الموضوع: مقدمة في علم الأخلاق

جاء في الرواية الشريفة عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أنه قال (ميدانكم الأوّل أنفسكم فإن قدرتم عليها فأنتم على غيرها أقدر) صدق سيدنا ومولانا أبو القاسم محمد.

انتهينا بحمد الله "عزَّ وجل" في الدروس السابقة من بحث موضوع علم الأخلاق وتعريف علم الأخلاق والغاية من علم الأخلاق، ووعدناكم أن نشرع في مباحث كتاب جامع السعادات للفقيه المتأله سماحة آية الله الشيخ محمد مهدي النراقي "رضوان الله عليه" وها نحن نشرع في مباحث كتاب جامع السعادات.

ذكرنا في الدروس السابقة أن موضوع علم الأخلاق هو الفعل الاختياري للإنسان، ومن الواضح أن الفعل فرع الإرادة والإرادة من شؤون النفس الإنسانية؛ إذاً لابد من دراسة النفس الإنسانية، من هنا شرع الشيخ النراقي "رحمه الله" في تقسيم الإنسان إلى نفس وبدن وقال إن البدن له خصوصيات والنفس لها خصوصيات وإذا مرض البدن يرجع في علاجه إلى الطبيب الحاذق وإذا مرضت النفس يرجع في علاجها إلى الأخلاقي الحاذق، إذاً عندنا طب جسماني وطب روحاني ونفساني والعلماء القدماء كانوا يطلقون على علم الأخلاق الطب الروحاني بعض الكتب التي أُلفت في الأخلاق من أشهرها كتاب الطب الروحاني للرازي لا تتوهم أن المراد بالطب الروحاني يعني علاج بأمور روحانية المراد بالطب الروحاني في هذا الكتاب علم الأخلاق، إذاً خلاصة الكلام لاحظ كيف المدخل مرتب ترتيب منطقي ما هو موضوع علم الأخلاق؟ الفعل الاختياري للإنسان؛ كيف ينشأ الفعل الاختياري للإنسان؟ بالإرادة؛ الإرادة من شؤون النفس إذاً لابد من دراسة النفس الإنسانية، إذاً منشأ الفعل الأخلاقي سواء كان فعلاً حسناً أو فعلاً سيئاً لأن الأخلاق تنقسم إلى قسمين؛ الأخلاق الحميدة والأخلاق الذميمة، منشأ الفعل الأخلاقي الحسن والسيئ إرادة الإنسان وإرادة الإنسان من شؤون نفسه؛ إذاً لابد من دراسة النفس الإنسانية، صدق رسول الله "صلى الله عليه وآله" إذ قال (ميدانكم الأوّل أنفسكم فإن قدرتم عليها فأنتم على غيرها أقدر)، من اللطائف يقولون دخل ابن سينا على ابن مسكويه ورمى عليه جوزة قال احسب أبعادها الطول في العرض في الارتفاع فقال ابن مسكويه والله إنك أحوج إلى الأخلاق من معرفتك بأبعاد هذه الجوزة، ومن الكتب المهمة في الأخلاق كتاب تهذيب الأخلاق لابن مسكويه وكتاب تهذيب الأخلاق لابن مسكويه تضمن هذه المباحث التي سنذكرها اليوم.

ذكرنا في الدروس السابقة عدة مقدمات بعض المقدمات التي فيها إشارة واضحة في كتاب جامع السعادات نذكرها حتى نقرأ المقطع؛ من المقدمات تكلمنا عن المنهج الأخلاقي للشيخ النراقي في جامع السعادات وقلنا إن منهج الشيخ النراقي هو عبارة عن المنهج التلفيقي وهو عبارة عن تلفيق بين الروايات والحكمة والعرفان؛ حكمة يعني الفلسفة إذاً هو منهج روائي فلسفي عرفاني، هذا من أين نحصل عليه؟ إذا نرجع إلى مقدمة المؤلف؛ نهاية مقدمة المؤلف نهاية الفقرة الثالثة قبل الأخيرة صفحة 25 قال الشيخ النراقي فجمعت في هذا الكتاب خلاصة ما ورد من الشريعة الحقة، إذاً أوّل شيء الروايات ما ورد من الشريعة مع زبدة ما أورده أهل العرفان والحكمة؛ إذاً ذكر العرفان والحكمة الفلسفة؛ على نهج تقر به أعين الطالبين وتسر به أفئدة الراغبين، هذا الأمر الأوّل في المقدمات.

الأمر الثاني في المقدمات ذكرنا فيما سبق أن الفلسفة تقسم إلى قسمين، الحكمة تقسم إلى قسمين حكمة نظرية وحكمة عملية وقسمنا كلاً منهما إلى ثلاثة أقسام، الحكمة النظرية ما هي أقسامها الثلاثة؟ الرياضيات الطبيعيات، الإلهيات، وقسمنا الحكمة العملية أيضا إلى ثلاثة أقسام وهي سياسة المدن وتدبير المنازل والأخلاق؛ إذاً الأخلاق هي القسم الثالث من أقسام الحكمة العملية.

الشيخ النراقي في آخر سطرين من مقدمة كتاب جامع السعادات يقول وما تعرضت لتدبير المنازل وسياسة المدن لأن غرضنا في هذا الكتاب إنما هو مجرد إصلاح النفس وتهذيب الأخلاق وسميته بجامع السعادات ورتبته على ثلاثة أبواب، أي أنه يريد أن يقول أنا لا أدرس جميع أقسام الحكمة العملية وإنما اقتصر على خصوص قسم الأخلاق من الحكمة العملية دون قسم تدبير المنازل وسياسة المدن لأن غرضي إصلاح النفس وتدبير المنازل وسياسة المدن لا علاقة له بإصلاح النفس، ثم يشرع في الباب الأوّل في المقدمات.

أوّل أمر يذكره في المقدمات فصل انقسام حقيقة الإنسان وحالاته بالاعتبار، يعني على الأساس الذي تعتبره يمكن أن تقسم الإنسان؛ يمكن أن تقسم الإنسان إلى سر وعلن بلحاظ حالة السر والعلن وللسر ملائمات ومنافيات وللعلن منافيات وملائمات آلام ولذات؛ ويمكن تقسيم الإنسان إلى بدن ونفس؛ البدن هو الجسم الظاهر للإنسان له ملائمات الصحة والعافية واللذات الجسمانية وله منافرات الأمراض المختلفة ويرجع في صحة البدن وسقمه إلى الطبيب الجسماني ويرجع في صحة النفس وسقمها إلى الطبيب الروحاني، إذاً علم الطب يتكفل بدراسة حالات البدن وعلم الأخلاق يتكفل بدراسة حالات النفس، من هنا يقع الكلام في الفصل الثاني في تجرد النفس وبقائها وهو بحث فلسفي عميق ودقيق جداً وقد يكون من ناحية المستوى فوق مستوى دراستكم ولكننا سنطرحه بشكل مبسط.

قبل أن نشرع في بيان هذا الفصل نقدم مقدمة فلسفية في الفلسفة كما في بداية الحكمة ونهاية الحكمة هناك بحث يسمى المقولات العشر؛ المقولات العشر ناظرة إلى الجوهر وأقسام العرض، يقسمون الشيء إلى جوهر وعرض؛ أقسام العرض تسعة والجوهر واحد صارت المقولات عشرة يقولون هذه المقولات العشرة هي أجناس عالية يعني لا يوجد فوقها جنس نعم يوجد تحت هذه الأجناس أنواع، درستم المنطق تفرقون بين الجنس والنوع مثلا الحيوان جنس والأسد والثعلب والفيل نوع فالحيوان جنس يندرج تحته أنواع الأسد والزرافة والغزال، يقولون عندنا أجناس عالية يعني لا يوجد فوقها جنس الحيوان يوجد فوقه جنس ما هو الجنس الذي فوق الحيوان؟ جسم حي فوق الجسم الحي جسم لكن المقولات العشر هي أرفع المقولات يعني أجناس عليا لا يوجد فوقها جنس تندرج تحتها أنواع لماذا سميت بالمقولات العشرة؟ لأن العرض أقسامه تسعة بالإضافة إلى الجسم صاروا عشرة تلك عشرة كاملة، يقولون مثلا العرض أقسامه التسعة يقولون الأين الكم الكيف، متى، أن يفعل، أن ينفعل، الجدة، الوضع، الإضافة، تسعة مقولات إذا تدرس الفلسفة لازم تحفظها وتفهمها، تسعة مقولات عرضية متى، أين، كيف، أن يفعل، أن ينفعل، الإضافة، الجدة، إلى آخر المقولات العرضية.

الجوهر يقسم خمسة أقسام؛ يقولون هكذا خمسة أقسام للجوهر المادة، الصورة، الجسم، النفس، العقل، إذاً هذه أقسام الجوهرة الخمسة، نحن من هذه المقدمة يهمنا أقسام الجوهرة الخمسة، يعني إذا نجمع المقولات تسعة مقولات عرضية والجوهر خمسة صاروا أربعة عشر، الجوهر أقسامه خمسة وهي المادة والصورة، الجسم والنفس، والعقل، بحثنا اليوم مقارنة بين الجسم والنفس، إذاً إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة كلٌ من النفس والجسم جوهر أو عرض؟ جوهر، إذاً النفس ليست بعرض ليست من مقولات العرض التسعة بل هي جوهر والجسم أيضا جوهر ويعرفون الجوهر الموجود لا في موضوع.

ما الفارق بين الجسم والنفس؟ هذا هو بحثنا اليوم، ما هو الفارق بين الجسم والنفس؟ لماذا ندرس هذا؟ لأننا ندرس الأخلاق والأخلاق موضوعها الفعل الاختياري والفعل الاختياري ناشئ من الإرادة والإرادة شأن من شؤون النفس، إذاً لابد من دراسة النفس وبيان الفارق بين النفس وبين الجسم ولابد من دراسة أمرين وحيثيتين في النفس.

الأمر الأوّل أن النفس مجردة عن المادة بخلاف الجسم فإنه مادي.

الأمر الثاني النفس باقية بخلاف الجسم فإنه فان وقابل للزوال.

إذاً يوجد فارقان أساسيان بين الجسم وبين النفس أو الروح، الفارق الأوّل الجسم مادي والنفس مجردة عن المادة، الفارق الثاني الجسم يفنى والنفس تبقى.

المحقق النراقي "أعلى الله مقامه الشريف" في بيان تجرد النفس عن المادة يقيم سبعة أدلة أو يأتي بحيثيات سبعة لإثبات أن النفس مجردة عن المادة وليست مادية خلافاً للجسم وبعد أن ينهي الأدلة السبعة يتكلم عن بقاء النفس يعني بعبارة أخرى إذا واحد مات الذي يموت بدنه لكن نفسه تبقى؛ لذلك الميت يرى من يبكي على قبره ويرى من يأتي لزيارته ويزور أهله ويشتاق لزيارة أهله، يعني الذي يشتاق هو النفس لأن النفس تبقى ولا تموت بخلاف البدن الذي يزول، ثم بعد أن يقيم سبعة أدلة على تجرد النفس عن المادة يتكلم عن بقاء النفس في آخر سطرين عند قوله وأما الثاني أعني بقائها بعد المفارقة عن البدن فالدليل عليه بعد ثبوت تجردها أن المجرد لا يتطرق إليه الفساد لأنه حقيقة والحقيقة لا تَبيد كما صرح به المعلم الأوّل وغيره ووجه ظاهر من هو المعلم الأوّل في الفلسفة؟ أرسطو طاليس ومن هو المعلم الثاني في الفلسفة؟ الفارابي، هذه المباحث كلها تجدونها في كتاب الفارابي صفحة 7 المفارقات للفارابي، والمعلم الثالث في الفلسفة من هو؟ المولى الشيخ محمد باقر الميرداماد شيخ المعقول والمنقول أستاذ ملا صدرا أستاذ الشيخ محمد إبراهيم صدر الدين الشيرازي صاحب الأسفار الأربعة وصاحب مدرسة الحكمة المتعالية، إذاً الأمر الثاني يترتب على الأمر الأوّل يعني في المرتبة الأولى نثبت تجرد النفس بالأدلة السبعة في المقام الثاني بعد أن أثبتنا تجرد النفس نقول النفس المجردة أو المجرد لا يتطرق إليه الفساد لأنه حقيقة قائمة بنفسها والحقيقة القائمة بذاتها لا تَبيد ولا تفنى إذاً النفس لا تفنى.

أعيد وأكرر المقدمة الأولى من خلال إقامة الأدلة السبعة على تجرد النفس نقول النفس مجردة هذه صغرى القياس؛ كبرى القياس وكل مجرد حقيقة قائمة بنفسها وكل حقيقة قائمة بنفسها لا تفنى وبالتالي لا تَبيد، إذاً النفس لا تفنى ولا تَبيد.

في الدرس القادم نأخذ الأدلة السبعة على تجرد النفس، تراجعون الفصل الثاني من مقدمات الباب الأوّل من جامع السعادات وتراجعون أيضا كتاب تهذيب الأخلاق لابن مسكويه صفحة 91 لأن هذه المطالب التي هنا كلها هناك، هذا منهج فلسفي يعني الشيخ النراقي أوّل ما بدأ، بدأ بالحكمة والفلسفة.