< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السادس والثمانون: المسألة السادسة إخراج حيوانٍ بالغوص كان في بطنه جوهر

قال السيد ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة ثلاثة وعشرين:

<إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء من الجواهر فإن كان معتاداً وجب فيه الخمس، وإن كان من باب الاتفاق بأن يكون بلع شيئاً اتفاقاً فالظاهر عدم وجوبه وإن كان أحوط>.

تطرقت المسألة الثالثة والعشرون إلى صورة ما إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء من الجواهر، فهل يجب فيه الخمس أو لا؟

وقد فصل السيد الماتن ـ رحمه الله ـ بين صورتين:

الصورة الأولى إذا كان معتاداً كالصدف الذي يوجد في بطنه اللؤلؤ، فاللؤلؤ يتكون في بطن الصدف وقد حاز الصدف، فيجب حينئذ الخمس لصدق عنوان الغوص فهو قد حاز الصدف لكي يحوز اللؤلؤ الموجود في بطن تلك الصدفة.

الصورة الثانية إذا لم يكن متعارفاً بل كان الأمر من باب الصدفة والاتفاق، كما لو حاز سمكة ففتق بطنها، فوجد فيه لؤلؤة، فحينئذٍ لا يجب خمس من باب عنوان الغوص لعدم صدق عنوان الغوص المتعارف عليه، وإطلاقات أدلة وجوب الخمس في الغوص منصرفة عن مثل هذا المورد الاتفاقي.

نعم، يجب الخمس من بعض أرباح المكاسب ومطلق الفائدة، ويكون حالها حال ما لو وجدها خارج الماء كما لو اشترى سمكة من السوق ووجد في جوفها ذهباً أو لؤلؤاً أو زبرجداً فإنه يجب عليه تخميسه من باب مطلق الفائدة بعد استثناء المؤونة.

ولكن توجد صورة لم تذكر في المسألة ثلاثة وعشرين: وهي فيما لو علم أن الجوهر موجودٌ في جوف السمكة أو الشيء الذي لم يتعارف أن يكون حاضناً للجوهر، وقصد حيازة السمكة أو الصندوق أو الشيء الذي تضمن الجوهر، ففي هذه الصورة لا شكّ ولا ريبّ أنه يصدق عليه عنوان الغوص وما أخذ بالغوص فيجب عليه الخمس حينئذ.

ففرق بين أن يحوز سمكة وهو لا يدري أن في جوفها لؤلؤة وقد بلعت اللؤلؤ اتفاقاً فحيازة مثل هذه السمكة داخل البحار لا يصدق عليه عنوان ما أخرج بالغوص.

وتارة رأى السمكة وهي تبتلع اللؤلؤ والصدف هو أراد أن يحوز اللؤلؤ والأصداف فجاءت سمكة وحازتها فحاز الحائز، ففي هذه الحالة يصدق عليه أنه عنوان ما أخرج من البحر بالغوص والله العالم.

المسألة السابعة حكم الأنهار العظيمة

قال السيد محمد كاظم اليزدي المسألة أربعة وعشرين الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج بالغوص إذا فرض تكون الجوهر فيها كالبحر.

تطرق السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ إلى حكم الأنهار الكبيرة والعظيمة التي حكمها حكم البحر، وهذا يبتني على القول بإلغاء كلا العنوانين:

أولاً عنوان ما أخرج بالغوص.

ثانياً عنوان ما أخرج من البحر.

فبناءً على إلغاء كلا العنوانين فالحكم واضح فإذا قلنا بالمبنى الذي نلتزم وهو وجوب الخمس في الجوهر الذي أخرج من قعر الماء ففي هذه الحالة يصدق على الجوهر المستخرج من النيل أو الفرات أو دجلة أو غيرها من الأنهار العظيمة والكبيرة أنها جواهر أخرجت من قعر المياه.

واما بناء على الأخذ بكلا العنوانين مستقلاً كما عليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أو إلى الأخذ بكلا العنوانين معاً كما عليه الفقيه الهمداني أو الأخذ بأحدهما فقط إما خصوص عنوان الغوص كما عليه السيد الحكيم في المستمسك أو خصوص عنوان ما أخرج من البحر كما عليه شيخنا الأستاذ الداوري، فقد يستشكل في إلحاق الأنهار الكبيرة بما أخرج من البحر، وقد يذكر وجهان للإستشكال[1] .

الوجه الأول للإستشكال من جهة القول بعدم صدق عنوان البحر على الأنهار جزماً فهي أنهار وليست بحار.

الثاني من جهة أن عنوان الغوص المعتبر إنما ينصرف إلى خصوص الغوص من البحر ولا يشمل الغوص من النهر فعادة يغاص في البحار لأن الجواهر موجودة في قاعها وأما الأنهار فعادة لا تكون غزيرة وتنبت فيها الأشياء كالبحار بحيث يغاص فيها.

والصحيح عدم تمامية كلا الإشكالين والوجهين، وذلك لأن البحر كما يطلق على البحر الخارجي يطلق أيضاً على الأنهار العظيمة في اللغة والعرف معاً، وقد ورد في الآيات الكريمة قال تعالى: <وما يستوي البحران هذا عذبٌ فرات سائغٌ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها>[2] .

وقال أيضاً تبارك وتعالى في سورة الرحمن: <مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان> فعبر عن الماء المالح بالبحر وعن الماء العذب بالبحر أيضاً وأن بينهما برزخ لا يبغيان، والآية الأولى في إطلاق عنوان البحر على سائل العذب الفرات الذي يسوغ شرابه،وهكذا لو رجعنا إلى الرواية فلا وجه لاختصاصه بغير الأنهار.

إذا الوجه الأول ليس بتام كذلك الوجه الثاني ليس بتام فلا وجه لانصراف عنوان الغوص إلى خصوص البحر دون النهر، فلو فرض تكون الجواهر واللآلئ والأمور الثمينة كالشعب المرجانية في الأنهار فإنه يغاص لها.

فقد تعارف الناس على الغوص في الأنهار كما تعارفوا على الغوص في البحار[3] .

المسألة الثامنة إخراج متاع غارق

قال السيد محمد كاظم اليزدي مسألة خمسة وعشرين:

<إذا غرق شيء في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه الغواص ملكه ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى وإن كان من مثل اللؤلؤ والمرجان لكن الأحوط إجراء حكمه عليه>.

هذه المسألة تطرقت إلى هذا الفرض وهو أنه إذا غرق متاع في البحر وأعرض عنه صاحبه إما اختياراً أو قهراً ليأسه من الحصول عليه فأخرجه الغائص فإن الغائص يملكه ولا يجب فيه الخمس.

ففي هذه المسألة حكمان:

الحكم الأول ملكية الغائص لما حازه.

الحكم الثاني عدم وجوب الخمس فيه من جهة الغوص.

أما الحكم الأول وهو ملكية الغائص لما حازه فقد دلت عليه روايتا السكوني وهما:

الرواية الأولى ما رواه الكليني بسنده عن السكني عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديثٍ عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ حديث طويل، قال: <واذا غرقت السفينة وما فيها فا الناس فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحق به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم>[4] .

هذه الرواية الأولى ذكر فيها قيد وهو أن مالك المال قد أعرض عنه، يقول: <وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم> ورد فيها أن صاحب الملك تركه، إذاً الرواية الأولى للسكوني مقيدة بأن صاحب المال قد تركه وأعرض عنه الرواية الثانية مطلقة لم يذكر فيها هذا القيد.

الرواية الثانية ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده عن الشعيري وهو السكوني، قال: <سئل أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ عن سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها. فقال: أما ما أخرجه البحر فهو لأهله الله أخرجه، وأما ما أخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به>[5] .

والفرق بين الروايتين: أن الرواية الأولى قيد فيها ملك الغائص بترك صاحبه له وهو معنى الإعراض عنه، وهذا موافق لمقتضى القاعدة وعليه مذهب المشهور من أن الإعراض سببٌ لقطع علاقة الملكية بين المالك وملكه بين المال وصاحبه فليس بمجرد التلاف يحكم بإلغاء الملكية. نعم، لو ضاع منه وأعرض عنه فمجرد الضياع لا يوجب قطع علاقة الملكية بين المال وصاحبه فما دام المال باقياً ولم يتلف ولم يفنى فصاحبه أحق به ما لم يعرض عنه.

إذا الرواية الأولى موافقة لمقتضى القاعدة.

وأما الرواية الثانية فهي مطلقة من هذه الجهة فتدل على أن المال للغائص مطلقاً سواءً أعرض عنه صاحبه أو لا? فيكون مجرد الغرق في حكم التلف تلفت عين المال أو لم تتلف مجرد الغرق في حكم التلف وهو موجب لسلب الملكية عن صاحبه.

ولكن الكلام في سند الرواية الثانية فالرواية الأولى صحيحة السند بل هي موثقة السكونة فهي معتبرة وقد رويت في ثلاثة من الكتب الأربعة: الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، وتهذيب الأحكام للشيخ الطوسي لكن الرواية الثانية قابلة للمناقشة في السند فإن الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ نقلها من كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري هذا الكتاب المعروف بدبة شبيب.

وهذا كافٍ في اعتبارها واعتبار سندها.

ولذا فإن أمية بن عامر الواقع في سندها وكذا منصور بن العباس وإن لم يرد فيهما توثيق إلا أنهما حيث وقعا في نوادر الحكمة يحكم بوثاقتهما على ما حققناه في دورتنا تحقيق المباني الرجالية، وذهب إليه شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[6] .

ولكن الإشكال في من روى عنه صاحب نوادر الحكمة وهو أبو عبد الله فإن كان هو البرقي صاحب المحاسن فالرواية معتبرة وإن كان هو الرازي الجاموراني كما هو الظاهر، والجامراني ممن استثناه ابن الوليد فيحكم بضعفه لأن محمد بن الحسن بن الوليد قد استثناه وقد سار على استثنائه تلميذه الصدوق ثم جاء السيرافي ووافقهما.

فحينئذ كيف نقل الشيخ هذه الرواية من دون أن يشير إلى ضعف سندها؟!

الآن مع غض النظر عن المناقشة في ضعف سند الرواية الثانية مقتضى الجمع بين الرواية الأولى والثانية على فرض اعتبار سند الرواية الثانية هو حمل المطلق على المقيد والأخذ بنتيجة الرواية الأولى يعني لا يحكم بمجرد الغرق وإنما الغرق مع إعراض صاحب المال عن ماله.

هذا تمام الكلام في الحكم الأول ملكية الغائص.

الحكم الثاني عدم وجوب الخمس فيه من جهة الغوص وذلك لإنصراف العنواني وهما عنوان الغوص وعنوان ما يخرج من البحر إلى خصوص ما يتكون داخل البحر، وأما ما وقع داخل البحر كانكسار السفينة فما وقع في البحر من الخارج لا يكون مشمولاً لعنوان الغوص وعنوان ما أخرج من البحر.

نعم، قد يقال: لو كان من سنخ اللؤلؤ والمرجان والأمور التي تكونت داخل البحر كما لو كان سفينة الغوص حازت اللؤلؤ والمرجان والزبرجد وانكسرت في البحر ثم جاء شخص وأخرج الذي كان في السفينة هنا لا يبعد شمول عنوان الغوص وعنوان ما أخرج من البحر على ذلك، وذلك لعدم تقييد عنوان الغوص وعنوان ما يخرج من البحر بما إذا كان الأخذ من البحر ابتدائياً، وبما إذا كان الغوص ابتدائياً فما أخرج من البحر وأعيد فيه يجري عليه حكم الغوص، والله العالم.

المسألة التاسعة إخراج معدن بالغوص

المسألة ستة وعشرين: <إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرَج منه إلا بالغوص فلا إشكال في تعلق الخمس به لكنه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص؟ وجهان والأظهر الثاني>.

هذه المسألة التاسعة تتطرق إلى حكم إخراج معدن بالغوص فيشمله كلا العنوانين: عنوان المعدن والنصاب فيه عشرين دينار، وعنوان الغوص والنصاب فيه دينار واحد.

فإذا فرض معدن في قعر البحر كالعقيق والياقوت وأخرج بالغوص فهل يدخل تحت عنوان الغوص? أو يدخل تحت عنوان المعدن؟ أو يدخل تحت كلا العنوانين؟

الظاهر أنه يدخل تحت عنوان الغوص، وذلك لوجهين:

الوجه الأول من جهة إطلاق ما يخرج من البحر أو ما يخرج بالغوص، وهذا صادق عليه فإنه شاملٌ له بلا فرق بين أن يكون معدناً أو غير معدن.

قد يقال: هذا ينصرف إلى خصوص اللؤلؤ المتعارف.

لكننا نقول: هذه الدعوة بلا وجهٍ بل يدل على ما ذكرنا معتبر محمد بن علي بن أبي عبد الله الواردة في أن الياقوت والزبرجد إذا أخرج من البحر وجب فيها خمس الغوص مع أنهما من سنخ المعاد،ن وقد نصت عليهما المعتبرة[7] .

الوجه الثاني إن أدلة المعادن ظاهرة فيما إذا أخرجت من البحر كمعتبرت عمار بن مروان[8] . فيصدق على ما يخرج من المعادن والبحر، وكذلك معتبرة ابن أبي عمير[9] تدل على أن الخمس على خمسة أشياء منها: المعادن والغوص وغيرهما بقرينة المقابلة يستفاد منها صدق عنوان الغوص أيضاً.

ولو تنزلنا وسلمنا جدلاً، وقلنا: بأنه لا يدخل تحت عنوان خصوص الغوص لكن على الأقل يدخل تحت كلا العنوانين يصدق عليه معدن ويصدق عليه أنه غوص فيحكم فيه بوجوب خمس الغوص، وذلك لعدم التنافي يمكن أن يصدق كلا العنوان، من جهة أنه غوص يعتبر فيه دينار واحد، ومن جهة أنه معدن يعتبر فيه النصاب عشرين دينار.

والأول لا ينفي الثاني يعني إذا تحقق مقدار نصاب دينار وثبت الخمس من جهة عنوان الغوص، هذا لا ينفي وجوب الخمس من جهة أخرى كعنوان مطلق الفائدة أو عنوان المعدن فهذا من قبيل عدم وجود الاقتضاء فيه لنفي الآخر فلا يزاحم ما فيه الاقتضاء.

هذا تمام الكلام في المسألة السادسة والعشرين وحسب ترتيب الشيخ الداوري ـ حفظه الله ـ تصير المسألة التاسعة إخراج معدن بالغوص.

المسألة العاشرة إخراج العنبر من سطح الماء أو الساحل هذه مسألة مهمة.

المسألة سبعة وعشرين من العروة الوثقى العنبر إذا أخرج بالغوص جرى عليه حكمه يأتي عليه الكلام.


[1] مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، الذي تأمل في المسألة، ج9، ص483 و 486.
[3] يراجع الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، ج17، ص28.
[4] الكافي، ج5، ص244، كتاب المعيشة، الباب145، الحديث 5.كتاب من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص256، الحديث 3930، وهو مرسلٌ.رواها أيضاً الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج7، ص197، الحديث 956، مع اختلافٍ يسير.رواها أيضاً الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج25، ص455، الباب11، من أبواب اللقطة، الحديث 1.
[5] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج6، ص256، الحديث 822.رواها الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج25، ص455، الباب11 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
[6] أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيقية، ج1، ص210.
[7] وسائل الشيعة، ج9، ص493، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
[8] وسائل الشيعة، ج9، ص494، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[9] وسائل الشيعة، ج9، ص494، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo