< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الرابع والستون:الشكّ في بلوغ النصاب

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة ثلاثة عشر:

إذا شُكّ في بلوغ النصاب وعدمه فالأحوط الاختبار ومن الواضح أن هذا الاحتياط احتياط وجوبي عند السيد الماتن ـ رحمه الله ـ .

هذه المسألة لا تختص ببحث الخمس بل تعم كل واجب مشروط لم يعلم هل تحقق شرطه أو لا؟ فهل عند الشك في تحقق الشرط يمكن الرجوع إلى الأصل العملي كالاستصحاب أو البراءة ويقال بعدم الوجوب أو لابد من الفحص والاختبار؟ قولان في المسألة:

القول الأول وجوب الفحص والاختبار ولا نلتزم بمؤدى البراءة والاستصحاب إلا بعد الاختبار والفحص.

القول الثاني عدم وجوب ولزوم الفحص والاختبار بل يكفي مجرد الشكّ في التمسك بالبراءة الشرعية أو الاستصحاب فتكون النتيجة هي عدم الوجوب عدم وجوب التخميس عدم وجوب دفع الزكاة عدم وجوب الحج عند الشك في تحقق الاستطاعة.

واستدل للقول بوجوب اختبار بأمور نذكر منها خمسة:

الأول اهتمام الشارع المقدس بإدراك الواقع في مثل هذه الأمور بحيث لا يرضى الشارع بالوقوع في خلاف الواقع.

وأجيب عنه بأن إحراز اهتمام الشارع في جميع الموارد أمر مشكلٌ نعم لو كان الأمر من الأمور المهمة جداً التي لا يرضى الشارع بفواتها وتفويتها لكان الدليل تاماً وحينئذ لابدّ من الاحتياط بالاختبار، ولكن لم تثبت الأهمية في جميع الموارد ومنها مورد بحثنا فلا يجب الفحص والاختبار.

الثاني العلم الإجمالي بالوقوع في مخالفة الواقع كثيراً وهو مانع عن الرجوع إلى الأصل العملي، فيمن يشكل في بلوغ النصاب في الخمس أو الزكاة ولا يخمس ولا يزكي ومن يشك في تحقق الاستطاعة ولا يحج فإنه يعلم إجمالاً بمخالفة الواقع كثيراً وهذا العلم الإجمالي منجزٌ فيمنع عن التمسك بالبراءة الشرعية أو الاستصحاب.

وأجيب عنه بأن الوقوع في مخالفة الواقع هل هو بالنسبة إلى نفس الشاك أو بالنسبة إلى الآخرين؟

فإن قلنا أن الشاك يعلم كثيراً بمخالفته للواقع لو لم يختبر أو يفحص فحينئذ نقول: إذا علم فعلاً بمخالفته للواقع فهذا مانعٌ من جريان الأصل العملي بلا شكّ ولا ريب، ولكن من أين نثبت أنه يعلم إجمالاً وفعلاً ويقطع بشكل إجمالي أنه في هذه الموارد التي لم يختبر فيها ولم يفحص خالف الواقع؟!

هذا مجرد احتمال ولا يشكل علماً إجمالياً.

نعم هذا الشاك لديه علم إجمالي بمخالفة الآخرين للواقع فمثلاً قاعدة الطهارة كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر بعينه فتدعه وقاعدة الحل وأصالة الحل (أحل لكم ما في الأرض جميعاً) وقاعدة سوق المسلمين (كل ما في سوق المسلمين) وأصالة حمل عمل المسلم على الصحة فإننا والشاك نعلم إجمالاً بأننا حينما نجري أصالة الطهارة في حق الآخرين وأصالة الحل في حق الآخرين وقاعدة سوق المسلمين في حق الآخرين ونحمل عمل الآخرين على الصحة من المسلمين فإننا نعلم قطعاً في بعض الموارد أنها مخالفة للواقع وأن في الواقع هذا نجس أو هذا ليس بصحيح أو ليس بحلال.

وهذا العلم الإجمالي ليس منجز بالنسبة إلى ماذا؟ إلى أعمال الآخرين.

فالعلم الإجمالي بالنسبة إلى الآخرين غير الشاك هذا ليس بمنجز ولا يمنع من جريان أصالة البراءة أو الاستصحاب في حق الشاك.

إذا ما يمنع من جريان الأصل العملي في حقّ الشاك غير موجود وهو العلم الإجمالي بالنسبة إلى الشاك وما هو موجود ليس بحجة وليس بمنجز وهو العلم الإجمالي بمخالفة الواقع بالنسبة إلى أعمال الآخرين غير الشاك.

وبالتالي تجري البراءة أو الاستصحاب من دون حاجة إلى الاختبار أو الفحص.

إذاّ الدليل الأول والثاني لا ينهضان بإثبات وجوب الفحص.

وقد ذكر سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ هذين الدليلين في تقريراته المختلفة ولم يشر إلى دليل ثالث وإنما قال:

ومنها ما ذكر في محله وهو ليس بتام.

فقد أشار إلى هذين الدليلين وردهما وأشار إلى الثالث وعبر عنه في تقرير السيد مجتبى الردباري الجزء الأول صفحة تسعة وتسعين قال:

ومنها ما ذكر في محله وهو لا يرجع إلى محصل.

وذكر أيضاً عبارة واحدة تكررت في تقرير الشهيد مرتضى البروجردي الجزء خمسة وعشرين من موسوعة الإمام الخوئي صفحة سبعين، وكذلك في تقرير الشيخ محمد الجواهري في تقريره الواضح في شرح العروة الوثقى الجزء السادس كتاب الخمس صفحة واحد وتسعين قال:

ومنها ما ذكر في محله.

هذا لا يدل ما تعرض له لأنه يراه ضعيفاً.

إلى هنا ذكرنا دليلين ردّهما السيد الخوئي وشيخنا الداوري بحقٍ.

الدليل الثالث ما ذكره شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ ومفاده:

إن المراد من الشاك هو التحير في الوظيفة وعدم الحجية على الواقع وفي مقابله العلم أي إحراز الحجة.

وعليه فلابد من صدق التحير عرفاً لكي يصح الرجوع إلى الأصل العملي فإذا توقف الواجب على مجرد المحاسبة أو الاختبار أو الاستعلام فلا يقال عرفاً إنه شاك ومتحير في وظيفته فإن التتبع والفحص وإن لم يكن واجباً في الشبهات الموضوعية فقد ذكر الأصوليون إنه يجب البحث والفحص في الشبهات الحكمية دون الشبهات الموضوعية بل أدعي الإجماع على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

إلا أن هذا المقدار من الفحص يعني بمقدار أن يرجع إلى دفتره أو كاتبه ويراجع المحاسبات لا يصدق عليه عنوان الشاك والمتحير.

النتيجة إن إطلاقات أدلة الأصول العملية غير شاملة لهذا الشاك ولا أقل إننا نشك في مورد شمول أدلة الأصول العملية لمثل هذا الشاك الذي لم يفحص ولم يختبر نظراً لعدم صدق عنوان الحيرة عليه إذا لم يفحص ولم يختبر، فالاحتياط بلزوم الاختبار والفحص في مثل هذه الموارد في محله.

يراجع كلام شيخنا الأستاذ الداوري كتاب الخمس في فقه أهل البيت الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وواحد وسبعين.

وما استظهره شيخنا الأستاذ الداوري لا يخلو من وجه وهو مشابهٌ لما نسب إلى المحقق المدقق الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ فقد نسب إليه الشيخ محمد الجواهري في تقريره الواضح في التفسير الجزء السادس صفحة واحد وتسعين في الحاشية رقم واحد أشار إلى وجهين للاحتياط بالاختبار والفحص، الوجه الأول ما نسب إلى الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ .

إذاً هذا الوجه الثالث تامٌ وإن لم نقل بتماميته فلا أقل إنه يستشف منه حسن الاحتياط والاحتياط حسن على كل حال.

الدليل الرابع التمسك بخبر زيد الصائغ قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث مساً ـ والمراد بالمس النحاس ـ وثلث رصاصاً وكانت تجوز عندهم ـ يعني الدراهم لم تكن فضة خالصة وإنما ثلاثة أثلاث ثلث فضة وثلث نحاس وثلث رصاص ـ وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها.

قال فقال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ (لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم).

فقلت: أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما يجب عليّ فيه الزكاة أزكيها؟

قال (نعم إنما هو مالك).

قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها؟

قال (إن كنت تعرف أن فيها من الفضة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكي ما كان لك فيها من الفضة الخالصة من فضة ودعّ ما سوى ذلك من الخبيث).

قلت ـ هنا موطن الشاهد ـ وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة.

قال (فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبيث ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة).

وسائل الشيعة الجزء السادس صفحة مئة وأربعة الباب السابع من أبواب الزكاة الذهب والفضة حديث واحد.

وموطن الشاهد في الرواية أن الإمام ـ عليه السلام ـ أمره أن يسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبيث فأمره الإمام ـ عليه السلام ـ بالاختبار والفحص حتى تخلص الفضة من الخبيث ويصح التمسك بهذه الرواية بعد إلغاء خصوصية الزكاة والتعدي منها إلى الخمس.

وفيه أولاً إن هذه الرواية ضعيفة السند بزيد الصائغ.

ثانياً هذه الروايات واردة في خصوص باب الزكاة وتعديتها إلى باب الخمس من دون وجود حيثية تعليلية قياسٌ لا نقول به وأول من قاس إبليس ـ لعنة الله عليه ـ فلا يوجد المقتضي لإلغاء الخصوصية.

وثالثاً لوغضضنا النظر عن ضعف السند وإلغاء الخصوصية فإن ما ورد فيها خارج عن محل بحثنا إذ أن مورد بحثنا ما لو شكّ في بلوغ النصاب لكن الرواية كان فيها زيد الصائغ يعلم ببلوغ النصاب لكنه لا يعلم مقدار الفضة.

لذلك قال في الرواية هكذا (وقلت وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة) فالرواية خارجةٌ تخصصاً عن موطن بحثنا فلا يصح الاستدلال بها.

الدليل الخامس والأخير ما تمسك به سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ وفقاً لمبناه.

يراجع بحوث في الفقه كتاب الخمس السيد محمود الهاشمي الشاهرودي الجزء الأول صفحة مئتين وثمانية قال ـ قدس سره ـ :

وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية في غير باب الطهارة والنجاسة بنحو لا يصدق عليه أنه غمض العين كما في موارد إمكان الاختبار واستعلام الحال لأن أدلة الأصول المرخصة لا إطلاق لها لمثل ذلك.

نعم في خصوص باب الطهارة دلت رواياتٌ على عدم لزوم الفحص في الشبهة الموضوعية منها حتى بهذا المقدار.

إلا أن التعدي منه إلى غيره لا دليل عليه.

وهذا الوجه لا بأس به على ما حققناه مفصلاً في محله من علم الأصول وهو يوجب الفحص في المقام بمقدار الاختبار الذي أشار إليه في المتن خصوصاً في الواجبات المالية التي بطبعها تحتاج إلى المحاسبة والمراجعة.

ومن هنا حكم الفقهاء بوجوب الفحص في الشبهات الموضوعية منها كما في باب الزكاة وباب الشكّ في الاستطاعة من الحج فراجع كلماتهم ـ قدس الله أسرارهم ـ .

انتهى كلامه ـ زيد في علو مقامه ـ .

والخلاصة إن سيدنا الأستاذ لا يرى ما أدعي عليه الإجماع من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية بل فصل بين الشبهات الموضوعية في باب الطهارة فإن الأدلة دلت على ماذا؟ دلت على عدم لزوم الفحص والاختبار في باب الطهارة، وأما في غير باب الطهارة فإنه يرى وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

هذا أمر مبنائي مبناه هذا، السيد الخوئي لا يرى هذا المبنى.

الخلاصة الصحيح ما ذهب إليه صاحب العروة من الاحتياط بالاختبار والفحص.

فالسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ خالف صاحب العروة وقال بـ جريان الاستصحاب استصحاب العدم الأزلي في الدفعيات كما لو أخرج الذهب من المنجم دفعة واحدة، وشكّ أن ما أخرجه من الذهب في المنجم هل بلغ مقدار النصاب أو لا؟ هنا يقول:

منذ الأزل لم يكن قد بلغ مقدار النصاب فيستصحب العدم الأزلي الأصل أنه لم يكن بمقدار النصاب.

أو استصحاب العدم النعتي في التدريجيات كما في الملح إذا أخرج الملح على دفعات فالملح في الدفعة الأولى أو الدفعة الثانية أو الدفعة الثالثة هل يتصف وينعت بأن مجموع هذه الدفعات وصل إلى مقدار النصاب أو لا؟

نستصحب عدم ثبوت هذا النعت وهذه الصفة، لم يثبت الأصل أنه لم يكن بمقدار النصاب فنستصحب العدم النعتي في التدريجيات.

لكن الصحيح ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ الداوري لأن ظرف الاستصحاب والبراءة هو الشك وقد أخذ في الشك عنوان الحيرة والتحير.

فإذا فحص واختبر ولم يصل إلى نتيجة يصدق عليه أنه شاكٌ وحيرانٌ فحينئذ الاستصحاب وأما إذا لم يفحص لا يصدق عليه أنه حيران، فلا بد من الفحص والاختبار فالأحوط هو لزوم الاختبار والفحص قبل إجراء البراءة والاستصحاب والله العالم.

هذا تمام الكلام في المسألة الأخيرة من مورد المعدة مسألة ثلاثة عشر ويقع الكلام في المورد الثالث من موارد الخمس الكنز يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo