< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السادس والسبعون: علم الواجد أن الكنز لمسلم

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى، المسألة الخامسة عشر:

«لو علم الواجد أنه لمسلمٍ موجود هو أو وارثه، في عصره مجهول، ففي إجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه، وجهان.

ولو علم أنه كان ملكاً لمسلمٍ قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه».

إذا وجد الكنز فالكنز بالنسبة إلى وجود المالك وعدمه له ست صور، بالنسبة إلى الواجد، لأن الواجد إما أن يعلم أن الكنز له مالك كما إذا وجده في بلاد الكفر أو الأراضي التي بأيدي الكفار ولم يكن عليه أثر الإسلام فهو ليس لمالكٍ محترم.

الصورة الثانية يشك في أن له مالك محترم.

والحكم في هاتين الصورتين واضحٌ فالكنز للواجد، ويجب عليه إخراج خمس الكنز إذا بلغ النصاب.

وإما أن يعلم الواجد أن الكنز لمسلم كأن يكون على الكنز أثر الإسلام، وهنا توجد أربع حالات:

الحالة الأولى يعلم بشخص المالك بعينه.

الصورة الثانية يعلم بوجود المالك أو وارثه إجمالاً.

الصورة الثالثة يعلم بعدم وجود المالك أو وارثه.

الصورة الرابعة يشكّ في وجود المالك أو وجود وارثه.

فالمجموع ست صور، تقدم حكم الصورتان الأولتان إذا علم أن الكنز ليس له مالك أو يشك في وجود مالك محترم لذلك الكنز، فحكم أن الكنز لواجد ويجب عليه الخمس.

وأما هذه الصور الأربع لهذا الشخص وهو أن يكون الكنز لمسلمٍ كما لو كان عليه أثر الإسلام، هنا أربع حالات أو أربع صور:

الصورة الأولى إذا علم بشخص المالك بعينه فالحكم واضحٌ، وهو وجوب إيصال الكنز إلى مالكه ولا يجوز للواجد أن يتصرف بالكنز إلا بإذن مالكه.

الصورة الثانية إذا علم إجمالاً بوجود المالك، وهذا هو موطن البحث في المسألة، فقد تردد صاحب العروة وذكر أن في المسألة وجهين:

الوجه الأول أن يكون بحكم مجهول المالك.

الوجه الثاني أن يكون بحكم الكنز، فيجوز تملكه ويجب إخراج خمسة.

وقد تردد السيد الماتن في ذلك ولعل تردده لوقوع الخلاف بين الأصحاب، فالذي يظهر من غير واحدٍ منهم أن الكنز لواجده والمستفاد من جماعة آخرين أن الكنز بحكم مجهول المالك.

والصحيح هو الثاني وفاقاً لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم[1] ، وفاقاً لشيخنا الأستاذ الداوري[2] ، والدليل على أنه يعامل معاملة مجهول المالك ما يستفاد من موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم ـ عليه السلام ـ عن رجلٍ نزل في بعض بيوت مكة، فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفوناً فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟

قال: «يسأل عنه أهل المنزل لعلهم يعرفونها».

قلت: فإن لم يعرفوها؟

قال: «يتصدق بها»[3] .

وهذه الرواية تدل أولاً على أن المال المدفون غير تابعٍ للملك حتى يجب دفعه للمالك، وثانياً إنه ليس للواجد إذا علم بوجود المالك ولو إجمالاً، فلا يجري عليه حكم الكنز بل لا بدّ على الواجد أن يعرف ما وجده فإن وجد مالكه وإلا تصدق به عنه، وهذا حكم مجهول المالك.

فهذه الرواية يستفاد منها إجراء حكم المال المجهول مالكه على الكنز الذي يعلم أن له مالكاً معين لكنه مجهول بالنسبة له.

وهذه الموثقة لإسحاق بن عمار لا يوجد دليل يعارضها في موردها حتى نتصرف في ظاهرها، أو نحمل الأمر بالتصدق على الاستحباب كما قيل.

هذا تمام الكلام في الصورة الثانية.

وأما الصورة الثالثة والرابعة وهما صورة العلم بعدم وجود المالك لمضي مدة طويلة على موته مع العلم بعدم الوارث، وأيضاً صورة الشاك في وجود الوارث، فحكم السيد الماتن ـ رحمة الله ـ بجريان حكم الكنز فيهما، إذ قال ما نصّه:

«ولو علم أنه كان ملكاً لمسلمٍ قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه».

وما ذهب إليه صاحب العروة في الشق الأخير هو الصحيح، واستدل عليه سيد أساتذتنا السيد الخوئي بأن المال ينتقل للإمام ـ عليه السلام ـ في كلتا الصورتين.

ففي صورة العلم بعدم الوارث واضحٌ إذ أن المعصوم ـ عليه السلام ـ «وارث من لا وارث له»، وأما في صورة الشكّ في وجود الوارث فهذا مقتضى «أصالة عدم الوارث»، والمال حينئذٍ يدخل في الفيء كما ورد في بعض النصوص المعتبرة، ويجري عليه حكم الكنز[4] .

والمراد ببعض النصوص المعتبرة ما ورد في موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الأنفال.

فقال: «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول، وما كان للمولك فهو للإمام» إلى أن يقول: «ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال»[5] .

وموثقة إسحاق بن عمار مؤيدة بمرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح، في حديثٍ، قال: «وللإمام صفو المال» إلى أن يقول: «وله بعد الخمس الأنفال» إلى أن يقول: «وهو وارث من لا وارث له»[6] .

ويوجد مؤيد آخر أيضاً، وهو مرفوعة أحمد بن محمد ـ والسبب في التأييد أن الأولى مرسلة والثانية مرفوعة ـ عن بعض أصحابنا يرفع الحديث إلى أن قال: «وما كان من فتحٍ لم يقاتل عليه» إلى أن يقول: «وميراث من لا وارث له، وهو له خاصة»[7] .

قد يقال: إن المال على فرض كونه من مصاديق ميراث من لا وارث له، والقول بجريان استصحاب عدم الوارث المقتضي لكونه من الأنفال، فيصبح للإمام ـ عليه السلام ـ، وبالتالي لا يجوز تملكه بالحيازة بل يجب دفعه إلى الحاكم الشرعي، لأن أخبار التحليل لا يستفاد منها جواز تملك كل ما هو للإمام ـ عليه السلام ـ ، فهل يجوز أن تتملك الخمس وهو للإمام ـ عليه السلام ـ ؟! وهل يجوز تملك مجهول المالك؟!

وبالتالي لا يجوز تملك مال المسلم الذي يموت ولا وارث له.

وعلى فرض الإذن وأن الإمام ـ عليه السلام ـ أذن وأباح لشيعته، فلا وجه لوجوب الخمس إلا بعنوان مطلق الفائدة لا بعنوان أنه كنز لأنه هبة من الإمام ـ عليه السلام ـ نظير من يتملك مجهول المالك بإذن الحاكم الشرعي، فهو هبةٌ من الحاكم الشرعي، يثبت فيها الخمس إذا قلنا بتخميس الهبة.

والظاهر عدم تمامية كلا الإيرادين لأن المستفاد من بعض الروايات كـصحيح مسمع المتقدم «أن الأرض وما يخرج منها للإمام ـ عليه السلام ـ وقد أحلها ـ عليه السلام ـ لشيعته» والكنز المدفون من مصاديق ما يخرج من الأرض كالمعدن.

والفرق بينهما أن المعدن نابةٌ في الأرض دون الكنز فإنه يتواجد في الأرض ولا ينبت فيها، هذا لا يضر بصدق أنه مخرجٌ من الأرض.

وبالتالي يصدق عليه عنوان الكنز فلا بدّ من إخراج خمسة.

هذا تمام الكلام في المسألة الخامسة عشر.

طبعاً هذا الكلام أيضاً فيه تفصيل: تارةً نحن وأصل الدليل، وتارةً نحن ومقتضى موثقة محمد بن قيس المقيدة بصحيحة محمد بن مسلم، تفصيل هذا الحديث إن شاء الله تراجعون فيه[8] .

المسألة السادسة عشر:

«الكنوز المتعددة لكل واحدٍ حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه، فلو لم يكن أحادها بحدّ النصاب وبلغت بالضم، لم يجب فيها الخمس.

نعم، المال الواحد، المدفون في مكان واحد، في ظروف متعددة، يضم بعضه إلى بعض، فإنه يعد كنزاً واحداً وإن تعدد جنسها».

هذه المسألة تتطرق إلى حكم الكنوز المتعددة، والظاهر من الأدلة أن لكل معدنٍ ولكل كنزٍ حكم نفسه في اعتبار بلوغ النصاب وعدمه، والنصاب لم يؤخذ بلحاظ مجموع المعادن أو مجموع الكنوز، فقد ورد في صحيحة البزنطي «ما يجب الزكاة في مثله، ففيه الخمس»[9] .

بعد السؤال عما يجب فيه الخمس من الكنز، وهذا ظاهرٌ بحسب الفهم العرفي في أنه كنز واحد، فإذا كان مقداره يساوي ما يجب فيه الزكاة، فيجب فيه الخمس، والمدار هو النظر العرفي والصدق العرفي، والعرف يرى النصاب ولزوم بلوغ النصاب في كل كنزٍ كنز وفي كل معدنٍ معدن إلا إذا رأى العرف أن مجموع المبالغ تشكل كنزاً واحداً كما لو عثر في محل واحد على عدة ظروف فيها أموال وبلغ مجموع هذه الظروف النصاب، لكن الظرف الواحد لا يبلغ النصاب، فإذا رأى العرف أن هذا ومجموع هذه الظروف تشكل كنزاً واحداً لا كنوزاً متعددة فحينئذٍ يجب الخمس.

إذاً المدار على وحدة الكنز عرفاً، فإذا وجد عدة كنوز في أماكن مختلفة وكان العرف يرى أنها كنوز متعددة لا أنها كنز واحد وجب لحاظ النصاب في كل كنزٍ كنز.

هذا تمام الكلام في المسألة السادسة عشر.

المسألة السابعة عشر، قال ـ قدس سره ـ :

«في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعةً بمقدار النصاب، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس، وإن لم يكن كل واحدةٍ منها بقدرٍ».

تطرق صاحب العروة في المسألة سبعة عشر إلى عدم اعتبار كون إخراج الكنز دفعة واحدة، والحال إن الإخراج إنما يكون في المعادن لا في الكنوز، وقد ذهب بعض الأعلام إلى أن موضوع وجوب تخميس المعدن هو إخراج المعدن لا نفس المعدن، فأخذ قيد الإخراج في موضوع وجوب تخميس المعدن.

وأما الكنز فلم يؤخذ فيه موضوع الإخراج بل في الغالب أن من يعثر على الكنز لا يخرجه بأكمله بل يدخره وإنما يخرج بعضه، فالحكم بوجوب الخمس في الكنز غير منوطٍ في الإخراج بل المعتبر وجدان الكنز وتملك الكنز سواء أخرجه دفعة واحدة أو أخرجه في دفعات متعددة أو لم يخرجه وإنما أبقاه في موضعه، فلربما يرى الواجد ضرورة بقاء الكنز في مكانة وأنه أولى من إخراجه، ومع ذلك يجب عليه خمس الكنز إذا بلغ النصاب.

ولا يقاس الكنز بما تقدم في المعدن، إذ الإخراج يكون للمعدن فالمعدن لا يؤخذ فيه فقط حيثية الوجدان بل أضاف بعضهم حيثية الإخراج، فما لم يخرجه لا يجب عليه تخميسه بخلاف الكنز إذا وجد وتملكه فإنه يجب عليه تخميس الكنز.

إذاً لا معنى للمسألة السابعة عشر أنه لا يعتبر الإخراج دفعة، لأن عنوان الإخراج لم يؤخذ في الكنز بل أخذ الوجدان والتملك، والله العالم.

هذا تمام الكلام في المسألة السابعة عشر.

المسألة الثامنة عشر:

«إذا اشترى دآبة ووجد في جوفها شيئاً فحاله حال الكنز».

يأتي عليه الكلام.

 


[1] في المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، كتاب الخمس، ص98.
[2] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، الجزء الأول، ص416.
[3] وسائل الشيعة، ج25، ص484، باب5 من أبواب اللقطة، الحديث 3.
[4] يراجع المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي، كتاب الخمس، ص98.
[6] رواها الكليني في الكافي، ج1، ص619، كتاب الحجة، الباب187، الحديث 4.ورواها الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج4، ص112، الحديث 365.ورواها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج9، ص524، الباب الأول من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ـ عليه السلام ـ، الحديث 4.
[7] تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، ج4، ص111، الحديث 363.رواها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج9، ص529، الباب الأول من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ـ عليه السلام ـ، الحديث 17.
[8] الواضح في شرح العروة الوثقى، ص112، حاشية: الشيخ محمد الجواهري ـ حفظه الله ـ.
[9] وسائل الشيعة، ج9، ص495، الباب الخامس من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo