< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثامن والثمانون: الخامس من موارد الخمس المال الحلال المختلط بالحرام

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في كتاب العروة الوثقى المسألة السابعة والعشرون:

<الخامس المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه وبمقداره فيحل بإخراج خمسه>.

المال الحلال إذا اختلط بالمال الحرام له صور ثمان هي حصيلة أربع صور وكل من هذه الصور تتصور على وجهين.

الصورة الأولى أن لا يعلم بمقدار المال ولا بصاحب المال.

الصورة الثانية يعلم بمقدار المال ولا يعلم بصاحب المال.

الصورة الثالثة بالعكس يعلم بصاحب ولا يعلم بمقدار المال.

الصورة الرابعة يعلم بهما معاً في علم بمقدار المال ويعلم أيضاً بصاحب المال.

هذه صور أربع هذه الصور الأربع يتصور فيها وجهان:

الوجه الأول أن يكون المال موجوداً في الخارج.

الوجه الثاني أن يكون المال ثابتاً في الذمة.

أربع صور في وجهين، النتيجة: ثمان صور.

ويقع الكلام في هذه الصور الثمان ومورد بحثنا هو خصوص الصورة الأولى وهي إذا لم يعلم بمقدار المال ولم يعلم بصاحب المال، والبحث فيها يقع في جهتين:

الجهة الأولى حكم المال المختلط بالحرام.

الجهة الثانية مصرف خمس المال الحلال المختلط بالحرام.

ففي الجهة الأولى نبحث هل يجب تخميسه أم لا يجب تخميسه؟ وفي الجهة الثانية نبحث ما هو مصرفه سواء وجب تخميسه أو لم يجب تخميسه؟

الكلام في الجهة الأولى حكم المال الحلال المختلط بالحرام، وفيه قولان:

القول الأول وجوب تخميس المال المختلط بالحرام، وهو القول المشهور بين علمائنا، بل نسب هذا القول إلى أكثر علمائنا كما في منتهى المطلب للعلامة الحلي[1] بل نسب إلى إجماع علمائنا كما هو ظاهر الغنية[2] للسيد ابن زهرة.

ويمكن مراجعة كلمات علمائنا الكبار نذكر منهم ما يلي:

الأول الشيخ المفيد في المقنعة[3] .

الثاني أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه[4] .

الثالث الشيخ الطوسي في النهاية ونكتها[5] .

الرابع القاضي ابن البراج الطرابلسي في المهذب[6] .

الخامس السيد ابن زهرة في غنية النزوع[7] .

السادس ابن إدريس الحلي في السرائر[8] .

السابع المحقق الحلي في شرائع الإسلام[9] .

الثامن يحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع[10] .

التاسع العلامة الحلي في منتهى المطلب[11] ، قال: <ذكره أكثر علمائنا>.

ويمكن مراجعة نصّ هذه الأقوال إذ نقلها الشيخ جعفر السبحاني في كتابه[12] .

نعم، لم يتطرق إلى هذا المورد وهو وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام جمعٌ من علمائنا القدامى، وهم ابن أبي عقيل العماني وابن الجنيد الإسكافي هذان القديمان، سلار الديلمي، ابن حمزة، الكيدري فهؤلاء القدماء لم يتطرقوا إلى وجوب تخميس المال المختلط بالحرام.

هذا تمام الكلام في القول الأول المشهور المنصور الذي قد يدعى عليه الإجماع.

القول الثاني عدم وجوب تخميس المال المختلط بالحرام بل يكون من مجهول المالك ويجر عليه حكمه من وجوب التصدق به على الفقيه، وهو المنسوب إلى جماعة من القدماء كما ذكر ذلك الشيخ أحمد النراقي في مستند الشيعة[13] .

وتأمل فيه المحقق الآردبيلي[14] ، ومال إليه السيد محمد العاملي في مدارك الأحكام[15] ، ومال إليه أيضاً المحقق الشيخ محمد باقر السبزواري صاحب ذخيرة المعاد[16] ، وأيضاً قال به المحقق الشيخ أحمد النراقي[17] .

والصحيح هو القول الأول وجوب تخميس المال المختلط بالحرام.

ويمكن أن يستدل عليه بعدة روايات والعمدة فيها روايتان:

الأولى صحيحة عمار بن مروان والثانية موفقة السكوني، وقد استدل بهما السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى[18] وجعلهما في بداية الأدلة كما نصّ السيد أبو القاسم الخوئي على أن العمدة في الاستدلال على وجوب تخميس المال المختلط بالحرام هو معتبرة عمار بن مروان ومعتبرة السكوني، يمكن مراجعة الواضح في شرح العروة الوثقى تقرير الشيخ محمد الجواهري[19] ، وكتاب الخمس تقرير الرودباري[20] ، والمستند في شرح العروة الوثقى تقرير الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي[21] .

لنبدأ بهاتين الروايتين المعتبرتين ثم نذكر بقية الأدلة فيما بعد.

الرواية الأولى صحيحة عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول: <فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس>[22] .

هذه الرواية صحيحة السند، وإن عبر عنها السيد الحكيم بالمصححة، وعبر عنها السيد الخوئي والشيخ الداوري معتبرة، فهي معتبرة وصحيحة السند وواضحة الدلالة تكفي هذه الرواية.

الرواية الثانية موثقة السكونة عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: أتى رجلٌ أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فقال: إني كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عليّ.

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : <تصدق بخمس مالك فإن الله قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر لك حلال>[23] .

هذه الرواية تامة السند فهي معتبرة إلا أنها من جهة الدلالة قد يدعى أنها غير واضحة كما ادعى ذلك شيخنا الأستاذ الداوري[24] ، وسيتضح أنها واضحة لا غبار عليها إذ أن الإمام ـ عليه السلام ـ قال: <تصدق بخمس مالك> فقد يدعى أنها واضحة في وجوب التصدق، وأن مقدار الصدقة هو الخمس، وليست ظاهرةً في وجوب التخميس.

لكن لو رجعنا إلى كتاب من لا يحضره الفقيه فإننا نجد الصدوق قد أوردها بهذا النصّ <فأخرج خمس مالك>[25] .

فبناءً نقل الصدوق تكون الرواية ظاهرة في المطلوب.

نعم، بناءً على نقل الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في التهذيب قد يدعى أنها ليست ظاهر إذ ورد فيها تصدق بخمس مالك فإنه يحتمل أن يكون المراد بها وجوب الصدقة لا وجوب الخمس المصطلح، ويحتمل أن يراد بها وجوب الخمس المصطلح وحمل التصدق على خلاف المعنى المصطلح.

ويمكن أن يؤيد احتمال أن يراد بها وجوب الخمس لا وجوب الصدقة بل الخمس نحو من أنحاء التصدق كما أن الزكاة نحو من أنحاء التصدق فالصدقة في اللغة بمعنى الإحسان لذلك تصح الصدقة على الغني والفقير والمسلم والكافر معاً إذ أن الصدقة بمعنى الإحسان.

نعم، خصوص زكاة الفطرة لا تصح ولا يصح صرفها على الغني ويشترط في موردها الفقر لأنها صدقة مخصوصة، وهي خصوص الزكاة.

إذا نحمل لفظ الصدقة والتصدق على المعنى اللغوي ونحمل الخمس على المعنى المصطلح ويؤيد احتمال حمل الرواية على الخمس المصطلح لا على خصوص الصدقة أمران:

الأمر الأول ما ذكره شيخنا الأنصاري في كتاب الخمس[26] من أنه قيل قد ورد في كثير من الروايات إطلاق الصدقة على الخمس.

وأورد عليه سيد أساتذتنا السيد الخوئي بأنه لم تحظرنا رواية أطلق فيها التصدق على الخميس[27] .

وأورد عليه تلميذه الوفي شيخنا الأستاذ الدوري ـ حفظه الله ـ من أنه قد ورد في بعض الروايات إطلاق الصدقة على الخمس[28] ، وذكر عدة روايات:

الرواية الأولى رواية حماد بن عمر وأنس بن محمد عن أبيه جميعاً عن الصادق عن آبائه ـ عليهم السلام ـ في وصية النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لعلي ـ عليه السلام ـ ، قال: <يا علي! إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام> إلى أن قال: <ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به>[29] .

الرواية الثانية صحيحة علي بن مهزيار قال: كتب إلي أبو جعفر ـ عليه السلام ـ إلى أن قال: <وسأفسر لك بعضه ـ إن شاء الله ـ إن موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن اطهرهم وازكيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا، قال الله تعالى: ﴿خذّ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم﴾>[30] فإن الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ طبق آية الصدقة على وجوب الخمس.

الرواية الثالثة رواية الحسين بن محمد بن عامر بإسناده رفعه قال قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : <من زعم أن الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال الله عزّ وجل: ﴿خذّ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾>[31] .

ومن الواضح أن إمام المعصوم ـ عليه السلام ـ لا يأخذ الصدقة فإنها محرمة على بني هاشم وإنما يأخذ الخمس، وأطلق على ما يأخذه أنه صدقة.

فهذه الروايات تدل على أن الصدقة قد تطلق على مطلق الخمس فما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري تامٌ لا غبار عليه.

هذا تمام الكلام في الأمر الأول الذي يؤيد حمل الرواية على وجوب التخميس لا خصوص الصدقة.

الأمر الثاني التمسك بما ورد في ذيل الرواية من قوله ـ عليه السلام ـ : <فإن الله رضي من الأشياء بالخمس>[32] .

فإن المراد الخمس المصطلح، وهذا يؤيد أن المراد بالتصدق هو الخمس.

ومن الغريب أن شيخنا الأستاذ الداوري بعد أن ذكر الأمر الأول والثاني قال: <ولكن مع ذلك فالرواية ليست بواضحة وسيأتي الكلام فيها>.

ومن العجب العجاب أن السيد الخوئي الذي ناقش في الأمر الأول وقال: <غير واضحة في خصوص الخمس المصطلح> كانت النتيجة أن هذه الرواية هي العمدة في الاستدلال على وجوب الخمس ـ وإن عشت أراك الدهر عجبا ـ .

هذا تمام الكلام في الاستدلال على وجوب تخميس المال المختلط بالحرام، وقد ذكرنا روايتين: الأولى رواية أو صحيحة عمار بن مروان، والثانية موثقة السكوني.

الرواية الثالثة يأتي عليها الكلام.

 


[1] ج8، ص541.
[2] غنية النزوع، ج2، ص129.
[3] ص288، كتاب الزيادات من الزكاة.
[4] ص170.
[5] ص197، باب الخمس من كتاب الزكاة.
[6] ج1، ص178.
[7] ج2، ص129.
[8] ج1، ص487.
[9] ج1، ص181.
[10] ص148.
[11] ج1، ص548.
[12] الخمس في الشريعة الإسلامية الغراء، ص188 و 189.
[13] ج10، ص39.
[14] مجمع الفائدة والبرهان، ج4، ص320 إلى 322.
[15] ج5، ص387 إلى 389.
[16] ص484.
[17] مستند الشيعة، ج10، ص39.
[18] ج9، ص489.
[19] ج6، ص147.
[20] ص192.
[21] ج22، من موسوعة السيد الخوئي، ص127.
[22] وسائل الشيعة، ج9، ص494، الباب3 ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[23] فروع الكافي، ثقة الإسلام الكليني، ج5، ص125، كتاب المعيشة، الباب73، الحديث 5.من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج5، ص189، الحديث 3716، مع اختلاف يسير.تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، ج6، ص320، الحديث 1065.ونقل عنهم الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج9، ص506، الباب10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4، مع اختلاف يسير.
[24] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص481.
[25] من لا يحضره الفقيه، ج3، ص117، باب الدين والقروض، الحديث 35.
[26] ص108.
[27] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص128.
[28] الخمس في فقه أهل البيت، الشيخ مسلم الداوري، ج1، ص482.
[29] وسائل الشيعة، ج9، ص496، الباب5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
[30] وسائل الشيعة، ج9، ص501، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
[31] الكافي، الكليني، ج1، ص616، كتاب الحجة، الباب186، الحديث 1.جامع أحاديث الشيعة، للمعزي، بأمر البروجردي، ج8، ص588، الباب5 من أبواب من يستحق الخمس ومن لا يستحق، الحديث 1.
[32] وسائل الشيعة، ج9، ص506، الباب10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo