< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثامن والسبعون: حكم المال الذي يجده في جوف السمكة وسائر الحيوانات

ذهب المشهور إلى جواز تملك المال الذي يجده الإنسان في جوف الحيوان البحري كـالسمكة ونحوها أو الحيوان البري الوحشي كـالغزال، فهذا المال ملكٌ لواجده من دون حاجةٍ إلى تعريفه فيجوز له أن يتملكه ويجب عليه إخراج خمسة، ولم ينقل الخلاف عن أحدٍ غير ما ورد في عبارة السرائر لابن إدريس الحلي ـ ره ـ ، وما حكي عن التذكرة[1] للعلامة الحلي من الميل إلى مساواة السمكة للدابّة فكما أنه إذا وجد شيئاً في جوف الدابّة وجب عليه أن يعرفه ممن اشترى منه الدابّة كذلك إذا وجد شيئاً في جوف السمكة وجب عليه أن يعرفه لمن اشترى منه السمكة.

وقد حكى عن العلامة هذا الحكم صاحب المدارك في مداركه[2] ، وأما نصّ عبارة ابن إدريس الحلي فهي كما يلي، قال ـ قده ـ :

<وكذلك إن ابتاع بعيراً أو بقرةً أو شاةً وذبح شيئاً من ذلك فوجده في جوفه شيئاً قل عن مقدار الدرهم أو كثر عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه إياه، وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس بعد مؤونته طول سنته، لأنه من جملة الغنائم والفوائد وكان له الباقي>[3] .

إذاً عندنا ثلاث مسائل:

المسألة الأولى وجوب التعريف للبائع.

المسألة الثانية جواز التملك.

المسألة الثالثة وجوب إخراج الخمس من المال الذي يجده في جوف السمكة بل سائر الحيوانات.

وسيتضح إن شاء الله تعالى أن الصحيح ما ذهب إليه المشهور خلافاً لابن إدريس والعلامة الحلي، فلا يجب التعريف للبائع السابق بل يجوز له أن يتملك المال الذي يجده في جوف السمكة أو الحيوان ويجب عليه إخراج خمسة.

إذاً ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح وقد نسب هذا الحكم إلى المشهور المحقق الحلي في شرائع الإسلام[4] ، وما ذهب إليه المشهور موافقٌ للقاعدة والرواية.

إذاً يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول مقتضى القاعدة.

المقام الثاني مقتضى النصوص الواردة في هذه المسألة.

المقام الأول مقتضى القاعدة.

ما تقتضيه القاعدة هو أنما يوجد في جوف السمكة أو غيرها من الحيوانات البحرية أو البرية على نحوين:

النحو الأول ما يكون من جنس اللؤلؤ والمرجان والجواهر المتكونة في البحر أو الأرض أو الجبال، فما تأكله السمكة أو الحيوان ليس ملكاً لشخصٍ معين وإنما هو من المباحات العامة القابلة للتملك بالحيازة، فحكم ما يوجد في جوف السمكة أو الحيوان أنه من المباحات العامة ولا يحتمل أن يكون لمالكٍ محترمٍ حيّ.

النحو الثاني أن يكون من الأموال الشخصية للأفراد والجماعات كـالخاتم والسوار والدراهم والدنانير الرائجة التي يعلم أن لها مالك معين وقد وقعت في البحر فابتلعته السمكة أو سقط في الصحراء فابتلعه الغزال.

وعلى أي تقدير سواء ما كان في جوف السمكة أو الغزال من النحو الأول أي من المباحات العامة أو من النحو الثاني الأملاك الشخصية فالعادة تقتضي أن صاحب الملك قد أعرض عنه حينما ضاع في الصحراء أو في البحر وأنه بحكم التالف لليأس من العثور عليه، وحكمه أنه من المباحات العامة ويملكه الواجد.

نعم، إذا كانت السمكة أو الغزال في ملكٍ خاصٍ محصور كما لو كانت السمكة تعيش في حوضٍ اصطناعي كما هو الحال في يومنا هذا وهو الذي أولدها ورباها، أو كان الغزال في حديقة حيوان خاصة أو في ملكٍ خاص، فإذا كانت السمكة في حوضٍ خاصٍ أو الغزال في دارٍ خاصة فالظاهر لحوقها في الحيوان الأهلي في وجوب التعريف للبائع بمقتضى القاعدة.

وهذا القسم يخرج عن النصوص التي سنتناولها فإن الروايات الشريفة ناظرة إلى السمكة في البحر العام لا الملك الخاص والحيوان في الصحراء في الملك العام لا الملك الخاص، فتكون النتيجة إذا وجد شيئاً سواءً كان جوهرةً أو مرجاناً في جوف سمكةٍ أو غزالٍ فالمال له ويجوز له تملكه ويجب عليه أن يخرج خمسة من باب مطلق الفائدة إلا إذا كان الحيوان أو السمكة في حوضٍ خاص أو ملكٍ خاص فحينئذٍ يجب عليه التعريف للمالك الأصلي وإلا فلا.

ولكن قد يقال: إن مقتضى القاعدة في المقام وجوب التعريف للبائع مطلقاً سواءً كانت السمكة أو الغزال في ملكٍ خاصٍ أو ملك عام، وذلك لما حكي عن العلامة الحلي في التذكرة[5] من أن القصد إلى حيازة السمكة يستلزم القصد إلى حيازة جميع أجزاءها وما يتعلق بها، ونحوه ما ذكره ابن إدريس في السرائر حيث قال ما نصّه:

<وكذلك حكم من ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة وما أشبه ذلك لأن البائع باع هذه الأشياء ولم يبع ما وجده المشتري، فلذلك وجب عليه تعريف البائع>[6] .

إذاً بناءً على ذلك لابدّ من الرجوع إلى البائع.

وبتقريبٍ أوضح:

ما تأكله السمكة أو الحيوان إما أن يكون من ملكٍ خاص فلابدّ من الرجوع إلى المالك الخاص، وإما أن يكون من المباحات العامة فتشمله قاعدة (من حاز ملك) فالصائد إذا حاز السمكة حاز ما فيها بالتبع وإذا حاز الغزال باصطياده حاز ما في جوفه بالتبع، فإذا باع الغزال فإن القدر المتيقن أنه قد باع الغزال أو السمكة دون ما في جوفهما من الدرر والجواهر فلا بدّ من إرجاع الدرر والجواهر إلى بائع السمكة أو الغزال.

يعني المشتري يملك الغزال، البائع باع خصوص الغزال والسمكة ولم يقصد بيع ما في جوفهما من الدرر والجواهر، ولو التفت إليها لما باع.

وفيه أولاً: إن الحيازة هي إنشاء استيلاء على شيء وسبقٍ إلى ما لم يسبق إليه أحد فهي تحتاج إلى القصد وهو منتفٍ في المقام، فصائد السمكة أو الغزال قد قصد أن يحوز السمكة أو الغزال ولم يقصد أن يحوز ما في جوفهما لأنه غير ملتفت إلى ما هو موجود في جوفهما، فالحيازة متقومةٌ بالقصد، فالحيازة متقومةٌ بالتفات ومع فرض الغفلة أو الجهل بما في جوف السمكة أو الغزال لا يصدق عرفاً على هذا المالك أو البائع أنه قد قصد تملك الجواهر الموجودة في جوف السمكة أو الغزال لأنه بحسب النظر العرفي البائع قد استولى على السمكة والغزال ولم يستولي على ما في جوفهما إذ لم يطلع عليه وهو غافلٌ عنه وغير ملتفتٍ إليه، فإذا لم يعرف بوجوده كيف يقصد الاستيلاء عليه؟!

انصافاً هذا دقيق رحمة الله على السيد الخوئي ـ ره ـ هذا كلام السيد الخوئي.

المناقشة الثانية: على فرض التسليم أن البائع كما حاز السمكة والغزال حاز ما في جوفهما، فظاهر التصدي للبيع أنه باع السمكة بما في أحشائها وباع الغزال بما في أحشائه بالتبع، وبالتالي كما يملك المشتري السمكة أو الغزال كذلك يملك ما في أحشائهما بالتبع بعين ملكية البائع لهما التبعية.

فالبائع يملك السمكة وتوابعها، والمشتري أيضاً يملك السمكة وتوابعها، فكما أن البائع كان مالكاً للسمكة وما في جوفها تبعاً لذلك فكذلك المشتري يملك السمكة وتوابعها بتبع الشراء فالمناط واحد أي الملكية التبعية، فالملكية التبعية كما تصدق على البائع تصدق أيضاً على المشتري.

لكن قد يقال: إن القصد معتبرٌ في البيع وغير معتبرٍ في الحيازة، ففي الحيازة تتحقق الملكية التبعية ولو لم يقصد، فإذا حاز السمكة حاز ما فيها وملك ما فيها وإن لم يعلم به ولم يقصد بخلاف البيع فإن البيع عبارة عن مبادلة مال بمال يعني لازم يقصد مبادلة المال، والبائع حينما باع السمكة أو الغزال قصد مبادلة خصوص السمكة دون المال الذي في جوفها فلا تتحقق مبادلة الملكية التبعية، فالقصد معتبرٌ في البيع دون الحيازة فإن الحيازة يكفي فيها التبعية بخلاف البيع لا يكفي فيه التبعية بل لابدّ من قصد مبادلة التابع والمتبوع.

لذلك المهم في المقام الإشكال الأول أن الحيازة متقومة بالقصد والالتفات، دون المناقشة الثانية والإشكال الثاني كما يقول سيد أساتذتنا والمحقق السيد أبو القاسم الخوئي ـ ره ـ في مستند الشيعة[7] ، وتبعه تلميذه الوفي شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري في كتاب الخمس في فقه أهل البيت[8] .

ويوجد شواهد على هذه الدعوى وهو أنه لو كانت الحيازة التبعية صحيحة للزم إعطاء المال للبائع ابتداءً بلا تعريف لأنه ملكه حتى لو لم يدعي ذلك، ولأفتى بذلك الأعلام، ولدل الدليل عليه، والحال إنه خلاف الظاهر إن لم يكن المقطوع بخلافه، كما في جواهر الكلام[9] للمحقق النجفي إذ ذكر صاحب الجواهر أن المشهور ذهبوا إلى عدم لزوم التعريف للبائع، فحال الجوهرة الموجودة في جوف السمكة حال السمكة التي وجد في جوفها سمكة فلو اشتريت سمكة واتضح أن في بطنها سمكة أخرى، فهل يجب الرجوع إلى البائع؟! كلا وألف كلا، بل المشتري يملك السمكة ويملك السمكة التي في جوفها.

إلا أن يقال: إن وجود سمكة في جوف سمكة أخرى إما أنه كثير الوقوع فحصل تعارف على أن المشتري يملك السمكة والسمكة التي في جوفها، وإما أن يدعى أنه يجعل بإزائها مقدار من الثمن لأن السمكة توزن والبائع حينما يبيع السمكة يبيعها بوزنها أي يبيع السمكة الظرف والسمكة المظروف وقد وزنهما، وهذا هو الغالب في بيع السمك أن يباع بالوزن، فيتحقق قصدٌ إجمالي لبيع ما في جوفها، وإن لم يكن هذا القصد تفصيلياً لأنه لم يلتفت إلى وجود سمكةٍ في جوفها، والقصد الإجمالي كافٍ بخلاف الجوهرة التي في جوف السمكة فإنه لا يبيعها بالوزن.

النتيجة النهائية:

القاعدة تامة بحسب مقتضى القاعدة، مقتضى القواعد أن من وجود شيئاً في جوف سمكة أو غزال جاز له تملكه ووجب عليه إخراج خمسة من باب وجوب تخميس مطلق الفائدة ولا يجب عليه أن يعرف للبائع فضلاً عن أن يرجعه إليه.

هذا تمام الكلام في المقام الأول، واتضح أنه بحسب القواعد لا يجب التعريف للبائع السابق بل يجوز تملك المال الذي يجده المشتري في جوف السمكة أو الحيوان ويجب عليه تخميسه من باب مطلق الفائدة، والله العالم.

المقام الثاني الاستدلال بالنصوص الواردة في المقام

وهي عدة روايات كلها ضعيفة، ولكن يمكن تصحيح الرواية الأولى والثانية، وسنذكر خمس روايات والعمدة فيها الرواية الأولى والثانية إذ يمكن تصحيحهما.

الرواية الأولى رواية أبي بصير عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ في حديثٍ: <أن رجلاً عابداً من بني إسرائيل كان محارفاً فأخذ غزلاً فاشترى به سمكةً، فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء سائلٌ فدق الباب، فقال له الرجل: ادخل.

فقال له: خذّ أحد الكيسين، فأخذ أحدهما وانطلق، فلم يكن أسرع أن دقّ السائل الباب، فقال له الرجل: ادخل، فدخل ووضع الكيس في مكانه، ثم قال: كُل هنيئاً مريئاً، أنا ملكٌ من ملائكة ربّك، إنما أراد ربّك أن يبلوك فوجدك شاكراً، ثم ذهب>[10] .

والرواية ظاهرة الدلالة في جواز التملك إذ هو تملك ما في جوف السمكة ووهبّه وتصرف فيه فإن الواجد لم يرجع إلى البائع بل تصرف فيما وجده، وهذا موافقٌ لمقتضى القاعدة، إذاً الرواية تامة دلالةً.

لكن من ناحية السند:

فيها محمد بن الفضيل وهو مشتركٌ، ولكن الظاهر أن المراد به محمد بن الفضيل الأسدي فإنه المشهور المعروف، وهذا بحث في تميز المشتركات، إذا جاءنا اسمٌ مشترك فإنه ينصرف إلى الأشهر في الطبقة، فالأسدي هو الأشهر وله كتاب، وقد ورد فيه التوثيق والتضعيف.

لكن يمكن الجمع بينهما بحمل التضعيف على عقيدته لأنه رمي بالغلو، وحمل التوثيق على حديثه وروايته فهو ثقةٌ في الحديث.

والنتيجة: تكون اعتبار روايته.

وأما أبو حمزة الوارد في الرواية، فهو: أبو حمزة الثمالي بقرينة الراوي عنه، فإن محمد بن الفضيل يروي عن الثمالي كثيراً، والثمالي من الأجلاء الثقات.

وبناءً على ذلك:

تكون الرواية معتبرة وصحيحة السند إن وثقنا محمد بن الفضيل، وحملنا التضعيف الوارد في حقّه على الطعن في مذهبه لا في حديثه.

إذاً الرواية الأولى يمكن تصحيحها.

الرواية الثانية ما رواه الراوندي عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <كان في بني إسرائيل رجلٌ وكان محتاجاً، فألحت عليه إمرأته في طلب الرزق، فابتهل إلى الله في الرزق، فرأى في النوم أيهما أحب إليك درهمان من حلٍّ أو ألفان من حرامٍ؟!

فقال: درهمان من حلّ.

فقال: تحت رأسك.

فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه، فأخذهما واشترى بدرهمٍ سمكة، وأقبل إلى منزله، فلما رأته المرأة أقبلت عليه كـلائمه، وأقسمت أن لا تمسها، فقام الرجل إليها، فلما شقّ بطنها إذا بدرتين فباعمها بأربعين ألف درهم>[11] .

وهذه الرواية واضحة الدلالة إذ أنه تصرف في الدرتين وباعهما ولم يرجع إلى البائع، فيدل ذلك على أن ما في جوف السمكة لواجده.

لكن من حيث السند:

حسب الظاهر هذه الرواية مرسلة، إذ لم يذكر الراوندي طريقة إلى حفص بن غياث، ولكن يمكن تصحيح السند بطريقة تعويض الأسانيد، لأن حفص بن غياث روى كتاباً عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ، وللشيخ الطوسي في الفهرست[12] ، والصدوق[13] طرقٌ معتبرة إلى كتابة.

وأما الراوندي وهو سعيد بن هبة الله فله طرقٌ معتبرة أيضاً إلى روايات الشيخ والصدوق، ومنها هذه الرواية[14] .

وبناءً على ذلك:

تخرج الرواية من حدّ الإرسال وتدخل في السند المعتبر، إلا أننا لا نوافق على هذا التعويض نظراً لاحتمال تعدد النسخ وأن هذه الأسانيد إنما هي أسانيد إلى العناوين لا المعنونات، لكن شيخنا الأستاذ الداوري بنا على صحة هذه الرواية في كتابه[15] .

يبقى الكلام في حفص بن غياث فهو من العامة إلا أن الشيخ الطوسي ذكر في العدة أن الطائفة عملت برواياته[16] ، وذكر الشيخ الطوسي في الفهرست أن كتاب حفص بن غياث معتمد[17] .

إذاً لا إشكال من جهة حفص بن غياث، وهذا صحيح، لأن الشيخ الطوسي يقول: عملت الطائفة بروايات جملة من العامة، أول اسم ذكره (حفص بن غياث).

قال شيخنا الأستاذ الداوري:

<فلا إشكال في اعتبار الرواية>.

هذا على مبناه من إمكان تعويض السند هنا، لكننا نستشكل في صحتها، تبقى الرواية الأولى يمكن تصحيحها، ولكن على مبنى شيخنا الأستاذ يمكن تصحيح الرواية الأولى والثانية، بقية الروايات ضعاف.

الرواية الثالث ما رواه الراوندي أيضاً بإسناده عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: <كان في بني إسرائيل عابد، وكان محارفاً تنفق عليه إمرأته، فجاعوا يوماً فدفعت إليه غزلاً، فذهب، فلا يشترى بشيء، فجاء إلى البحر فإذا هو بصيادٍ قد اصطاد سمكاً كثيراً فأعطاه الغزل، وقال: انتفع به في شبكتك، فدفع إليه سمكةً، فرفعها وخرج بها إلى زوجته، فلما شقتها بدت في جوفها لؤلؤة، فباعها بعشرين ألف درهم>[18] .

هذه الرواية من حيث الدلالة تامة، لكنها من حيث السند ليست بتامة ففيها محمد بن علي، والظاهر أنه أبو سمينة الصيرفي المنصوص على ضعفه[19] ، فهذه الرواية تكون مؤيدة ولا تكون دليلاً.

الرواية الرابعة ما ورد في التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري، في حديثٍ طويل: <أن رجلاً فقيراً اشترى سمكةً فوجد فيها أربع جواهر، ثم جاء بها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وجاء تجار غرباء فاشتروها منه بأربعمئة ألف درهم.

فقال الرجل: ما كان أعظم بركة سوقي اليوم يا رسول الله.

فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : هذا بتوقيرك محمداً رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، وتوقيرك علياً أخا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ووصيه، وهو عاجل ثواب الله لك، وربح عملك الذي عملته>[20] .

هذه الرواية من حيث الدلالة تامة، أنما يجده في جوف السمكة فهو لواجده وبإمضاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، ولكن سند التفسير المنسوب للإمام العسكري ليس بتام، لم يصلنا بطريقٍ صحيح، تطرق إليه في كتابه[21] .

الرواية الخامسة والأخيرة ما رواه الصدوق بإسناده عن الزهري، قال: <كنت عند علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ فجاءه رجلٌ من أصحابه، فقال له علي بن الحسين: ما خبرك أيها الرجل؟!

فقال الرجل: خبري يا بن رسول الله أني أصبحت وعليّ أربعمئة دينار دين لا قضاء عندي لها، فبكى علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ بكاءً شديداً.

فقلت له: وما يبكيك يا بن رسول الله؟

فقال: وهل يعد البكاء إلا للمصائب والمحن الكبار؟!

قال: فأي محنة ومصيبة أعظم على حرّ مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خله فلا يمكنه سدها ـ شوف خلق الأئمة ـ .

فقال علي بن الحسين:...> ـ الرواية طويلة هذا موضع الشاهد، لاحظ كيف الأئمة يواسون إخوانهم، صاحب المصيبة متعجب الإمام لماذا يبكي؟!

<فقال علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ : قد أذن الله في فرجك، يا فلانة! احملي سحوري وفطوري..> هذه القصة جيدة للفقهاء.

<فحملت قرصتين، فقال علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما فإن الله يكشف عنك بهما، وينيلك خيراً واسعاً منهما> هذين قرصين للإمام علي بن الحسين، من يأكلهم؟!!

لاحظ الرواية.. <فأخذهما الرجل ودخل السوق لا يدري ما يصنع بهما!! فمر بسماكٍ قد بارت عليه سمكة قد ارحت> يعني ما أحد يشتري هذه السمكة الناس زاهدة فيها.

<فقال له: سمكة هذه بائرة عليك وإحدى قرصتي هاتين بائرة عليّ، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة وتأخذ قرصتي هذه البائرة.

فقال: نعم.

فأعطاه السمكة وأخذ القرص، ثم مرّ برجلٍ معه ملحٌ قليل مزهودٌ فيه، فقال له: هل لك أن تعطيني ملحك المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها.

قال: نعم، ففعل، وجاء الرجل بالسمك والملح، فلما شقّ بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فحمد الله عليهما.

فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فخرج ينظر من بالباب، فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح، قد جاء يقول كل واحد منهما له: يا عبد الله جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا...

فلما استقر بعد انصرافهما عنه قرع باب، فإذا رسول علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ فدخل، فقال: إنه يقول لك: إن الله قد أتاك بالفرج فأردد إلينا طعامنا فإنه لا يأكله غيرنا>[22] .

هذه الرواية من حيث الدلالة واضحة كالروايات السابقة فإنه قد حمد الله حينما رأى الدرتين في جوف السمكة، ولم يرجع الدرتين إلى من ارجع القرص مقابل السمكة، بل صاحب القرص قال: خذّ السمكة والقرص معها.

لكن الكلام من حيث السند:

فإنها بحسب الصناعة غير تامة السند، فإن محمد بن عبد الله بن يزيد لم يرد فيه توثيق، فالرواية ضعيفة السند.

وأما سفيان بن عيينة فهو وإن وقع في أسناد تفسير القمي[23] إلا أنه عامي فلا يشمله التوثيق فإن توثيق علي بن إبراهيم ناظر إلى خصوص الشيعة الإمامية (إلى أصحابنا) ولا يشمل توثيق العامة الواردين في التفسير.

إذاً ضعيفة من ناحية محمد بن عبد الله بن يزيد أولاً، وسفيان بن عيينة ثانياً.

وأما الزهري وهو محمد بن مسلم بن شهاب[24] فقد كان عاملاً لبني أمية فعاقب رجلاً فمات في العقوبة، مات الرجل في العقوبة، فخرج هائماً وتوحش ودخل إلى غار فطال مقامة تسع سنين، كيف قتل شخص في السجن؟!

قال: وحج علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ فأتاه الزهري، فقال له علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ : <إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك، فابعث بدية مسلمة إلى أهله، واخرج إلى أهلك ومعالم دينك>.

فقال له: <فرجت عني يا سيدي، الله اعلم حيث يجعل رسالته>[25] .

ورجع إلى بيته ولزم علي بن الحسين وكان يعد من أصحابه، ولذلك قال بعض بني مروان: <يا زهري ما فعل نبيك علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ ؟!>[26]

وما نقل عن الزهري يدل على حسن حاله، كما أنه وقع في أسناد تفسير القمي[27] بناءً على اعتبار من ورد في تفسير القمي وعلى أنه إمامي فيشمله توثيق علي بن إبراهيم، على أننا لا نبني أن تفسير القمي من التوثيقات العامة.

والحاصل: هذه الرواية ليست تامة السند فلا تصلح دليلاً ولكنها يمكن أن تكون مؤيدة.

إذاً الرواية الأولى صحيحة السند والرواية الثانية موثقة بـحفص بن غياث بناءً على مسلك شيخنا الأستاذ الداوري، الروايات الثلاث الأخر ضعيفة السند.

وبنظرنا الرواية الأولى صحيحة السند والروايات الأربع الأخر مؤيدة.

هذا تمام الكلام في المسألة الثامنة عشر، واتضح أن حكم ما يوجد في جوف السمكة حكم ما يوجد في جوف الدابّة من عدم لزوم التعريف للبائع وجواز التملك ووجوب التخميس، والله العالم.

المسألة التاسعة عشر يأتي عليه الكلام.

 


[1] تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج17، ص275، المسألة 374.
[2] مدارك الأحكام، ج5، ص374.
[3] السرائر، ابن إدريس الحلي، ج2، ص105.
[4] شرائع الإسلام، ج1، ص216.
[5] تذكرة الفقهاء، ج17، ص275.
[6] السرائر، ابن إدريس، ج2، ص105.
[7] مستند الشيعة، السيد الخوئي، كتاب الخمس، ج25، ص104.
[8] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، الجزء 1، ص429.
[9] جواهر الكلام، الشيخ النجفي، ج16، ص38.
[10] وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج25، ص453، الباب العاشر من أبواب اللقطة، الحديث 1.نقلها صاحب الوسائل عن الكافي لثقة الإسلام الكليني باختصار، إذا أردت تفصيل الرواية تراجع: روضة الكافي، ج8، ص296، الحديث 585.
[11] قصص الأنبياء، ص187.رواها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج25، الحديث 453، الباب العاشر من أبواب اللقطة، الحديث 2.
[12] الفهرست، ص158، ترجمة 242.
[13] من لا يحضره الفقيه، ج4، ص473 المشيخة.
[14] بحار الأنوار، ج104، ص48 و 49 و 159.
[15] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص432.
[16] العدة في أصول الفقه، ج1، ص149، الباب2، الفصل 5.
[17] الفهرست، ص158، ترجمة 242.
[18] وسائل الشيعة، ج25، ص453، الباب العاشر من أبواب اللقطة، الحديث 3.
[19] رجال النجاشي، ج2، ص216 و 217.
[20] تفسير الإمام العسكري، ص602 و 604، الحديث 357.رواها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج25، ص454، الباب10 من أبواب اللقطة، الحديث 5.
[21] أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، ج1، ص501.
[22] الأمالي، الشيخ الصدوق، ص537، المجلس 69، الحديث 3.رواها الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج25، ص454، الباب10 من أبواب اللقطة، الحديث 4، مع اختلاف كثير في المتن بين الأمالي وبين الوسائل.
[24] رجال الطوسي، ص294، ترجمة 4292.
[26] المناقب لابن شهر آشوب، ج4، ص173.مستدرك الوسائل، المحدث النوري، ج18، ص222، الباب10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.أيضاً بحار الأنوار، الشيخ محمد باقر المجلس، ج46، ص132، الحديث 22.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo