< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: المستثنى الأول من المستثنيات الأربعة التي ذكرها صاحب العروة الوثقى

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ بعد إخراج المؤون التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظٍ وحملٍ ورعي ونحوها.[1]

كان الكلام في وجوب تخميس الغنيمة وقد ذهب صاحب العروة الوثقى ـ رحمه الله ـ إلى وجوب تخميس الغنيمة مطلقاً منقولة كانت أو غير منقولة وخالفه الكثير من أعلام العصر واتضح أن الصحيح ثبوت وجوب تخميس خصوص الغنيمة المنقولة دون الغنيمة غير المنقولة ثم بعد ذلك تطرق صاحب العروة إلى ثلاثة أمور، هل هذه الأمور الثلاثة تخمس أو تستثنى من الغنيمة؟

الأمر الأول المؤون التي أنفقت على الغنيمة.

الأمر الثاني ما جعله الإمام ـ عليه السلام ـ من الغنيمة على فعلٍ لمصلحة من مصالح المسلمين كما لو الإمام ـ عليه السلام ـ أعطى جزء من الغنيمة لشخص أو لزعيم لتمهيد بعض الأمور في المعركة، هذا الأمر الثاني لا يخمس ما يجعله الإمام عليه السلام.

الأمر الثالث صفايا الغنيمة كالجارية الجميلة والمركب السريع والسيف القاطع والدرع فهي للإمام ـ عليه السلام ـ .

الأمر الرابع قطائع الملوك والمراد بها ما اختص بها الملوك أنفسهم كما سيأتي هناك عدة معاني قطائع الملوك.

هذه الأمور الأربعة استثناها صاحب العروة ـ رحمه الله ـ من التخميس، قال ـ قدس سره ـ بعد إخراج المؤون التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظٍ وحملٍ ورعي ونحوها منها ـ يعني من الغنيمة ـ وبعد إخراج ما جعله الإمام ـ عليه السلام ـ من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة والمركب الفاره والسيف القاطع والدرع فإنها للإمام ـ عليه السلام ـ وكذا قطائع الملوك فإنها له ـ عليه السلام ـ .

إذاً هذه استثناءات أربع من الغنيمة فإن هذه المستثنيات الأربعة لا يثبت فيها وجوب تخميس الغنيمة كما عليه صاحب العروة الوثقى.

نتطرق إلى المستثنى الأول وهو ما صرف من المؤون على الغنيمة، تحقيق المسألة في بيان أربعة أمور:

الأول الأقوال في المسألة.

ثانياً مقتضى الأصل في المسألة.

ثالثاً الأدلة التي أقيمت على المسألة.

رابعاً مقتضى التحقيق في المسألة.

الأمر الأول الأقوال باستثناء المؤونة من تخميس الغنيمة فالمعروف بين جماعة من الأصحاب هو كون الخمس في الغنيمة بعد إخراج المؤون واختاره المحقق الحلي في شرائع الإسلام والمحقق النجفي في جواهر الكلام وغيرهما من الأعلام، بل إذا لاحظنا حواشي العروة الوثقى نجد الأكثر لم يعلق على كلام صاحب العروة مما يعني إن أكثر المحشين موافقين لصاحب العروة، نعم علق السيد أحمد الخونساري في حواشي العروة الخمسة عشر طبعة جامعة المدرسين الجزء الرابع صـ231، علق محل إشكال أي أن لديه إشكال وإيراد في هذه المسألة قد توجب توقفه في الاستثناء.

وقال المحقق الشيخ أحمد النراقي (ويشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة وضع مؤونة التحصيل التي يحتاج إليها ـ إلى أن يقول ـ من حفظ الغنيمة)[2] ، وقال الشيخ يوسف البحراني (قد اختلفوا في تقديم الخمس على المؤون وعدمه)[3] ويظهر من كلام صاحب الحدائق وجود الاختلاف في المسألة وحكي القول بالعدم عن الخلاف للشيخ الطوسي والشهيدين الأول والثاني وغيرهم استناداً إلى إطلاق الآية الكريمة ﴿واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسة﴾[4] .

والسرّ في ذلك أن القدر المتيقن من وجوب التخميس هو استثناء المؤونة السابقة على الخمس لا اللاحقة له ففي خمس أرباح المكاسب أولاً تستثني مؤونة السنة لك ولعيالك ثم بعد استثناء المؤونة تخمس والحالة في الغنيمة أنها تحصل الغنيمة أولاً ثم يصرف عليها بعض المصاريف كحفظها ونقلها، فتكون المؤونة بعد الغنيمة لا قبل الغنيمة، وتفصيل ذلك يأتي إن شاء الله إذ أننا سنقسم المؤونة إلى ثلاثة أقسام وبعضها يتحقق قبل الغنيمة وبعضها يتحقق بعد الغنيمة وسنأتي بتخريج وتوجيه يثبت أن جميع هذه المؤون إنما تكون قبل الغنيمة لا بعدها، ويتم المطلوب ويرتفع الخلاف.

هذا تمام الكلام في الأمر الأول وهو الأقوال في المسألة وقد اتضح أن الأكثر على استثناء المؤونة إن لم يكن الجميع.

الأمر الثاني مقتضى الأصل في المسألة ومن الواضح أن المورد من موراد الشكّ في التكليف فهل يجب تخميس المقدار الذي صرف في المؤونة أم لا؟ هذا شكّ في التكليف فهو مجرى للبراءة الشرعية، وهكذا المستثنيات الأربعة التي سوف تأتي قطائع الملوك وصفايا الغنيمة وما وهبه الإمام ـ عليه السلام ـ وتصرف فيه، فهنا نشكّ هل يثبت فيها الخمس أم لا؟ الجواب (رفع عن أمتي ما لا يعلمون)[5] فتجري البراءة الشرعية.

هذا تمام الأمر في الأمر الثاني واتضح أن مقتضى الأصل العملي هو جريان البراءة الشرعية فالأصل موافق لما ذهب له صاحب العروة في الاستثناءات الأربعة.

الأمر الثالث أدلة المسألة، ويمكن الاستدلال بثلاثة أدلة:

الدليل الأول عدم صدق العنوان الغنيمة بمعنى الفائدة على ما يقابل المؤونة، فقد تكون المؤونة مساوية للغنيمة بل ربما تكون المؤونة أغلى وأكثر من الغنيمة فلا يصدق على ما صرف من مؤونة في حفظ غنيمة الحرب أو نقلها لا يصدق عليه بأنه غنيمة بمعنى الفائدة.

إذاً قد يقال إن عنوان الغنيمة ـ بمعنى الفائدة ـ لا يصدق على المؤونة التي تستثنى من تخميس غنيمة دار الحرب، وبعبارة أخرى وبتقرير آخر ثبوت الخمس فرع صدق عنوان الغنيمة والغنيمة لا يراد به مطلق الغنيمة بل يراد به خصوص الغنيمة الشخصية والغنيمة الشخصية للمقاتل لا تثبت للمقاتل ولا تثبت ملكيته للمقاتل إلا إذا أقطعه الإمام هذه الغنيمة وإلا إذا أعطاه الإمام هذه الغنيمة والإمام ـ عليه السلام ـ أو نائبه لا يقسم الغنائم إلا بعد إخراج المؤونة التي صرفها للحصول على الغنيمة أولاً ونقل الغنيمة ثانياً وحفظ الغنيمة ثالثاً.

إذاً سلطنة الغانم الشخصية على الغنيمة لا تتحقق إلا بعد إخراج المؤونة فكيف يثبت الخمس في الغنيمة التي إلى الآن لم تقسم فلا تثبت السلطنة الشخصية للغانم عليها.

إنصافاً هذا الوجه تامٌ.

ولكن قد يناقش فيه بأن الغنيمة على ثلاثة أقسام وبعضها يصرف قبل الغنيمة وبعضها يصرف بعد الغنيمة والقدر المتيقن من استثناء الغنيمة هو خصوص المؤونة قبل التخميس وقبل تحقق عنوان الغنيمة لا بعد التخميس وبعد صدق عنوان الغنيمة، والأقسام الثلاثة كما يلي:

اقسام صرف الغنيمة

القسم الأول ما يصرف لأمور الحرب فهناك مؤونة من إعداد السلاح والعتاد لمقاتلة الأعداء ولا شك ولا ريب إنه يصرف لا لتحصيل الغنيمة ولا دخل له فيها وإنما يصرف للغلبة على الأعداء وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم، هذا القسم الأول من المؤونة.

القسم الثاني يصرف لتحصيل الغنيمة كما لو كان في محل لا تصل إليها الأيدي إلا بصرف المؤونة كما لو كانت في صندوق خاص يحتاج فتحه إلى خبير بالصناديق التجارية أو كانت الغنيمة في مكانٍ قد تحفظ عليه ويحتاج إلى عمال بناء يهدمون هذا البناء.

ومن الواضح أن هذه الغنيمة إنما صرفت لخصوص تحصيل الغنيمة بخلاف القسم الأول الذي لم يصرف لخصوص تحصيل الغنيمة، ومن الواضح ثانياً أن هذه المؤونة سابقة على الغنيمة وليست لاحقه لها فلا يتوجه الإشكال إليها.

القسم الثالث المؤونة التي تصرف على الغنيمة بعد السلطة عليها كنقلها من مكانٍ إلى مكان وحفظها في مكان آمن فإن عنوان الغنيمة قد تحقق حينما استولى المقاتلون وجيش الإسلام عليها إلا أن مؤونة النقل أو الحفظ قد صرفت بعد تحقق عنوان الغنيمة، ومن هنا قد يشكل بأن المدرك الأول والدليل الأول مفاده عدم صدق عنوان الغنيمة قبل إخراج المؤونة والحال إنه في القسم الثالث قد صدق عنوان الغنيمة ثم أخرجت المؤونة.

ومن هنا يتوجه الإشكال بالنسبة إلى القسم الثالث وينقض على الدليل الأول فيقال إن هذا الدليل الأول ليس بتامٍ لأن المؤونة إنما حصلت بعد الغنيمة فصدق عنوان الغنيمة قبل إخراج المؤونة.

وفيه إن المراد بصدق عنوان الغنيمة ليس مطلق الغنيمة الحربية بل مطلق الفائدة والمراد بالفائدة الفائدة الشخصية لا الفائدة النوعية، بل حتى لو التزمنا إن المراد بالغنيمة هو خصوص غنيمة دار الحرب لا الفائدة المطلقة فإن هذا الإشكال ليس بتام إذ أن المقصود من الغنيمة التي يجب تخميسها هو خصوص الغنيمة الشخصية للمقاتل لا مطلق غنائم المسلمين لذلك لم يثبت الخمس في الغنيمة التي يهديها الإمام ـ عليه السلام ـ فالخمس إنما يثبت في خصوص الغنيمة الشخصية ومن الواضح أن الغنيمة الشخصية للمقاتل لا تثبت إلا بعد إخراج جميع المؤون حتى المؤون من القسم الثالث مؤونة الحفظ والنقل أي أن سلطنة المقاتل على غنيمته الخاصة من غنائم دار الحرب لا تثبت إلا بعد إخراج جميع المؤون المؤونة الأولى للإعداد للحرب والمؤونة الثانية لتحصيل الغنيمة والمؤونة الثالثة لحفظ الغنيمة فجميع الأقسام الثلاثة من المؤون تثبت قبل صدق عنوان الغنيمة الشخصية للمقاتل.

إذا الوجه الأول في عدم ثبوت تخميس المؤونة التي تصرف في غنيمة دار الحرب تامٌ.

الوجه الثاني التمسك بقاعدة العدل والإنصاف فإن مال الغنيمة مالٌ مشترك بين الغانمين وأرباب الخمس فلا وجه لاختصاص المؤونة بخصوص المقاتلين دون أرباب الخمس هذا خلاف العدل والإنصاف، وببيان مفصل نقول:

توجد عدة احتمالات فالمؤونة المصروفة في الغنيمة بعد التحصيل يوجد فيها أربعة احتمالات:

الاحتمال الأول أن تكون على الغانم في ماله.

الاحتمال الثاني أن تكون على أرباب الخمس.

الاحتمال الثالث أن تكون من سهم المقاتلين.

الاحتمال الرابع أن تكون المؤونة في الأعم من أرباب الخمس والمقاتلين.

فأولاً تخرج المؤونة من الغنيمة التي فيها حصص أرباب الخمس وفيها حصص المقاتلين ثم بعد ذلك تعطى الغنيمة لكل مقاتل ثم يخرج خمسها، هذه احتمالات أربعة، والصحيح هو الاحتمال الرابع إذ أن الاحتمال الأول وهو كون المؤونة على الغانم في ماله فقط هذا ظلمٌ وإضرارٌ بالمقاتل الغانم وخلاف قانون العدل والإنصاف خصوصاً إذا كان سهمه أقل من مصرف المؤونة فقد تكون المؤونة التي تصرف على الغنيمة أكثر من نفس الغنيمة تصرف المؤونة على فتح خزنة وتنفتح أن لا شيء فيها فيخسر المقاتل هذا خلاف العدل والإنصاف.

وأما الاحتمال الثاني أن تكون على خصوص أرباب الخمس أو الاحتمال الثالث تكون على سهم المقاتلين هذا ترجيح بلا مرجح هذا تحميلٌ بلا دليل فيتعين الرابع، وهذا الوجه جيداً إن لم نجد مخرجاً آخر للمؤونة وهو بيت المال فإذا وجد المخرج الآخر وهو أن تصرف المؤونة يعني إن وجد بيت المال تستثنى ولكن إن لم يوجد قد يستشكل لأنه قد يقال إن هذه القاعدة وجه استحساني لا شاهد عليه من الأخبار، من قال إن هذه قاعدة العدل والإحسان قاعدة شرعية وقاعدة فقهية.

ولكن يظهر من السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أنها قاعدة عقلائية بديهية ولنقرأ تعبيره فهو دقيق قال (كما هو مقتضى القاعدة من لزوم إخراج المصارف المتعلقة بالعين المشتركة من حفظٍ وحملٍ ورعي ونحوها من الأموال المصروفة في سبيلها من نفس العين، إذ التخصيص بالبعض تحميلٌ لا دليل عليه، وربما تكون المؤونة أكثر من نفس الغنيمة)[6] انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

ولا شكّ ولا ريب أن هذا البيان متينٌ فإنه هذا الأمر أمر عقلائي مشترك بين عدة جهات حقيقة وحقوقية، ثم بعد ذلك يطلب مؤونة تحصيل هذا المال من ناس دون ناس ومن جهة دون جهة هذا خلاف العدل والإنصاف، إذاً الدليل الثاني على استثناء المؤونة تامً.

إلى هنا قد تطرقنا إلى الدليل الأول عدم صدق عنوان الغنيمة الشخصية أو الغنيمة بمعنى الفائدة على ما يقابل المؤونة فلا تخمس، والدليل الثاني التمسك بقاعدة العدل والإنصاف.

الدليل الثالث الروايات التي دلت على أن الخمس بعد المؤونة وهي عدة روايات نقرأ بعضها.

الرواية الأول صحيحة البزنطي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال (كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السلام ـ ) يعني الإمام الجواد (الخمس أخرجه قبل المؤونة أم بعد المؤونة؟ فكتب ـ عليه السلام ـ بعد المؤونة)[7] .

الرواية الثاني عن إبراهيم بن محمد الهمداني ـ فرق بين الهمداني والهمذاني ـ بالنقطة همدان قبيلة يمنية (يا حاري همدان من يمت يرني)[8] أمير المؤمنين، وأيضاً له شعر آخر (وإن كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام) الآن الذي يقاتل الاحتلال السعودي في اليمن قبيلة همدان هم الذين يقفون في وجه الاحتلال السعودي، شيعة أمير المؤمنين.

وأما همذان بالنقطة إشارة إلى مدينة همدان الإيرانية.

الرواية الثانية ما عن إبراهيم بن محمد الهمداني أن في توقيعات الرضا ـ عليه السلام ـ إليه (إن الخمس بعد المؤونة)[9] .

الرواية الثالثة مرسلة محمد بن الحسن الأشعري قال (كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع، وكيف ذلك؟ فكتب بخطه الخمس بعد المؤونة)[10] .

ولكن قد يبتلى الاستدلال بهذه الروايات بإيرادين وإشكالين:

الإشكال الأول إن ظاهر هذه الروايات خصوص المؤونة التي تصرف على النفس والعيال لا المؤونة التي تصرف على الغنيمة ـ أي غنيمة دار الحرب ـ أي أن هذه الروايات ناظرة إلى خصوص المورد السابع والأخبر تخميس مطلق الفائدة ما يكتسبه الإنسان بعد إخراج المؤونة.

والدليل على ذلك وجود وعدة عبارات وقرائن في الروايات الشريفة:

القرينة الأولى قوله ـ عليه السلام ـ (بعد مؤونته ومؤونة عياله)[11] .

القرينة الثانية قوله ـ عليه السلام ـ (بعد مؤونتهم)[12] .

القرينة الثالثة قوله ـ عليه السلام ـ (من كانت ضيعته تقوم بمؤونته)[13] .

القرينة الرابعة قوله ـ عليه السلام ـ (الخمس مما يفضل من مؤونته)[14] .

إذا نحتاج إلى ملاحظة روايات الباب الثامن من أبواب ما يجب فيه الخمس، خصوصاً أن هذه الروايات وردت عن الأئمة المتأخرين خصوصاً عن الإمام أبي جعفر محمد بن الجواد وقد كثرت روايات تخميس أرباح المكاسب في أيام الإمام الجواد ـ صلوات الله وسلامه ـ وهذا بحث تاريخي هل هذا فعل في أيام الإمام الجواد أو كان مفعل أيام رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين أو لا أقل أيام الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ هذا الإشكال الأول.

الإشكال الثاني إن هذه الروايات ناظرة إلى المؤونة قبل الخمس وقبل الفائدة لا المؤونة بعد الفائدة، وهذا ما يتحقق في أرباح المكاسب إذ تستثنى المؤونة أولاً ثم يخمس الباقي بخلاف غنيمة دار الحرب فإن المؤونة منها ما يصرف قبل الغنيمة ومنها ما يصرف بعد الغنيمة فلا تشمله هذه الروايات.

إلا أن هذا الإشكال ليست بتام وقد أجبنا عليه، إذ المراد بالغنيمة خصوص الغنيمة الشخصية للمقاتل التي تثبت سلطنته عليها بعد توزيع الإمام ـ عليه السلام ـ وتقسيمه للغنائم وليس المراد مجرد الغنيمة التي يستولي عليها جيش الإسلام قبل أن يقسمها الإمام على المقاتلين.

ولعله لهذا الإشكال السيد الخوئي لم يجزم وقال يمكن الاستدلال لهذا الحكم أيضاً لكنه ردّ هذا الإشكال فالعمدة في الدليل عند السيد الخوئي دليلين الأول مقتضى القاعدة وهي قاعدة العدل والإنصاف، الثاني التمسك بالروايات الشريفة، والعمدة عندنا الأمر الأول صدق عنوان الغنيمة الشخصية لا يتحقق هذا العنوان سواء الغنيمة بمعنى مطلق الفائدة أو الغنيمة بمعنى غنيمة المقاتل لا يصدق هذا العنوان إلا بعد تقسيم الإمام للغنيمة.

قال السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ (هذا ويمكن الاستدلال لهذا الحكم أيضاً بما دلّ على أن الخمس بعد المؤونة فإنها وإن اختصت بالمؤون السابقة ولا تعم ما بعد التحصيل إلا أن مؤونة الحفظ والحمل والرعي ونحوها مما يصرف في سبيل الغنيمة إلى أن تصل إلى يدّ الإمام ـ عليه السلام ـ كما هو محل الكلام تعد من المؤون السابقة على تحصيل الغنيمة بنحو تكون قابلة للاستفادة والانتفاع فإن ذات الغنيمة وإن تحققت بمجرد الاستيلاء عليها في دار الحرب إلا أن الانتفاع منها والدخول في الملك الشخصي الذي به تكون غنيمة بالحمل الشائع منوط بالوصول إلى الإمام ـ عليه السلام ـ وتقسيم لها بين المقاتلين فصح القول بهذه العناية ـ عناية الغنيمة التي تصل إلى الإمام ثم يقسمها ـ صح القول بهذه العناية بأن مصاريف الحفظ ونحوه تعد من المؤون السابقة على تحصيل الغنيمة فلاحظ)[15] .

والخلاصة ما أفاده صاحب العروة الوثقى تامٌ، إذ أن المؤون تستثنى من تخميس الغنيمة فأولاً تخرج المؤون ثم بعد ذلك تخمس، والعمدة في ذلك هو أولاً الدليل الأول عدم صدق عنوان الغنيمة الشخصية والثاني التمسك بقاعدة العدل والإنصاف وأما الدليل الثالث وهو التمسك بالروايات فيمكن المناقشة فيه بأن هذه الروايات موردها خصوص غنيمة أرباح المكاسب لا غنائم دار الحرب، فنحن وإن دفعنا الإشكال الثاني إلا أن الإشكال الأول قابلٌ للتأمل ـ والله العالم ـ .

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبن الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo