< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدليلين الرابع والخامس على ما ذهب إليه المشهور من تفصيل

الرابع من الأدلة التي استدل بها على تفصيل المشهور بين الغنيمة التي تم الحصول عليها بإذن الإمام في الحرب فهي للمقاتلين بعد إخراج الخمس وبين الغنيمة التي اغتنمها المقاتلون بدون إذن الإمام ـ عليه السلام ـ فهي للإمام.

الوجه الرابع التمسك بمقتضى القاعدة الأولية، فقد يقال إن الحكم بكون ما يغتنمه المسلمون من الكفار بغير إذن الإمام ـ عليه السلام ـ كله للإمام وهو مقتضى القاعدة الأولية، وقد ذكر هذا الوجه سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في كتابه الخمس ج 1 صـ 58.[1]

تقريب الاستدلال إن الخمس فرع رجوع الغنيمة إلى الغانم ولا دليل عليه في الحرب التي لا تكون بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ وربما يدعى وجود أدلة ويمكن أن تقام أربعة أدلة كلها قابلة للمناقشة، فإذا ناقشنا الأدلة الأربعة ولم يثبت شيء منها انتفى الدليل في رجوع الغنيمة إلى المقاتلين فنلتزم بأن مقتضى القاعدة الأولية هو رجوع الغنيمة إلى الإمام ـ عليه السلام ـ لأن الغنيمة التي يغنمها المقاتلون بإذن الإمام أولاً تكون للإمام فيجعل منها الجعائل والباقي منها يقسمه على المقاتلين.

والأدلة الأربعة التي يمكن أن تقال كما يلي:

الدليل الأول التمسك بعموم الآية الكريمة ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة﴾[2] فهذا العموم كما يشمل الغنيمة في الحرب بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ يشمل أيضاً الغنيمة في الحرب بدون إذن الإمام ـ عليه السلام ـ .

وفيه إن الآية الكريمة تفترض كون الغنيمة مملوكة للمقاتلين لتجعل فيها الخمس فثبوت الخمس في الغنيمة فرع تملك المقاتلين للغنيمة والآية الكريمة لا تتعرض إلى أن هذه الغنيمة متى تعود للمقاتلين ومتى لا تعود للمقاتلين، فالتمسك بعموم الآية الكريمة لإثبات الخمس في الغنيمة في الحرب بدون إذن الإمام ـ عليه السلام ـ هو تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وبعبارة أخرى الآية الكريمة ليست في مقام البيان من هذه الجهة، الآية الكريمة في مقام بيان أصل تشريع الخمس في الغنيمة ولم تتعرض إلى تفاصيل الغنيمة أنها الغنيمة التي تم الحصول عليها بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ أو بدون إذنه والتمسك بإطلاق الآية فرع كونها في مقام البيان من هذه الجهة إذ أن ثبوت الإطلاق فرع ثبوت مقدمات الحكمة وكون المتكلم في مقام البيان في هذه الجهة التي يدعى انعقاد الإطلاق عليها.

إذا الدليل الأول هو التمسك بعموم آية الغنيمة لا يمكن المساعدة عليه.

الدليل الثاني التمسك بقوله تعالى ﴿وكلوا مما غنمتم حلالا طيبا﴾[3] وهذا العموم يشمل الغنيمة بدون إذن الإمام ـ عليه السلام ـ .

وفيه إن الآية الكريمة ناظرة إلى أصل الغنيمة وليست ناظرة إلى خصوص الغنيمة التي هي بإذن الإمام أو بدون إذن الإمام ـ عليه السلام ـ وإنما وردت هذه الآية لدفع توهم الحظر الذي توهمه المسلمون بعد غزوة بدر فقد اشتغل المسلمون في غزوة بدر بأسر المشركين بدل قتلهم حرصاً للحصول على الغنائم الكثيرة عن طريق الفداء فإذا قتله حصل على سلب ولكنه إذا أسره حصل على الفداء والفداء أعظم من السلب فقد توهموا أن هذا محظور عليهم فجاءت الآية في مقام رفع توهم الحظر قال تعالى ﴿وكلوا مما غنمتم حلالاً طيبا﴾.

إذا مورد الآية في سياق آخر.

وإن قلت إن المورد لا يخصص الوارد فنتمسك بالإطلاق.

قلنا الإطلاق فرع ثبوت مقدمات الحكمة والآية الكريمة ناظرة إلى أصل الأكل من الغنيمة وليست في مقام النظر إلى تفاصيل الغنيمة أنها بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ أو لا.

إذا الدليل الثاني لا يمكن المساعدة عليه.

الدليل الثالث روايات تقسيم الغنيمة على المقاتلين.

وفيه إنها كلها واردة في مورد القتال المأذون فيه، أو على الأقل لا إطلاق لها من هذه الناحية على الأقل فلا يمكن التمسك بإطلاق هذه الروايات لتعميمها للغنيمة التي تم الحصول عليها في الحرب من دون إذن الإمام ـ عليه السلام ـ .

إذا الدليل الثالث ليس بتام أيضاً.

الدليل الرابع التمسك بما دلّ على هدر حرمة الكافر الحربي وجواز أخذه من كل أحد، فيكون غنيمة إذا كان بالقوة، غاية ما في الأمر تكون الغنيمة له ولا تقسم على المقاتلين.

وفيه أمران:

الأمر الأول هذا القول مبني على مبنى وهو أن مال الكافر الحربي مهدورٌ ومباحٌ لكل أحد كما لعله مذهب المشهور وخالف في ذلك بعض الأعاظم، فقال إنه مهدور لخصوص ولي أمر المسلمين وليس مهدوراً لكل أحد فهذا الدليل الرابع يتم على المبنى الأول لا على المبنى الثاني.

الأمر الثاني لو التزمنا بالمبنى الأول إن مال الكافر الحربي مهدور لكل أحد فهذا إنما يجري في مثل الإغارة والسرقة والغيلة أي أنه يجري في خصوص الأخذ الشخصي لا الأخذ الجماعي أما ما يأخذه المسلمون كجماعة ودولة تخوض في حرب فإن غنائم مثل هذه الحرب ترجع إلى الدولة الإسلامية لأنها من فعل الأمة والمجموع وليست من فعل الفرد فتكون هذه الغنائم لـ ولي أمر المسلمين حكمها حكم سائر الأنفال وما يؤخد من الكفار من الفيء فالأصل في الفيء أن يكون للإمام المعصوم وولي أمر المسلمين فيكون من الأموال العامة إلا ما دل الدليل الخاص على رجوعه لخصوص المقاتلين.

إذا الأدلة الأربعة التي يمكن أن يستدل بها على أن الغنيمة في الحرب التي دارت من دون إذن الإمام ـ عليه السلام ـ هي للمقاتلين غير تامة فنرجع إلى مقتضى القاعدة الأولية.

سؤال: غنيمة في حرب من غير إذن الإمام وقد تم الحصول على هذه الغنيمة، هل هي لمن اغتنمها من سائر أفراد المسلمين؟

الجواب: لا دليل على ذلك، إذا لا يوجد دليل نرجع إلى مقتضى القاعدة الأولية وهي الغنيمة تثبت للغانم بما هو غانم يعني ظاهرٌ في الغنيمة الشخصية وهنا حينما اغتنم المسلمون في حرب بين الإسلام والكفر وإن كانت من دون إذن الإمام ـ عليه السلام ـ فهي ليست غنيمة شخصية، غنيمة بين الإسلام والكفر فهي غنيمة نوعية يرجع فيها إلى ولي النوع يرحع فيها إلى ولي أمر المسلمين.

نعم رفعنا اليد عن الغنيمة المأذون فيها لقيام الدليل على أن الإمام ـ عليه السلام ـ بعد أن يأخذ مختصاته من القطائع وصفايا الملوك وبعد ما نستثني المؤونة وبعد ما نستثني الجعائل يقسم الغنيمة على سائر المسلمين هذا دليل خاص وإلا مقتضى القاعدة الأولية أن الغنيمة لولي الأمر والإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ .

حينما يخصصها الإمام ـ عليه السلام ـ ﴿واعلموا أنما غنمتم﴾[4] ليس المراد مطلق الغنيمة بل المراد خصوص الغنيمة المستندة إلى الغانم إلى المقاتل، فالغنيمة المستندة إلى الغانم هي غنيمة شخصية، متى تصبح هذه الغتيمة شخصية؟ لما يملكها فرغم ملكيته.

سؤال: هل الغانم يملك الغنيمة بمجرد وضع يده عليها؟

الجواب: لا يملك، أولاً يضع ولي الأمر يده عليها يخرج مؤونتها يخرج الجعائل ويخرج القطائع وصفايا الملوك والمستثنيات ثم يملكها للمقاتلين، إذا ملكها صارت غنيمة شخصية، الآية تقول ﴿واعلموا أنما غنمتم﴾ يعني ما تملكتم من غنائم ﴿فأن لله خمسة وللرسول﴾.

يعني ليس الإمام الذي يخرج الخمس وإنما الشخص هو من يخرج الخمس، الإمام يستثني المؤونة والقطائع والصفايا ويوزع الغنيمة ومن يغتنم يخرج الخمس لا أن الإمام يخرج الخمس.

الوجه الخامس والأخير ما ذكره سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي كتاب الخمس ج 1 صـ 59 وهو التمسك بالأولوية القطعية.[5]

تقريب الاستدلال التمسك بفحوى ما دلّ على أن الغنائم التي يأخذها المسلمون في الحرب من الكفار تكون بيد الإمام أولاً يصرفها فيما يراه مصلحة من سائر المصالح فإن بقي شيء كان للمقاتلين.

لاحظ تقريب الاستدلال فإذا كانت الحرب المأذونة غنائمها للإمام أولاً ثم منه للمقاتلين ثانياً فالحرب غير المأذونة تكون غنائمها للإمام ـ عليه السلام ـ بطريق أولى.

وبعبارة أخرى لتقريب المطلب، هناك قدرٌ مشترك بين الغنيمة المأذونة والغنيمة غير المأذونة وهو ملكية الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ للغنيمة، نعم دلّ الدليل على أن الغنيمة في الحرب المأذونة بعد تملك الإمام وتصرفه فيها يملك الباقي للمقاتلين هذا لدليل خاص، وهذا الدليل الخاص مفقودٌ في الغنيمة غير المأذونة هذا إذا نظرنا إلى الدليل، الوجه الخامس ليس ناظر للدليل وإنما ناظر للأولوية القطعية.

مفاد الأولوية القطعية هكذا إذا ثبتت ملكية الإمام المعصوم للغنيمة المأذونة أولاً فمن باب أولى تثبت ملكية الإمام المعصوم للغنيمة في الحرب غير المأذونة بطريق أولى.

وفيه الأولوية القطعية فرع القطع والجزم بالملاك فلربما يوجد ملاك في ثبوت ملكية الإمام أولاً للغنيمة المأذونة ثم تقسيمها لسائر المسلمين ولا يوجد ملاك في ثبوت الغنيمة الغير المأذونة للإمام بشكل مطلق، الجزم بثبوت الملاك يحتاج إلى الإطلاع على ملاكات الأدلة وإلا سنقع في القياس وأول من قاس إبليس، فهذه أولوية ظنية وليست أولوية قطعية.

ولعله لذلك لم يذكرها سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي تحت عنوان الخامس وإنما ذكرها في ذيل الرابع وقال ويدل عليه أيضاً فحوى ما دل على أن الغانم.

هذا تمام الكلام في الأدلة الخمسة التي أقيمت على قول المشهور القائل بالتفصيل بين الغنيمة في الحرب بإذن الإمام فهي للمقاتلين بعد إخراج الخمس وبين الغنيمة في الحرب من دون إذن الإمام فهي للإمام ـ عليه السلام ـ وحده.

وقد اتضح أن الأدلة بأجمعها مخدوشة عدا الدليل الأول والرابع.

الدليل الرابع مقتضى القاعدة، الدليل الأول التسالم، وقد خدشنا في الإجماع الذي أدرجناه في الدليل الأول وخدشنا في الدليل الثاني مرسلة الوراق لضعف سندها وتمامية دلالتها وخدشنا في الدليل الثالث صحيحة معاوية بن وهب وهي العمدة في استدلال السيد الخوئي وهي وإن كانت صحيحة سنداً ولكنها ليست تامة دلالة، وخدشنا في الأولوية القطعية.

فإذا لم يثبت الإجماع فإنه مدركي أو محتمل المدركية ولم مرسلة الوراق لضعف سندها ولم تثبت صحيحة معاوية بن وهب لضعف دلالتها ولم تثبت الأولوية القطعية لأنها أولوية ظنية، إذا الدليل الذي ينهض على تفصيل المشهور هو التمسك بالتسالم إذ لم يعهد وجود مخالف في أصل التفصيل، الخلاف في بقية التفاصيل أن هذه الحرب هجومية أم دفاعية، من أجل الإسلام والدعوة له أم من أجل زيادة الملك؟ في هذه التفاصيل يوجد اختلاف في عصر الحضور أم عصر الغيبة؟ أما أصل التفصيل في كون الغنيمة في الحرب المأذونة للمقاتلين والغنيمة في الحرب غير المأذونة للإمام ـ عليه السلام ـ فهذا من المسلمات.

إذا الدليل على ما ذهب إليه المشهور من تفصيل هو التمسك بالتسالم ومقتضى القاعدة، هذا تمام الكلام في الأدلة التي أقيمت على التفصيل، يبقى الكلام في الأدلة التي أقيمت على ما يقابل هذا التفصيل، أي ما يثبت أن الغنيمة في الحرب غير المأذونة هي للمقاتلين بعد إخراج الخمس وليست للإمام ـ عليه السلام ـ قد يقام خمسة أدلة أقل أو أكثر أبرزها وأهمها صحيحة أو مصحح الحلبي هذا فقه عمق ودقة وأما بقية الأدلة فهي كما ترى كما يقولون، لذلك السيد الخوئي اقتصر في بيان المعارضة على صحيحة الحلبي فقط، بينما غيره الشيخ السبحاني ذكر خمسة أدلة والسيد محمود الهاشمي ذكر ثلاثة أدلة ولكن المهم هو مصحح الحلبي أو صحيحة الحلبي هنا خلاف أيضاً في سند هذه الرواية صحيحة أم ضعيفة.

إذا إلى هنا أقمنا الأدلة على رأي المشهور ثم نقيم الأدلة على ما يخالف المشهور وسيتضح أن المشهور هو المنصور فيثبت أصل التفصيل ثم يقع الكلام في التفصيلات الثلاثة للمتأخرين.

الأدلة التي أقيمت على خلاف ما ذهب إليه المشهور يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo