< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التقريب الخامس

من الدليل العقلي على ولاية الفقيه العامة ما ذكره الشيخ محسن الآراكي [1] ، وهو يتكون من مقدمتين:

المقدمة الأولى: تنفيذ الأحكام الشرعية في جميع جوانب الحياة وخاصة الحدود الشرعية بموازينها واجب مطلقاً من دون اختصاص ذلك بزمان دون زمان فالأحكام الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واجبة مطلقاً من دون اختصاص بزمان دون آخر دل على ذلك عموم الأدلة وإطلاقها المدعوم بالارتكاز المتشرعي القطعي والسيرة المتشرعية الثابتة، إذاً المقدمة الأولى شرعية.

المقدمة الثانية: نفس بيان المقدمة الثانية من التقريب الرابع وهو أن تنفيذ الأحكام الشرعية بتفاصيلها وحدودها لا يتم من دون وجود حاكم عالم بتفاصيل الأحكام وحدودها المقررة شرعاً، عادل يتمتع بملكة عالية من العدل تمكنه من تنفيذها كما أنزل الله وأراه.

وفيه: إننا نسلم المقدمة الأولى الشرعية إلا أن المقدمة الثانية قابلة للتأمل فلا يوجد حصر ولا يوجد شيء في هذا الدليل يدل على حصر تنفيذ الأحكام الشرعية بتفاصيلها وحدودها بخصوص الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، فقد يقال إن عدول المؤمنين إذا توفروا على بعض العلوم اللازمة لإدارة الحكم الإسلامي وتدبير شؤون الدولة الإسلامية وتوفروا على العدالة يمكنهم إقامة حدود الله في الأرض، إذاً التقريب الخامس من الدليل العقلي لا يدل على ولاية الفقيه العامة فضلاً عن الولاية المطلقة.

التقريب السادس وهو ما ذكره أيضاً الشيخ الأراكي [2] وهو يتكون من مقدمتين:

المقدمة الأولى: مسلمية ثبوت ولاية القضاء للفقيه العادل فإن ثبوتها للفقيه العادل من المسلمات التي لا يختلف عليه فقيهان، إذاً المقدمة الأولى شرعية.

المقدمة الثانية: التلازم بين ثبوت ولاية القضاء للفقيه العادل وثبوت الولاية العامة للفقيه العادل أيضاً والتلازم المذكور على نوعين، الأوّل التلازم الثبوتي والثاني التلازم الإثباتي، أما الأوّل وهو التلازم الثبوتي فهو بدعواه أن ثبوت ولاية القضاء للفقيه العادل لا يجتمع مع تجويز تولي غير الفقيه العادل للولاية العامة، لأن ذلك يفقد ولاية الفقيه للقضاء أثره وهو ضمانة التنفيذ ويعرضه لخطر تدخل الولي العام في ولاية القضاء، إما بمنع أصل تولي الفقيه العادل للقضاء أو بالحيلولة دون تنفيذ قضائه والتجربة الإسلامية السابقة والحاضرة خير شاهد على ذلك.

الثاني التلازم الاثباتي بدعوى أن الراسخ في الارتكاز المتشرعي بين المسلمين كون ولاية القضاء من شؤون الحاكم العام الذي له الولاية العامة كما كان عليه الحال في عصر النبوة وعصر الخلفاء وكذا الملوك الذين حكموا المسلمين باسم الخلافة في جميع الأعصار الماضية فإنهم كانوا ينصبون القضاة ويعزلونهم وكان القاضي يرى أنه يكتسب شرعية قضائه من نصب الحاكم العام له، وقد اتضح من البيان الثاني لهذا التقريب أن هذا التقريب قد يدخل في الدليل الشرعي اللفظي أو غير اللفظي الدال على ولاية الفقيه لولا أن مطلق الدليل هنا مبتني على التلازم وإن كان التلازم عرفياً أو عادياً وليس عقلياً فيمكن اعتبار هذا الدليل من الدليل العقلي بنوع التسامح في التعبير، هذا تمام ما أفاده سماحة الشيخ الآراكي~.

وفيه: إننا نسلم المقدمة الأولى وهي أن ثبوت ولاية القضاء للفقيه العادل من المسلمات في فقه الإمامية إلا أننا ننكر المقدمة الثانية وهي دعوى التلازم بين ثبوت ولاية القضاء وثبوت الولاية العامة للفقيه فنحن ننكرها بكلا بيانيها، أما بالنسبة إلى البيان الأوّل وهو أن ثبوت ولاية القضاء للفقيه العادل لا يجتمع مع ثبوت الولاية العامة لغير الفقيه العادل إذ أن ذلك يفقد القضاء أثره، هذا الكلام ليس بتام وخير شاهد على ذلك ما أفتى به فقهاء الإسلام منذ عصر الغيبة الصغرى وصولاً إلى بداية الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا إذ لم يختلف فقيهان على ثبوت ولاية القضاء واختصاصها بالفقيه العادل الجامع للشرائط إلا أنهم اختلفوا في ثبوت الولاية العامة للفقيه العادل الجامع للشرائط مما يعني أن مشهور الفقهاء كانوا لا يرون وجود تلازم عرفي أو عادي فضلاً عن التلازم العقلي بين ثبوت الولاية العامة للفقيه وبين ثبوت ولايته على خصوص الفتوى والقضاء فقد حصل اتفاق بين فقهاء الإمامية على ثبوت ولاية الفقيه في موردين وهما الفتوى والقضاء وحصل الاختلاف فيما عداهما كالولاية على إجراء الحدود والتعزيرات والولاية على شؤون الدولة الإسلامية وغير ذلك مما يعني إمكانية التفكيك بين ولاية الفقيه على الفتوى والقضاء من جهة وبين ولاية الفقيه على غيرهما من جهة أخرى، هذا تمام الكلام في مناقشة البيان الأول.

وأما البيان الثاني وهو التلازم الاثباتي بدعوى أن الراسخ في الارتكاز المتشرعي كون القضاء من شؤون الحاكم العام والدليل عليه عصر النبوة وعصر الخلفاء والملوك الذين جاءوا بعدهم يدعون الخلافة وفيه إن سيرة الخلفاء وسيرة ما عدا النبي والأئمة^ ليست حجة في حقنا فهي لا تمثل سيرة المتشرعة حتى تكشف بل إن على وجود الدليل الشرعي ولا تمثل سيرة العقلاء حتى يقال إنها قد أمضاها الشارع المقدس، فمثل هكذا ارتكاز أو هكذا سيرة ليس بحجة علينا، على أننا لا نسلم وجود هكذا ارتكاز بل من الواضح في ثقافة الشيعة الإمامية أن الخلافة قد اغتصبت من أمير المؤمنين× وأنه قد أقصي عن الخلافة مدة خمسة وعشرين سنة وهي فترة خلافة الأوّل والثاني والثالث وهكذا انتزعت الخلافة من ابنه الحسن× الذي حكم بضعة شهور وأصبحت الخلافة ملكاً عضوضاً تناوله بنو أمية ثم بنو العباس إلى أن جاءت الدولة العثمانية في تركيا فهؤلاء إنما ملوك وسلاطين وسيرتهم ليست بحجة علينا، بل ندعي إن الارتكاز المتشرعي على خلاف هذه الدعوى وهي أنه يوجد تفكيك بين الولاية على القضاء وبين الولاية على الشؤون العامة والقدر المتيقن من ولاية الفقيه هي ولايته على الفتوى والقضاء إذ هما مورد اتفاق بين علماء الإمامية، نعم حصل الاختلاف في غيرهما مما يكشف عن عدم وجود ارتكاز متشرعي بأن القضاء أحد الشؤون العامة للفقيه الجامع للشرائط، إذاً التقريب السادس على ولاية الفقيه لا يتم.

التقريب السابع[3] وهو الدليل العقلي المبني على الاستقراء

ويقصد به تفاصيل الموارد الجزئية التي ثبت في الفقه كون الفقيه هو الولي فيها فيقال إن تعدد هذه الموارد وكثرتها وتنوعها يورث اليقين بعدم خصوصيتها وعمومية ولاية الفقيه لجميع الموارد التي يحتاج فيها الناس إلى ولي ومنها ولاية الحكم على المجتمع أو يقال إن هذه الموارد تكشف كشفاً يقينياً قطعياً عن كبرى كلية، تمثل هذه الموارد جميعاً بعض جزئياتها والكبرى الكلية تتمثل في ثبوت الولاية العامة للفقيه على الناس، هذا التقريب العقلي المبني على الاستقراء له بيانان مشتركان في المقدمة وهي استقراء الموارد الجزئية التي ثبتت فيها الولاية للفقيه وهي كثيرة نشير إلى أشهر مواردها، يذكر الشيخ أربعة عشر مورداً وقلنا في البحوث السابقة أكثر من إحصاها هو السيد بحر العلوم+[4] والمحقق المراغيî والشهيد السيد مصطفى الخميني& قد ذكروا أربعين مورداً في رسالتيهما، المورد الأوّل ولاية القضاء وفصل الخصومات، المورد الثاني ولاية الفتوى، المورد الثالث ولاية الحدود والتعزيرات، المورد الرابع الولاية على القصاص عند فقد الأقارب في قتل العمد، المورد الخامس الولاية على استيفاء الدية عند فقد الأقارب في قتل الخطأ، السادس الولاية على الصغار، السابع الولاية على القاصرين والمحجورين لسفه أو فلس، الثامن الولاية على طلاق الزوجة في موارد خاصة فصلت في الفقه، التاسع الولاية على الممتنع كالمدين الموسر المماطل في بيع ماله وأداء دينه، العاشر الولاية على الميت الذي لا ولي له في كفنه ودفنه والصلاة عليه وسائر شؤونه الراجعة إلى ولي الميت الخاص، الحادية عشر الولاية على إرث من لا وارث له، الثانية عشر الولاية على الأموال العامة كالأنفال والأخماس والصدقات، الثالث عشر الولاية على الغائب، الرابع عشر الولاية على المضار فيما يريد فيه الإضرار وغير ذلك من الموارد التي قد يصعب إحصائها في الفقه، وعلى هذا الأساس من الاستقراء يتم استكشاف الولاية العامة للفقيه شرعاً بأحد بيانين:

البيان الأوّل إن هذه الموارد لكثرتها وتنوعها تستوجب اليقين بعدم الخصوصية فيها وبالتالي نستكشف ثبوت الولاية للفقيه فيها دون غيرها من الموارد التي يحتاج فيها إلى الولي، وبعبارة أخرى القطع بعدم الخصوصية في مثل هذه الموارد فهذه الموارد تشير إلى قاعدة كلية وهي أن كل أمر نحتاج فيه إلى ولي ولم يشخص الولي ولم يحدد ولم يعين الولي فوليه هو الفقيه الجامع للشرائط، ومن الواضح أن المجتمع الإسلامي يحتاج إلى ولي فإذا لم يعين ولم يحدد الولي والرئيس يتعين أن يكون هو الفقيه الجامع للشرائط.

وفيه: لو سلمنا بجميع هذه الموارد وبما ورد في البيان الأوّل نقول أقصى ما نستفيد هو الظن بجعل الولاية للفقيه في هذه الموارد وغيرها لا القطع بذلك والحال إن البيان الأوّل يقول إن هذه الموارد لكثرتها وتنوعها تستوجب اليقين بعدم الخصوصية، من أين نقطع بعدم الخصوصية، غاية ما يستفاد الظن بعدم الخصوصية والظن لا يغني من الحق شيئا نعم لو حصل الاطمئنان للمستدل والوثوق بإلغاء الخصوصية فوثوقه واطمئنانه حجة عليه وليس بحجة علينا هذا أوّلاً.

وثانياً لو كان لبان فلو كانت الولاية العامة من الأمور الواضحة جداً لصرح بها في كلمات الأعلام المتقدمين فكما صرح بهذه الموارد الأربعة عشر أو الأربعين أو الأكثر من ذلك فلماذا لم يصرح الفقهاء بثبوت الولاية العامة للفقيه في موارد الفقه، قد يقال إن ظرف التقية أدى إلى تغاضيهم عن ذلك فلم يذكر الولاية العامة للفقيه لكننا نقول إن ظرف التقية هل يستدعي السكوت المطبق من الفقهاء من عصر الغيبة الصغرى إلى زمان الدولة الصفوية هذا عجيب غريب والحال إننا نجد الفقهاء منذ زمن الشيخ الكليني والصدوق والمفيد والطوسي وسلّار وابن البرَّاج قد صرحوا بثبوت ولاية الفقيه على القضاء وكان هذا الأمر حساساً بالنسبة إلى الحاكم الذي يرى أن تعيين القضاة من شؤون الحاكم لا من شؤون الأئمة^ ولا من شؤون الفقهاء وعلى الرغم من حساسية مورد القضاء بالنسبة إلى الخلفاء نجد الفقهاء قد صرحوا بأن الولاية على القضاء من مختصات الفقيه العادل فلماذا لم يصرحوا بأن الولاية العامة من صلاحيات الفقيه العادل، هذا الأمر يدعونا إلى التشكيك في وضوح ثبوت هذه الولاية لدى فقهاء العصر الأوّل وبالتالي نقول أقصى ما نستفيد الظن ولا يرتقي إلى درجة اليقين.

البيان الثاني إن من المرتكز عقلائياً ضرورة وجود فرد أو جهة يكون هو صاحب الولاية العامة والسلطة العليا في كل مجتمع، وحينئذ فإذا صدرت من المتشرع مجموعة من الأحكام والقوانين تخوّل صلاحية البت في أمور ترتبط بدائرة صلاحيات الولاية العامة والسلطة العليا في المجتمع إلى جهة معينة أو إلى فرد خاص كان المفهوم عقلائياً من مجموعة تلك التشريعات والقوانين كون تلك الجهة المعينة أو الفرد الخاص هي صاحبة السلطة العليا والولاية العامة في المجتمع ويأبى الارتكاز العقلائي تصور الفصل بين صلاحية البت في هذه الأمور وبين الولاية العامة والسلطة العليا في المجتمع، وعلى هذا الأساس فالموارد المشار إليها مما تم فيها إرجاع الأمر إلى الفقيه العادل تكشف كشفاً قطعياً عقلائياً عرفياً عن ثبوت الولاية العامة للفقيه العادل في شرع الإسلام.

وفيه: نقول ثبت العرش ثم النقش فنحن لا نسلم وجود هكذا ارتكاز عقلائي فضلاً عن تسليمنا بصدور الإمضاء لذلك الارتكاز العقلائي، ولو كان هكذا ارتكاز عقلائي موجوداً بين العقلاء وبين المتشرعة لرأينا الكثير من الكلمات تشير إلى وجود هكذا ارتكاز، فعهدة هذه الدعوى على مدعيها، إذاً البيان الثاني للتقريب السابع ليس بتام، إلى هنا اتضح أن جميع التقريبات السبعة التي ذكرها الشيخ محسن الآراكي[5] ، جميع هذه التقريبات ليست تامة، وإلى هنا لم ينهض دليل عقلي على إثبات ولاية الفقيه العامة.

وننقل إلى بيان الأدلة العقلية التي ذكرها الشيخ نوري [6] وقد ذكر خمسة أدلة، وسيتضح أنها ليست تامة، نعم قد يصلح بعضها لتأييد الأدلة النقلية الشرعية الروائية اللفظية كمقبولة عمر بن حنظلة والتوقيع الصادر إلى إسحاق بن يعقوب.

التقريب الثامن وهو الدليل الأوّل الذي ذكر [7]

ويتألف من مقدمتين:

المقدمة الأولى: إن أحكام الله لازمة الإجراء في حياة الفرد والمجتمع ولا يجوز تعطيل شيء منها إذ الإسلام لكل عصر ولكل مجتمع وليس مختصاً بالمجتمع الذي عاصر الرسول| والأئمة الاطهار^.

المقدمة الثانية: إن الحكومة مقدمة لازمة لأحكام الله ومقدمة الواجب واجبة كما ذكر في علم الأصول فتثبت الولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط وفيه: إننا لو سلمنا كلتا المقدمتين فإن النتيجة لا تدل على ثبوت الولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط فلو سلمنا بالمقدمة الأولى وهي أن أحكام الله§ لكل عصر وسلمنا بالمقدمة الثانية وهي أن الحكومة مقدمة للواجب وهو تنفيذ أحكام اللهO فإن مقتضى المقدمة الثانية هو وجوب إقامة الحكومة الإسلامية لكن الكلام مَنْ الذي يقيم الحكومة الإسلامية هل هو الفقيه الجامع للشرائط أو غيره؟ فهذا الدليل لو سلمنا به فإنه لا يدل على المدعى، فيكفي وتكفي هذه المناقشة على المناقشات الثلاث التي أوردها الشيخ نوري حاتمw لأنه هناك كلام بين الأصوليين هل مقدمة الواجب واجبة أو لا؟ فهناك من أنكر في علم الأصول وجوب المقدمة ومن قال بوجوب مقدمة الواجب حصل بينهم خلاف فهل مطلق مقدمة الواجب واجبة أم أن خصوص الحصة الموصلة هي الواجبة والمشهور بين المعاصرين أن الواجب من المقدمة هو خصوص الحصة أو الفرد الموصل من المقدمة هو الواجب فلا يقال بوجوب مطلق مقدمة الواجب وإنما يقال بوجوب خصوص الحصة الموصلة من مقدمة الواجب، هذا تمام الكلام في التقريب الثامن.


[1] نظرية الحكم في الإسلام، الشيخ محسن الآراكي، ج1، ص267.
[2] نظرية الحكم في الإسلام، الشيخ محسن الآراكي، ج1، ص268.
[3] نظرية الحكم في الإسلام، الشيخ محسن الآراكي، ج1، ص268.
[5] نظرية الحكم في الإسلام، الشيخ محسن الآراكي، ج1، ص263 الي 272.
[6] أحكام ولي الأمر في الدولة الإسلامية، الشيخ نوري حاتم، ص65 إلى 81.
[7] أحكام ولي الأمر في الدولة الإسلامية، الشيخ نوري حاتم، ج1، ص65.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo