< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفلسفة

41/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: العليّة (العلة و المعلول)

 

الدرس التاسع

العلية ( العلة والمعلول )

قسم الأول

مفاد اصل العلية

العلاقة بين العلة والمعلول.

الدرس العاشر

العلية (العلة والمعلول)

القسم الثاني

التعاصر بين العلة والمعلول

العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة

 

توضيح الدرس

مفاد اصل العلية

قانون العلية مفاده هكذا كل ممكن محتاج الى علة لان الممكن يتساوى فيه طرفا الوجود والعدم فمجيء الولد للانسان ممكن أي قد يكون موجودا وقد يكون معدوما.

فالممكن هو ما تساوى في طرفا الوجود والعدم فهو يحتاج الى علة تخرجه من حيز العدم الى حيز الوجود.

وهذا التعبير وان كان مسامحيا اذ ان العدم لا حيز له ولكن يستخدم من باب المجاز.

هذه العبارة لكل ممكن علة لكل شيء ممكن علة لكل معلول ممكن علة قد تذكر بنحو من المغالطة فيقال لكل شيء علة، فاذا قيل لكل شيء علة الله عز وجل يصدق على عنوان الشيء فيقال ماهي علة الله وما هي السبب الذي اوجد الله والذات الالهية واساس القاعدة التي ترتب عليها؟ هذا السؤال خطأ من قال لكل شيء علة صحيح؟ لكل شيء ممكن علة وليس لكل شيء علة من هنا نشير الي ثلاث قواعد ترسم العلة والمعلول.

سؤال لما يحتاج المعلول الى علة؟ ولما يحتاج المسبب الى السبب؟ الجواب توجد ثلاث نظريات النظرية:

النظرية الأولى نظرية الوجود للمدرسة المادية الوضعية المعاصرة

النظرية الثانية نظرية الحدوث للمتكلمين

النظرية الثالثة نظوية الامكان الوجودي للفلاسفة

 

حيثيات احتياج ممكن الى العلة

وقبل ان نشرع في صميم البحث نقدم مقدمة مفادها ان الوجود الممكن محتاج الى علته من ناحيتين ومن حيثيتين:

الحيثية الاولى حيثية الابتداء والحدوث

الحيثية الثانية حيثية البقاء والاستمرار

فالعلة إما مبقية وإما محدثة مثال ذلك ان الحر علة للاحراق وهنا توجد علة محدثة وهي عود الثقاب وعود الثقاب يوجب تحقق الاحتراق والاحراق وتوجد علة مبقية وهي وجود الاكسيجين توفر مادة قابلة للاشتعال فلكي يستمر لاحتراق لا بد من وجود العلة المبقية فاذا انتفت العلة المبقية انتفى المعلول وانتفى الاحراق اذن المعلول والمسبب وهو الاحتراق محتاج اولا في حدوثه وابتدائه الى علة وثانيا يحتاج في بقائه واستمراره الى علة أيضاً.

فالمعلول عين الفقر فالمسبب والمعلول فقير ذاتاً يحتاج الى من يخرج هذا الممكن الفقير الذاتي الى حيز الوجود ابتدائاً واستمراراً حدوثاً وبقاءاً. اذن تمت هذه المقدمة.

المغالطة في "لكل شيء علة"

نأتي الى هذا المثال الذي وقعت فيه المغالطة لكل شيء علة لكل معلول علة ما هو ملاك الاحتياج المعلول الى علة لما احتاج المعلول الى علته والمسبب الى سببه النظرية الأولى للماديين يقولون الوجود لان المعلول موجود لكي يوجد يحتاج الى علة يوجده فعمموا هذه القاعدة لكل شيء موجود علة ولكل مسبب موجود علة يعني لكل موجود علة والله عز وجل موجود اذن لكي نثبت وجوده لابد من اثبات علته وقد غفلوا عن هذه المغالطة فليس بصحيح أن تقول لكل موجود علة بل لكل موجود ممكن علة لكل موجود فقير علة لكل مسبب محتاج علة والله عز وجل هو الغني وليس بمحتاج فالموجود الذي يحتاج الى علة هو الموجود الفقير الموجود المحتاج الله موجود غني وليس بمحتاج فلا يشمله هذا القانون فلا يقال لكل شيء علة ولكل موجود علة فيقال لكل شيء ممكن علة لكل موجود ممكن علة وليس لكل شيء وموجود علة هذا غير صحيح.

اذن نظرية الوجود وأن أساس احتياج المعلول الى العلة هو الوجود ليس بصحيح.

النظرية الثانية نظرية الحدوث وهي نظرية المتكلمين فقالوا لكل شيء حادث محدث لكل موجود حادث علة ومسبب لكل مسبب حادث مسبب محدث.

هذه النظرية تامة من ناحية العلة المحدثة اذن الموجود الحادث يحتاج الى محدث ابتدائا لكن اذا حدث يعني جاءت العلة المحدثة والعلة الابتدائية وحققت الحدوث فحينئذ يقال نحن لسنا بحاجة إلى العلة في بقاء الحادث لأننا نحتاج إلى العلة ابتداءاً فقط نحتاج إلى العلة في تحقق الحدوث والموجود قد حدث فقد يشتبه البعض ويقول نحن لسنا بحاجة إلى العلة المبقية بعد مجيء العلة المحدثة وتحقق المعلول المحدث اذن النظرية الثانية ليست تامة وهي نظرية الحدوث لانها لا تشمل حيثية البقاء.

وقد يقال أنها تختص حيثية الحدوث والب هو عبارة عن الوجود الممكن الفقير ذاتا وفاقد الشيء لا يعطيه اذا هو فقير يعني معدوم ليس له وجود فيحتاج أولاً الى علة تخرجه من حيز العدم الى حيز الوجود وثانياً يحتاج الى علة مبقية فهو بحاجة إلى أمرين أولاً افاضة الوجود ثانياً استمرار افاضة الوجود.

نضرب مثالا للتصوير لو افترضنا أن إنسان اصيب بشلل في يده ولا يستطيع أن يحركها لكن إذا وضع على يده جهاز كهربائي يستطيع أن يحرك يده فهنا اذا وضع الجهاز استطاع هذا الانسان أن يحرك يده فهو بحاجة في تحريك يده الى الجهاز ابتداءاً واستمراراً حدوثاً وبقاءاً اي أنه توجد علاقتان علاقة استقلالية وعلاقة ارتباطية تعليقية فحين ما تقرأ كتابا أو تصافح شخصاً ثم بعد ذلك تنتهي المصافحة وتنتهي القرائة يعود الكتاب الى مكانه فالكتاب وجود مستقل والشخص المصافح وجود مستقل عن الشخص المصافح فهنا العلاقة مستقلة كل واحد منهم وجود مستقل ولكن وجود القلم في اليد فحركة اليد علة لحركة القلم فحركة القلم وجودها معلق على حركة اليد وحركة القلم مرتبطة بحركة اليد اذن الحركة القلم حركة تعليقية معلقة على حركة اليد حركة القلم وجودها وجود ارتباطي مرتبط بحركة اليد حدوثا واستمرارا ابتداءا وبقاءا

خلاصة الدرس التاسع

هذا تمام الكلام في الدرس التاسع بحث العلية والمعلولية واتضح ان مفاد اصل العلية ليس هو لكل شيء علة قاء النظرية الثالثة نظرية الامكان الوجودي أي الفقر الذاتي يعني المعلول وليس هو لكل موجود علة وليس هو لكل حادث علة بل قانون العلية مفاده لكل موجود ممكن علة لكل حادث ممكن علة فالانسان وسائر الممكنات فقر ذاتي والله هو الغني المطلق قال تعالى ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد﴾[1] وورد في التلبيات المستحبة بعد الاتيان بالتلبيات الواجبة لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. لبيك ذا المعارج لبيك الى أن يقول لبيك يستغنيه ويفتقر اليك لبيك يعني انت الغني المطلق من الموجودات وسائر الموجودات باجمعها فقر محض وفقر مطلق اذن اساس قانون العلية الفقر الذاتي للمجودات الممكنة وليس حدوث هذه الممكنات وليس وجود الموجودات كما عليه المدرسة الوضعية هذا تمام الكلام في الدرس التاسع وقسم الاول للعلية والمعلولية.

الدرس العاشر

قسم الثاني

التعاصر بين العلة والمعلول

اتضح أن المعلول الممكن بحاجة إلى العلة الغنية ابتداءا واستمرارا حدوثا وبقاءا اي أنه فس أي فترة زمنية توجد العلة لا بد أن يوجد المعلول قهرا فهناك التعاصر في الزمن بين العلة والمعلول واخذنا مفهوم المعاصرة من لزوم الحاجة الى افاضة العلة للوجود الى المعلول حدوثا وبقاءا لان المعلول فقر ذاتي بحاجة إلى افاضة الوجود دائما.

ثم يأتي المصنف بمثال ويرد عليه مثال نقض يقولون البناء يبني فهو علة البناء ثم يموت او ينصرف ويبقى البناء فهذا مثال لوجود العلة المحدثة وعدم وجود العلة المبقية فلا تحصل معاصرة يبقى المعلول وهو البناء مع عدم وجود عدم بقاء العلة وهو البناء والجواب الدقيق تقسم العلة الي أربعة أقسام علة فاعلية وعلة مادية وعلة صورية وعلة غائية فمثلا النجار حينما يصنع الكرسي أو السرير فالنجار علة فاعلية تعد الكرسي والسرير وهناك علة غائية وهي النوم على السرير والجلوس على الكرسي وهناك علة مادية وهي الخشب والاسفنج وهناك علة صورية وهي شكل السرير وشكل الكرسي.

اذن توجد للاشياء أربع علل:

علة فاعلية وهي البناء في المثال

علة مادية وهي الطابوق والاسمنت

علة صورية وهي شكل بناء المنزل

علة غائية وهي السكن في المنزل

فضرب المثال بالنسبة إلى العلة الفاعلية وهي البناء والمصنف رد بلحاظ العلة المادية قال العلة في بقاء البناء ليست هي البناء وانما هي قوة استحكام البناء من اسمنت وحديد وكنكريت فاذا كانت مواد البناء مقاومة استمر البناء واذا كانت قد انتهت صلاحيتها انهدم البناء.

هذا تمام الكلام في تقرير جواب المصنف لكن هذا الجواب ليس بتام لان العلل الأربع وهي العلة الفاعلية والغائية والصورية والمادية انما هي اقسام للعلل المادية والعلل المعدة وليست هي اقسام للعلل الحقيقية العلة الحقيقية هي الله عز وجل والبناء لكي يبقى يحتاج الى اذنمن الله ابتداءاً واستمرارا حدوثا وبقاءا فلو لم يأذن الله ببقاء البيت لانهدم البيت حتى لو كان قصرا مشيداً حتى لو كان المواد من أقوى مواد في العالم فالرد على هذا المثال ليس باللجوء الى العلة المادية التي هي أحد أقسام العلل الأربع للعلل المعدة بل الرد انما يكون بالعلة الحقيقية.

واللطيف أن نفس المصنف أشار الي العلة الحقيقية والفارق بينها وبين الغلل الأربع للعلة المعدة سنشير اليها ان شاء الله أثناء القرائة.

في ختام الدرس العاشر يشير المصنف الى العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة العادة كما لو اعتاد الانسان أن يفرقع اصابعه أو أن يحك لحيته فقد يقال ان هذه الحركة قد حصلت من دون غاية ومن دون هدف وهكذا القصد الضروري، القصد الضروري يكون للمريض المريض بحسب اعتلال المزاج قد يقصد الى أشياء بحكم ضرورة ألم المرض يصرخ أو يقوم بأمور ويكسر بعض الاشياء وقد يكون قد غاب عن وعيه فهذا قصد ضروري قصد الى بعض الأشياء من باب الاضطرار، الاضطرار الحاصل من المزاج المعتل بسبب المرض اجارنا الله واياكم وهكذا الجزاف كفعل الاطفال، الأطفال عندما يلعبون يقومون بافعال جزافية يعني من دون غاية وهكذا الصدفة فقد يحفر الانسان بئرا فيصل الى نقطة فيجد كنزا وقد يحفر فيصل الي مكان فتلدغه الحية فيموت لو كل من جاء ونجر ما ظل في الوادي شجر، مو كل مرة تسلم الجرة والجواب من قال انه لا توجد غاية في هذه الامور كلها اما غاية من فرقع اصابعه أو حك لحيته فهناك غاية من الغايات اما يريد ان يريح عن نفسه في فرقعة الاصابع او يريد يفكر حينما يحك لحيته أو يبين مهابته حينما يمسح على لحيته بكيفية خاصة فاذن هناك شيء موجود وهكذا القصد الضروري للمريض يريد أن يعبر عن ألمه وينساه وعمق الضرر اللاحق به وهكذا لعب الاطفال ليس جزاف وانما غرضه الترویح عن أنفسهم ومکنوناتهم الداخلية ولا یوجد شيء اسمه صدفة صدور المعلول من دون علة یذکر سماحة آیة الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني مثالاً في إحدى كتبه قبل ما يزيد على ثلاثين سنة يقول هل يصح أن نقول أن قاموساً في اللغة قد حصل نتيجة انفجار في المطبعة هذا غير صحيح لان هناك سنخية بين العلة والمعلول تسانخ الانفجار من سنخ والمعجم العلمي سنخ آخر وبالتالي ليس الحفر هو الذي أوجب الحصول على الكنز أو لدغ الثعبان اتفاقا وصدفة وانما الوصول إلى نقطة معينة هو الذي أوجب الحصول على الكنز أو لدغة الحية اذن لا يوجد شيء يصدر من دون علة يعني لا يوجد شيء ممكن واما شيء واجب وغني وهو الله صحيح هذا موجود من دون علة وهو علة العلل بل هو اصل الوجود.

خلاصة الدرس العاشر

هذا تمام الكلام في الدرس العاشر نقرأ هذه المطالب خلاصته لكل موجود معلول علة وأساس احتياج المعلول الى علته هو الفقر الذاتي والامكان الذاتي للوجود كما تقول المدرسة الوضعية والى الحدوث كما يقول المتكلمين بل للامكان الذاتي كما يقول الفلاسفة هذا تمام الكلام في الدرس الاول خلاصة الدرس الثاني يوجد تعاصر بين العلة والمعلول لان المعلول كما يحتاج الى العلة حدوثاً وابتداءاً لافاضة الوجود كذلك يحتاج المعلول الى العلة بقاءا واستمرارا لاستمرار افاضة الوجود فلا يوجد معلول يصدر من دون علة صدفة نقرأ هذا المقدار.

 

تطبيق المتن

الدرس التاسع

مفاد أصل العلية

ان لكل ممكن علة تفيض عليه الوجود لم يقل ان لكل شيء يصير مغالطة ولم يقل ان لكل موجود يصير مغالطة قال ان لكل ممكن يبين ما هو المراد بالإمكان محتاج وفقير فالمراد بالممكن الفقير ذاتا المحتاح ذاتا علة تفيض عليه الوجود والتحقق كحقيقة الانسان مثلا فانها في حد ذاتها مفتقرة الى علة توجدها هنا اشارة الى العلة الابتدائية يعني العلة المحدثة، العلة الابتدائية فان وجدت علتها وجدت هي معها والا فلا يعني إن لم توجد علتها فلا توجد هي من دونها لا توجد هي معها ولا يختلف حول هذه المسألة اثنان وهذا المعنى هو المستفاد من اصل العلية ومن هنا فإن كل عاقل سوي يذعن بأن لكل مصنوع صانعا ولكل مخلوق خالقا ولكل معلول علة فما دام الموجود في ذاته مفتقرا في وجوده وتحققه فلا بد وأن يكون مرتبطاً بسبب افاض عليه الوجود والتحقق الى هنا كلام في العلة المحدثة العلة الابتدائية وهذا بخلاف يعني هذا يعني الوجود الممكن بخلاف ما لو كان الموجود في ذاته غنيا عن غيره في الوجود فلا معنى لاحتياجه الموجود غني في ذاته الى علة تفيض عليه الوجود ما دام غنيا عما سواه في ذلك الموجود الغني غني عن ما سواه في ذلك في افاضة الوجود اذ الوجود بالنسبة اليه الوجود الغني متحقق وهذا من قبيل عدم احتياج الملح الى ملح حتى يكون مالحاً فما دام هو مالحاً لا معنى لاحتياجه الى الملح اذ أن أمرا كهذا يكون لغوا لغو يعني عبث لأنه تحصيل للحاصل افاضة الوجود لما هو موجود هذا تحصیل للحاصل ومن هنا فان الالهية الموحد الذي يوحد الله يرى بأن الله غني عن كل علة مهما كان لونها بل أن كل علة مدينة في وجودها وتحققها اليه تعالى فالله فهو العلة الاولى لكل ما سواه لسائر الممكنات لكل ما سواه مما هو ممكن لا ما هو ممتنع ما هو ممتنع لا يوجد اصلا وما سواه معلول ومفتقر اليه جل وعلا وقد اثبت الفلاسفة والمتكلمون ذلك افتقار ما عدا الله من الموجودات بما لا يبقي مجالا للشك والتردد كما سوف يتضح فيما يأتي من بحوث. درس العشرين آخر درس اثبات وجود الله عز وجل

العلاقة بين العلة والمعلول

لا شك في وجود علاقة بين المعلول وعلته المفيضة له بالوجود والتحقق وانما المهم في هذا المجال معرفة نمط هذه العلاقة بين المعلول والعلة وسرها يعني على أي أساس المعلول يحتاج الى علة وعلى هذا الصعيد ذكرت نظريات مختلفة إليك بيانها:

نظرية الاولي

نظرية الوجود وقد ذهب إلى هذه النظرية جمع من الفلاسفة الماديين يعني لا يؤمنون الا بالمادة وينكرون ما عدا المادة حيث أكدوا على أن سر العلاقة بين المعلول والعلة يكمن في كونه كون المعلول موجودا فكل موجودا محكوم عليه بالارتباط بعلة وجوده ولأجله ارتباط المعلول بالعلة ولأجل وجود المعلول أكدوا على أن لكل موجود موجدا وفات هؤلاء أن الموجود اذا كان في وجوده غنيا فلا معنى لارتباط الموجود الغني بعلة تفيض عليه الوجود وتمنحه الغناء وانما يحتاج الشيء الى علة الوجود اذا كان في ذاته مفتقرا الى الوجود كما سنتحدث عنه في نظرية الامكان بعد قليل وهي النظرية الثالثة

ومن هنا ذهب الالهيون الي القول باستغناء الله عن علة الوجود اذ انه غني فلا معنى لفرض ارتباطه بعلة توجده وتمنحه الغنى اذ هو تحصیل للحاصل وتحصیل الحاصل باطل كما يقولون

الى هنا تكلم عن خصوص العلة المحدثة والموجدة

النظرية الثانية

نظرية الحدوث وهذه النظرية ولذلك علماء الكلام يستخدموه بعنوان قديم وحادث الفلاسفة يستخدموها بعنوان واجب وممكن وهذه النظرية منسوبة الى علماء الكلام ومفادها هو ان سر ارتباط المعلول بعلته حدوثه المعلول فكل حادث محتاج في حدوثه الي علة الحدوث هذه علة محدثة يناقش المصنف يقول وهذه النظرية لا تخلو من نظر لان لازمها استغناء الحادث بعد حدوثه يعني بعد قيام العلة المحدثة استغنائه عن علته المحدثة له في بقائه ناظر الى العلة المبقية وهو باطل كما سياتي بعد لحظات يعني المعلول يحتاج الى العلة من حيثيتين من حيثية الوجود والحدوث ومن حيثية البقاء والاستمرار

النظرية الثالثة

نظرية الامكان الوجودي وقد نسبت هذه النظرية الى فلاسفة الاسلاميين وفي طليعتهم صدر المتألهين الشيرازي صاحب كتاب الأسفار الأربعة ومؤسس الحكمة المتعالية مفادها ان سر ارتباط المعلول بعلته هو امكانه وافتقاره الذاتي الوجودي يقول الحسين عليه السلام في دعاء عرفة الهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري الهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولا في جهلي الهي مني ما يليق بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك فالممكن في حد ذاته خلو من كل وجود خال لا يوجد فيه وجود تحتاج إلى علة تخرجه من حيز العدم الى الوجود واذا ما وجد فان وجوده الممكن فيض من غيره وهو الوجود الغني الله فسر ارتباط المعلول بعلته امكانه وافتقاره اليها

في الحاشية يقول وقع الخلاف في ان الإمكان المذكور هل هو امكان ما هوي كما عليه نظرية الاشراقيين أصالة الماهية أم امكان وجودي كما عليه مدرسة الحكمة المتعالية أصالة الوجود حاشية يقول وقد وقع خلاف بين الفلاسفة في أن الإمكان المذكور هل هو امكان ما هوي بناءاً على نظرية أصالة الماهية الاشراقيين أو إنه امكان وجودي بناءا على نظرية أصالة الوجود للحكمة المتعالية أو المشائيين والصحيح هو الثاني أصالة الوجود على ما اختاره صدر المتألهين وتفصيل الكلام وبيان الخلاف بين الاشراقيين والمشائيين موكول إلى دراسات اعمق وقد تقدمت الإشارة إليه في ما سبق عند البحث عن الماهية والوجود

نرجع الى المتن

واليك توضیح الفكرة بأمثلة بيانية ان العلاقة القائمة بين العلة والمعلول علاقة ارتباطية لا استقلالية فانك حين تقرا كتابا هنا فانك حين تقرأ يشير الي العلاقة الاستقلالية فانك حين تقرا كتاباً أو تنظر إلى صورة جميلة أو تصافح صديقا لك فانك سوف توجد بينك وبين كل ما تقدم علاقة وهذه العلاقة تنتفي بمحض اعراضك عن تلك الاشياء إلا أن انتفاء علاقتك بها لا يوجب انتفاع وجودها ووجودك بل يبقى وجودك ووجودها على ما هو عليه وهذا يعني أن كل وجود من الطرفين مستقل عن الآخر وهذا هو معنى العلاقة الاستقلالية القائمة بين الطرفين المصافح والمصافح القارئ والكتاب المقروء

بينما تجد العلاقة القائمة بين حركة اليد الان يشير الى علاقة ارتباطية بينما تجد العلاقة القائمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة تعلقية بمعنى أن حركة القلم تنتفي بمحض قطع علاقتها بحركة اليد وهذا يعني أن العلاقة الحاكمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة ارتباطية أي أن حركة القلم مرتبطة في وجودها بحركة اليد فلا وجود لحركة القلم من دون حركة اليد كسترته فانكسر علاقة فعل وانفعال في يده سيف لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوى يقول وهذه العلاقة قائمة بين كل علة والمعلول فالمعلول عدم عند عدم علته وهكذا يمكن تصوير علاقة الكون بكل ما فيه ومن فيه بخالقه وبارئه الذي هو الله سبحانه وتعالى يعني الله علة الوجود حدوثاً وبقاءاً ابتداءاً واستمراراً فالمخلوقات نفحة من نفحاته وفيض من فيوضاته القدسية الله فاض عليه الوجود لا يستغني أي موجود عنه تعالى فما شاء كان وما لم يشئ لم يكن ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

الدرس العاشر

العلية (العلة والمعلول)

التعاصر بين العلة والمعلول

واذا كانت العلاقة بين العلة والمعلول تعلقية ربطية اذن هذا متواصل مع الدرس السابق لذا أخذناهما في درس واحد واذا كانت العلاقة بين العلة والمعلول تعلقية ربطية وبهذه الدرجة من القوة والربط كما تقدم في الدرس الماضي ابتداءاً واستمراراً حدوثا وبقاءا يتضح بجلاء ووضوح ما أثر عن الفلاسفة من أن المعلول يقترن زمانا ًبعلته لماذا يقترن؟ لأنه بحاجة إلى العلة في الحدوث والبقاء في الابتداء والاستمرار فهو مقارن زمانا المعلول مقارن زمانا لعلته فاذا وجدت العلة وجد معه المعلول واذ انتفت العلة انتفى معها معلولها وبعبارة اخرى ان المعلول يعاصر علته كما يقول الشهيد السعيد سيد محمد باقر الصدر قدس سره

حاشية رقم واحد محمد باقر الصدر ولد سنة ١٩٣٣ استشهد سنة ١٩٨٠ ميلادية يعني عمره ٤٧ سنة شكد عظيم أنا الآن عمري ٤٥ سنة وما عندي شيء ونحن نقرأ كتب وندرس كتب هذا المفكر العظيم رحمة الله عليه عبقري ولد قدس سره في مدينة الكاظمية احدى مدن العراق في أسرة كريمة آل الصدر نبغ مبكرا فنال درجة الاجتهاد قبل البلوغ يعني عند بلوغه كان مجتهد ومن ثم مقام المرجعية الرشيدة وصار ممن بشار اليه بالبنان ومن النوادر الذين تشرف التاريخ بتدوين أسمائهم على صفحاته بأحرف من نور وقد امتاز بالمثل الاخلاقية العليا وبشمولية نظرته وعمقه العلمي فكان له من المؤلفات اقتصادنا فلسفتنا الأسس المنطقية للاستقراء البنك اللاربوي في الإسلام الى آخره الاسلام يقود الحياة كتب كثيرة تصدي لمواجهة نظام صدام الديكتاتوري في العراق وحاز على درجة الشهادة الرفيعة رحمة الله علیه يقول في كتابه فلسفتنا صفحة ٢٧٩ طبع مجمع الشهيد صدر العلمي يقول:

لما كنا نعرف الآن وجود المعلول مرتبط ذاتيا بوجود العلة يعني المعلول ذاتا مرتبط بالعلة حدوثا وبقاءا فنستطيع أن نفهم مدى ضرورة العلة للمعلول أن المعلول يجب أن يكون معاصرا للعلة ليرتبط بها كيانه ووجوده فلا يمكن أن يوجد بعد زوال علته هذا اشارة إلى العلة الابتدائية يعني علة الحدوث اذا زالت العلة لا يحدث المعلول أو أن يبقى المعلول بعد ارتفاع العلة هذا اشارة إلى العلة المبقية المعلول لا يبقى اذا ارتفعت علته وهذا ما شئنا أن نعبر عنه بقانون التعاصر بين العلة والمعلول اذن المعاصرة ترجع إلى وجود العلة المبقية.

وقد اشتبه الأمر على بعض فتصور أن العلاقة الارتباطية بين العلة والمعلول بمعناه المتقدم والتي يسفر عنها تعاصر واقتران زماني بينهما لا تصدق على كثير من الموارد فعلي سبيل المثال ان البناء الذي يكون علة في بناء البيت لا يؤثر موته على البيت وبقائه فالبيت يبقى مدة مديدة من الزمان رغم انتفاء علته فبموت البناء يظل صرح البناء باقيا مع العلم أن العلاقة القائمة بين البناء والبيت من النمط العلاقة الارتباطية

الآن يجيب بالعلة المادية:

وقد فات هؤلاء تشخیصهم الدقيق للمعلول المرتبط بعلته فان المعلول المرتبط بالبناء في هذا المثال ليس سوى عملية نقل وانتقال المواد من مكان ووضعها في مكان آخر هذا صحيح اشارة الى العلة المعدة وهذا النقل ينتهي لا بعد موت البناء فحسب بل حتى في حياته البناء بعد سحب يده من عمله وهذا يعني العلة هنا عبارة عن عمل البناء الموجب لنقل وانتقال مواد البناء من مكان إلى آخر وهي تنتفي بمحض ما يتوقف البناء عن العمل هنا اشار الى العلة الفاعلية وعلة المعدة واما علة بقاء البيت قائما حتى بعد توقف البناء عن العمل أو بعد موته فهذا يعود إلى الله عز وجل يعني يعود إلى العلة الحقيقية المنصنف هنا قال فيعود الى أن لهيئة البيت وشكله علة أخرى وهي القوة التماسكية للمواد المستخدمة في البناء وطبيعة تركيب الآجر وهي موجودة مع البناء فاذا زالت انهار البناء يعني ارجع التماسك الى العلة المادية هذا غير صحيح.

فالعلاقة القائمة بين كل علة ومعلولها علاقة ارتباطية تعاصرية بلا ريب وهو ما يتضح بجلاء اذا ما انعمنا الدقة في تشخیص العلة ومعلولها في مواردها كما تبين في المثال آنف الذكر

نرجع الى نفس كلام المصنف في الدرس الثاني عشر تقسيم الرابع للعلة والمعلول اقسام العلة في البداية يقسم العلة إلى الفاعلية والمادية والصورية والغائية آخر الدرس بند رقم سبعة تقسيمات العلة، العلة الحقيقية والمعدة على هذه النسخة صفحة ١٠٥ على نسختكم صفحة كم؟ ٧٧.[2] يقول ومن ناحية سابعة فان كل علة يكون المعلول متوقفا عليها بحيث يزول المعلول بزوالها تسبب العلة الحقيقية ثم يقول في الفقرة الثانية بدايتها وكل علة لا يكون المعلول متوقفا عليها بل لها دخل في حصول الاستعداد لوجود المعلول تسمى بالعلة المعدة اذن المصنف يجيب على نفسه ما ذكره في هذا الدرس وهو نهاية درس الثاني عشر صفحة ١٠٥ من الطبعة الأولى وصفحة ٧٧ السابعة يرد على ما ذكره هنا في الدرس العاشر صفحة ٩٠ من هذه النسخة

العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة

قد تصور البعض خطأ انحصار الغايات في مورد الأفعال الناشئة عن الفكر والتأمل في نتائج الأفكار كذهاب العامل الى معمله للكسب وتحصیل الرزق وذهاب الطالب إلى مدرسته للاستنارة بنور العلم فلا غاية للافعال التي لا تنشأ عن منشأ تصديقي فكري تصديقي يعني قصدي فيه تصديق واذعان وقوس فكري كملاعب الصبيان تسمى بالجزاف هذه ليس فيها قصد فكري وكالعبث باللحية والعبث بالاصابع المسمى بالعادة ليس فيها قصد فكري وحركات المريض الناشئة عن مزاج خاص المعبر عنها بالقصد الضروري يضطر أن يقصد بعض الافعال بالتعبير عن ألمه.

والصحيح ان لكل فعل غاية ينتهي اليها الفعل سواء هذا الفعل فيه قصد فكري أو ليس فيه قصد فكري فما كان فكريا كانت غايته فكرية وما لم يكن كذلك فكريا بأن كان جزافيا أو طبيعيا أو مزاجيا كانت الغاية ما ينتهي اليها الفعل من نتيجة لأنها مآل الفعل ومنتهاه ما هي النتيجة الولد أو الطفل روح عن نفسه هذه الغاية من فرقع أصابعه أو حك لحيته روح عن نفسه

والافعال مهما كان منشأها فكريا أو غير فكري قد يعرضها مانع يحول دون الوصول غايتها اذا عرض المانع يقولون باطل يقوبون النار بطلت يعني ابطل مفعولها في الاحراق وذلك اذا كانت الورقة مبتلة أو جيء بالماء واذا وجد المقتضي وفي نفس الوقت وجد المانع اصبح المقتضي غير فعليا فيقولون هذا باطل لذلك يقول الافعال مهما كان منشأها فكرية أو غيره قد يعرضها مانع يحول دون الوصول إلى غايتها وحينئذ يسمى الفعل نسبة الى ذلك المانع بالباطل يعني الفعل اذا نسبناه إلى المانع النار باطلة بالنسبة إلى الورقة المبتلة وهذا لا يعني بحال أن الفاعل لا هدف له من فعله لان عدم الغاية شيء يعني عدم حصول الغاية شيء ووجود مانع حال دون تحقق الغاية شيء آخر هو غايته أن يحرق الورقة لكن حصل مانع وهو ابتلال الورقة

واذا اتضح أن لكل فعل غاية يستهدف الفاعل تحققها يتضح أيضا استحالة الاتفاق أي الصدفة بين العلل والغايات التي تنتهي اليها تلك العلل اذا الصدفة لو كانت ممكنة لامكن صدور المعلول لأي علة مهما كانت يصدر قاموس الى عشرين لغة من انفجار في المطبعة هذا يضحك الثكلى ولا شك أنه واضح البطلان اذ كيف يصح فرض صدور الحرارة من الثلج والبرودة من النار بحجة القول بالصدفة؟! يعني هناك سنخية بين الثلج والبرودة والنار والحرارة

ومنه يتضح وهن ما استشهدوا به من امثلة البخت السعيد والشقي البخت يعني الحظ السعيد والشقي حيث قالوا قد يحفر انسان بئرا ليصل إلى الماء فيعثر على كنز هذا بخته سعيد وقد يحفر آخر ليصل إلى الماء فتلدغه أفعى فيموت على إثرها هذا بخته شقي فلا ربط اذن بين الافعال وغاياتها الا أنك ترى وبأدنى تأمل أن كلا من الفعل الأول والحصول على الكنز والفعل الثاني ولدغ الحية لم يتخليا عن الغاية المختصة بهما ما هي الغاية الحصول على الماء بحفر البئر اذ أن الحفر بمفرده لم يوصل إلى الكنز ولا إلى الأفعى بل إن الحفر في خصوص نقطة من الأرض تحتها كنز أو أفعى يوصل إليهما كنز أو لدغة الأفعى لا كل حفر كيف ما اتفق والحصيلة والنتيجة هي أن كل فعل لا بد وأن يؤدي إلى نتيجته وغايته المنتهي إليها فلا صدفة ولا انفصام بين الغايات للافعال وبين عللها الفاعلية العلل المعدة كما توهم البعض من افراد ديمقريطيس الذي أكد على أن الله خلق اجساما صغارا واطلقها متحركة فتصادمت الأجسام صدفة بعضها ببعض فنشأت عنها صور الكون وأشكاله المختلفة الكون لم يحصل صدفة وارتباطا مع أنها لم تكن مقصودة من الله بل وجدت صدفة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا الكون أسس وأنشأ وخلق بارادة الله لحكمته تبارك وتعالى

الدرس الحادي عشر التقسيم الثالث للعلة والمعلول البحث الثالث التناسب بين العلة والمعلول (السنخية) يأتي عليها الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo