< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث العرفان

39/12/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هدف ومنهج العرفان والفارق بينه وبين التصوف والأخلاق

 

هدف العرفان الإسلامي

من يتأمل في كلمات العرفاء وأهل المعرفة يتضح له جليا أن الهدف من دراسة علم العرفان هو الوصول إلى الله والوصول إلى درجة الفناء في ذات الله وهي درجة التعرف على التوحيد الكامل بحيث لا يرى الإنسان إلا الله تعالى ولا يبصر في الوجود إلا وجه الله تبارك وتعالى وهناك كلمة جميلة للسيد الإمام روح الله الموسوي الخميني "قدس" يقول فيها العالم محضر الله فلا تعص الله في محضره أي أن الله "عز وجل" حاضر في جميع العالم فلو أحس الإنسان بحضور الله تبارك وتعالى ومشاهدته له لخجل عن معصيته تبارك وتعالى فإذا وصل الإنسان إلى المقام الكامل لا يرى في الوجود إلا الله تبارك وتعالى ويغفل عن كل ما سوى الله "عز وجل" باعتبار أن الله "عز وجل" هو الوجود الحقيقي وهو الحقيقة العظمى وليس ورائه حقيقة ولا توجد غيره حقيقة فلا يوجد موجود آخر غير الله تبارك وتعالى.

يوضح العرفاء أن من يصل إلى أعلى المقامات الوجودية والمعرفية فهو شخص يرى الله "عز وجل" في كل شيء وفي كل حركة بل إنه يستشعر وجود الله "عز وجل" من خلال الحركات المحيطة به كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" (ما رأيت شيئا إلا وقد رأيت الله قبله وبعده ومعه) [1] فالإنسان العارف لا يرى إلا الله "عز وجل"،

سؤال هل يرى العارف بقية الأشياء من المخلوقات كالإنسان والكون وغير ما سوى الله هل يراها معدومات؟

الجواب يقول الشهيد مرتضى مطهري “رضوان الله عليه” إن العارف إذا شاهد الخلق وحركاتهم ينظر إلى أن الجميع يحكي عن اله وعن عظمة الخالق (وفي كل شيء له آيته // تدل على أنه واحد) أي أن الإنسان والكون الفسيح الذي يعيش فيه مظهر من مظاهر تجلي عظمة الله ورحمة الله وقدرة الله والعارف يدرس حقيقة الوجود ويطلب معرفة الله ومعرفة الإنسان ومعرفة الكون ويرى أن الكون والإنسان من مظاهر رحمة الله ومن تجليات الله تبارك وتعالى.

فالعرفان النظري يدرس الله "عز وجل" الحق وأسمائه وصفاته ومظاهره وتجلياته ولا يصل الإنسان إلى المقام السامي والرفيع إلا بالمجاهدة والرياضة، هذا تمام الكلام في بيان هدف العرفان الإسلامي ومن اليوم فصاعدا لا داعي لتطبيق عبارات الكتاب السهلة وسنقتصر على تطبيق وفك عبائر كبار العرفاء التي عادة تكون محكمة ومعقدة وتشير إلى اصطلاحات تخصصية وأما بقية الكتابات السهلة والتي بيانها واضح فنكتفي ببيانها من دون تطبيق العبارة.

المنهج في العرفان

كل علم له منهج معين وبرز علم العرفان كعلم يضاف إلى بقية العلوم كعلم الفلسفة والفقه والأصول والكلام نظرا لوجود منهج واضح فيه ومن خلال هذا المنهج يمكن أثبات المدعيات أو نفيها ويمكن إثبات الفرضيات والمقولات أو نفيها وإذا تتبعنا كلمات العرفاء نجد أن المنهج الوحيد الموصل إلى الحقائق عند العرفاء والكشف والشهود والمعاينة القلبية والمراد بالكشف والشهود هو مشاهدة الحقائق ومعاينة الحقائق الغيبية التي تقع في عالم الغيب وليست في عالمنا الذي هو عالم الشهادة، نحن نعيش الآن عالم الشهادة وهناك عالم غيب والعارف من خلال مكاشفاته القلبية يستطيع أن يكتشف ويكشف المعطيات والمعلومات في عالم الغيب وهناك عدة سبل للحصول على المكاشفة الصحيحة من أبرزها تربية النفس وتهذيبها والمواظبة على العبادات والطاعات وكل ما يؤدي إلى القرب إلى الله "عز وجل" وإخلاص النية وقد أطلق العرفاء على العلم الحاصل من الكشف والشهود العلم الإلهي وبينوا أن الطريق لمعرفة المكاشفة الصحيحة هو عبارة عن التفرغ للعبادة يقول العارف السيد حيدر الآملي “رحمه الله” صاحب كتاب جامع الأسرار ومنبع الأنوار في رسالة نقد النقود في معرفة الوجود صفحة 472 وأما كيفية تحصيل العلوم الحقيقية فهو في غاية السهولة لأنها موقوفة على فراغ القلب وصفاء الباطن وهذا يمكن بساعة واحدة وبيوم واحد وبليلة واحدة إلى أن يقول في موضع آخر ومن المحال أن يعرف ماهيته بطريق النظر أي ماهية البارج الأعلى بطريق النظر يعني بطريق العقل والطريق الفلسفي فما لك يا أخي تبقى في هذه الورطة ولا دخل طريق الرياضات والمجاهدات والخلوات التي شرعها رسول الله "صلى الله عليه وآله" جامع الأسرار صفحة 491.[2]

ملاحظة هامة

وهنا لابد من بيان ملاحظة هامة وهي أن العارف لا ينكر الطريق العقلي والفلسفي كما لا ينكر الطريق النقلي لكنه يرى أن الطريق العقلي والفلسفي لوحده لا يكفي فلكي تصل إلى الحقيقة العظمى وتصير إنسانا كاملا لابد من سلوك الطريق الكشفي والعرفاني فالعرفاء لا يعارضون المنهج العقلي لكن يفهم من كلامهم أن منهج الكشف والشهود أرفع وأعلى من المنهج العقلي والمنهج العرفاني يساهم في كمال المعرفة الحاصلة من المنهج العقلي فالمنهج العقلي مقبول إلا أنه ليس بكاف للوصول إلى المعرفة الصحيحة ولعل كلام الشيخ الرئيس ابن سينا في بيان طبيعة العلاقة بين العقل والكشف تشير إلى ذلك إذ يظهر منه انصراف الفكر بالكامل إلى الحق وهو الذي يساهم في الوصول إلى المعارف الحقيقية الصادقة، ابن سينا الإشارات والتنبيهات الجزء الثالث صفحة 369.

فلعل قوله انصراف الفكر بالكامل إلى الحق إشارة إلى المنهج العرفاني ولعل كلامه لا يشير إلى ذلك وإنما يشير إلى توجه النفس ورغبتها في التحصيل العقلي والحصول على المعرفة الكاملة بالذات الإلهية ومن هنا ينبثق السؤال التالي لماذا فضل العرفاء منهج الشهود على المنهج العقلي ولماذا فضلوا المنهج العرفاني على المنهج الفلسفي؟ وللإجابة على ذلك يمكن ذكر عدة حيثيات ذكر المصنف حيثيتين منها وهما:

أولا إن العلم الحاصل من الفلسفة علم حصولي بينما العلم الحاصل من العرفان علم حضوري ومن الواضح أن العلم الحضوري أقوى من العلم الحصولي إذ أن العلم الحضوري هو عبارة عن حضور نفس المعلوم وحضور نفس الشيء لدى العالم كاستشعار المريض بألمه فإن الألم الداخلي لدى المريض هذا الم حاضر لدى المريض فعلم المريض بمرضه علم حضوري كعلم الجائع بجوعه علم حضوري إذ أن الجوع والشبع والمرض حاضر لدى نفس الجائع والشبعان والمريض بخلاف العلم الحصولي إذ هو عبارة عن حضور صورة المعلوم لدى العالم وليس حضور نفس المعلوم ففي العلم الحضوري يحضر ذات الشيء وفي العلم الحصولي يحضر صورة ذات الشيء ومن الواضح أن حضور نفس الشيء أبلغ وأقوى من حضور صورة الشيء فالعارف بمكاشفته يحضر لديه ذات المعلوم بينما الفيلسوف بتصوره الذهني للمعنى الفلسفي لا يحضر في ذهنه الواقع وإنما يحضر في ذهنه الشريف صورة الواقع وفرق كبير بين حضور نفس الشيء وبين حضور صورة الشيء ومن الواضح والمعلوم جدا أن حضور نفس المعلوم أقوى من حضور صورة المعلوم هذه هي الحيثية الأولى وقد جعلها المصنف ثانية.

ثانيا وأما الحيثية الثانية وهي التي جعلها المصنف حيثية أولى وجعلناها ثانية لأنها تتفرع على الأولى تتفرع على العلم الحضوري والحصولي وهي أن العلم الحاصل من الفلسفة وبقية العلوم كعلم الفقه والأصول والتفسير والرجال والفيزياء والكيمياء وكل العلوم عدى علم العرفان قابلة للخطأ وقد اتضح للبشرية فساد الكثير من النظريات التي بنو عليها فيما سبق فمن يلاحظ التاريخ يجد أن الكثير من الاستدلالات التي ذكرتها البشرية وعاشت تجاربها قد اكتشف البشير فيما بعد خطأ معارفهم فيها فقاموا بإصلاح تلك النظريات أو تعديلها أو إلغائها أو تبديلها لذلك يرى العرفاء أنما يحصل بواسطة المعارف الأخرى والمناهج الموجودة قابل للخطأ فلا تسكن النفس إليها ولا تستريح لاحتمال الخطأ فيها فاحتمال الخطأ يبقى واردا في هذه العلوم والفنون وهذا ما لا وجود له في طريق الكشف والشهود إذا كان الكشف والشهود يتطابق مع المعايير والضوابط التي وضعها العرفاء للصحة والخطأ في الكشف.

النتيجة النهائية نتائج العرفان لا تقبل الخطأ نظرا لأنها عبارة عن علوم حضورية بخلاف نتائج العلوم الأخرى غير العرفان فهي قابلة للخطأ نظرا لأنها نتائج علوم حصولية والعلم الحصولي قابل للخطأ والصواب بخلاف العلم الحضوري ليس قابلا للخطأ والصواب.

هذا ككبرى صحيح ولكن المناقشة في الصغرى من ناحيتين:

المناقشة الأولى العارف الذي حصلت له مكاشفة شخص رأى رؤيا حلم قد يتوهم أنها رؤية رحمانية وإشراقة نورانية لكنها في الواقع قد تكون وسوسة شيطانية ودناءة ابليسية فكيف يقطع العارف أنما ما رآه وما شاهده هو نفحة من نفحات الرحمن فلربما تكون وسوسة من وسوسات الشيطان هذا أولا.

المناقشة الثانية وثانيا لو سلمنا وقطعنا أنما رآه العارف وما عاينه الكاشف كان رحمة من رحمات الرحمن لكنه بنقله لهذه المكاشفة وببيانه لهذه الرؤية يكون قد نقل إلينا علما حصولي فما عاينه وما رآه هو علم حضوري بالنسبة له فهو حجة عليه وما نقله لنا من رؤية أو أحلام يكون علما حصوليا بالنسبة لنا فهو ليس بحجة علينا لاحتمال خطأه في نقل الرؤية وهذا من الواضحات أحيانا أنت تنام تستيقظ من النوم تتذكر الرؤية بعد ساعة تنسى الرؤية يمكن بعد نصف ساعة تتذكر بعض التفاصيل وتنسى بعض التفاصيل من هنا يقال إن العارف لكي ينقل ما رآه بدقة يحتاج إلى دراسة العلوم ومباحث الألفاظ لكي ينقل ما عاينه في قلبه بقوالب لفظية دقيقة تحكي عن ما رآه ولربما تضيق القوالب اللفظية عن بيان أداء حق ما عاينه من معالم روحية عالية وسامية.

من هنا ذهب بعض الفلاسفة المعاصرين كسماحة آية الله المجاهد الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي إلى عدم حجية مكاشفات العرفاء وما نقله لنا العرفاء من مكاشفات لأنه أولا من أين نحرز أنها مكاشفات رحمانية وليست شيطانية وثانيا لو سلمنا إنها مكاشفات رحمانية فنقلها إلينا هو علم حصولي وليس حضوري فيكون قابلا للخطأ والصواب، إذاً ما ادعوه من أن الكشف العرفاني لا يقبل الخطأ والكشف في بقية العلوم غير العرفان يقبل الخطأ لو سلمت تماميته فهو تام في حق نفس العارف الذي رأى وعاين وكشف ولكنه ليس بتام في حق غيره الذي نقلت له المعاينة والمكاشفة، هذا تمام الكلام في بيان المنهج في العرفان.

الخلاصة والمفاهيم الرئيسية للدرس الأول:

أولا علم العرفان الإسلامي واحد من العلوم التي نشأت في خضن تعاليم الدين الإسلامي.

ثانيا النقطة الثانية العرفاء حددوا لهذا العلم موضوع خاصا به مستقلا به عن بقية العلوم وهو الحق تبارك وتعالى.

ثالثا العرفان في اللغة مشتق من عرفة فهو يدل على المعرفة وفي الاصطلاح عبارة عن المعرفة الحاصلة عن طريق المشاهدة القلبية.

رابعا ينقسم العرفان إلى عرفان نظري وعرفان عملي.

خامسا العرفان النظري هو العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وتجلياته.

سادسا العرفان العملي عبارة عن العلم بطريق السير والسلوك والمنازل والمقامات التي ينبغي أن يسلكها العارف للوصول إلى الله تبارك وتعالى.

سابعا موضوع علم العرفان هو الله "عز وجل" ومعرفة وجوده وأهم مسائله أربع، حقيقة الوجود ويدرس فيه الوحدة الشخصية للوجود معرفة الله معرفة العالم معرفة الإنسان.

ثامنا الهدف الأساس لعلم العرفان الوصول إلى الله تعالى والفناء فيه أي الوصول إلى حيثية لا يرى إلا الله تعالى ولا يبصر إلا وجه "جل وعلى".

وذلك السيد الإمام الخميني لما هبط إلى أرض الوطن بعد غربة وهجرة 14 سنة خارج إيران حينما أبعده الشاه لما هبطت الطائرة ونزل سأله أحد الصحفيين ما هو شعورك وأنت تهبط لأرض الوطن قال لا شيء لأن من كان مع الله كان الله معه الشيء والموجود هو الله "عز وجل" وما عداه تقول أرض الوطن أو الولد أو المال هيج لا شيء هذه حقيقة الأمر.

تاسعا وأخيرا المنهج هو الطريق الذي يوصل إلى الهدف والمنهج الطريق الموصل إلى الحقائق عند العرف هو الكشف والشهود.

في نهاية كل درس من هذه الدروس الأحد عشر الشهيد المطهري كتب عشرة دروس في كتابه العرفان هنا في مبادئ علم العرفان كتبوا أحد عشر درس في نهاية كل درس ذكرت شخصية للمطالعة يعني أحد عشر شخصية أول شخصية ذكروها

السيد علي القاضي الطباطبائي

هو السيد علي ابن السيد حسين القاضي التبريزي الطباطبائي ولد عام 1285 هجرية في مدينة تبريز ونشأ في أسرة علمية متدينة وتوفي في النجف الاشرف سنة 1366 هجرية درس المقدمات في تبريز وانتقل إلى النجف الاشرف بالعراق سنة 1313 هجرية حضر دروس كبار العلماء أمثال الشيخ المامقاني الشيخ الشريعة الأصفهاني الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية.

يعتبر خاتمة العرفاء في زماننا المعاصر العرفاء لهم سلسلة هذه السلسلة يمكن أن تراجع في كتاب جمعت فيه عدة كتب طبعته مكتبة فدك ذكرت في رسالة السيد مهدي بحر العلوم في السير والسلوك وعدة رسائل وفي مقدمة هذا الكتاب ذكرت سلسلة العرفاء بدأت السلسلة بمن إلى أن وصلت إلى من طبعا أكثر واحد معروف من بين هؤلاء العرفاء الشيخ حسين قلي الهمداني الذي يشترط الاجتهاد الفقهي في العارف ثم توالت إلى أن وصلت إلى السيد علي القاضي التبريزي في هذا الكتاب موجود سلسلة وطبقات هؤلاء العرفاء لأنهم السير والسلوك إلى الله يشترط فيه المرشد ووجود العارف ويطلق عليه طائر القدس أو الخضر طبعا مؤخرا الشيخ بهجت "رحمة الله عليه" كان لا يشترط أن يوجد شخص المرشد وإنما يكفي أن يكون المرشد هو روايات أهل البيت "عليهم السلام" والقرآن الكريم كما في كتابه الناصح يشير إلى ذلك.

السيد القاضي عاش فقيرا ولم يبد أي قلق من الفقر وكان يتخفى في عباداته وطاعاته كانت له غرفة خاصة في جامع الكوفة ويتردد على مسجد السهلة وكان صاحب خلق رفيع وكرامات عالية نقل بعضها السيد أبو القاسم الخوئي درس عنده فترة السيد الخوئي ولكن ما واصل دراسة العرفان السيد الخوئي والعلامة الطباطبائي واصل معه صاحب الميزان من تلامذة السيد علي القاضي أذكر لك كرامة واحدة.

السيد القاضي كان يكثر الذهاب إلى مقبرة الغري في النجف الاشرف يبقى أربعة ساعات ست ساعات في المقبرة يقول العالم الكبير الشيخ محمد تقي الآملي "رحمة الله عليه" صاحب كتاب درر الفوائد في التعليقة على المنظومة وكتاب مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى وهو صاحب فقاهة راقية وأيضا ضليع في الفلسفة والعرفان يقول كنت في يوم من الأيام في الغرفة وقد مددت رجلي في المدرسة وقلت في ذهني هل مد الرجل ويوجد في المكتبة كتب وفيها التفاسير هل مد الرجل يعد هتكا لحرمة هذه الكتب أم لا، لا أدري؟ وأراد أن يرجع إلى إيران وقال هل يوجد خطر علي أو لا؟ وكان يرى السيد الطباطبائي يمكث في المقبرة كثيرا ويقول هذا ما شغله في المقبرة ماذا يجري من فائدة من الجلوس في المقابر، يقول أنا خرجت من المدرسة مشيت في الطريق رأيت السيد علي القاضي فسلمت عليه فرد السلام وقال مد الرجل أمام الكتب هتك يصدق عليه الهتك وذهابك إلى إيران ليس فيه خطر عليك وهذا بعض ما تعلمناه من المقابر "رحمة الله عليه" صاحب كرامة قبر مشهود ومعروف في مقبرة الغري هو بين زوجاته وأولاده وأحفاده معروف هناك، انتهينا من بيان الدرس الأول علم العرفان.

الدرس الثاني خصائص علم العرفان وتاريخه

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن يبين الفرق بين العرفان وكل من التصوف والأخلاق.

العارف من الناحية العلمية يطلق عليه عارف ومن الناحية الاجتماعية يطلق عليه متصوف إذاً الفرق بين العرفان والتصوف إنما هو في اللحاظ فإذا لاحظنا الجانب العلمي والثقافي والمعرفي قيل عارف وعرفان وإذا لوحظ الجانب الاجتماعي قيل متصوف هذا الفرق بين العرفان والتصوف، الفرق بين العرفان والأخلاق بشكل موجز العرفان إما نظري وإما عملي العرفان النظري هو ما يدرس وجود الله وأسمائه وصفاته فهو أشبه بالفلسفة فيكون علم العرفان النظري مغايرا ومباينا للأخلاق الإسلامية لأن الأخلاق تدرس السلوك والقيم النفسانية والآداب الأخلاقية بينما العرفان النظري يدرس أمور فلسفية وعقائدية الله وأسمائه وصفاته وتجلياته، إذاً العرفان النظري مغاير لعلم الأخلاق وأما العرفان العملي الذي يدرس السير والسلوك إلى الله فهو يتفق مع الأخلاق فيكون علم الأخلاق وعلم السير والسلوك إلى الله "عز وجل" وهو العرفان العملي واحدا مع الاختلاف بعض الشيء إذ أن العرفان يدرس خصوص السير والسلوك إلى الله من حيث المبدأ والمنتهى بينما الأخلاق يدرس مفاهيم عامة فيبين الفضائل والرذائل سواء المتعلقة بالنسبة إلى السير والسلوك إلى الله أو غير متعلقة بالنسبة إلى السير والسلوك إلى الله "عز وجل".

النقطة الثانية نبذة عن خصائص العرفان الإسلامي وسنذكر أربعة خصائص، النقطة الثالثة التعرف بشكل مختصر على تاريخ العلم وسنذكر مراحل ثلاث.

النقطة الأولى الفرق بين التصوف والعرفان

التصوف حركة اجتماعية ظهرت في العالم الإسلامي في القرن الثامن الهجري وذلك استجابة لبعض النصوص التي تدعو الإنسان المسلم للابتعاد عن الدنيا والانشغال عن العبادة والطاعة طبعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" ردع عن ذلك وقال لا رهبانية في الإسلام والرواية المعروفة عن أمير المؤمنين حينما جاءه أحد أصحابه وقال له (أدرك أخي عاص فإنه ترك زوجته وعياله وذهب إلى الجبل لكي يعبد الله "عز وجل" فقال احضره فلما احضره قال له أمير المؤمنين يا عدي نفسه ونهاه عن ذلك)[3] ، إذاً الإسلام لا توجد فيه رهبانية كما في المسيحية لا يتزوج البابا أو القس ويتبتل ويترك الزواج.

أولا ما هو المراد بالتصوف في اللغة؟ التصوف على وزن تفعل فهو مصدر اشتق من اسم ويعني لبس الصوف مثل تقمص وهي تعني لبس القميص تصوف يعني لبس الصوف وتطلق لفظة التصوف في بعض معانيها على الميل يقال صاف السهم عن الهدف بمعنى مال عنه فالمتصوف فهو من مال عن الدنيا وتركها ويطلق التصوف ويراد به النسبة إلى الصوف لأن بعض الزهاد اختاروا هذا اللباس الخشن للدلالة على الزهد وقد يراد النسبة إلى الصوف وإلى الصفاء، إذاً المنشأ اللغوي للتصوف أحد ثلاثة أمور:

الأمر الأول النسبة إلى الصوف واللباس الخشن.

الأمر الثاني النسبة إلى الصفاء والصفة.

الأمر الثالث النسبة إلى الميل عن الدنيا فسمي المتصوفة متصوفة لأحد أمور ثلاثة إما للبسهم الصوف الخشن وإما لميلهم عن الدنيا وإما للصفاء الحاصل عندهم فهم من أهل الصفة والصفاء ولعل المعنى الأول هو الأشهر وهو التصوف تفعل من لبس الصوف.

جاء في كتاب كشاف اصطلاحات الفنون لمحمد علي التهانون الجزء الأول صفحة 841 [4] في اللغة التصوف يعني ارتداء الصوف وهذا نتيجة الزهد وترك الدنيا وفي نظر أهل العرفان تطهير القلب من محبة ما سوى الخالق وتقويم الظاهر من حيث العمل والاعتقاد بالتكليف أو المأمور به والابتعاد عن المنهي عنه والالتزام بما قاله رسول الله "صلى الله عليه وآله" فهؤلاء جماعة من المتصوفة المحقة وقد عرفوا التصوف بتعاريف متعددة منها ما ذكر أبو الحسن النوري مقدمات تأسيسة صفحة 8 و9 التصوف هو الابتعاد وترك العلائق النفسية فالمتصوفة هم الذين أطلقوا أنفسهم من كدر البشرية وتخلصوا من الآفات النفسية وهواها وذلك من أجل أن يكونوا في مقدمة الصف.

أما ابن خلدون في مقدمته وهي أول كتاب كتب في علم الاجتماع مقدمة ابن خلدون أهم من تاريخه هي كتبها مقدمة جزء واحد مقدمة لتاريخ ابن خلدون صفحة 157 [5] يصف التصوف بشكل أدق يقول هو العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه ابن خلدون من تونس.

وقبل أن نذكر الفرق بين التصوف والعرفان نذكر الحيثية التي ذكرها الشهيد مطهري بشكل أدق في كتابه العرفان صفحة 59 الدرس الأول يقول وهناك فارق بين العرفاء وسائر الشرائح الثقافية الإسلامية الأخرى من المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين والفلاسفة والأدباء والشعراء فإن العرفاء مضافا إلى كونهم طبقة مثقفة أبدعت علما اسمه العرفان وظهر فيهم من العلماء الكبار الذين صنفوا كتبا قيمة قد برزوا كفرقة اجتماعية في العالم الإسلامي لها سماتها التي ميزتها من غيرها خلافا للطبقات الثقافية الأخرى من قبيل الفقهاء والحكماء وغيرهما من الطبقات الثقافية والعلمية التي لم تبرز كفرق منفصلة عن غيرها وقد عرف مشايخ العرفان بوصفهم طبقة علمية بالعرفاء وبوصفهم شريحة اجتماعية بالمتصوفة إن العرفاء والمتصوفة وإن لم يؤسسوا لأنفسهم مذهبا مخصوصا في الإسلام وإنما سجلوا حضورهم في جميع الفرق الإسلامية ولكنهم في الوقت نفسه شكلوا مجموعة متكاتفة ومتعاضدة اجتماعية.

السؤال ما الفارق بين التصوف والعرفان؟

الجواب:

النقطة الأولى إذا لوحظ العرفاء من الناحية العلمية ولوحظت الحركة الثقافية والمعرفية أطلق عليهم عرفاء وأطلق على العلم الحاصل منهم علم العرفان وإذا لوحظ العرفاء كحركة اجتماعية وجدت في العالم الإسلامي بعد نزول الوحي أطلق عليهم متصوفة فالتصوف عبارة عن حركة اجتماعية دينية لها علاقة بالزهد في الدنيا والابتعاد عنها.

النقطة الثانية العرفان أعلى من التصوف لأن التصوف أسلوب وطريقة نابعة من العرفان مما يعني أن النسبة بين التصوف والعرفان هي نسبة العموم والخصوص المطلق فكل عارف متصوف وليس كل متصوف عارف بعض المتصوفة عرفاء يعني لديهم علم عرفان وبعض المتصوفة ليسوا عرفاء الآن التصوف موجود في العالم السني بقوة مثلا في شمال أفريقيا وفي أفريقيا الطريقة القادرية الطريقة الكيلانية الطريق ما شاء الله طرق كثيرة أصلا أكثر أهل السنة أحناف ومتصوفة الوهابية قليلون جدا وقد الصقوا أنفسهم بأهل السنة والصوفية موجودين في باكستان موجودين في الهند موجودين في أفريقيا في شمال أفريقيا في تركية عدد كبير من الصوفية والصوفية قريبون من الشيعة لأن المتصوفة محبون لأهل البيت "عليهم السلام".

إذاً كل عارف متصوف لا معنى أن يكون عارف ويوجد عنده تصوف وابتعاد عن الدنيا وليس كل متصوف عارف ولعل الشيخ الرئيس ابن سينا أشار إلى هذه النكتة من خلال هذا المقطع من كتابه الإشارات والتنبيهات الجزء الثالث صفحة 369 [6] يقول المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها يخص باسم الزاهد والمواظب على فعل العبادات من القيام والصيام ونحوها يخص باسم العابد والمنصرف بفكره إلى قدس الجبروت مستديما بشروق نور الحق في سره يخص باسم العارف وقد يتركب بعض هذه مع بعض يعني قد يكون عارفا وزاهدا وعابدا قد يكون زاهد لكن ليس بعارف قد يكون عابد لكن ليس بزاهد وقد يكون عارف وزاهد وعابد فإذا كان عابدا وليس عارفا صار متصوف لكنه ليس بعارف، هذا تمام الكلام في بيان الفارق بين العرفان والتصوف.

وأما الفرق بين الأخلاق والعرفان

فقد ذكرنا أن العرفان إما نظري وإما عملي أما العرفان النظري فهو ما يدرس توحيد الله وصفاته وأسمائه وتجلياته فيكون العرفان النظري أشبه بالفلسفة والفلسفة علم مغاير لعلم الأخلاق بخلاف العرفان العملي فهو يدرس السير والسلوك إلى الله "عز وجل" والسير والسلوك إلى الله طريقة من طرق رياضات النفس وتهذيب النفس فيندرج في علم الأخلاق،

إذاً العرفان النظري مغاير للأخلاق يعني العرفان النظري علم مغاير لعلم الأخلاق وأما العرفان العملي فهو علم ينسجم مع علم الأخلاق ولكن يوجد فارق بينهما وهو أن علم الأخلاق جامد ثابت كما يقول الشهيد مطهري كيف يعني جامد ثابت علم الأخلاق غرضه بيان الفضائل والرذائل هذه فضائل وهذه رذائل بخلاف علم العرفان العملي الذي يدرس السير والسلوك إلى الله وفي السير والسلوك إلى الله هناك معاناة للعارف هناك تحديات وموانع يعاينها العارف فيكون طريق السير السلوك طريقا حيويا فطريق السير والسلوك فيه تراتبيه هناك منازل هناك تدرج هناك مبدأ هناك منتهى تحديد نقطة البداية النهاية المقصد المنازل التي يطوف فيها العارف فإذاً فيه حيوية فيه ديناميكية لأن هناك معاناة ومجاهدة من قبل العارف بخلاف علم الأخلاق فإنه علم يقتصر على بيان الفضائل والرذائل، طبعا هذا كلام نقل عن الشهيد مطهري وإلا علم الأخلاق أيضا فيه تهذيب النفس وفي تهذيب النفس هناك معاناة وهناك حركية وهناك ديناميكية فلا يصح أن نقول إن علم الأخلاق استاتيكي غير ديناميكي يعني ثابت وجامد وغير متحرك، هذا تمام الكلام في بيان الفارق بين التصوف والعرفان وبين الأخلاق والعرفان، خصائص العرفان الإسلامي يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمد وآله الكرام


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo