< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث العرفان

39/12/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العرفان النظري

 

الدرس الرابع العرفان النظري

نكمل اليوم الأحد 20 محرم الحرام 1440 هجرية قمرية الموافق 8 مهر شهر سبعة 1397 هجرية شمسية المصادف 30 سبتمبر شهر 9 لعام 2018 ميلادية، نكمل كتاب مبادئ علم العرفان وقد أخذنا الدروس الثلاثة الأول في أربعة دروس سابقة اليوم إن شاء الله نشرع في بيان الدرس الرابع من هذا الكتاب وهو درسنا الخامس.

العرفان النظري

العرفان النظري جزء من علم العرفان إذ أن علم العرفان ينقسم إلى قسمين، عرفان نظري وهو ما سنأخذه في الدرس الرابع وعرفان عملي وهو ما سنأخذه في الدرس الخامس.

العرفان النظري يدرس الواجب والحق تبارك وتعالى وأحواله وأسمائه وصفاته وتجلياته والعلاقة بين الأسماء والصفات والتجليات وبين الذات فعلم العرفان النظري يقوم بتبيين الأمور بين وجود الله "عز وجل" وأسمائه وصفاته وتجلياته.

الرؤية الكونية العرفانية

المقصود بالرؤية الكونية العرفانية النظرية التي يقدمها العرفاء التي تفسر رؤيتهم لله تبارك وتعالى والإنسان والعالم فهذه محاور ثلاثة في العرفان النظري وجود الله الكون العالم وهذه المعرفة تعتمد على المعرفة القلبية والشهودية عن طريق المكاشفات وكذلك أيضا تعتمد على الاستدلالات العقلية والفلسفية إلا أن العارف يرى إن الاستدلال العقلي ليس كاف بل لابد من الاستدلال القلبي والشهودي ولكن يؤخذ بالاستدلال العقلي لمن لا يرى ولا يعتبر بالاستدلال الشهودي والقلبي.

العرفاء يعتقدون أن الوجود لله تعالى فقط وأن الله “عز وجل” هو الموجود الوحيد الذي لا يصح أن يطلق عليه مفهوم الوجود إلا هو وكافة ما سوى الله إنما هي تجليات لله ومظاهر لله تبارك وتعالى فقوة الإنسان واقتداره مظهر لأسم الله القوي المقتدر

فالرؤية الكونية العرفانية تبدأ بمسألة وحدة الوجود والمراد بوحدة الوجود وحدة الموجود فليس المراد بوحدة الوجود وحدة مفهوم الوجود وإنما المراد بوحدة الوجود وحدة مصداق الوجود يعني مصداق الوجود واحد

فالمراد بوحدة الوجود يعني وحدة الموجود يعني لا يوجد إلا موجود واحد وهو الله تبارك وتعالى وما عدا هذا الموجود من كثرات كالإنسان والكون إنما هي تجليات فالرؤيا الكونية العرفانية قائمة على وحدة الوجود الشخصية في مقابل وحدة الوجود التشكيكية التي يراها الفلاسفة ومنهم السيد الطباطبائي صاحب الميزان في كتابيه بداية الحكمة ونهاية الحكمة إذ يقول هو وصاحب المنظومة بوحدة الوجود التشكيكية يعني الوجود واحد ولكن ينطبق على مصاديقه بالتفاوت يعني مفهوم الوجود واحد ومصاديقه متعددة وهذا هو الفارق بين وحدة الوجود عند الفلاسفة ووحدة الوجود عند العرفاء إذ المراد بوحدة الوجود عند الفلاسفة هو وحدة الوجود المفهومية يعني من ناحية المفهوم

وأما المراد بوحدة الوجود عند العرفاء

فهو وحدة الوجود من ناحية المصداق وشتان وفرق كبير بين هاتين النظرتين إذ يرى العرفاء أن مصداق الوجود واحد فضلا عن مفهومه يعني مفهوم الوجود واحد ومصداق الوجود واحد وهو الله وهذا معنى التوحيد عند العرفاء الله واحد يعني موجود واحد لا موجود غيره بخلاف التوحيد عند المتكلمين الله واحد يعني ذاته واحدة لا ثانية لها ولا شريك لها فالمراد بالتوحيد عند المتكلمين أن ذات الله واحدة لا شريك له فيها ولا شريك له في هذا الكون

وأما المراد بالوحدة والتوحيد عند العرفاء

أن الله واحد يعني أن الموجود في العالم والكون واحد وهو الله ولا وجود لسواه ولا يوجد موجود سواه، إذاً أساس نظرية العرفاء وحدة الوجود الشخصية يعني الله موجود واحد شخص ولا يوجد موجود شخصي آخر غير الله “عز وجل” فمفهوم الوجود واحد ومصداق الموجود واحد وهو الحق تبارك وتعالى بخلاف الفلاسفة كصاحب الميزان وصاحب المنظومة الذين يران أن مفهوم الوجود واحد لكن مصاديقه متعددة فقالوا بوحدة الوجود التشكيكية وحدة الوجود من ناحية المفهوم التشكيك والتعدد والكثرات من ناحية المصاديق

وهناك نظرية ثالثة اشرنا إليها وهي نظرية الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا وهو تعدد الوجود والكثرات يعني لا يقول بوحدة الوجود يقول بتعدد الموجود يعني هناك موجودات مختلفة،

إذاً ثلاث نظريات نظرية الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا نظرية تعدد الوجود النظرية الثانية نظرية صاحب الميزان والملا هادي السبزواري صاحب المنظومة وحدة الوجود التشكيكية النظرية الثالثة نظرية العرفاء نظرية وحدة الوجود الشخصية ومن هذا نفهم أن العرفاء يرون أن الأصالة لله تبارك وتعالى وحده ولا يوجد غيره بينما الفلاسفة يرون أن الأصالة لله ولغيره غاية ما في الأمر أن وجود الله واجب ووجود غيره ممكن فالفلاسفة يقولون بأصالة الله وغيره فالوجود كما يثبت لله يثبت لغيره غاية ما في الأمر أنه نحو الوجود مختلف فنحو وجود الله واجب ونحو وجود غير الله ممكن بينما العرفاء لا يرون أن الممكن موجود لا يوجد إلا الوجود الواجب، إذاً الرؤية الكونية عند العرفاء تبدأ من مسألة وحدة الوجود وبنا العرفاء كافة نظرياتهم على مسألة وحدة الوجود الشخصية وأن الكثرات إنما هي اعتبارية تماما كقوص وقزح قوص قزح ذو سبعة ألوان في الواقع هي ليست ألوان وإنما انعكاسات بالشمس فهذه الكثرات في الألوان إنما هي وهمية اعتبارية ولا وجود لها في الحقيقة.

الخلاصة وجود الله هو الوجود والموجود الحقيقي والوحيد وما سواه ليس إلا ضلا وتجليا لله تبارك وتعالى وقد أشار الشهيد مطهري “رحمه الله” في كتابه العرفان في الدرس الثاني العرفان النظري صفحة 63 إلى الأصالة عند العرفاء والأصالة عند الفلاسفة قال "قدس" صفحة 63 يرى الفيلسوف الإلهي الأصالة لله ولغيره إلا أن الله واجب الوجود وقائم بذاته وما سواه ممكن الوجود وقائم بغيره ومعلول لواجب الوجود مراده أصالة لله ولغيره يعني يثبت الوجود بالأصالة لله ويثبت الوجود بالأصالة لممكن الوجود بينما يرى العارف أن كلما سوى الله وإن كان معلوما لله إلا أنه لا وجود له حقيقة وإنما الحقيقي هو وجود الله المحيط بكل شيء وبذلك تكون جميع الأشياء أسماء وصفات وشؤون وتجليات لله سبحانه وتعالى وليست أمورا زائدة عليه كما أن رؤية الفيلسوف صفحة 64 يقول تختلف عن رؤية العارف فالفيلسوف يريد فهم الكون أي أنه يحاول للوصول إلى تصور صحيح وجامع وكامل للكون ويرى أن الحد الأعلى للكمال الإنساني هو أن يدرك بعقله الكون على ما هو عليه حتى يكون للكون وجود عقلاني في وجوده فيغدو هو عالما عقليا ولذلك قيل في التعريف الفلسفي صيرورة الإنسان عالما عقليا مضاهيا للعالم العيني بينما العارف لا يعي أي اهتمام للعقل والإدراك وإنما يروم الوصول إلى كنه الوجود وهو الله حتى يشاهده ويتصل به إن كمال الإنسان لا ينحصر لدى العارف بمجرد أن يكون تصورا عن الوجود في ذهنه بل لابد عليه أن يسير ويتجه نحو المبدأ الذي أوجده وأن يحطم الفواصل بينه وبين ذات الحق تعالى ويتقرب منه حتى يفنا فيه ويبقى ببقائه.

إن أدوات الفيلسوف هي العقل والمنطق والاستدلال بينما الأداة التي يستعملها العارف عبارة عن البصيرة والمجاهدة وتزكية النفس وتهذيبها والحركة والصراع الباطني، انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

إن العرفاء يتحدثون عن بعدين عند حديثهم عن ذات الإله:

البعد الأول كنه الذات التي لا يمكن إدراكها هذه الذات خفية على كل ما سوى الله لأن ذات الله كاملة غير محدودة وذات الإنسان ناقصة محدودة فكيف يحيط المحدود وهو الإنسان بغير المحدود وهو الله تبارك وتعالى وكيف يحيط الإنسان الناقص بالله الكامل إذاً الأمر الأول إدراك كنه الذات غير ممكن ولذلك الروايات نهت عن التفكر في ذات الله فإنه يقود إلى الحيرة والكره لأن الإنسان لن يستطيع إدراك كنه الذات الإلهية لأنها غير متناهية والإنسان متناهي ولا يحيط المتناهي بغير المتناهي ولا يحيط اللامحدود بالمحدود.

البعد الثاني للذات الإلهية البعد الظاهر الذي يقبل التجلي كأسماء الله وصفاته وهذا البعد الظاهر الذي يقبل للتجلي يمكن معرفته وإدراكه للبشر، إذاً كلامنا وبحثنا في البعد الثاني وهو البعد الظاهر للذات الإلهية لا الأمر الأول وهو إدراك كنه الذات الإلهية وفي المسألة الثانية إدراك البعد الظاهر للذات الإلهية قلنا إن أهم مسألتين يتكأ عليها العرفاء هو مسألة وحدة الوجود الشخصية فإذا أنكر أحد وحدة الوجود الشخصية فإنه أنكر أساس علم العرفان واسقط علم العرفان تماما كما في المنطق من ينكر أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان فإنه ينكر أساس المنطق الأرسطي منطق أرسطو قائم على مسالة بديهية النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فإذا اثبت احد اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما بطل أساس المنطق الأرسطي.

وهكذا العرفان النظري فإنه مبني على مسألة وحدة الوجود الشخصية فلو أنكر شخص مسالة وحدة الوجود الشخصية يعني أن الموجود شخص واحد وهو الله “عز وجل” ولا موجود سواه وما عداه إنما هو تجلي له ففي هذه الحالة يكون قد أنكر أساس علم العرفان، إذاً يقع الكلام في كيفية إثبات وحدة الوجود الشخصية يمكن إثبات وحدة الوجود الشخصية على نحويين:

النحو الأول للعرفاء وهو إثبات وحدة الوجود الشخصية عن طريق الكشف والشهود.

النحو الثاني للفلاسفة إثبات وحدة الوجود الشخصية عن طريق الاستدلال والبرهان.

 

أما النحو الأول إثبات وحدة الوجود الشخصية عن طريق الكشف والشهود وهذا هو سيرة أكثر العرفاء الذين وصلوا واعتقدوا أنهم وصلوا إلى هذه المرحلة من التوحيد عن طريق الكشف والشهود فيعتقد العرفاء أن من نور الله بصيرته يصبح لا يرى في الوجود إلا الله وكل ما عدا ذلك فهو سراب وتجلي كما في كلمات ابن العربي فتوحات المكية الجزء الثالث صفحة 247 لذلك هناك كلمة جميلة للسيد الإمام الخميني "رضوان الله عليه" يقول لا يؤثر في الوجود إلا الله لذلك ما يخاف من غير الله لا يؤثر في الوجود إلا الله لأن لا يوجد إلا الله فعلام الخوف لا يخاف من ظالم ولا يخاف من صارم لأنه لا يرى أمامه إلا الله ولعل مضمون الرواية يشير إلى ذلك وهو قوله "صلى الله عليه وآله" (من أخاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن خاف غير الله أخافه الله من كل شيء)[1] .

أما النحو الثاني إثبات وحدة الوجود الشخصية عن طريق الاستدلال العقلي فقد قدم بعض العرفاء أدلة فلسفية عقلية لإثبات أن الوجود لا يكون إلا الواجب والواجب ليس إلا واحدا، إذاً الوجود واحد إذاً الاستدلال مؤلف من مقدمتين:

المقدمة الأولى الوجود لا يمكن أن يكون إلا الواجب فالممكن ليس بوجود.

المقدمة الثانية واجب الوجود واحد بالنتيجة الوجود لا يكون إلا واحدا لأن واجب الوجود ليس إلا واحد.

ويعتقد العرفاء أن الطريق الأول الكشف والشهود هو الأكثر قدرة على إيجاد اليقين لدى الإنسان وهو كاف في الإيمان ولا حاجة إلى النحو الثاني الطريق الفلسفي العقلي وإنما يذكرون الطريق الفلسفي لمن لم يتمكن من الاستفادة من مشاهدات العرفاء فهو طريق للذين حصلوا معرفتهم بخصوص المعرفة العقلية .

نظرة العارف إلى الوجود تعتبر كلمة الوجود هي أهم كلمة على الإطلاق في علم العرفان أهم كلمة فالوجود من أهم العبارات عند العرفاء وأوضحها باعتبار أن كافة نظريات العرفاء تتمحور حول الوجود والوجود عند العرفاء هو الحق تبارك وتعالى ويوضح العرفاء أن الوجود بديهي وواضح ولا يحتاج الإنسان إلى دليل للقبول به فهو مقبول عند كافة العقول ولعل الآية الكريمة تشير إلى ذلك (أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) ويشير قول الحسين بن علي في دعاء عرفة (أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك عميت عين لا تراك عليها رقيبا أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك) إذاً المسألة الأولى في نظرة العارف إلى الوجود هي أن الوجود بديهي ولا يحتاج إلى دليل للقبول به ثم يبينون أن هذا الوجود واحد بمعنى أنه يطلق على كافة الأشياء بمعنى واحد أي أن مفهوم الوجود واحد ومصداق الوجود أيضا واحد وهو الله تبارك وتعالى فمرادهم من وحدة الوجود يعني وحدة الموجود يعني المصداق الموجود في العالم كله واحد فقط وهو الله تبارك وتعالى وكل ما سوى الله إنما هو ضل وتجلي لله “عز وجل” فوجود غيره وضلية غيره تابعة لوجود الحق تبارك وتعالى.

أحكام الوجود عند العرفاء خمسة وهي كما يلي:

أولا الوجود بديهي ولا يوجد ما هو أوضح من الوجود فلا يحتاج إلى دليل لإثباته.

ثانيا ليس بالوجود سوى مصداق واحد وهو الله تبارك وتعالى.

ثالثا إن كل كمال وكل خير يعود إلى الوجود الحقيقي وهو الله تبارك وتعالى إذ لولا وجود الحق لما ظهر الكمال والخير.

الرابع ليس للوجود الواحد مراتب وليس لوجود الله “عز وجل” مراتب بعضها قوي وبعضها الآخر ضعيف.

الخامس الوجود مساو للوحدة.

 

الأمر السادس

الوجود مساو للوجود، هذا الخامس والسادس يمكن جعلهما واحدا بأن نقول الوجود مساو للواجب والواجب ليس إلا واحدا فالوجود واحد، هذا تمام الكلام في بيان الأمر الأول وهو نظرة العارف إلى الوجود إلى الله تبارك وتعالى يقع الكلام في الأمر الثاني نظرة العارف إلى العالم ثم الكلام في الأمر الثالث نظرة العارف إلى الإنسان لهم هذا التعبير يقولون يوجد إنسان صغير وإنسان كبير ويوجد كون صغير وكون كبير الإنسان الصغير هو الإنسان أنا وأنت والإنسان الكبير هو الكون وهكذا يوجد الكون الكبير وهو الكون والكون الصغير وهو الإنسان (أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر وأنت الكتاب المبين الذي بآياته يظهر المجمل)[2] فيعبر عن الإنسان الإنسان الصغير والكون الصغير ويعبر عن الكون الكون الكبير والإنسان الكبير والإنسان الكامل هو اظهر وأكمل تجلي لله وأول تجليات الله تبارك وتعالى هو الإنسان الكامل لماذا؟ لأن الإنسان الكامل هذا العالم الصغير هو الوجود الإنساني الذي استحق الخلافة الإلهية وهو العالم الكبير فالكون خلق على شاكلة إنسان الصغير فالإنسان الصغير هو خليفة الله وهو المظهر الأول والتجلي الأكمل لله تبارك وتعالى، إذاً عندنا عالم كبير كون كبير وعالم صغير كون صغير وهو الإنسان الذي استحق الخلافة الإلهية وعالم كبير وكون كبير وهو الكون الذي نعيش فيه فالكون خلق على شاكلة الإنسان.

 

أبرز خصائص العالم في الرؤية العرفانية

توجد خصائص كثيرة للعالم في الرؤية العرفانية نذكر أبرزها وهي ثلاثة:

الخصيصة الأولى العالم مرآة وآية تدل على الله “عز وجل”

فالعالم مخلوق لله ومنه استمد كافة كمالاته، العالم مأخوذ من العلامة والعلامة هي الدليل فسمي العالم عالما لأنه علامة ودليل ومرآة تعكس وجود الله “عز وجل” إذاً العالم الصغير والعالم الكبير آية من آيات الله ومرآة تعكس جلال الله ووجود الله وجلال الله “عز وجل” فالإنسان الصغير يعكس كمال الله “عز وجل” والإنسان الكبير وهو الكون الفسيح يعكس جمال الله وقدرة الله “عز وجل” إذاً الخصيصة الأولى إن العالم مرآة وآية وعلامة.

الخصيصة الثانية نظام العالم هو الأحسن فتبارك الله أحسن الخالقين

لماذا نظام العالم هو الأحسن؟ لان الله هو الأكمل والأحسن والأجمل فتكون المرآة له تعكس الأجمل والأحسن والأكمل فيكون خلق الإنسان هو أكمل خلق وأحسن خلق وخلق الكون هو أكمل خلق وأحسن خلق وأجمل خلق إذاً الخصيصة الثانية نظام العالم هو الأحسن لان العالم ظل الله ومظهر أسمائه وبما أن كل أسم من أسماء الله هو الأحسن أسمائه الحسنى بحكم الأسماء الإلهية الحسنى فالنظام في العالم يكون هو الأحسن إلى هذه النكتة يشير ابن العربي عندما يبين أن الحق تعالى إذا كان يشكل هوية العالم فأحكام وصفات العالم ليست إلا منه تعالى وعلى هذا الأساس فليس من الممكن وجود عالم أعلى وأجمل من هذا العالم لان هذا العالم ظل الرحمن، يراجع ابن العربي في فصوص الحكم الفص الأيوبي.

الخصيصة الثالثة سريان الحياة والشعور في العالم

يعتقد العرفاء أن العالم وكافة أركان العالم عامة من الجماد والنبات والحيوان وغير ذلك إنما هي كائنات تمتلك شعورا وحياة وهذه الحقيقة يمكن فهمها بواسطة الكشف العرفاني لكن الكثير من آيات كتاب الله تحدثت عن تسبيح كافة الموجودات كما في سورة الجمعة ﴿يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم﴾[3] فيها عموم ما في السماوات يعني كل ما في السماوات وما في الأرض وهكذا في سورة الحديد وغيرها ﴿سبح لله ما في السماوات وما في الأرض﴾[4] بل هناك آية تصرح فيها عموم ﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحه﴾[5] وقد قيل إن صاحب الميزان السيد محمد حسين الطباطبائي "أعلى الله مقامه الشريف" كان يسمع تسبيح الجدران وقد قيل في حق السيد شهاب الدين المرعشي "أعلى الله مقامه الشريف" أنه نتيجة للكثير من الرياضات أصبح يرى ما لا نراه ويسمع ما لا نسمع.

العوالم عند العرفاء

العرفاء يقولون العوالم لا تنتهي لأن الله غير متناهي وعلامات الله ليست متناهية لأن العالم مأخوذ من العلامة العلامة على الله والله غير متناهي فعلاماته غير متناهية وبالتالي تكون العوالم غير متناهية لكن بعض العرفاء ذكر خصوص خمسة عوالم على سبيل التقريب أي أنه استقرأ الأنواع التي تندرج تحت هذه العوالم فاتضح أن العوالم خمسة والعالم مأخوذ من العلامة التي تدل على الحق فيطلق على ما تدل عليه العلامة الحضرة وتكون الحضرات خمس يعني الحضرة الإلهية يعني المراد التعين الذات الإلهية بظهور وتعين خاص الحضرات والعوالم خمسة نذكرها في هذا الدرس بشكل مختصر لأنها تحتاج إلى مزيد بيان ونذكرها بالتفصيل في بداية الدرس القادم حتى يكون الذهن منفتحا ويستطيع تلقي هذه المصطلحات والمعارف.

العالم الأول حضرة الناسوت.

العالم الثاني حضرة الملكوت.

العالم الثالث حضرة الجبروت.

العالم الرابع حضرة الواحدية.

العالم الخامس الحضرة الجامعة.

سنبين إن شاء الله في الدرس القادم معنى الحضرة معنى الواحدية معنى الاحدية الحضرة الواحدية تختلف عن الحضرة الأحدية الآن نقرأ هذه الحضرات المذكورة صفحة 57 بشكل مختصر ونبين بنحو الإشارة ثم تفصيل هذه المصطلحات وهذه المعارف سنذكره في الدرس القادم وقد ذكر بعضها مؤلف الكتاب في الدرس الحادي عشر والأخير من هذا الكتاب الذي خصصه ببيان مصطلحات علم العرفان.

الحضرة الأولى حضرة الناسوت وعالمها عالم الأجساد والمواد المادة والجسم هي من عالم الناسوت تعرفون في الفلسفة في بحث المقولات العشر الجوهر أقسامه خمسة وتسع مقولات عرضية كم كيف أين جدت إلى آخره تسع مقولات عرضية ومقولة جوهرية مقولات عشر الجوهر يقسمونه خمسة أقسام نفس عقل مادة صورة يذكرون الجواهر أقسامها خمسة يقولون مادة وصورة جسم عقل نفس خمسة جواهر ففي حضرة الناسوت يؤخذ هذان الجوهران الجسم والمادة.

العالم الثاني حضرة الملكوت وعالمها عالم المثال، يقولون عالم المثال هو العالم المتوسط بين عالم المادة وعالم الأرواح عندنا عالم المادة وعندنا عالم الروح المرحلة البرزخ بينهما يسمونه عالم المثال عالم المثال هو بعد آخر مرتبة من مراتب عالم المادة وقبل أول مرتبة من عالم الأرواح والمجردات سنتطرق إلى تعريف عالم المثال في الدرس القادم إن شاء الله.

العالم الثالث عالم حضرة الجبروت وعالمها عالم المجردات من العقول والنفوس إذاً لاحظ الجواهر خمسة الجسم والمادة من عالم الناسوت العقل والنفس من عالم الجبروت عالم الثالث.

العالم الرابع حضرة الواحدية وعالمها عالم الأعيان الثابتة وسيأتي إن شاء الله في الدرس القادم تعريف الحضرة الواحدية وتعريف الأعيان الثابتة تحتاج إلى شرح طويل ولكن الآن بنحو شرح المبسط مشاركة برقية المراد بالثبوت هو الثبوت العلمي لا الثبوت الخارجي اضرب لك مثالا فلسفيا، العدم موجود أو غير موجود؟ العدم كمفهوم موجود العدم كمصداق في الخارج غير موجود فيقولون العدم من الأعيان الثابتة أي الأعيان الثابتة بالوجود العلمي الذهني لا الوجود الخارجي المصداقي فالمراد بالثبوت في الأعيان الثابتة ليس الثبوت الخارجي والمصداقي بل المراد الثبوت العلمي والذهني والمفهومي وسيأتي الكلام عن الأعيان الثابتة في الحضرة الواحدية حضرة واحدية إذا نظرت إلى الذات بملاحظة الأسماء والصفات في مقابل الحضرة الأحدية إذا نظرت إلى ذات الله بمعزل عن الأسماء والصفات فإذا نظرت إلى الحضرة الواحدية يعني الذات بلحاظ الأسماء والصفات تكون الأسماء والصفات من الأعيان الثابتة يعني الله حي محي مميت صفة محي مميت هذه ثابتة بالوجود العلمي يعني نعلم أن الله يحي ويميت وأنه على كل شيء قدير فالنظر إلى هذه الصفات بلحاظ الوجود العلمي والثبوت العلمي لا الثبوت الخارجي هذا الآن بنحو الإشارة إن شاء الله بعد ذلك نبين أيضا المراد بالأعيان الثابتة عند العرفاء وأمثلتها تختلف عن الأعيان الثابتة عند الفلاسفة وتختلف عن الأعيان الثابتة عند المتكلمين وهذه فائدة العلوم أنه كل مصطلح ينبغي أن تعرفه عند أهل الاختصاص من ذلك العلم فالمراد بالأعيان الثابتة عند الفلاسفة يختلف عن المراد بالأعيان الثابتة عند العرفاء وعند المتكلمين وغير ذلك المصاديق مختلفة.

العالم الخمس الحضرة الجامعة وعالمها الإنسان الكامل إذ انه يستجمع الكمال يعني الإنسان الكامل هو تجلي لكمال الله المطلق يعني الإنسان الكامل هو انعكاس لكمال الله انعكاس لجلال الله انعكاس لكمال الله وأنا يصل الإنسان إلى مرتبة الإنسان الكامل لان الله غير متناهي فكيف يصل المتناهي الإنسان إلى غير المتناهي وهو الله “عز وجل”، هذا تمام الكلام في معرفة الكون، إلى هنا أخذنا أولا معرفة الله معرفة الحق الواجب معرفة الوجوب ثانيا معرفة الكون الكبير الآن الأمر الثالث معرفة الإنسان.

يحتل الإنسان موقعا مهما للغاية في الرؤية العرفانية والنظرة العرفانية والرؤية العرفانية للإنسان تمييزه عن بقية التجليات والمظاهر لأن الإنسان يحتل مرتبة ارفع وأعلى وأكمل من بقية العوالم إذ أن الإنسان هو المرتبة الأخيرة من العوالم لأنه مرتبة الحضرة الجامعة لكافة كمالات العوالم المتقدمة المرتبة الخامسة الحضرة الجامعة تجمع جميع كمالات الحضرة الأولى الناسوت والثانية الملكوت والثالثة الجبروت والرابعة الواحدية فالحضرة الخامسة وهي الحضرة الواحدية تستجمع جميع هذه الكمالات الموجودة في العوالم الأربعة فالإنسان الكامل إنسان نوعي وهو أكمل تجليات الحق وهو الله “عز وجل” وهذا الإنسان الكامل هو الذي سجدت له الملائكة هذا الإنسان الكامل يظهر في المرتبة الأولى عالم المادة عالم الناسوت يظهر على شكل إنسان موجود في الخارج يعني مكون من جسد ومادة لكن من جهة أخرى فإن هذا الإنسان هو مظهر وتجلي لاسم الله الأعظم فذلك في إذا استجمع الإنسان الكامل صفات الله تبارك وتعالى الجمالية الكاملة فيكون مظهرا من مظاهر الحق (عبدي اطعني تكن مثلي تكون للشيء كن فيكون) إذاً الإنسان الكامل مظهره الاسم الأعظم والإنسان الكامل الذي هو مظهر الاسم الأعظم هو الذي يمتلك كافة الكمالات والمظاهر ويتميز الإنسان الكامل بأربع خصائص:

الخصيصة الأولى الجامعية وقد تقدم أنه مظهر الاسم الأعظم الجامع لجميع صفات الكمال.

الثاني الوساطة يعني الإنسان هو واسطة يعني الإنسان هو ؟؟؟ لأن الإنسان هو أول مظهر من مظاهر تجلي وجود الله “عز وجل” فهو خليفة الله فيكون أكمل الموجودات وهو الواسطة في إفاضة الله “عز وجل” لهذه الموجودات وهذا كله كلام قابل للنقاش والتأمل نحن الآن نعرض مبنى العرفاء.

النقطة الثالثة الخلافة الإنسان الكامل على أساس أنه التعيين الأول والتجلي الأول للذات الإلهية يكون هو المظهر الوحيد الذي يستحق الخلافة الإلهية ومن حيث هذه الخلافة الإلهية للإنسان يمكنه التصرف في العالم وفي الكون بواسطة الأسماء الإلهية التي علّمه الله لذلك من لديه الاسم الأعظم أو حرف أو حرفين من الاسم الأعظم يستطيع أن يتصرف في الكون بإذن الله.

النقطة الرابعة الاختيار يعتقد العرفاء أن الإنسان من بين كافة الموجودات يتميز بالإرادة والاختيار ومنشأ اختيار الإنسان هو كون الإنسان مظهر وتجلي لأسماء الله وبالأخص اسم المريد والمختار والإنسان مظهر لاسم الله المريد والمختار وأما بقية الحيوانات فلا يصدق عليها هذا العنوان، إذاً هذه عناوين أربعة مهمة في معرفة الإنسان الجامعية وأنه جامع وكامل والوساطة فالإنسان واسطة الفيض والخلافة فالإنسان خليفة الله والاختيار فالإنسان مظهر لتجلي اسم الله الأعظم خصوصا اسم المريد والمختار.

 

للمطالعة

الخواجه عبد الله الأنصاري

المفروض لا يذكرون هنا خواجه عبد الله الأنصاري لان الخواجه عبد الله الأنصاري مشهور ومعروف في العرفان العملي له كتاب منازل السائرين لو وضعوا هنا صدر الدين محمد القونوي الذي ذكره صفحة 71 في نهاية الدرس الخامس العرفان العملي لكان أفضل لأن هناك أعلام للعرفان النظري مثل ابن تركة طبعا ابن تركة من أصفهان وقونوي من تركية وابن العربي من الأندلس والخواجه عبد الله الأنصاري من أفغانستان من هرات ابن العربي من الأندلس اسبانيا حاليا وقد هاجر وفي نهاية عمره استقر في دمشق ومات في دمشق وتزوج من تركية زوجته كانت لديها ولد هو صدر الدين القونوي فصدر الدين القونوي هو ربيب ابن العربي ولولا القونوي لما استطعنا تفسير آراء ابن العربي كما أنه لولا العلامة الحلي لم نستطيع تفسير كلمات الخواجه نصير الدين الطوسي في كتابه تجريد الاعتقاد في علم الكلام كذلك في العرفان النظري لو لم يكن صدر الدين القونوي ربيب وابن زوجة ابن العربي لما استطعنا تفسير كلمات ابن العربي.

هؤلاء أعلام في العرفان النظري ابن تركة الأصفهاني قونوي التركي ابن العربي الأندلسي وأما الخواجه عبد الله الأنصاري فهو من أعلام العرفان العملي خواجه عبد الله الأنصاري هو شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن أبي منصور محمد ولد 369 هجرية في هرات وهو من أحفاد الصحابي أبو أيوب الأنصاري بدأ منذ صغره دراسة العلوم الأدبية والدينية وبرع في علم الحديث تتلمذ في التصوف على أيدي متصوفة معروفين أمثال أبي الحسن الخرقاني بقي طيلة عمره في هرات يشتغل بالتعليم والإرشاد.

ما خرج من هرات وسجن أيام السلاجقة كان الأنصاري أستاذا في العلوم الإسلامية التفسير والحديث والعقائد وخالف أهل الكلام واعتبر أن القرآن الكريم هو الدليل والمرشد الوحيد للمؤمن أدى شيوع الاشعرية في زمان الغزنويين والسلاجقة إلى التضييق على الشيخ الأنصاري وقد بقي مدة عام سجينا في بوشناك فقد في السبعين من عمره البصر إلا أنه استمر بنشاطه فكان يملي على الطلاب ما يريده توفي عام 481 هجرية قمرية يعني كان معاصر للشيخ الطوسي توفي الشيخ الطوسي 460 هجرية قمرية في النجف الاشرف ترك الخواجه عبد الله الأنصاري العديد من الكتب والرسائل العرفانية أبرزها منازل السائرين طبقات الصوفية هذان أشهر كتابين زاد العارفين مناقب أهل الآثار ضم الكلام المناجات رسالة القلب والروح وغيرها من الرسائل والكتب هذا تمام الكلام في الدرس الرابع المخصص للعرفان النظري، الدرس الخامس العرفان العملي السير والسلوك يأتي عليه الكلام مع توضيح معنى عالم المثال وعالم الأعيان الثابتة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo