< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس التاسع والسبعون: استثناء مؤونة إخراج الكنز

المسألة التاسعة عشر: قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى:

<إنما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الإخراج>.

لا شكّ ولا ريب فيما يصرفه المخرج على إخراج الكنز يستثنى من الخمس، وإنما الكلام في أنه هل يعتبر إخراج المؤونة قبل ملاحظة النصاب أو بعد ملاحظة النصاب؟

فالنصاب عشرون ديناراً فلو صرف على إخراج الكنز ثمانية دنانير وبلغ مقدار الكنز عشرين ديناراً، فلو قلنا إن لحاظ النصاب يكون بعد إخراج المؤونة فحينئذٍ ننقص الثمانية دنانير من العشرين ديناراً فيكون مقدار الكنز اثنا عشر ديناراً فلا يجب فيه الخمس.

وأما لو قلنا إن إخراج المؤونة بعد ملاحظة النصاب وقد بلغ الكنز مبلغ عشرين ديناراً فحينئذٍ يجب الخمس فيه، فإذا وجب الخمس فيه استثنينا الثمانية دنانير ووجب تخميس الاثني عشر ديناراً.

إذاً استثناء مؤونة استخراج الكنز مما لا ريب في جوازه، ولكن استثناء المؤونة هل يكون قبل ملاحظة النصاب أو يكون بعد ملاحظة النصاب؟

فإذا قلنا إن استثناء مؤونة إخراج الكنز إنما يكون قبل ملاحظة النصاب فحينئذٍ بعد استثناء المؤونة لا بدّ أن يبلغ الكنز مقدار عشرين ديناراً، فإذا لم يبلغ بأن بقي مقدار اثنا عشر ديناراً فحينئذٍ لا يجب فيه الخمس.

وأما إذا قلنا وجوب التخميس يلحظ فيه النصاب قبل استثناء المؤونة فبمجرد بلوغ الكنز مقدار عشرين ديناراً يجب فيه الخمس، لكن المخرج لا يخمس العشرين ديناراً بل يستثني المؤونة وهي ثمانية دنانير مثلاً ثم يخمس الباقي وهو مقدار اثنا عشر ديناراً.

وقد تقدم إن المشهور في خمس المعدن وإليه أيضاً ذهب السيد الماتن هو الأول أي لحاظ استثناء المؤونة قبل لحاظ النصاب، فإذا استخرج مؤونة إخراج الخمس ولم يبلغ الكنز مقدار النصاب فحينئذٍ لا يجب فيه الخمس.

وأدعي عدم الخلاف فيه، قال صاحب العروة: <إنما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الإخراج> يعني إذا استثنينا مؤونة الإخراج للكنز وبلغ الباقي مقدار النصاب <وجب فيه الخمس وإلا فلا>.

واستدلوا عليه بعدة وجوه، أبرزها ما ورد في صحيحة البزنطي وهو قوله ـ عليه السلام ـ : <ليس فيه شيءٌ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة>[1] .

فالظاهر من قوله ـ عليه السلام ـ أنه إذا بلغ ما يكون في مثله الزكاة ففي جميعه الخمس، ولا يتم ذلك إلا إذا اعتبر النصاب بعد كسر المؤونة واستثناءها لا قبلها وإلا يكون في بعضه ولا يكون في جميعه الخمس، فقد ورد في صحيحة البزنطي، قال: <سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟

فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس>[2] .

والضمير في قوله <ففيه> يعود إلى الموصول أي في البالغ ما يجب فيه الزكاة والظاهر هو تعلق الخمس بالجميع لا بالبعض، وهذا ما استظهره شيخنا الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه[3] ، وكذلك استظهره الشيخ جعفر السبحاني في كتابه[4] وفاقاً للمشهور وصاحب العروة ـ قده ـ .

إلا أن الصحيح ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ ره ـ في كتابه[5] من أنه لم يقم الدليل على تقييد النصاب بما بعد إخراج المؤون فعندنا دليليان:

الدليل الأول يقول: الكنز إذا بلغ مقدار النصاب وجب فيه الخمس، فإذا بلغ الكنز مقدار عشرين ديناراً وجب فيه الخمس.

وعندنا دليل مستقل آخر يقول: يجوز استثناء المؤونة من الخمس.

فمقتضى الجمع بينهما أنه بمجرد بلوغ الكنز مقدار عشرين ديناراً يجب فيه الخمس قبل استثناء المؤونة، غاية ما في الأمر عند إخراج الخمس يجوز استثناء المؤونة ويخمس الباقي.

ووافق شيخنا الأستاذ الشيخ الداوري السيد الخوئي فيما ذهب إليه[6] ، وقد ناقش السيد الخوئي ـ ره ـ هذه الروايات التي قد يدعى أنها تقيد دليل النصاب في الكنز والمعدن[7] ، ناقش صحيحة البزنطي وهي ثلاث في المقام بـنقاشات مفصلة، وقد استدل بها على تقييد النصاب، وقد بحثنا هذا مسبقاً فلا نعيد.

والصحيح أنه لا دليل على أن الخمس بعد استثناء المؤونة أي قبل ملاحظة النصاب بل الظاهر من الرواية أن حدّ النصاب متعلق بنفس الكنز بغض النظر عن حيثية استثناء المؤونة، والمتيقن هو عدم تعلق الخمس بالمؤونة لقيام الدليل على استثناءها، وأما استثناء المؤونة قبل ملاحظة النصاب فلا دليل عليه، فالأقوى والأحوط وجوب الخمس في الباقي.

وهذا الكلام كما يجري بالنسبة إلى المعدن يجري أيضاً بالنسبة إلى الكنز.

الخلاصة:

عندنا دليلان: دليل اعتبار النصاب في المعدن والكنز غير ناظر إلى استثناء المؤونة، يقول: المعدن والكنز متى ما بلغا مقدار النصاب وهو عشرون ديناراً ففيه الخمس، ويوجد دليل آخر يقول: يجوز استثناء المؤونة فلو صرفت على استخراج المعدن أو الكنز خمسة دنانير جاز لك أن تستثنيها من الخمس، وبالتالي يجب عليك تخميس خصوص خمسة عشرة دينار الباقية، ويجوز لك استثناء الخمسة دنانير، ولا يوجد دليل يقيد دليل اعتبار النصاب ويقول: لا يصح أن تحسب النصاب ـ وهو عشرون ديناراً ـ قبل إخراج واستثناء مؤونة الإخراج، لا يوجد دليل على هذا التقييد.

فالإنصاف أن ما ذكره السيد الخوئي ـ ره ـ متين وفي محله.

هذا تمام الكلام في المسألة التاسعة عشر.

 

المسألة العشرون: <إذا اشترك جماعةٌ في كنزٍ فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصاباً، وإن لم تكن حصة كل واحدٍ بقدره>.

هل الدليل الدال على وجوب تخميس الكنز ناظرٌ إلى نفس الكنز بما هو كنز؟! فإذا بلغ مقدار عشرين ديناراً وجب تخميسه، أو الدليل ناظر إلى حصة الفرد من الكنز؟! فإذا بلغت حصة ونصيب الفرد من الكنز مقدار عشرين ديناراً وجب التخميس.

إذاً ينبغي تنقيح موضوع وجوب تخميس الكنز، هل هو ذات الكنز؟ أو هو حصة الفرد من الكنز؟

الحقّ والإنصاف إن روايات وجوب تخميس الكنز ناظرة إلى ذات الكنز بقطع النظر عن حصة الفرد، لذلك لا فرق في وجوب الخمس في الكنز بين أن يكون الكنز لواحد أو لجماعة، إذا بلغ مجموع الحصص نصاباً.

والوجه في ذلك: هو النصوص الدالة على أنه يجب الخمس في الكنز لا في حصص الفرد والأفراد من الكنز، فإن ذات الكنز هو المتعلق لوجوب الخمس إذا بلغ مقدار النصاب، سواء كان الكنز لواجد واحد أو متعدد، ولم يأخذ في متعلق وجوب الخمس حصة كل واحد من الكنز حتى يقال باعتبار بلوغ النصاب في كل حصة.

وبذلك يظهر أنه إذا كانت هناك كنوز متعددة فمقتضى ظاهر الأدلة أن لكل كنزٍ نصاباً وإن كانت مجموع هذه الكنوز لشخصٍ واحد لأن موضوع وجوب تخميس الكنز ذات الكنز وليس حصة الفرد، إذاً لا بدّ من ملاحظة كل كنزٍ على حدة وأنه بلغ نصاباً أم لا؟! ولا يعتبر بلوغ المجموع حدّ النصاب.

والعكس بالعكس فلو كان الكنز قد بلغ نصاباً ولكن حصة كل فرد من هذا الكنز لم تبلغ مقدار النصاب، فحينئذٍ نلتزم بوجوب تخميس الكنز ولا نقول: أنه لا يجب على كل فرد أن يخمس لأن نصيبه لم يبلغ مقدار النصاب، فالصحيح ما ذهب إليه صاحب العروة في المسألة العشرين إذ قال: <إذا اشترك جماعةٌ في كنز، فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصاباً وإن لم تكن حصة كل واحدٍ بقدره> وهذا ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ ره ـ في كتابه[8] ووافقه شيخنا الأستاذ الداوري في كتابه[9] ، وهو الصحيح إذ هو مقتضى ظاهر الأدلة.

خلافاً لشيخنا الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي[10] ، وخلافاً للشيخ جعفر السبحاني[11] إذ مالا إلى أن الخمس والنصاب إنما يلحظ بلحاظ حصة كل فردٍ لا بلحاظ نفس الكنز.

قال الشيخ السبحاني ما نصّه:

<إن الظاهر من لسان الأدلة وإن كان هو تعلق الخمس بالكنز ولكنه ضريبة على منافع الإنسان من هذه الطريق ومقتضى الاعتبار العرفي هو بلوغ منافع كل إنسان من هذا الطريق الحدّ المضروب والنصاب المعتبر، وبذلك يعلم عدم تمامية ما يقال: إطلاق الدليل يقتضي اعتبار النصاب في نفس الكنز لا في الحصة الواصلة إلى الواجد>[12] هذا عين كلام السيد الخوئي، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي والشيخ جعفر السبحاني في هاتين المسألتين (التاسعة عشر، والعشرين) كانا قد لاحظا كلام السيد الخوئي ـ ره ـ .

ومن الواضح أن هذا الاستظهار لا يساعد عليه العرف، فإذا رجعنا إلى روايات وجوب تخميس الكنز من الواضح أنها ناظرة إلى نفس الكنز، الكنز إذا بلغ عشرين ديناراً ففيه الخمس، نفس الكنز، ذات الكنز، وليس حصة الفرد من الكنز.

إذاً الموضوع واضح في الروايات الشريفة والصحيح ما ذهب إليه السيد الماتن في العروة الوثقى، ووافقه سيد أساتذتنا السيد الخوئي، وشيخنا الأستاذ الداوري، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الثالث من وجوب الخمس، الأول غنائم دار الحرب، الثاني المعادن، الثالث الكنز، ويبقى الكلام في الدرس القادم إن شاء الله نشرع في الرابع من موارد وجوب الخمس الغوص، يأتي عليه الكلام.

 


[1] الوسائل، ج6، الباب5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
[2] الوسائل، ج6، الباب4، من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
[3] أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال، ص178.
[4] الخمس في الشريعة الإسلامية الغراء، ص172.
[5] مستند العروة الوثقى، ص106.
[6] الخمس في فقه أهل البيت، الشيخ مسلم الداوري، ج1، ص437.
[7] مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص37.
[8] مستند العروة الوثقى، ص106، .
[9] الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص438.
[10] أنوار الفقاهة، كتاب الخمس والأنفال، ص178، .
[11] الخمس في الشريعة الإسلامية الغراء، ص172.
[12] ص172.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo