< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/30

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثمانون: المورد الرابع الغوص

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى:

<الرابع: الغوص وهو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما>.

المورد الرابع من موارد وجوب الخمس الغوص، وهو عبارة عن إخراج الجواهر من البحر سواءً كانت معدناً كاللؤلؤ أو كانت نباتاً كاليسر والمرجان، فمسباح اليسر يأخذ من نبات ينب في قعر البحر، ولا شكّ ولا ريب في وجوب تخميس الغوص، بل دعوى التسالم على وجوب تخميس الغوص ليست ببعيدة، بل إدعى غير واحدٍ الإجماع على وجوب تخميس الغوص كـظاهر الانتصار[1] للشريف المرتضى، والتذكرة[2] للعلامة الحلي، وصريح الغنية[3] للسيد حمزة بن علي ابن زهرة الحلبي، والعلامة في المنتهى[4] .

ولنتطرق أولاً إلى الأقوال في المسألة، وثانياً أدلة المسألة، وثالثاً نتطرق إلى عدة مباحث تباعاً.

أولاً الأقوال في المسألة

والمهم فيها كلمات القدماء، وسنتطرق إلى بعض كلماتهم كما يلي:

الأول: قال الشيخ الطوسي في النهاية ما نصّه:

<ويجب أيضاً الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص> إلى أن قال: <والغوص لا يجب فيه الخمس إلا إذا بلغت قيمته ديناراً>[5] .

الثاني: قال سلار في المراسم في عداد ما يجب فيه الخمس ما نصّه:

<والمعادن والكنوز والغوص والعنبر>[6] .

الثالث: قال القاضي ابن البراج في المهذب في عداد ما يجب فيه الخمس ما نصّه:

<والنفط والقير والغوص>[7] .

الرابع: قال يحيى بن سعيد الحلي في الجامع ما نصّه:

<وفي العنبر والغوص>[8] .

الخامس: قال المحقق الحلي في الشرائع ما نصّه:

<كل ما يخرج من البحر بالغوص كـالجواهر والدرر بشرط أن تبلغ قيمته ديناراً فصاعداً>[9] .

السادس: قال العلامة الحلي في المنتهى ـ طبعاً العلامة يعد من المتأخرين وكـذلك خاله المحقق صاحب الشرائع، بداية عهد المتأخرين ـ قال العلامة في المنتى ما نصّه:

<الغوص وكل ما يستخرج من البحر كـاللؤلؤ والمرجان والعنبر وغير ذلك يجب فيه الخمس>[10] .

هذا تمام الكلام في الأمر الأول، أقوال الفقهاء في المسألة.

الأمر الثاني: الأدلة التي استدل بها على وجوب تخميس الغوص

الأول يمكن الاستدلال بالآية الشريفة، قال تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة)، ومن الواضح أن الغوص يصدق عليه أنه غنيمة.

الثاني الاستدلال بالروايات، وهي عدة روايات، نقتصر على ذكر سبعة منها، ويمكن تصحيح الروايات الأربعة الأول لكن الروايات الثلاث الأخر ضعيفة السند، والروايات كما يلي:

الرواية الأولى صحيحة الحلبي، قال: <سألت عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال ـ عليه السلام ـ : عليه الخمس>[11] .

وهذه الرواية واضحة الدلالة على وجوب تخميس الغوص، وهي صحيحة السند، وهي العمدة في الروايات، حتى أن صاحب المدارك اقتصر على خصوص صحيحة الحلبي لأن سندها أعلائي وصاحب المدارك يبني على حجية خبر العدل الإمامي.

الرواية الثانية صحيحة بن أبي عمير عن غير واحدٍ عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ ، قال: <الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن، والغوص>[12] .

وهذه الرواية واضحة الدلالة ولكن من حيث السند ورد فيها هذا التعبير، وهو قوله: <عن غير واحدٍ> وهذا لا يفيد الإرسال بل يدل على أن هذه الرواية مشهورة ومتداولة لدرجة أنه لا حاجة إلى ذكر الواسطة لأنه قد رواها أكثر من واحد فهذه الرواية معروفة رواها أكثر من واحد، فهي مسندة وإن لم يصرح فيها باسم الراوي.

هذا ما ذهب إليه السيد الخوئي[13] ـ ره ـ، وأيضاً ذهب إليه أستاذنا الشيخ الداوري[14] ، وهو صحيحٌ.

تارةً يقول ابن أبي عمير: <عن رجلٍ عمن حدثني> هنا يحصل إرسال، وأما إذا قال: <عن غير واحدٍ> هذا لا يفيد الإرسال.

ولو تنزلنا، وقلنا: أنها مرسلة. فإننا نبني على صحة مبنى مراسيل الثلاثة، وهم: <محمد بن أبي عمير، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وصفوان بن يحيى بياع السابري> فهؤلاء الثلاثة لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة كما ذكر ذلك الشيخ الطوسي ـ رض ـ في كتاب العدة في الأصول، وشيخنا الأستاذ الداوري يبني على هذا المبنى، والسيد الشهيد الصدر يبنى على هذا المبنى، إلا أن السيد الخوئي لا يبني على هذا المبنى، ونحن نبني عليه وبحثناه في المباحث الرجالية.

الرواية الثانية صحيحة عمار بن مروان، قال: <سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام، يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز الخمس>[15] .

والرواية واضحة وصريحة من جهة الدلالة، لكن لم يصرح فيها بالغوص بلفظه إلا في قوله ـ عليه السلام ـ : <فيما يخرج من المعادن والبحر> دلالة على الغوص.

وأما سند الرواية:

فقد تقدم الحديث فيه، واستظهرنا أن المراد بـ <عمار بن مروان> هو اليشكري الثقة صاحب كتاب من أصحاب الصادق ـ عليه السلام ـ وليس البكري الذي لم يرد فيه توثيق.

وفي تمييز المشتركات، إذا جاءنا عنوان مشترك ولم نشخصه فإنه ينصرف للأشهر والأشهر في هذه الطبقة هو اليشكوري الثقة، فتكون الرواية صحيحة.

الرواية الرابعة مصححة البزنطي عن محمد بن علي عن أبي الحسن ـ عليه السلام ـ قال: <سألته عما يخرج من البحر، من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة، ما فيه؟

فقال: إذا بلغ ثمنه ديناراً ففيه الخمس>[16] .

والرواية واضحة الدلالة لكن من حيث السند نجد أن محمد بن علي بن أبي عبد الله لم يرد فيه توثيق، ولكن يمكن القول بوثاقته لرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عنه كـما في هذه الرواية، ورواية البزنطي عنه أمارة الوثاقة، ونحن نبي على أن الثلاثة لا يبنون ولا يرسلون إلا عن ثقة، فيمكن تصحيح هذه الرواية.

لذلك عبرنا مصححة، الشيخ الداوري عبر رواية محمد بن علي، السيد محسن الحكيم في المستمسك عبر مصححة البزنطي، إذاً هذه الرواية يمكن تصحيحها.

إذاً اتضح أن هذه الروايات الأربع، الرواية الأولى سندها صحيحٌ أعلائي، السند الأعلائي الذي فيه عظماء الطائفة وقلة وسائط، كلما قلت الوسائط وكان في عظماء مثل: زرارة ومحمد بن مسلم، الحلبي، يكون السند صحيح أعلائي.

الرواية الأولى صحيحة الحلبي لا غبار عليها، وهي وحدها ثابتة عند صاحب المدارك دون بقية الروايات، بقية الروايات يمكن الخدشة فيها.

الرواية الثانية صحيحة ابن أبي عمير يمكن الخدشة فيها من حيث التعبير <عن غير واحدٍ> فيقال: إنها مرسلة، لكننا نبني على أنها غير مرسلة.

الرواية الثالثة رواية عمار بن مروان هذا من المشتركات فإذا لم نرجح أنه اليشكري تصير الرواية ضعيفة.

الرواية الرابعة رواية محمد بن علي لم يرد فيه توثيق، فإذا لم نبني على صحة مراسيل الثلاثة وأنهم لا يرون إلا عن ثقة لا يمكن تصحيح هذه الرواية.

إذا هذه الروايات الأربعة صحيحة بنظرنا وصحيحة بنظر شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ لكنها لا تصح على بعض المباني فالرواية الرابعة لا تصح على مبنى السيد الخوئي لأنه لا يقبل المراسيل الثلاثة فعلى مبنى السيد الخوئي يمكن تصحيح الروايات الثلاث الأول دون الرابعة.

الرواية الخامسة مرسلة حماد بن عيسى غريق الجحفة عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح ـ عليه السلام ـ الإمام الكاظم، قال: <الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة>[17] .

هذه الرواية تامة الدلالة وواضحة إلا أنها ضعيفة السند بالإرسال، فقد جاء فيها <عن بعض أصحابنا>، لكن يمكن تصحيحها بناءً على مبنى أصحاب الإجماع، وهو ما ذكره الكشي من دعوى الإجماع حيث قال: <أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء، ستة من الأوائل: وهم أصحاب الإمام الباقر والصادق ـ عليهم السلام ـ> مثل: زرارة ومحمد بن مسلم، <ستة من الأواسط: وهم أحداث أصحاب الإمام الصادق> يعني الشباب الذين أدركوا الصادق ولم يدركوا الباقر، <وستة من الأواخر: أصحاب الإمام الكاظم والرضا> مثل: حماد بن عيسى غريق الجحفة، حماد بن عثمان.

هذه الرواية رواية حماد بن عيسى غريق الجحفة يرويها عن الإمام الصادق، فبناءً على كبرى حجية أصحاب الإجماع، يعني كل من روى عنه أصحاب الإجماع الثمانية عشر فهو ثقة، وحماد بن عيسى من أصحاب الإمام الكاظم والرضا.

لكننا لا نبني على هذا المبنى فهذه الرواية ضعيفة السند عندنا، كذلك السيد الخوئي لا يبني على هذا المبنى، شيخنا الأستاذ الداروي يبني على مبنى أصحاب الإجماع فتكون هذه الرواية تامة السند عنده، كما نصّ على ذلك[18] ، قال:

<وهي وإن كانت واضحة الدلالة إلا أنها ضعيفة السند بالإرسال، ويمكن القول باعتبارها حيث إن حماد بن عيسى من أصحاب الإجماع فيحكم بصحة ما رواه كما استظهرناه في محله>.

الرواية السادسة مرسلة البزنطي، مرسلة أحمد بن محمد، قال: حدثنا بعض أصحابنا، رفع الحديث، قال: <الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه>[19] .

هذه الرواية تامة الدلالة إلا أن فيها ثلاثة مشاكل:

الأولى ضعيفة بالإرسال.

الثانية الرفع.

الثالث الإضمار.

قال، من الذي قال؟! لم ينصّ على من الذي قال، فهي مرسلة ونصّ على أنها مرفوعة ومضمرة.

الرواية السابعة والأخيرة ما نقله السيد المرتضى عن تفسير النعماني بإسناده ـ النعماني ـ عن علي ـ عليه السلام ـ ، قال: <وأما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها، فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه> إلى أن يقول: <والخمس يخرج من أربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص>[20] .

هذه الرواية تامة الدلالة ولكن من حيث السند ضعيفة لضعف الطريق إلى تفسير النعماني فلم يصل إلينا بطريقٍ صحيح، وقد بحثنا في مباحثنا الرجلية، ويمكن مراجعة كتاب[21] شيخنا الأستاذ الداوري.

النتيجة النهائية:

توجد سبع روايات، الروايات الأربعة الأولى معتبرة بنظرنا، والروايات الثلاث الأخرى ضعيفة، فهي مؤيدة وليست دليلاً، فأصل الحكم وهو وجوب تخميس الغوص لا إشكال فيه.

وفي ختام عرض هذه الروايات لا بأس بالإشارة إلى العناوين التي وردت فيها، فقد وردت فيها خمسة عناوين، ستفيدنا في المباحث التالية:

العنوان الأول الغوص[22] .

العنوان الثاني غوص اللؤلؤ[23] .

العنوان الثالث ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد[24] .

العنوان الرابع العنبر[25] .

العنوان الخامس والأخير ما يُخرَج من البحر[26] .

إذا فرقٌ بين عنوان الغوص وبين عنوان ما يخرج من البحر، هذان عنونان بينهما عمومٌ وخصوص من وجه، فقد يحصل غوص ولا يخرج شيء من البحر، وقد يخرج شيء من البحر بواسطة آلة تصل إلى قعر البحر من دون غوص، وقد يخرج شيء كاللؤلؤ بواسطة الغوص فيصدق على اللؤلؤ أنه غوصٌ وأنه قد أخرج من البحر.

هذا تمام الكلام في الأمر الثاني الروايات والأدلة.

الأمر الثالث عدة مباحث في بيان العموم والخصوص في الحكم، بيان موضوع الحكم، إن شاء الله نتطرق إلى عدة مباحث في الغوص تباعاً.

 


[1] الانتصار، الشريف المرتضى، ص225، المسألة 114.
[2] تذكرة الفقهاء، ج5، ص419.
[3] غنية النزوع في علمي الأصول والفروع، ج2، ص129.
[4] منتهى المطلب، ج8، ص534.
[5] النهاية، ص197 و 198.
[6] المراسم، ص139.
[7] المهذب، ج1، ص177.
[8] الجامع للشرائع، ص148.
[9] شرائع الإسلام، ج1، ص180.
[10] منتهى المطلب، ج1، ص547.
[11] الكافي، الكليني، ج1، ص628، كتاب الحجة، الباب187، الحديث 28.تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص107، الحديث 354.ورواها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج9، ص498، الباب7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
[12] وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج9، ص494، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
[13] مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص108.
[14] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص439.
[15] وسائل الشيعة، ج9، ص494، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[16] الكافي، الكليني، ج1، ص627، كتاب الحجة، الباب187، الحديث 21.ورواها الصدوق في من لا يحضره الفقيه، ج2، ص39، الحديث 1646.ورواها الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج4، ص108، الحديث 355.ونقلها الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص493، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5، مع اختلاف يسير.
[17] الكافي، الكليني، ج1، ص619، كتاب الحجة، الباب187، الحديث 4.رواها الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج4، ص112، الحديث 365، مع اختلاف يسير.نقلها الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص487، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.ه.
[18] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص440.
[19] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص111، الحديث 363.نقلها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج9، ص489، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11.
[20] وسائل الشيعة، ج9، ص489، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.
[21] أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق.
[22] ورد في وسائل الشيعة، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب2، الحديث 4 و 9 و 11، وأيضاً الباب3، الحديث 7.
[23] الوسائل، الباب7، الحديث 1.
[24] الوسائل، الباب7، الحديث 2.
[25] الوسائل، الباب7، الحديث 1.
[26] الوسائل، الباب13، الحديث 6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo