< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: تحقيق الحق في المسألة

 

الأمر الرابع تحقيق الحق في المسألة، ذهب المشهور إلى وجوب تخميس الغنيمة مطلقاً سواء كانت منقولة أو غير منقولة ونسب صاحب الحدائق والجواهر تخميس الهدية مطلقاً إلى الأصحاب[1] .

وأشكل عليهم صاحب الحدائق الناضرة ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ قائلاً (لا اعرف لهذا التعميم دليلاً سوى ظاهر الآية ﴿واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسة﴾ وإلا فظاهر النصوص الاختصاص بالأموال المنقولة، واستشهد لذلك بعدة روايات: منها صحيحة ربعي[2] بن عبد الله بن أبي الجارود[3] إذاً ما ذهب إليه صاحب الحدائق بوجود ظهور للآية والرواية.

فالآية ﴿واعلموا أنّما غنمتم من شيء﴾ ظاهر في العموم، العموم والشمول للغنيمة المنقولة وغير المنقولة، فتخصص الآية بمفاد الرواية كصحيحة ربعي وغيرها من روايات الخراج، إذاً النسبة بين الدليلين هي نسبة العموم والخصوص المطلق والإطلاق في جهة الآية الدالة على التخميس مطلقاً والتخصيص في جهة الرواية والروايات على نحوين:

النحو الأول الروايات التي ظاهرها اختصاص الغنيمة بخصوص الأموال المنقولة دون غير المنقولة، كصحيحة ربعي.

النحو الثاني روايات الخراج والأراضي المفتوحة عنوة التي دلت على أنها فيءُ للمسلمين.

وأورد عليه صاحب الجواهر[4] بأن الروايات الواردة في تقسيم الغنيمة وإن كانت خاصة بالمنقول إلا أنها لا تنفي ثبوت الخمس في غير المنقول، إذا الروايات التي ظاهرها اختصاص الغنيمة بخصوص المنقول كصحيحة ربعي ساكتةٌ عن هذه الجهة وهي الغنائم غير المنقولة لا أنها تدل على سقوط الخمس في غير المنقول.

خلاصة مناقشة صاحب الجواهر لو سلمنا أن صحيحة ربعي وغيرها ناظرةٌ إلى خصوص الأموال والغنائم المنقولة إلا أنها ساكتٌ عن تخميس الغنائم غير المنقولة وبالتالي لا يمكن تخصيص الآية بها فالاستدلال بهذا الروايات على نفي الخمس في غير المنقول من الغنيمة عجيبٌ غريب، هذا بالنسبة إلى النحو الأول من المخصص وهو الروايات التي ظاهرها اختصاص الغنيمة بالمنقول.

المناقشة الثانية صاحب الجواهر يناقش صاحب الحدائق في النحو الثاني وأما ما ذكره صاحب الحدائق من أن الأراضي المفتوحة عنوة إنما هي لجميع المسلمين فقابلةٌ للتقيد لما بعد الخمس وقد صرح بهذا التقييد شيخ الطائفة الطوسي في كتابه النهاية صـ 198[5] بل إن هذا الرأي وهو أن الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين بعد إخراج الخمس هو ظاهر الأصحاب بل كأنه من المسلمات عند الأصحاب فهذه الروايات كلها لا تنافي الخمس في غير المنقول من الغنيمة.

إلى هنا اتضح أنه برأي صاحب الجواهر أن ما أفاده صاحب الحدائق من طائفتين من الروايات تخصصان الآية لا يمكن المساعدة عليه.

ولكن الصحيح ما ذهب إليه صاحب الحدائق الناضرة هو الصحيح لو سلمنا بثبوت عموم الآية على أنه سيأتي إن شاء الله أننا نلتزم أن الآية في خصوص الغنائم المنقولة دون الغنائم غير المنقولة فلا تخصص بهذه الروايات الآية خاصة من الأصل فليست بحاجة لتخصيص ولكن نتكلم في ثبوت العموم فصاحب الحدائق يتكلم في ثبوت العموم ويسلم بثبوت المخصص.

يعني أن رواية ربعي ظاهره في المنقول وروايات الأراضي المفتوحة عنوة ظاهرة أنها فيء للمسلمين ولكن لثبوت الخمس فيها.

والصحيح ما ذهب إليه صاحب الحدائق ـ رضوان الله عليه ـ لأنه لا يمكن إثبات وجوب الخمس في ما لا ينقل من الغنيمة بهذه الروايات فإن هذه الروايات وإن لم تدل عن نفي الخمس عن الغنيمة غير المنقولة كالأراضي لكن فيها إشعار لا يرقى إلى مستوى الظهور إلا أن هذا الإشعار تشعر بأن المال الذي حكم عليه بالخمس إنما هو ما يكون أربعة أخماس بعد أخذ الصفوة للمقاتلين، الرواية للمقاتلين ومن الواضح أن الدور والأراضي والأشجار والبساتين ليست للمقاتلين بل هي للمسلمين فالأرض حتى لو التزمنا بتخميسها فهي للمسلمين لا للمقاتلين.

لاحظ صحيحة ربعي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسة ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه) المدار على المقاتلين (ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس) يأخذ خمس الله لنفسه (ثم يقسم أربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقاً وكذلك الإمام يأخذ ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله) [6] .

وهكذا لو راجعنا بقية الروايات فإنها ناظرة إلى حيثية ماذا؟ حيثية المقاتلين وهذا وإن كان مجرد إشعار لا أثر له ولا يرقى إلى مستوى الظهور إلا أنه يقوى ويكون له أثر في ملاحظة الروايات الدالة على أن هذه الأراضي المعبر عنها بالأراضي الخراجية إنما هي للمسلمين عامة ولم يذكر فيها وجوب التخميس.

هذا مع ضميمة السيرة المستحكمة من زمن رسول الله إلى زمن الخلفاء إلى زمن بقية الأئمة لم نعثر على نصّ يدل على أن الأراضي الخراجية تخمس، وليس في سيرة النبي وأهل بيته إخراج خمس الأرض التي فتحت عنوة.

كما لا موجب لتقييدها بروايات الخمس لأمور أربعة:

الأمر الأول إن مورد الروايات الخراجية أخص من آية الغنيمة، باعتبار إن الأراضي الخراجية هي خصوص الأراضي التي يستولي عليها المسلمون بالقوة فهي الأراضي المفتوحة عنوة، فآية الغنيمة أعم والأراضي الخراجية أخص، لماذا أخص؟

الأراضي المفتوحة عنوة والأراضي الخراجية هي خصوص الأراضي التي تفتح بقوة السلاح، فما يكون بقوة السلاح شاملٌ لها.

مورد الروايات الخراجية أخص من آية الغنيمة، لماذا؟ لأن آية الغنيمة تدل على الغنيمة التي يستولي عليها المسلمون بقوة السلاح فما يستولي عليه المسلمون بقوة السلاح شاملٌ للأراضي الخراجية وغير الأراضي الخراجية بينما الأرض الخراجية أخص يعني خصوص الغنيمة الثابتة غير المنقولة، إذاً الآية أعم تشمل المنقول وغير المنقول هذا طبعاً لو سلمنا ظهور الآية ـ هذا الأمر الأول ـ فلو سلمنا ظهور الآية في المنقول وغير المنقول تصبح الروايات الخراجية مخصصة لعموم الآية هذا الأمر الأول، طبعاً هذا نسلم به جداً هذا في الرتبة الأولى ويكون موافقاً لكلام صاحب الحدائق.

الأمر الثاني هذه الروايات التي تخصص الآية بما يكون منقولاً وقابلاً للتقسيم وخارجاً عن المقاتلين فما هي النسبة بين آية الغنيمة ونصوص الأراضي الخراجية؟ الجواب هي نسبة العموم والخصوص المطلق، الإطلاق من جهة الآية والتخصيص من جهة الأراضي الخراجية في هذه الحالة يقدم الخاص على العام.

الأمر الثالث وهو الأهم نحن ننكر إطلاق الآية للمنقول وغير المنقول بل نرى أن الآية ظاهرة في خصوص الغنيمة الشخصية وليس المراد بالغنيمة الشخصية هي خصوص غنيمة دار الحرب بل المراد بالغنيمة الشخصية الفائدة للشخص سواء كان مقاتلاً أو غير مقاتل فلا تشمل الغنيمة النوعية التي تكون للكلي، إذاً ﴿واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ﴾ أي واعلموا أنّما استفدتم من شيء، إن بشكل شخصي فأنّ لله خمسة، وبالتالي لا تشمل الغنيمة غير المنقول لأن الغنيمة غير المنقول كالأرض الخراجية إنما هي ملكٌ للمسلمين وبالتالي تبقى الآية خاصة بخصوص المنقول، ولا يوجد أي دليل على تخميس الغنيمة غير المنقولة عدا رواية أبي بصير التي فيها عموم وهي ضعيفة بـ علي بن أبي حمزة البطائي (كل شيءٍ قوتل عليه).

إلى هنا اتضح أن النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق، هذا جدلاً ثم اتضح إنه لا يوجد إطلاق في الآية حتى نقول أن النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق، موضوع الآية خاصٌ بخصوص الغنيمة المنقولة فلا دليل على وجوب تخميس الغنيمة غير المنقول فنشك في ثبوت الوجوب لها فتجري أصالة البراءة.

صاحب الجواهر يرى أنها لا تخمس، صاحب الجواهر أنكر كون الطائفتين من الروايات تخصصان.

صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ يقول روايات الأراضي الخراجية لا تأبى التخصيص بالخمس، لماذا؟ يقول لأنه يمكن الجمع، أن تكون هكذا، الأرض الخراجية للمسلمين جميعاً لكن بعد إخراج خمسها فروايات الأراضي الخراجية تثبت شيء ولا تنفي شيئاً فالأراضي الخراجية تثبت أن الأرض الخراجية ملكٌ للمسلمين جميعاً لكنها لا تنفي وجوب تخميسها سابقاً فيمكن تقييدها.

يعني روايات الأراضي الخراجية ناظرة إلى شيء وساكتة عن شيء، ناظرة إلى شيء وهو أن الأرض الخراجية للمسلمين جميعاً وساكته عن شيء آخر هل هي للمسلمين بعد التخميس أو لا خمس فيها هذا ساكته عنه.

طبعاً السيد الخوئي يناقش صاحب الجواهر ولا يقبل كلامه أنها لا تقبل التخصيص، يعني هناك دعويان الدعوى الأولى أن الإطلاق من جهة الآية والتخصيص من جهة الرواية، وهناك دعوى بالعكس أن العموم من جهة الرواية والتخصيص من جهة الآية، طبعاً نحن نلتزم كل منهما خاص، آية الغنيمة خاصة بخصوص الغنيمة المنقولة والرواية خاصة بخصوص الأرض المفتوحة عنوة الموضعان مختلفان، موضوع آية الغنيمة خاص وهو خصوص الغنيمة المنقولة وموضوع الأرض الخراجية خاص خصوص الأرض المفتوحة عنوة بعد لا نحتاج إلى التخصيص ليست النسبة نسبة المطلق والمقيد حتى نقول إن المطلق هل هو الآية أو الروايات الخراجية.

التصوير الرابع والأخير على فرض الإطلاق وأن النسبة بين آية الغنيمة ونصوص الأراضي الخراجية هي نسبة العموم والخصوص من وجه بزعم أن الآية المباركة عامة للمنقول وغير المنقول من الغنيمة فيجب الخمس في المنقول من الغنيمة وغير المنقول هذا من ناحية الآية، ونصوص الأراضي الخراجية الدالة على أنها ملكٌ للمسلمين عامة تعم مقدار الخمس وغير مقدار الخمس فيقع التعارض بين الآية وبين الروايات القطعية التي حكمها حكم الكتاب العزيز والتعارض بالإطلاق في مورد الاجتماع وهو مقدار خمس الأراضي أي مقدار خمس غير المنقول فإن مقتضى الآية المباركة وجوب هذا المقدار خمس من الأراضي الخراجية أيضاً ومقتضى الروايات عدم وجوبه فيسقط كلا الإطلاقين لعدم المرجح.

ولا تشكل أن هذه الروايات كيف تعارض الكتاب؟ لأن هذه الروايات قطعية متواترة متظافرة والكتاب قطعي ففي هذه الحالة يحصل التعارض وإذا حصل التعارض يحصل التساقط وإذا حصل التساقط نرجع إلى مقتضى الأصل الأولي، ما هو مقتضى الأصل الأولي؟ أصالة البراءة الشرعية، تكون النتيجة عدم ثبوت الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة.

هذا كلام السيد الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ في بيان النسبة أنها نسبة العموم والخصوص من وجه[7] .

وأشكل عليه شيخنا الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي[8] بأن النسبة إنما تكون بين الموضوعين لا بين الحكمين أو الحكم والموضوع، والسيد الخوئي حينما صور النسبة عموم وخصوص من وجه لحظها مع الحكم لا مع الموضوع.

إلا أن الإنصاف إن إشكال شيخنا الأستاذ مكارم الشيرازي على السيد الخوئي ليس بوارد لأن السيد الخوئي يتكلم على فرضيه ولم يثبت النسبة، قال السيد الخوئي (على فرض الإطلاق وعلى فرض بأن النسبة بين آية الغنيمة ونصوص الأراضي الخراجية هي العموم والخصوص من وجه) فهناك أصلان موضوعيان الأصل الأول ثبوت الإطلاق في الآية والأمر الثاني أن النسبة بين آية الغنيمة وخصوص الأراضي الخراجية هي العموم من وجه.

يقول (بزعم أن الآية المباركة عامة للمنقول وغير المنقول من الغنيمة فيجب الخمس في المنقول من الغنيمة وغير المنقول)[9] هذا المنقول وغير المنقول الموضوع ونصوص الأراضي الخراجية الدالة على أنها ملكٌ للمسلمين عامة تعم مقدار الخمس وغيره، هذا أيضاً ناظرة إلى الموضوع.

طبعاً هو في تصويره قال أن الأراضي قسمين قال أراضي مفتوحة عنوة وأراضي الصلح هذا أيضاً نفس الشيخ موضوع أيضاً نسبة بين موضوعين.

ثم في الختام ذكر السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ نكتتين:

النكته الأولى إن الروايات الواردة في وجوب الخمس ظاهرة في الفائدة الشخصية يعني ما يملكه بشخصه لا ما يملكه بالعنوان الكلي كالوقف وغير ذلك وهذا أيضاً ظاهر الآية الكريمة، هذا الكلام تام.

الوجه الثاني الذي استدل به على عدم وجوب التخميس إن شرط وجوب الخمس إنما هو بعد مؤونة تحصيل الربح والفائد كما هو مقتضى قوله ـ عليه السلام ـ (أخرج الخمس بعد المؤونة)[10] والمؤونة ظاهرة بالمؤونة الشخصية لا المؤونة النوعية.

ولكن الأمر الثاني الذي ذكره السيد الخوئي قابلٌ للتأمل، لأن الروايات الناظرة إلى استثناء المؤونة مطلقة، لم تخصص المؤونة بخصوص المؤونة الشخصية فتعم وتشمل حتى المؤونة التي تصرف على الأراضي الموقوفة والأراضي العامة يعني إذا شخص أخذ أرض أوقاف وأراد يخمس ما صرفه وإن كان في هذا المثال قد يقال أنه مؤونة شخصية، هذا التأمل ممكن تراجعونه تأمل الشيخ محمد الجواهري الواضح في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج 6، صـ 21.[11]

كيف كان اتضح من خلال عرض الآراء المختلفة والتحقيق فيها

أولاً إن الآية الكريمة لا ظهور لها في وجوب تخميس مطلق الغنيمة بل هي ظاهرة في وجوب تخميس خصوص الغنيمة المنقولة فلا تشمل غير المنقولة

ثانياً لا يوجد أي دليل يدل على وجوب تخميس الغنيمة غير المنقولة عدا ما يمكن التمسك به من رواية أبي بصير وقد استدل بها السيد محسن الحكيم تبعاً لصاحب الجواهر[12] يعني ذكروها كدليل وذكرها كدليل لا يعني أنهم يؤمنون بها والسبب العموم الوارد فيها هذا الرواية عن أبي بصير عن أبي جعفر قال (كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فإن لنا خمسة ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا)[13] ولكن هذه الرواية ضعيفة السند ولا نؤمن بكبرى الجابرية على أنه لا يثبت جبرها لأننا ننكر الجابرية هنا صغرى وكبرى فالنتيجة لا يوجد على وجوب تخميس الغنيمة غير المنقولة فنرجع إلى الأصل العملي والأصل المحكم هنا هو أصالة البراءة (رفع عن أمتي ما لا يعلمون)[14] .

تكون النتيجة النهائية يجب تخميس خصوص الغنيمة المنقولة دون الغنيمة غير المنقولة فهي فيءٌ للمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

 


[8] كتاب الخمس والأنفال من أنوار الفقاهة صـ 47.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo