى عدم جريان الاستصحاب إلا في الأحكام الوضعية، لكن لا بمعنى جريانه في نفس الحكم الوضعي‌، كالسببية و المانعية و نحوهما، بل بمعنى جريانه في نفس الأسباب و الشروط و الموانع، كالبلوغ الذي هو سبب للتكليف، و الطهارة التي هي شرط للصلاة، و الحيض المانع منها، فليس التفصيل في الحقيقة بين الأحكام الوضعية و غيرها، بل بين موضوعاتها و غيرها»
[10] عناية الأصول في شرح كفاية الأصول، الفيروز آبادي، السيد مرتضى، ج5، ص98.. «التدبر التام في كلمات الفاضل المذكور مما يعطي التفصيل بين الحكم مطلقاً من التكليفي و الوضعي‌ جميعاً و بين متعلقات الحكم الوضعي فلا‌يعتبر الاستصحاب في الأول و يعتبر في الثاني»
[11] الوجه الثالث: التفصیل بین الحكم الوضعي و الحكم التكلیفي.محجة العلماء، ج‌2، ص178: «و مما يتوهم ما نسب إلى الفاضل التوني‌. من التفصيل بين الأحكام الوضعية و بين الأحكام التكليفية بجريان الاستصحاب‌ في الأول دون الثاني و التحقيق فساد هذا التوهّم»
[12] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص378.. «لا وجه للتفصيل بين ما إذا كان المستصحب من الأحكام التكليفية أو من الأحكام الوضعية؛ ففي الأول لا‌يجري الاستصحاب و في الثاني يجري، كما هو المحكي عن الفاضل التوني رحمه الله»
[13] عناية الأصول في شرح كفاية الأصول، الفيروز آبادي، السيد مرتضى، ج5، ص98.. «و أما ما ذكرها هنا من التفصيل بين التكليف و الوضع فهو للفاضل التوني‌ رحمه الله و هو القول السابع في المسألة كما تقدم و هو تفصيل كما اشتهر على الألسن بين الأحكام التكليفية فلا‌يعتبر الاستصحاب فيها و بين الأحكام الوضعية فيعتبر الاستصحاب فيها»
[14] دروس في مسائل علم الأصول، التبريزي، الميرزا جواد، ج5، ص188.. «و من جملة الأقوال التفصيل في اعتبار الاستصحاب بين الحكم التكليفي و الوضعي‌ و جريانه في الثاني دون الأول كما نسب الفاضل التوني‌ إلى نفسه و إن فسّر الوضعي بما يخرجه عن قسم الحكم»
[15] مباحث الاُصول، القسم الثاني، الحائري، السيد كاظم، ج5، ص264. «إنّ الموجود في كتاب الرسائل للشيخ الأنصاري هو .. إن الفاضل التوني. ينكر الاستصحاب في الحكم التكليفي، و يقبله في الحكم الوضعي»‌
[16] الوجه الرابع: التفصیل بین الحكم التكلیفي و الحكم الوضعي.
[17] نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج3، ص87. «و أما التفصيل الآخر و هو المنسوب إلى الفاضل التوني. بين الأحكام التكليفية و الوضعية بحجية الاستصحاب في الأول دون الثاني فمنشؤه هو تخيّل أنّ الأحكام الوضعية أمور عقلية انتزاعية لا‌تكون بنفسها أثراً مجعولاً و لا موضوعاً لأثر كذلك حتى يجري فيها الاستصحاب و لكنّه تخيّل فاسد»
[18] مباحث الاُصول، القسم الثاني، الحائري، السيد كاظم، ج5، ص264. «قيل: إن .. الفاضل التوني‌ (رحمه الله) .. فصّل بين الأحكام التكليفية و الأحكام الوضعية، و قال: إن الأحكام التكليفية يجري فيها الاستصحاب، و لكن الأحكام الوضعية أو قل: الأحكام الوضعية الانتزاعية لا‌يجري فيها الاستصحاب؛ لأن الأحكام الوضعية عقلية انتزاعية انتزعها العقل، فلا معنى لاستصحابها قد ورد في تقرير بحث الشيخ العراقي نسبة هذا التفصيل إلى الفاضل التوني.»‌
[19] زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج4، ص60. «المورد السادس: فيما ذهب إليه جماعة منهم الفاضل التوني. من التفصيل بين الأحكام الوضعية و التكليفية، و عدم حجية الاستصحاب‌ في الأحكام الوضعية، و حجيته في الأحكام التكليفية»
[20] الوجه الخامس: حجیة الاستصحاب مطلقاً.محجة العلماء، ج‌2، ص178: «و إنّ كلامه لا‌يدلّ إلا على ما ذهب إليه جميع المحققين من حجية القاعدة الشريفة و عدم اعتبار استصحاب حال الشرع مع قطع النظر عن الأخبار».وسيلة الوسائل، ص308: «و أنت إذا أحطت خبراً بما حقّقناه سابقاً من الفرق بين مرحلة عدم الجريان و بين مقام عدم الحجية تعرف أنّه من القائلين بحجيته مطلقاً لا من المفصلين و إنّما ذهب إلى عدم الجريان فيما ذكره لعدم القابلية لانتفاء أحد الشروط و الأركان و هو الشك في الزمن اللاحق».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo