< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع:العروة الوثقى/كتاب الخمس/المسألةالخامسة،المعدن في كلمات الفقهاء

 

المعدن في كلمات الفقهاء

قلنا إن أكثر كلمات اللغويين عَرَفت وفَسَرت المعدن بالمحل كما أن أكثر كلمات الفقهاء فسرت المعدن بالحال، ولنذكر بعض كلمات الأعلام لنرى أهم النكات التي قد ركزوا عليها.

المقطع الأول قال الشهيد الثاني في مسالك الأفهام المعادن جمع معدِن بكسر الدال وهو هنا كل ما استخرج من الأرض مما كان منها بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها، ومنها الملح والجص وطين الغسل. [1]

مسالك الأفهام الجزء الأول صفحة أربعمئة وثمانية.

وقد ذكر الشهيد الثاني في مسالكه ثلاث نكات:

الأولى أن يستخرج المعدن من الأرض.

الثانية أن يكون من الأرض فلا يصدق المعدن على ما ليس من الأرض.

الثالثة أن يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها.

المقطع الثاني قال الشهيد الثاني في الروضة:

(المعدن وهو ما استخرج من الأرض مما كانت أصله ثم اشتمل على خصوص يعظم الانتفاع بها كالملح والجص).

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الجزء الثاني صفحة ستة وستين. [2]

وهنا أيضاً ذكر الشهيد الثاني في روضته ثلاث نقاط:

الأولى أن يكون المعدن مستخرجاً من الأرض.

الثانية أن تكون الأرض أصله بينما عبر في المسالك أن يكون من الأرض.

الثالثة والنكتة الثالثة يعظم الانتفاع لخصوصيته.

المقطع الثاني قال العلامة الحلي ومثله في المنتهى ما نصه:

(المعادن جمع المعادن وهي كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة سواء كان منطبعاً بانفراده كالرصاص والصفر والنحاس والحديد أو مع غيره كالذئبق أو لم يكن منطبعاً كالياقوت والفيروزج والبلغش والعقيق والبلور والسبج)[3] السبج هو الخرز الاسود يراجع الصحاح الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وواحد وعشرين. [4]

(والكحل والزاج والزرنيخ والمغرة) المغرة الطين الأحمر يراجع المصباح المنير للفيومي صفحة خمسمئة وستة وسبعين. [5]

(والملح أو ما كان مائعاً والناس والكبريت عند علمائنا أجمع).

تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي الجزء الخامس صفحة أربعمئة وتسعة، منتهى المطلب للعلامة الحلي الطبعة الحجرية الجزء الأول صفحة خمسمئة وأربعة عشر.

وقد ذكر علامة الحلي في هذا المقطع المهم ثلاث نكات:

النكتة الأولى أن المعدن هو ما يخرج من الأرض وقد خلق فيها.

النكتة الثانية أن يصدق عليه أنه غير الأرض إذ قال (من غيرها) فأحياناً يصدق عليه أنه أرض كالطين والنورة يقال له أرض وأحياناً لا يصدق عليه أنه أرض كالذهب والفضة والحديد فجميع هذه الأشياء تخرج من الأرض وبعضها يصدق عليه أنه أرض كالطين والنورة وبعضها يصدق عليه أنه غير الأرض كالذهب والفضة.

فالعلامة الحلي في التذكرة والمنتهى اشترط المغايرة فالذي يخرج من الأرض يصدق عليه أنه غير الأرض بينما الشهيد الثاني في المسالك والروضة اشترط أن يكون من الأرض.

النكتة الثالثة أن يكون للمعدن قيمة أي له خصوصية توجب أن تكون له قيمة خاصة ثم يقول:

إذا توفرت هذه النكات الثلاث لا فرق بين كونه مائعاً كالنفط أو بين كونه جامداً كالحديد والنحاس وإذا كان مائعاً جامداً لا فرق بين أن يكون منطبعاً بمفرده مثل النحاس والحديد أو منطبعاً مع غيره مثل الزئبق الزئبق لا يكون لوحده يكون مع غيره ثم يستخلص أو لا انطباع له يعني لا امتزاج له مثل الياقوت والفيروزج إذا لا فرق بين الجامد والمائع ولا فرق بين الممتزج وغير الممتزج ولا فرق بين الممتزج مع مجموعة أو لوحده.

المقطع الرابع قال السيد محمد سبط الشهيد الثاني في المدارك بعد أن نقل تفسير المعدن من عبارة القاموس المحيط للفيروز آبادي ما نصّه:

(وقال ابن الأثير في النهاية المعدن كل ما خرج من الأرض مما يخلق من غيرها مما له قيمة)[6]

مدارك الأحكام في شرح شرع الإسلام الجزء الخامس صفحة ثلاثمئة وثلاثة وستين.

إذا سبط الشهيد الثاني رأيه رأي العلامة الحلي إذ ذكر ثلاث نكات:

النكتة الأولى أن يكون المعدن مما خرج من الأرض.

النكتة الثانية أن لا يصدق عليه أنه من الأرض بل من غير الأرض قال (مما يخلق فيها من غيرها) يعني من غير الأرض.

النكته الثالثة من ما له قيمة.

إلى هنا ذكرنا أربعة أقوال لفقهاء فطاحل.

والتحقيق في المسألة يستدعي بيان ثلاث نكات وفقا لما أفاده سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى جزء خمسة وعشرين كتاب الخمس صفحة ثلاثة وثلاثين وأربعة وثلاثين.

النكته الأولى لا ينبغي الإشكال في أن ما يتكون في جوف الأرض ويستخرج منها ويعظم الانتفاع به كالذهب والفضة والنحاس والرصاص وغيرها من الفلزات يصدق عليها عنوان المعدن عرفاً سواء كانت جامدتين كالحديد والنحاس أو كانت سائلتان كالنفط والقير.

النكتة الثانية الظاهر عدم اختصاص صدق المعدن عرفاً بما كان مستوراً ومتكوناً في جوف الأرض بل الظاهر أن عنوان المعدن يشمل الملح الذي هو فوق الأرض، فقد جاء في صحيح محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ عن الملاحة، فقال وما الملاحة؟ فقلت أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً.

فقال هذا المعدن فيه الخم

فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض قال فقال هذا وأشباهه فيه الخمس. [7] [8]

الوسائل الجزء التاسع صفحة أربعمئة واثنين وتسعين الباب الثالث من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث الرابع.

ويمكن أن نتمسك بعموم ذيل هذه الرواية وهو قوله ـ عليه السلام ـ (هذا وأشباهه فيه الخمس) فالمدار على الصدق العرفي والإمام ـ عليه السلام ـ يقول ما يشبه الكبريت والنفط الذي يخرج من الأرض فيه الخمس فالإمام ـ عليه السلام ـ أثبت الحكم والموضوع.

لكن هذه الرواية التي رواها صاحب الوسائل بهذا النصّ هذا المعدن فيه الخمس قد ذكرت في التهذيب إلا أن الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ في من لا يحضره الفقيه رواها بنصّ آخر وهذا نصّه (مثل المعدن فيه الخمس).

فالإمام ـ عليه السلام ـ حينما سئل عن الملح كان جوابه في رواية التهذيب هذا المعدن فيه الخمس أي أنه أثبت المعدنية للملح لكن في رواية الصدوق من لا يحضره الفقيه الجزء الثاني صفحة واحد وعشرين حديث ستة وسبعين قال (مثل المعدن فيه الخمس) فلم يثبت المعدنية للملح وإنما أثبت مثلية المعدنية للملح ثم أثبت فيه الخمس.

ومن هنا نقول أن نصّ التهذيب والفقيه يثبتان الحكم معاً غاية ما في الأمر أن رواية التهذيب تثبت الموضوع هذا المعدن فيه الخمس فهي تثبت الموضوع والحكم معاً وأما رواية الفقيه فهي تثبت خصوص الحكم لا الموضوع قالت (مثل المعدن فيه الخمس).

وبالتالي نقول المدار والضابط على الصدق العرفي أو التعبد الشرعي فإذا جاءنا مورد ولم يرد فيه النصّ كالقير وراء العرف أنه معدن فحينئذ يمكن التمسك بالصدق العرفي هذا هذه الصورة فيه الخمس هذه الكبرى.

وإذا جاءنا موردٌ لا ينطبق عليه تعريف المعدن كالملح فإن أكثر اللغويين عرفوا الملح بالمحل وهو ما يستخرج من الأرض والحال أن الملح على الأرض ولا يستخرج من جوف الأرض وأكثر الفقهاء عرفوا المعدن بالحال كما ذكرنا الكلمات الأربعة كلها ناظرة إلى الحال لا المحل.

والحال إن المعدن ليس حالاً في جوف الأرض بل هو على سطح الأرض فلم تنطبق على الملح تعاريف اللغويين وتعاريف الفقهاء إلا أن الرواية أثبت أثبتت له الموضوع كما في رواية التهذيب أو لا أقل أثبتت له الحكم كما في رواية من لا يحضره الفقيه فنستخرج هذه الضابطة نقول:

عنوان المعدن الذي يجب تخميسه هو ما يصدق عليه أنه معدن أو ما عبدنا به الشارع، ومن هنا وقع الكلام في استظهار هذا المقطع من رواية التهذيب (هذا المعدن فيه الخمس) هناك هل الإمام ـ عليه السلام ـ أثبت المعدنية من جهات إثبات الصدق العرفي؟ أو أثبت المعدنية من جهة التعبد الشرعي؟ فهل المالح مصداق شرعي للمعدن بمقتضى هذه الصحيحة؟ أو الملح مصداق عرفي للمعدن؟

قد يستظهر أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان الصدق العرفي وإذا لم نستظهر هذا يكفي التعبد الشرعي، وحتى لو لم نستظهر هذا ولا ذاك يمكن التمسك بعموم ذيل الرواية هذا وأشباهه فيه الخمس.

النكتة الثالثة مقتضى التحقيق:

الظاهر عدم اعتبار خروج المعدن عن صدق مسمى الأرض فلا فرق في المعدن بين أن يكون من غير جنس الأرض كالذهب والفضة والحديد والنحاس فماهيتها مباينة لماهية الأرض فلا فرق بينها وبين ما يصدق عليه أنه أرض كالنورة والطين والطين الأحمر فيما إذا رأى العرف أن له خصوصية وله قيمة خاصة وأما منشأ هذه الخصوصية والقيمة الخاصة غير معلومة مثل الآن الماس الماسة أغلى من الذهب وإلا الفارق الكبير بين الذهب وبين النحاس؟ لعله التعب في الاستخراج وغير ذلك عموماً المهم هو الصدق العرفي فيما إذا كانت من الأرض سواء كانت يصدق عليها أنها أرض أو لا يصدق.

وبالتالي لو كان عندنا معدن ويصدق عليه أنه أرض مثل الياقوتة أو العقيق هل يجوز السجود عليه أو لا؟ نعم لأنه أرض يجوز أن تسجد عليه، وهل يجب تخميسه؟ نعم يجب تخميسه لصدق عنوان المعدن عليه لكن إذا سجدت عليه لا تسجد عليه بعنوان أنه معدن بل تسجد عليه بعنوان أنه أرض ولكن لا يجوز على النفط لأنه لا يصدق عليه أنه أرض.

إذا اختلف موضوع السجود عن موضوع المعدن موضوع السجود الأرض وما أنبتته من غير المأكول والملبوس وموضوع الخمس هو المعدن الذي يكون من الأرض وتكون خصوصية توجب قيمة مرتفعة ولكن لا يشترط أن يكون عنوانه مغايراً لعنوان الأرض فالعبرة بالصدق العرفي و التعبد الشرعي.

وقد ورد في صحيح زرارة أن كل ما كان ركازاً ففيه الخمس[9] عنوان الركاز يعني الثبات والقرار والاستقرار في مكان فالملح يتجمع في مكان والحديد في مكان والذهب في مكان هناك مناجم خاصة كل ما كان ركازاً يعني مركوزاً وثابتاً في مكانه ففيه الخمس.

الآن نرجع إلى نصّ صاحب العروة من الواضح أن صاحب العروة نصّه متأثر بكلام العلامة الحلي في التذكر والمنتهى إذ فرق بينما يصدق عليه أنه أرض وما لم يصدق عليه أنه أرض فأفتى بوجوب تخميس المعدن لعنوان المعدنية فيما غاير عنوان الأرض مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد هذه عناوين مغايرة بعنوان الأرض وبالتالي أفتى السيد محمد كاظم اليزدي في العروة بثبوت الخمس فيها فوراً بينما ما يستخرج من الأرض ويصدق عليه أنه أرض كالطين والنورة والطين الأحمر لم يفتي السيد كاظم اليزدي بوجوب وتخميسه من جهة عنوان المعدن بل احتاط في تخميسه تحت عنوان مطلق الفائدة.

وبالتالي تستثنى منهم مؤونة السنة ولا يجب تخميسه فوراً ولا يشترط فيه النصاب إذ أن النصاب يشترط فيما يخمس تحت عنوان المعدنية أما ما يخمس تحت عنوان مطلق الفائدة فلا يجب فيهم النصاب نقرأ كلام صاحب العروة:

الثاني المعادن من الذهب والفضة والرصاص والصفر والحديد والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق والزئبق والكبريت والنفط والقير لاحظ كلها عناوي مغايرة لأرض والسبخ والزاج والزرنيخ والكحل والملح[10] هذا كلها عناوين مغايرة لعنوان الأرض هنا أفتى الآن حينما قال بل يضرب يترقى يذكر العناوين التي يصدق عليها أنها أرض قال:

بل والجص هذا كله عناوين يصدق عليها أرض الجص يصدق عليها النار بل والجص والنور وطيني الغسل وحجر الرحى والمغرة وهي الطين الأحمر على الأحوط هذا الاحتياط استحبابي من أين نعرف أنه احتياط استحباب؟ يعني الأحوط تخميسه أحوط استحباباً تخميسه من جهة المعدنية، من أين عرفنا أن هذا احتياط استحبابي؟ لأنه سيفتي بما يغايره قال:

وإن كان الأقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنية بل هي داخلة في أرباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مؤونة السنة والمدار على صدق كونه معدناً عرفاً. [11]

والتحقيق إننا نتمسك بذيل كلامه والمدار على صدق كونه معدناً عرفاً فإن رأى العرف صدق المعدنية على العناوين التي ذكرها في القسم الثاني والتي لا يصدق عليها أنها أرض فحينئذ يجب تخميسها من جهة المعدنية وإن رأى العرف أنها ليست معدناً فلا يجب تخميسها.

فمثلا عنوان الجص والنورة والطين الأحمر قد يرى العرف أنها معادن لكن حجر الرحى قد لا يرى العرف أنها معدن من المعادن.

فالمدار على الصدق العرفي والتعبد الشرعي فإن صدق على شيء أنه معدن وذكرنا النكات الثلاث يستخرج من الأرض له قيمة لا يشترط أن يكون جامداً أو مائعاً أو ممتزجاً أو غير ممتزج لا يشترط أن يكون إلا داخل جوف الأرض قد يكون فوق جوف الأرض لا يشترط المغايرة قد يصدق عليه عنوان أرض وقد لا يصدق عليه عنوان أرض.

المهم هو مركوز في جهة من جهات الأرض وله خصوصية توجب ارتفاع قيمته هذا هو المعنى.

هذا تمام الكلام في بيان ضابطة المعدن يبقى الكلام أنه لو شككناه أنه معدن أو لا؟ فما هو مقتضى؟ الأصل العملي، قال صاحب العروة وإذا شكّ في الصدق .. يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo