< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الرابع والسبعون: إدعاء المالك السابق وتنازع الملاك في الكنز

قال صاحب العروة ما نصّه:

وإن إدعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بينة وإن تنازع الملاك فيه يجري عليه حكم التداعي، ولو إدعاه المالك السابق إرثاً وكان له شركاء نفوه دفعت إليه حصته وملك الواجد الباقي وأعطى خمسة.

تقدم الكلام في أقسام ما يوجد تحت الأرض:

القسم الأول المال القديم الذي مات مالكه ونعلم أنه لا مالك له جزماً إلى زمان العثور على الكنز، وحكمه جواز تملكه ووجوب إخراج خمسة.

القسم الثاني ما علم له مالك محترم ومعلوم الوجود فعلاً، غاية ما في الأمر لم نشخصه كالمال الموجود في الدار التي فيها أهلها، وهذا المال لا بدّ من تعريفه وإيصاله إلى مالكه إذا ثبت بالبينة، كما هو مقتضى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

القسم الثالث ما علم له مالكٌ محترم المال إلا أنه مجهولٌ عندنا فيجري عليه حكم مجهول المالك فلا بدّ من تعريفه فإن يأس، يقول السيد الخوئي: تصدق به عن مالك.

ولكن يلاحظ أن حكم المال المجهول المالك دلّ عليه دليلٌ عام وهو لزوم التعريف به والفحص عن مالكه، فإن عجزنا عن الوصول إلى المالك تصدقنا بالمال نيابة عن المالك، هذا ما دلّ عليه دليل المال مجهول المالك بشكلٍ عام.

ولكن في مورد بحثنا وهو المال الذي يعثر عليه في الدار ورد دليلٌ خاص يوجب تخصيص دليل المال المجهول المالك الذي هو دليلٌ عام، هذا الدليل الخاص هو موثقة محمد بن قيس التي دلت على جواز تملك الواجد لما وجده.

فقد جاء في موثقة محمد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: (قضى عليٌ ـ عليه السلام ـ في رجلٍ وجد ورق في خربة أن يعرفها، فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها).

الوسائل، الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وثمانية وأربعين، باب خمسة من أبواب اللقطة، الحديث الخامس.

ومن الواضح أن التعريف بالمال المجهول المالك هو مقتضى القاعدة كما أن مقتضى القاعدة في المال المجهول المالك هو جواز التصدق عن المالك إذا يأسنا من العثور عليه بعد الفحص، هذا ما دلّ عليه الدليل العام في المال المجهول المالك لكنه قابلٌ لتخصيص في خصوص المال الذي يوجد في الخربة وعرف ولم نحصل على مالكه فإن الواجد يجوز له أن يتمتع به.

ومثل من التخصيص وخلاف مقتضى القاعدة ورد أيضاً في مورد آخر وهو ما يلقيه البحر إلى الخارج عن غرق السفينة فإنه مالٌ مجهول المالك ومقتضى القاعدة العامة أن المال الذي عثر عليه مما ألقاه البحر عند غرق السفينة يجب التعريف به، فإن عثرنا على مالكه أو ورثته أعطيناهم إياه وإن لم نعثر تصدقنا بالمال عن مالكه.

لكن دلت الرواية على جواز تملكه وأن من وجد مالاً ألقاه البحر عند غرق السفينة فإنه يعرفه هذا المال، وإن لم يحصل على مالكه جاز له أن يتملكه وأن يتمتع به.

إذاً نلتزم بالحكم العام للمال المجهول المالك فأي مالٍ مجهول المالك يجب تعريفه أولاً ويجب الفحص عن مالكه أولاً ومع اليأس يتصدق به عنه، لكننا نخرج عن هذه القاعدة في موردين خاصين دلّ عليهما لكننا نخرج عن هذه القاعدة في موردين خاصين دلّ عليهما الدليل:

المورد الأول المال الذي يعثر عليه في البيت أو الخربة.

المورد الثاني ما ألقاه البحر عند غرق السفينة، فإنه يجوز للواجد أن يتملكه.

كلامنا فعلاً في هذا الفرع الذي ذكره صاحب العروة ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ في المال الذي وجده الشخص في أرضٍ فإن هذه المسألة هكذا بدايتها ولو كان في أرضٍ مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرفه المالك قبله فإن لم يعرف فالمالك قبله وهكذا فإن لم يعرفه فهو للواجد وعليه الخمس.

ثم يقول السيد محمد كاظم اليزدي في تتمة هذه المسألة من العروة الوثقى:

وإن إدعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بينة.

إذاً موطن بحثنا هو القسم الثالث من المال، فليس موطن بحثنا هو الكنز القديم الذي لا مالك له، وليس موطن بحثنا القسم الثاني الذي المال الذي له مالك محترم وموجود في الفعل الذي لا بدّ من تسلميه إياه بل موطن بحثنا القسم الثالث: المال الذي يعثر عليه ويعلم أن له مالك محترم المال غاية ما في الأمر مجهولٌ بالنسبة لنا، فحكم هو وجوب الفحص والتعريف بالمال، فإن لم نجد جاز التملك وفاقاً لموثقة محمد بن قيس وجاز التصدق أيضاً لأن هذا هو الحكم العام للمال المجهول المالك.

الآن يبدأ بحثنا في المسألة، إذاً هذا المال حكمه وجوب الفحص والتعريف وبعد التعريف قد يدعيه شخصٌ واحد وقد يدعيه أكثر من شخص فيقع النزاع بينهم في ملكيته.

إذاً يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول إذا إدعاه شخصٌ واحد.

المقام الثاني إذا إدعاه عدة أشخاص.

أما المقام الأول وهو إذا إدعى المال شخصٌ واحد، فإن كانت هناك قرينة قطعية أو موجبة للاطمئنان أن المال ملكه أعطي له بلا بينة وإن لم تقم قرينة قطعية أو مفيدة للوثوق والاطمئنان فلا يعطى المال له بمجرد دعواه بل لا بدّ من إقامة البينة ولا بدّ من الاحتفاظ بالمال فالمال فهو أمانة في يدّ الواجد له، ولا يجوز لواجد المال الذي هذا المال أمانة في يده أن يسلمه إلى أي شخصٍ يدعيه حتى لو كان المالك السابق، لأن أمارية اليدّ السابقة قد سقطت وليست فعلية، واليدّ أمارة على الملكية في خصوص اليدّ الفعلية والملاك السابقون قد سقطت أمارية أيديهم على الملكية.

فإن أثبت المالك السابق ملكية ببينة فالمال له، وإن لم يثبت ذلك فإن المال لا يسلم له ويصبح المال مجهول المالك، ويرى السيد الخوئي أنه يتصدق به، وهذا غريبٌ عجيب من السيد الخوئي إذ أنه ذكر موثقة محمد بن قيس المخصصة لأدلة وجوب التصدق بمجهول المالك.

وقد ناقشه تلميذه الوفي الشيخ محمد الجواهري في كتاب الواضح في شرح العروة الوثقى، الجزء السادس، صفحة مئة وأربعة عشر، في الحاشية رقم واحد، الحاشية رقم اثنين، يقول:

هذا عجيبٌ من السيد الأستاذ فإنه تقدم منه وقريباً أيضاً ما ذكرنا في الهامش قبل هذه التعليقة ما هو مقتضى صحيحة محمد بن قيس المخصصة لأدلة وجوب التصدق بمجهول المالك بغير المقام، وفي المقام إذا يأس من معرفة صاحبه تملكه لقوله ـ عليه السلام ـ فيها: (فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها).

إذاً المقام الأول لو إدعاه شخصٌ واحد فإنه لا يسلم له بمجرد الدعوى إلا إذا أقام البينة، وإذا أقيمت البنية توجد صورتان:

الصورة الأولى هذه البنية قد تقتضي اشتراك المال بين من يدعيه وبين آخرين، إلا أن الآخرين لا ينفون ذلك، إما أن يوافقوا المدعي ويدعون أيضاً ملكيتهم للمال أو يشكون ولا يعلمون كما لو إدعى الولد أن هذا المال لأبيه وأقام البينة ولم يعلم بقية الإخوة لكنهم لم ينكروا.

ففي هذه الصورة يقسم المال بينهم ما لم ينفه الشاك منهم.

الصورة الثانية لو كانت نتيجة البينة اشتراك المال بين من يدعيه وبين من ينفيه، كما لو قال أحدهم إن أبي كان فقيراً وهذا المال ليس له وإن أخي مشتبه، لكن أخاه إدعى ملكية الأب للمال وأقام البينة ففي هذه الحالة من أقام البنية يملك حصته فالبينة حجةٌ في حقّه ولا ينافيها إنكار من يشترك معه في الإرث أو القسمة.

وأما المنكر فلا مال له لأن إقراره ونفيه ينفي البينة ومقدمٌ على البنية، فيعطى المال لمن يقر بالملكية ويقيم البنية، وتبقى حصة من ينفي.

وقد ذكر السيد الماتن صاحب العروة ـ رحمه الله ـ أن هذا المال يكون ملكاً لواجده فيعطي خمسة.

وناقشه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وقال لا وجه له بل بالغ في تعبيره في المستند في شرح العروة الوثقى إذ قال ـ قدس الله نفسه الزكية ـ في المستند في شرح العروة الوثقى، صفحة اثنين وتسعين:

ولا نعرف وجهاً لما ذكره في المتن من أنه يتملكه الواجد بعد تخميسه لوضوح عدم اندراجه تحت عنوان الكنز ليجري عليه حكمه بعد فرض أن له مالكاً محترماً بالفعل فالتخميس فضلاً عن التملك لا دليل عليه في المقام، بل لا مناص من التصدق وإجراء حكم المال مجهول مالكه عليه حسبما عرفت.

أقول نعرف دليلاً على ذلك وهو موثقة محمد بن قيس المخصصة للقاعدة العامة في مجهول المالك، إلا إذا استظهر السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ واستظهرنا من موثقة محمد بن قيس أنها ناظرة إلى الكنز الذي ليس له مالك فهي دلت على تعريفه لعله يظفر بصاحبه وإلا تمتع به، وهذا خلاف ما في مسألتنا من أن له مالك محترم بالفعل.

لكن هذا الاستظهار ليس في محله، لأنه في موثقة محمد بن قيس جاء فيها قضى عليٌ ـ عليه السلام ـ في رجلٍ وجد ورقاً في خربة أن يعرفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها فهي ناظرة إلى وجود مالك محترم وأن يعرفها للمالك المحترم بهذه الورق فإن لم يجد تمتع بها.

واحتمل صاحب الجواهر ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ إجراء حكم اللقطة على المال الباقي فمن يدعي أن له حصة يأخذ ذلك ومن ينكر حكمه حكم اللقطة.

يراجع الجواهر، الجزء السادس عشر، صفحة أربعة وثلاثين.

وفيه إن اللقطة هي المال الضائع وليس المال الذي هو في المقام المال الذي وجد في أرضٍ، إذاً هذا من المال المجهول مالكه، وبالتالي في هذه الحالة قوله ـ عليه السلام ـ في موثقة إسحاق (يتصدق به).

يراجع موثقة إسحاق، الوسائل، الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وثمانية وأربعين، باب خمسة من أبواب اللقطة، الحديث الثالث.

ليس فيه دلالة على أنه لقطة بل فيه دلالة على أنه مجهول المالك.

هذا تمام الكلام في المقام الأول إذا إدعى المال شخصٌ واحد.

المقام الثاني إذا إدعى ملكية المال أكثر من واحد وصار نزاعٌ بينهم، هنا صورتان:

الصورة الأولى أن يقيم أحدهما البينة دون غيره وحينئذٍ يعطى المال لصاحب البينة.

الصورة الثانية أن يقيما معاً البينة أو أقام الجميع البينة، في هذه الحالة إما يحلفا معاً أو ينكلا معاً أو يحلف أحدهما دون الآخر، فإن حلفا معاً أو نكلا معاً قسم بينهم بحسب عددهم، وإن حلف أحدهم دون الآخر كان المال له.

هذا بمقتضى النصّ الخاص وإلا فلو كنا نحن والقاعدة فإن مقتضى القاعدة تساقط البينات فإذا تعارضت البينتان تساقطتا بعد تعارضهما.

لكن في المقام يوجد نصّان خاصان وأحدهما يقيد الآخر:

النصّ الأول موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ فقد جاء فيها: (إن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ اختصم إليه رجلان في دآبة وكلاهما أقاما البينة أنه أنتجها، فقضى بها للذي في يدّه، وقال: لو لم تكن في يدّه جعلتها بينهما نصفين).

الوسائل، الجزء سبعة وعشرين، صفحة مئتين وخمسين، باب اثنا عشر من أبواب كيفية الحكم، الحديث ثلاثة.

ومقتضى هذه الموثقة أنه بينهما نصفين، بلا فرق بين صورة حلفهما معاً أو نكولهما معاً أو حلف أحدهما ونكول الآخر، الرواية مطلقة، لكن موثقة غياث بن إبراهيم مقيدة بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ (أن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين في دآبة في أيديهما) نفس مورد الرواية (وأقام كل واحدٍ منهما البينة أنها نتجت عنده، فأحلفهما عليٌ ـ عليه السلام ـ فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يدّ واحد منهما وأقاما البنية، قال: أحلفهما، فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين).

الوسائل، الجزء سبعة وعشرين، صفحة مئتين وخمسين، باب اثنا عشر من أبواب كيفية الحكم، الحديث الثاني.

ومن الواضح أن مقتضى القاعدة عند تعارض البينتين هو التساقط وليس جعل الدآبة بينهما نصفين أو إعطائها لمن هي في يده أو إعطائها لمن حلف دون من لم يحلف، وهذه الموثقة لإسحاق بن عمار دالة على أنه إن حلف أحدهما دون الآخر فهي للحالف وإن حلفا معاً فهي بينهما نصفين.

تبقى صورة ثالثة وهي ما إذا نكلا معاً فلم تتعرض له موثقة إسحاق بن عمار لكن هذه الصورة صورة نكولهما معاً يستفاد حكمها من موثقة غياث بن إبراهيم المتقدمة حيث أنها دالة على أنه إذا أقام البنية قسم بينهما نصفين من دون بينما إذا حلفا أو نكلا، خرج منها ما خرج بمقتضى موثقة إسحاق بن عمار ويبقى الباقي على مؤدى موثقة غياث بن إبراهيم، وهي صورة حلف أحدهما ونكول الآخر، تبقى صورة نكولهما معاً تبقى تحت موثقة غياث.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني، إذا إدعى أكثر من واحد.

قال صاحب العروة في تتمة هذه المسألة ما نصّه:

ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب وهو عشرون ديناراً.

مستند ذلك ما في صحيحة البزنطي من اقتضاء المماثلة.

وقد ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى أنه يشترط أن يكون الخمس في خصوص النقدين من الذهب والفضة، فقد حمل المماثلة على الجنس وقد استظهرنا فيما سبق المماثلة في المقدار وهو مقدار عشرين دينار في الذهب ومئتين درهم في دراهم الفضة، ولم نشترط أن يكون الذهب والفضة مسكوين بسكة المعاملة كما اشترط السيد الخوئي إذ خصّ وجوب تخميس الكنز في خصوص الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة حيث قد استظهر من المماثلة الواردة في صحيحة البزنطي أنها ظاهرة في المماثلة في الجنس، جنس الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة.

وقد استظهرنا فيما تقدم أنها ظاهرة في المماثلة بالمقدار أي المالية ما قيمته مالية عشرين دينار ذهب أو مئتين درهم فضة، وقد ناقشنا هناك استظهار المحقق الهمداني لمطلق المماثلة والقدر المتيقن من المماثلة وهو خصوص المماثلة في المقدار وقد ذهب المشهور إلى ذلك ولا داعي إلى التفصيل في هذه المسألة.

يبقى الكلام أنه هذا التخميس لهذا المال هل يخمس من جهة أنه كنز أو يخمس من جهة أنه مطلق الفائدة؟!

يظهر من كلام صاحب العروة أنه يخمس كـ كنز والحال أنه إذا حصل تداعي وتنازع أو مثلاً أحد الورثة أقام البنية والآخر أنكر فإن هذا المال الباقي لا يخمس من جهة أنه كنز بل يخمس من جهة أنه مطلق الفائدة فلا يشترط فيه النصاب، والله العالم بالصواب.

هذا تمام الكلام في المسألة الثالثة عشرة، المسألة الرابعة عشر يأتي عليها الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo