< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثالث والسبعون: الفرض الثاني أن يكون الكنز في ملك الغيب

تحدثنا عن الفرض الأول وهو أن يكون الكنز في ملك نفسه فإذا وجد كانز في ملك نفسه فهل يجب أن يرجع إلى الأيدي السابقة على ملكه أو لا؟

اليوم إن شاء الله نتحدث عن الفرض الثاني وهو أن يكون الكنز في ملك الغير، ولا شك ولا ريب في أنه لا يجوز لوجد أخذ الكنز وتملك الكنز ما لم يعلم برضا مالك الكنز، فلو أخذ الكنز برضا المالك أو أخذ الكنز بغير رضا المالك عصياناً أو أخذ الكنز اتفاقاً كأن وجده صدفة، فلا شك ولا ريب في أنه لا يجوز له أن يتملك الكنز من دون أن يعرفه للمالك، فحتى لو رضى المالك بأخذه لهذا الشيء لكن المالك ربما لا يعرف أن هذا هو كنزه، فلكي يتملكه لابدّ من أخذ رضا المالك بعد تعريفه للكنز.

فإن إدعاه المالك، وقال: هذا ملكٌ لي ولا لأرضى أن تأخذه، وجب دفعه إلى المال.

وهذا واضح لا غبار عليه، وإنما الكلام في جهتين:

الأولى في تكليف الواجد.

الثانية في تكليف المالك.

الجهة الأولى في تكليف الواجد، وفيه صورتان:

الصورة الأولى أن يُعَرِفَ المال للمالك فينكره.

الصورة الثانية أن يعلم الواجد أن المال ليس ملكاً للمالك وإنما وجد في ملك المالك لكن الكنز ليس للمالك بل لغيره.

الصورة الأولى وهي إذا عرف الكنز للمالك فأنكره، وقال: هذا الكنز ليس لي.

فقد ذكر الشيخ الأعظم الأنصاري في كتاب الخمس صفحة مئة واثنين وأربعين بأن حكم هذا الكنز هو وجوب التعريف للمالك، فإن لم يعرفه المالك فهو للواجد.

ولكن لا يبعد التفصيل في المسألة فإذا وجد الكنز في ملك الغير وعرفه للمالك وأنكر المالك ملكيته للكنز فهنا شقوق:

الشق الأول أن يكون الكنز قديماً بحيث يعلم الواجد أن هذا الكنز ليس ملكاً لمالك الداء بل يدخل في المباحات الأصلية.

فهنا يأتي التفصيل السابق فإن قلنا بأن الكنز تابع للأرض وأن من ملك الأرض ملك الكنز من دون حاجة إلى قصده، ففي هذه الحال لابدّ من الرجوع إلى المالك يعني المالك السابق على المالك الذي أنكره ملكيته للكنز.

وإن قلنا إن الكنز ليس تابعاً لملكية الأرض بل هو من المباحات الأصلية فيكون حينئذ لواجده فيجوز له حيازته وتملكه، فيشمله عموم من حاز ملك.

هذا الشق الأول إذا كان الكنز قديماً.

الشق الثاني إذا كانت في الكنز علامة على أنه حادث كما لو كان من الدنانير الحديثة لا الدراهم والدنانير القديمة في دولة بني العباس أو بني أمية، وهذه الدراهم والأوراق النقدية الحديثة إما حدثت في ملك صاحب الدار أو قبله.

فحينئذ لا بدّ من الرجوع إلى المالك فإن عرفه فهو له، وإن أنكره رجع به إلى المالك السابق عليه ثم الأسبق فالأسبق وهكذا.

فإن أنكره الجميع فيكون حكمه حكم مجهول المالك.

هذان شقان للصورة الأولى وهي إذا أنكر المالك ملكيته للكنز.

الصورة الثانية إذا علم الواجد أن الكنزة ليس لمالك الأرض بل لمالكٍ غيره حينئذ لا يجوز له أن يدفع الكنز إلى ما لك الأرض بل يكون الكنز أمانة في يده، فإن عرف صاحبه أعطاه إياه وإن لم يعرف صاحبه فلا بدّ من التعريف به حتى يظفر بصاحبه، فإن يأس من وجدان صاحب الكنز وصاحب المال فحكمه حكم مجهول المالك.

إذا كلتا الصورتان يجري عليهما حكم مجهول المالك إن يأس من الظفر بالمالك إن احتمل أو علم أن الكنز لمالك معين.

وأما إذا لم يحتمل أنه لمالك معين كما لو كان كنزاً قديماً من دولة بني أمية أو بني العباس، فلا شكّ ولا ريب أن الكنز لواجده فيجوز له تملكه بالحيازة ويخرج خمسه.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى تكليف الواجد.

الجهة الثانية تكليف المالك، مالك الأرض إذا عرض عليه الكنز الذي وجد في أرضه وملكه، وهنا احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأول أن يعلم ويجزم بأن المال له وأن هذا الكنز حصل بفعله أو بفعل من انتقل منه إليه كالوارث والواهب وغير ذلك، وحكمه واضح وهو جواز أخذ الكنز.

الحالة الثانية أن يعلم ويجزم بأن الكنز ليس له وليس ملكاً له، وحكمه أيضاً واضح وهو عدم جواز الأخذ.

الحالة الثالثة أن يحتمل أن الكنز له وأنه حصل بفعله ولكن عرض له النسيان، فهنا يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن يكون الكنز ملكاً له كما لو ادخر مالاً في صندوق ونسي هذا الصندوق.

الاحتمال الثاني أن لا يكون الكنز ملكاً له وإنما هو ملك لغيره.

ففي الحالة الثالثة عند احتمال ملكية ما لك الأرض للكنز وطروء النسيان عليه، توجد ثلاثة احتمالات في الحكم، ولكل احتمال مدركه الشرعي.

الاحتمال الأول الحكم بأن يكون المال له، فمن وجد في داره شيئاً لم يعلم أنه له أو لغيره فله أن يتملكه لمدركين:

الأول العمل بقاعدة اليدّ فهو ذا يدّ واليد أمارة الملكية.

الثاني التمسك بإطلاق بعض الروايات المتقدمة كصحيحتي محمد بن مسلم، المرويتين في وسائل الشيعة الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وسبعة وأربعين، الباب الخامس من أبواب اللقطة، الحديث الأول والثاني.

الصحيحة الأولى محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ لاحظّ إطلاق الرواية نتمسك بإطلاق الرواية قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق.

فقال (إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلى عنها أهلها فالذي وجد المال فهو أحق به) هذا الحديث الأول.

الصحيحة الثانية صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ في حديث قال: وسألته عن الورق يوجد في داره، فقال: (إن كانت معمورة فهي لأهلها وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت).

إذا الاحتمال الأول أن نلتزم بأن الكنز ملك لواجده عملاً بأمارية اليدّ وإطلاق صحيحتي محمد بن مسلم.

الاحتمال الثاني الحكم بعدم كون المال لوجد الكنز للأصل فالأصل هو العدم فنستصحب عدم الملكية وإثبات ملكيته يحتاج إلى دليل، ومجرد احتمال أنه ملكَ الكنز وطرأ له النسيان لا يثبت الملكية، فنستصحب عدم الملكية.

الاحتمال الثالث أن نلتزم بالتفصيل بينما إذا كانت الدار مشتركة في التصرف بينه وبين غيره فيكون المال بحكم اللقطة، وبينما إذا كانت الدار مختصة به بحيث لا يدخلها ولا يتصرف فيها أحد غيره فالمال له.

ومدرك هذا التفصيل ما يظهر من صحيحة جميل بن صالح، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ رجل وجد في منزله ديناراً.

قال: (يدخل منزله غيره؟).

قلت: نعم، كثير.

قال: (هذا لقطة).

قلت: فرجلٌ وجد في صندوقه ديناراً.

قال: (يُدخِلُ أحدٌ يده في صندوقه غيره أو يضع غيره فيه شيئاً؟).

قلت: لا.

قال: (فهو له).

الكافي، الجزء الخامس، صفحة ثلاثمئة وسبعة وثلاثين، كتاب اللقطة والضال، الحديث الثالث.

رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه، الجزء الثالث، صفحتين ثلاثة وتسعين، الحديث أربعة الآف وثلاثة وخمسين.

ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، الجزء السادس، صفحة أربعمئة وتسعة وأربعين الحديث مئتين وتسعة وثمانين.

ورواه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وستة وأربعين، الباب الثالث من أبواب كتاب اللقطة، الحديث الأول، مع اختلاف يسير.

هذه احتمالات عقب عليها شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري في كتاب الخمس، الجزء الأول، صفحة أربعمئة وسبعة بما نصّه:

والاحتمال في هذه الحالة متكافئة، ولابدّ من العمل بالاحتياط.

أقول والصحيح هو الاحتمال الثالث وهو الالتزام بالتفصيل دون الاحتمال الأول والثاني.

أما الاحتمال الأول فعمدته التمسك بأنه ذا يدّ وبإطلاق صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين، ولو رجعنا إلى الصحيحتين لوجدنا أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان حكم الدار المعمورة في مقابل الدار الخربة، من دون النظر إلى تفصيل آخر وهي أن هذه الدار يدخلها غيره ويضع فيها مالاً أو لا، الإمام في مقام بيان حكم الورق، هل هو في دار معمورة أو في دار خربة؟!

إذا في دار خربة فهو للواجد وإذا في دار معمورة فهو لأهلها.

إذا لا يصح التمسك بإطلاق صحيحتي محمد بن مسلم إذ أن الإمام في مقام بيان أن الورق هل هو في معمورة ومأهولة أو في دار خربة؟! من دون تفصيل.

كما أن الاحتمال الثاني وهو عدم الحكم بأن المال له تمسكاً بالأصل ليس بصحيح إذ أن الأصل أصيل حيث لا دليل وحيث قد قام الدليل فإلى الأصل لا نميل، وهنا توجد رواية صحيحة السند وهي صحيحة جميل بن صالح، فصلت بين أن هذا المنزل هل هو مختص به بحيث أن هذا المنزل أو الصندوق أو لا يضع فيه أحد غيره مالا أو لا؟

فإن اختص هو بالتصرف هنا تكون اليد أمارة على الملكية، وإن كان مشتركاً فحكمه حكم لقطة.

إذا الصحيح هو الاحتمال الثالث وهو القول بالتفصيل في الحالة الثالثة من الجهة الثانية، والله العالم.

نعم الاحتياط حسن على كل حال.

وفي الختام نلخص ما تقدم من حالاتٍ في الكنز فالمال المذخور والمستخرج كـ كنزة على ثلاثة أقسام، كما ذكر السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ كتاب الخمس المستند في شرح العروة الوثقى، الجزء خمسة وعشرين، صفحة واحد وتسعين.

القسم الأول أن يكون من الكنوز القديمة التي تعد عرفاً من المال الذي لا مالك له، بحيث انقطعت العلقة بين المالك والمال، وهذا هو المصداق البارز للكنز.

ومن الواضح أنه ملك لواجده ولا يحتاج إلى تعريف، وهذا هو القدر المتيقن من وجوب تخميس الكنز.

القسم الثاني من المال المذخور أن يعلم الواجد عادة أن له مالك موجود بالفعل، وهذا المالك معلوم، كما لو وجده في دار معمورة فيها أهلها ففي هذه الحالة لا يجوز لواجد المال أن يتملكه ولا يجب عليه تعريفه بل يعطي هذا المال لمالك الدار، من دون حاجة إلى التعريف، ومن دون حاجة إلى بينة لأن صاحب الدار له يدٌّ على الدار فنتمتسك بمقتضى صحيحة محمد بن مسلم.

القسم الثالث أن يعلم أن للمال مالك مالكاً بالفعل ولكنه مجهول.

وفي هذه الحالة يجري عليه حكم مجهول المعلوم من لزوم الفحص، فإذا يأس من العثور على مالك المال تصدق نيابة عنه.

هذا تمام الكلام في الفرض الثاني.

تتمة الحديث في كلام صاحب العروة في اختلاف التداعي وإن إدعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بينة يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo