< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القسم الثاني من الأدلة التي أقيمت على الشرط الثالث عشر في ولي الأمر وهو الرجولة الاستدلال بالروايات وقد انتهينا في القسم الأوّل من الأدلة على اشتراط الرجولة وهو الاستدلال بآيات القرآن الكريم إلى أن الآيات الأربع التي اسُتدل بها على اشتراط الرجولة في ولي الأمر لا تدل على المدعى.

وأما القسم الثاني وهو الاستدلال على اشتراط الرجولة بالروايات والأحاديث الشريفة فهي كثيرة جداً وأكثر هذه الروايات ضعيف السند نعم بعضها صحيح السند أو موثق إلا أن ضعف أكثر هذه الروايات لا يضر إذ أن أكثرها من ناحية الدلالة يدل على اشتراط الرجولة وعدم أهلية المرأة لتولي ولاية الأمر وبالتالي يوجد تواتر معنوي أو لا أقل إجمالي بالنسبة إلى اشتراط الرجولة، فتدل هذه الروايات بأجمعها على المدعى خصوصاً إذا لحظنا إجماع المسلمين قاطبة وهو ما سنتطرق إليه في القسم الثالث من الأدلة التي أقيمت على اشتراط الرجولة والذكورة في ولي أمر المسلمين.

ونحن هنا نتطرق إلى الروايات الشريفة التي قد يستدل بها على اشتراط الرجولة والذكورة في ولي الأمر.

الرواية الأولى ما رواه ثقة الإسلام الكليني بسند معتبر عن سدير بن حكيم عن أبي جعفر× قال: >قال رسول الله| لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحُسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم< قال الكليني وفي رواية أخرى حتى يكون للرعية كالأب الرحيم([1] ).

تقريب الاستدلال التمسك بقوله× >لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال< ([2] ) فالرواية الشريفة حصرت الإمامة في الرجل الذي توفرت فيه ثلاث خصال ولا شك ولا ريب أن المراد بالإمامة في الرواية هو ولاية الأمر بقرينة قوله| في الصفة الثالثة >وحُسن الولاية على من يلي< فقد حكم| بأن الولاية على الأمة لا تصلح إلا لرجل قد توفرت فيه ثلاث خصال، إذاً في المقام الأوّل اشترط أن يكون رجلاً ثم أوجد فيه ثلاث خصال، قد يقال بإلغاء الخصوصية وأن المراد بالرجل هنا هو الإنسان كما في قولك إذا شك الرجل بين الثلاث والأربع بنى على الأربع والمراد بالرجل هنا هو الإنسان أو المكلف فتلغى خصوصية الرجل فكذلك في قوله| >لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال< أي لا تصلح الإمامة إلا لإنسان أو مكلف فيه ثلاث خصال.

والجواب إلغاء الخصوصية إنما يتم إذا جزمنا بعدم وجود حيثيات خاصة قد توجب الخصوصية كما في الشك بين الثلاث والأربع، وأما إذا احتملنا وجود خصوصية بل ربما ظننا ظناً معتداً به بوجود خصوصية وخصوصاً في مورد بحثنا وهو التصدي لولاية الأمر والشؤون العامة ففي هذه الحالة لا يمكن إلغاء الخصوصية خصوصاً إذا لاحظنا ما ورد في الروايات الواردة في شأن المرأة من أنها عيٌ وعورة ولحظنا كون منصب الإمامة وولاية الأمر منصباً خطيراً فحينئذ لا يمكن إلغاء الخصوصية والأصل في العناوين هو الموضوعية لا الطريقة ولا يرفع اليد عن موضوعية الرجل إلا بوجود قرينة تدل على أن لفظ الرجل أُخذ كطريق للإنسان أو مطلق المكلف، إذاً الدليل الأوّل من الروايات تام الدلالة سنداً ودلالة على اشتراط الرجولة في ولي الأمر ويكفي الدليل الأوّل من الروايات لإثبات المدعى ولا حاجة لبحث بقية الروايات والإجماع وغير ذلك {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}، إذاً تتمة البحث من باب مزيد الاطمئنان.

وما دل على أن النساء عيٌ وعورة فقد روى الكليني بسند صحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله× قال: >قال رسول الله| النساء عيٌ وعورة فاستروا العورات بالبيوت واستروا العي بالسكوت<([3] )، والمراد بالعي من لا يحسن الإفصاح عما بداخله ولا يتقن الحديث.

ورواه الصدوق مرسلاً فقال وقال ـ يعني رسول الله| ـ >إنما النساء عيٌ وعورة فاستروا العورة بالبيوت واستروا العيَّ بالسكوت<([4] ).

وقد روى الكليني أيضاً بسند معتبر عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله× قال: >قال أمير المؤمنين× لا تبدؤوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام فإن النبي| قال النساء عيٌ وعورة فاستروا عيهن بالسكوت واستروا عورتهن بالبيوت<([5] )، وقد ذكر هذه الرواية الحر العاملي([6] ).

تقريب الاستدلال الروايات الشريفة جعلت النساء عياً وعورة والعي هو العجز عن التكلم والعورة هو ما يستحى منه وينبغي ستره، ثم فرّع على ذلك بأنه ينبغي أن يسترن في البيوت وأن لا يخرجن من البيوت فإذا كان هذا هو شأن المرأة ومقامها فهذا لا يجتمع مع التصدي للشؤون العامة فإن فيه كمال البروز وفيه ما فيه من الاختلاط بالرجال والنساء، والأمر بستر النساء وإن كان استحبابياً إلا أن رؤية الشارع للنساء على أنهن عورات يقتضي أن لا يجوز لهن كمال البروز وهو لازم من لوازم التصدي لولاية الأمر، وفيه قد يقال إن هذه الروايات ناظرة إلى الزوجات لا إلى مطلق النساء، فالرواية تأمر الرجال بستر عوراتهن وهن النساء فلا عموم في هذه الروايات الشريفة لمطلق النساء إلا أن الإنصاف أن هذه الروايات فيها عموم وحيثيات تعليلية فقد ذكرت الروايات أن النساء عيٌ ويعجزن عن الكلام من جهة ومن جهة أخرى عورات ينبغي أن تستر ومن الواضح أن تصدي المرأة للشأن العام يجعلها في موطن البروز فلا يصح ذلك ولكن قد يقال إن تصدي المرأة للشأن العام بكامل حجابها وعفافها لا ينافي ذلك بشكل تام نعم الأفضل أن لا تبرز هكذا بروز ولكن بروزها مع كمال عفافها وعفتها لا حرمة فيه، فيحمل النهي في هذه الروايات على النهي التنزيهي لا على الحرمة وبالتالي بمقتضى هذه الرواية تصدي المرأة للشأن العام مع كامل حجابها وعفتها لا يتنافى مع هذه الرواية، إذ أن هذه الرواية لا تدل على الحرمة وإنما تدل على الكراهة والمرجوحية فيكره للمرأة أن تكون في موطن البروز والظهور والاختلاط بالرجال ولكن لا حرمة في ذلك ما لم يستلزم وجود محرم ومع حفاظها على حجابها وعفتها وأمنها من الوقوع في الحرام لا يوجد إشكال في تصديها فلا تدل هذه الرواية على المدعى، إذاً الدليل الثاني على اشتراط الرجولة في ولي الأمر تام سنداً إلا أنه غير تام من ناحية الدلالة.

الدليل الثالث التمسك بما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة وهي من الأدلة الخاصة التي اسُتدل بها على ولاية الفقيه العامة، فقد روى الكليني بسنده عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله× عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟ فقال: >من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به قلت فكيف يصنعان قال ينظران من كان منكم ـ وفي نسخة ينظران إلى من كان منكم ـ ممن قد روى حديثنا ونظر إلى حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله<.

تقريب الاستدلال بالرواية لفظ الرجل لم يرد في كلام الإمام× في المقبولة وإنما ورد في سؤال السائل سألت أبا عبد الله× عن رجلين من أصحابنا إلى أن يقول فتحاكما إلى السلطان أو القضاة، لكن المرتكز في العرف العام آنذاك أن القاضي لا يكون إلا ذكراً كما أن السلطان لا يكون إلا رجلاً فيستند إلى هذه الرواية بقرينة الارتكاز العرفي بل المتشرعي في ذلك الزمان إلى زماننا هذا والإمام× قد أمضى ذلك فتدل المقبولة على المدعى وأما ضعف عمر بن حنظلة أو عدم توثيقه فلا يضر بالاستدلال لأن الأصحاب قد تلقوا هذه الرواية بالقبول، وفيه إن الإمام× ليس في مقام البيان من جهة اشتراط ذكورة ورجولة القاضي أو السلطان أو الحاكم حتى يستند إلى هذه الرواية في اشتراط الرجولة فلا تدل هذه الرواية على المدعى، إذاً الدليل الثالث على اشتراط الذكورة ليس بتام من ناحية الدلالة لو غضضنا النظر عن الإشكال السندي.

الدليل الرابع التمسك بما ورد في مشهورة أبي خديجة أو معتبرته على بعض المباني وبروايته الأخرى فقد روى الشيخ الطوسي& بإسناده، طبعاً المقبولة موجودة في أصول الكافي([7] ).

مشهورة أبي خديجة روى الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد أبن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبي الجم عن أبي خديجة قال بعثني أبو عبد الله× إلى أصحابنا فقال: >قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدار بينكم في شيء من الأخذ والعطاء أن تتحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق اجعلوا بينكم رجلاً ممن قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته قاضياً وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر<([8] ).

وفي روايته الأخرى التي رواها الشيخ الصدوق بإسناده عن أحمد بن عائد عن أبي خديجة سالم أبن مكرمة الجمال قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق× >إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه<([9] ).

تقريب الاستدلال قد ورد في مشهورة أبي خديجة >اجعلوا بينكم رجلاً< وفي روايته الأخرى >ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم< فيتم الاستدلال على اشتراط الرجولة في ولي الأمر، وفيه أما من ناحية السند فهذه الرواية ضعيفة بأبي خديجة ولو غضضنا النظر عن ضعفها لاعتبارها على بعض المباني من جهة أو اشتهارها من جهة أخرى فإنها من ناحية الدلالة خاصة بالقضاء إذ قال الإمام× >فإني قد جعلته قاضياً< فالرواية أجنبية عن مورد بحثنا وهو ولاية الأمر، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه الرواية قد ورد فيها لفظ رجل ولفظ الرجل هنا مفهوم لقب ومفهوم اللقب ليس بحجة إذ أن هذه الرواية ليست في مقام بيان شرائط القاضي والإمام× حينما قال انظروا إلى رجل لم يكن في مقام بيان شرائط القاضي بل كان في مقام الردع عن الرجوع إلى قضاة الجور ولعل ذكر الرجل كان من باب التغليب فالاستدلال بلفظ الرجل في الرواية كأنه استدلال بمفهوم اللقب ولا حجية في مفهوم اللقب على ما قُرر في علم الأصول، إذاً الدليل الرابع وهو التمسك بمشهورة أبي خديجة غير تام من ناحية السند والدلالة.

الدليل الخامس التمسك بالروايات التي تنهى عن طاعة النساء وفيها الصحيح وغير الصحيح، فإذا لم تجز طاعة النساء مطلقاً لم تصح لهن ولاية الأمر إذ أن التصدي لولاية الأمر يستلزم وجوب الطاعة لولي الأمر فمن الواضح تقوم ولاية الأمر بوجوب طاعة ولي أمر المسلمين لما يراه من مصلحة للأمة فإذا كانت طاعة النساء قد نهي عنها فلا محال لا تصلح المرأة لتولي شؤون الأمة والتصدي لولاية الأمر هذه الأخبار عديدة نذكر بعضها على سبيل المثال:

الرواية الأولى صحيح عبد الله بن سنان المروي في الكافي عن أبي عبد الله× قال: >ذكر رسول الله| النساء فقال أعصوهن في المعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر وتعوذوا بالله من شرارهن وكونوا من خيارهن على حذر<([10] ).

الرواية الثانية روى الكليني في الكافي بسند موثق عن السكوني عن الإمام الصادق× قال: >قال رسول الله| طاعة المرأة ندامة<([11] ).

الرواية الثالثة روى الكليني في الموثق عن السكوني عن أبي عبد الله× قال: >قال رسول الله| من أطاع امرأته أكبه الله على وجهه في النار قيل وما تلك الطاعة قال تطلب منه الذهاب إلى الحمامات والعُرسات والعيدات والنياحات والثياب الرقاق<([12] ).

الرواية الرابعة روى الكليني بسند معتبر عن عمر بن عثمان عن عبد المطلب بن زياد رفعه عن أبي عبد الله× إذاً الرواية ضعيفة السند مرفوعة، قال: >تعوذوا بالله من طالحات نسائكم وكونوا من خيارهن على حذر ولا تطيعوهن في المعروف فيأمرنكم بالمنكر<([13] ).

الرواية الخامسة روى الكليني بسند معتبر عن عمر بن عثمان عن بعض أصحابه ـ الرواية مرسلة ـ عن أبي عبد الله× قال: >استعيذوا بالله من شرار نسائكم وكونوا من خيارهن على حذر ولا تطيعوهن في المعروف فيدعونكم إلى المنكر<([14] ).

الرواية السادسة ما في نهج البلاغة في خطبة خطب بها أمير المؤمنين× بعد فراغه من حرب الجمل >معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر<([15] ).

الرواية السابعة في رواية ابن أبي عمير المروية في علل الشرائع رواها عن غير واحد عن الصادق عن أبيه عن آبائه^ قال: >شكى رجل من أصحاب أمير المؤمنين× نسائه فقام علي× خطيباً فقال معاشر الناس لا تطيعوا النساء على حالٍ ولا تؤمنوهن على مالٍ ولا تذروهن يدبرن أمر العيال فإنهن إن تُركن وما أُردن أَورَدنَ المهالك وعَصِينَ أمر الممالك<([16] ).

وقد يقال إن بعض هذه الروايات ناظر إلى خصوص الزوجات إلا أن الإنصاف إن هذه الروايات تذكر حيثيات تعليلية تستند إلى طبع المرأة وهو ميلها إلى الأعراس والنياحة وعدم ضبطها للصرف والنفقة في المنزل وعدم قدرتها على تدبير أمر العيال فمن كان حالها كذلك كيف تستطيع أن تدبر أمر الأمة، فلا يختص النهي عن طاعتهن بهذه الأمور فإرادة الزوجة من بعض هذه الروايات لا تضر بالعموم والسر في ذلك أن المرأة لا تصلح أن تطاع زوجة كانت أو غير زوجة خصوصاً إذا لحظنا الرواية التي تقول >طاعة المرأة ندامة<، فهذه الرواية وإن لم تنهى عن طاعة المرأة إلا أنها ذكرت نتيجة الطاعة وهي الندم وفي موقع خطير كولاية أمر المسلمين لا يحسن وضع من يوجب الندامة إذاً هذه الروايات وإن كان أكثرها ضعيف السند من جهة وناظر إلى خصوص الزوجة من جهة أخرى إلا أنه يمكن أن يستفاد منها أن مذاق الشارع هو مرجوحية تولي المرأة للشؤون العامة للمسلمين، لكننا لا نستطيع الجزم على دلالتها على منع المرأة من التصدي للشأن العام فبعضها ناظر إلى النتيجة كقوله >طاعة المرأة ندامة<، وبعضها فيه نهي تنزيهي وليس تحريمياً كقوله >ولا تذروهن يدبرن أمر العيال ولا تؤمنوهن على مال<، فمن الواضح أن النهي هنا لا يدل على الحرمة وإنما يدل على التنزيه ومرجوحية إيكال تدبير العيال والتصرف في المال إلى النساء، إذاً الدليل الخامس وإن كان بعض رواياته تام السند إلا أن دلالته تحمل على مطلق المرجوحية لا خصوص عدم الجواز وبالتالي لا يدل هذا الدليل على المدعى وإنما يصلح أن يكون مؤيداً.

الدليل السادس التمسك بالأخبار التي تنهى عن اختلاط النساء بالرجال وتنهى عن خروج النساء إلى صلاة الجمعة والعيدين فإذا كان الشارع المقدس ينهى النساء عن هذا المقدار من البروز والاختلاط فلا ينبغي أنه لا يجوز لهن التصدي لولاية أمر الأمة خصوصاً أن التصدي لصلاة الجمعة والعيدين شأن من شؤون ولاية الأمر العامة ويدل على ذلك عدة روايات نذكر بعضها:

الرواية الأولى روى الكليني في المعتبر عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله× قال: >قال أمير المؤمنين× نبئت أن نسائكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون< قال الكليني عقبه ما نصه وفي حديث آخر إن أمير المؤمنينj قال: >أما تستحيون ولا تغارون نسائكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج<([17] )، العلوج جمع علج وهم مطلق الكفار.

الرواية الثانية روى الكليني في الموثق عن محمد بن شريح قال سألت أبا عبد الله× عن خروج النساء في العيدين فقال: >لا إلا عجوز عليها منقلاها<([18] ) ـ يعني الخفين ـ.

الرواية الثالثة روى الكليني في المعتبر عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله× عن خروج النساء في العيدين والجمعة فقال: >لا إلا امرأة مسنة<([19] ).

استثناء العجوز والمسنة في الروايات شاهد على أن الشارع لا يرغب في أن تقع النساء موقع النظر والمشاهدة والمعاينة فيمن يرغب في النساء فيدل على عدم جواز تصدي النساء لولاية الأمر بطريق أولى، وفيه إن هذا النهي لا يحمل على الحرمة بل على النهي التنزيهي فمن الواضح أنه يجوز للشابة أن تصلي الجمعة والعيدين وأن تخرج إليهما إذا حافظت على حجابها وعفتها، نعم هذا النهي يدل على المرجوحية فالأولى للمرأة أن تلازم بيتها ولا تجعل نفسها في موضع البروز والظهور، إذاً الدليل السادس وإن كان بعض رواياته معتبر السند إلا أن دلالته على اشتراط الرجولة في ولي الأمر ليست تامة، نعم تصلح أن تكون مؤيداً.

الدليل السابع ما رواه الشيخ الصدوقî في الخصال بإسناده إلى جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر× يقول: >ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا جماعة ولا عيادة المريض ولا إتباع الجنائز ولا التلبية ولا الهرولة بين الصفا والمروة ولا استلام الحجر الأسود ولا دخول الكعبة ولا الحلق إنما يقصرن من شعورهن ولا تولى المرأة القضاء ولا تولى الإمارة ـ وفي نسخة الوسائل ولا تلي الإمارة ـ ولا تستشار<([20] ).

تقريب الاستدلال التمسك بقوله× >ولا تولى الإمارة< وفي نسخة الوسائل >ولا تلي الإمارة<، فإنه لا ريب في ظهور هذه العبارة في نفي صلاحية المرأة للإمارة والمراد إما الإمارة العامة والتصدي للسلطة العليا في الدولة أو المراد الإمارة على منطقة أو قرية أو ناحية فإذا استظهرنا الثاني وهو الإمارة على منطقة وناحية فمن باب أولى تدل على عدم صلاحيتها للتصدي للسلطة العليا وإن استظهرنا العروض فقد تم المطلوب.

قد يقال تمسكاً بقرينة السياق إن هذا النهي لا يدل على الحرمة وإنما يكون مفاده أن هذه الأمور ليست من وظائف النساء وهذا لا يستلزم نفي صلاحيتها فليس من وظيفة النساء إقامة الجمعة وليس من وظيفة النساء عيادة المريض وليس من وظائف النساء إتباع الجنائز ولا التلبية وليس من وظيفة النساء الإمارة لكن هذا لا يعني أنها لا تستطيع أن تتصدى للإمارة، وفيه إن الفقرات السابقة جاء فيها المصدر بخلاف هذه الفقرة فقد جاء فيها الفعل المضارع لا تولى فالفقرات السابقة فيها المصدر >ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا الجماعة ولا عيادة المريض ولا إتباع الجنائز ولا التلبية ولا الهرولة بين الصفا والمروى ولا استلام الحجر الأسود ولا دخول الكعبة ولا الحلق إنما يقصرن من شعورهن< إلى هنا كلها مصادر فهنا المصدر يدل على سلب الوظيفة، لكن حينما جاء إلى القضاء والإمارة قال: >ولا تولى المرأة القضاء< فجاء بفعل المضارع المسبوق بلا الناهية أو النافية >ولا تولى الإمارة< فهذه اللانافية في مقام النهي فهي تدل على التحريم، إذاً هذه الرواية تامة الدلالة على النهي عن تولي المرأة للقضاء والإمارة معاً إلا أن الكلام كل الكلام في سند الرواية فهي ضعيفة السند لوقوع الكثير من المجاهيل فيها.

والدليل السابع تام الدلالة على المدعى لكنه مخدوش سنداً فيصلح أن يكون مؤيداً بل هذا من أقوى المؤيدات على اشتراط الرجولة في الإمارة وولي الأمر.

 


[1] () الكافي، ج1، ص407، الحديث 8.
[2] () نفس المصدر.
[3] () فروع الكافي، ج6، ص535، الحديث 4.
[4] () من لا يحضره الفقيه، ج3، ص390، الحديث 4372، ورواه الحر العاملي في الوسائل، ج14، ص42، الحديث 4، الباب24 من أبواب مقدمات النكاح.
[5] () فروع الكافي، ج6، ص535، الحديث الأوّل.
[6] () وسائل الشيعة، ج14، ص173، الباب130 من أبواب مقدمات النكاح، ح1.
[7] () الكافي، ج1، ص67، الحديث 10، باب اختلاف الحديث.
[8] () تهذيب الأحكام، ج2، ص92؛ كتاب القضاء، الطبعة القديمة، ج6، ص303، الحديث 53، باب من الزيادات والقضايا والأحكام، الطبعة الجديدة.
[9] () وسائل الشيعة، ج18، ص100، الباب11 من أبواب صفات القاضي، ح5 و6.
[10] () فروع الكافي، ج6، ص516، الحديث 2، نقل عنه الحر العاملي في وسائل الشيعة، ج14، ص128، الحديث الأوّل، الباب94 من أبواب مقدمات النكاح.
[11] () نفس المصدر، ص517 الحديث 3؛ وسائل الشيعة، ج14، ص130، الباب95 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث1.
[12] () نفس المصدر، الحديث 4؛ وسائل الشيعة، مصدر سابق، ح2.
[13] () نفس المصدر، ص518، ح7، ؛ وسائل الشيعة، مصدر سابق، ص129، ح3.
[14] () الكافي، ج6، ص518، ح11؛ وسائل الشيعة، ج14، ص129، ح5.
[15] () نهج البلاغة، الخطبة 80، ص105.
[16] () علل الشرائع، الباب288، ص513، ومن لا يحضره الفقيه، ج3، ص554، ح4900، والأمالي، ص275، ح6، وسائل الشيعة، ج14، ص129، ح7، الباب94 من أبواب مقدمات النكاح.
[17] () فروع الكافي، ج6، ص537، الحديث 6؛ وسائل الشيعة، ج14، ص174، الباب من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1، 2.
[18] () نفس المصدر، ص538 الحديث الأوّل.
[19] () نفس المصدر، الحديث 2، ونقل صاحب الوسائل كلتا الروايتين في الباب136 من أبواب مقدمات النكاح، ج14، ص176 و177، الحديث الأوّل والثاني.
[20] () الخصال، ص585، الحديث 12، نقلها صاحب الوسائل في باب123 من أبواب مقدمات النكاح، ج14، ص175، الحديث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo