< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السادس والتسعون: القول الثالث يوجد تعارض بين القاعدتين وترجح قاعدة القرعة على قاعدة العدل والإنصاف

 

وهذا الرأي صريح كلام المحقق الآشتياني[1] ، حيث قال ما نصّه:

<إن الأخبار الواردة في الرجوع إلى القرعة كثيرة، كما أن الأخبار الدالة على التنصيف في صورة تعارض البينتين أيضاً كثيرة، وكل منهما على قسمين:

أحدهما الدالة على الرجوع إلى القرعة أو التنصيف مطلقاً.

والثاني الدالة على الرجوع إليها أو إلى التنصيف بعد الحل.

فالأخبار الواردة بأسرها بين أربع طوائف>[2] .

ثم ذكر الرواية إلى أن قال:

<فبعد طرح هذا الخبر تصير النسبة بين أخبار التنصيف والقرعة التباين الكلي، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجحات السندية والمضمونية على القول به، فإذاً نقول: إن الترجيح مع أخبار القرعة، لكونها أصح سنداً ومعمولاً بها عند المشهور، وموافقةً للإجماع المنقول عن الغنية.

وأما أخبار التنصيف فلم نجد من عمل بها إلا الشيخ ـ رحمه الله ـ في بعض الصور>[3] .

إلى قال ـ قدس سره ـ :

<وأما لو كان من جهة الاختلاف في دلالة الأخبار وكون المراد منها أي شيء> إلى أن قال: <فيكون الحكم بعد التكافؤ أيضاً الأخذ بالقرعة لعموماتها>[4] .

ومن الواضح أن كلام المحقق الآشتياني صريحٌ جداً في أن النسبة بين أخبار التنصيف وأخبار القرعة هي نسبة التباين الكلي، وأنه توجد معارضة وأن أخبار القرعة ترجح على أخبار التنصيف لأن أخبار القرعة أقوى سنداً ودلالةً.

لكن هذا القول يلتزم به لو ثبت أن النسبة بينهما هي نسبة التباين الكلي، وسيتضح إن شاء الله من خلال القول الرابع أنه لا يوجد تعارض وتباين بين القاعدتين بنحو كلي بحيث إما أن نقول بهذه أو تلك.

القول الرابع عدم التعارض بين القاعدتين لاختلاف مورد كل منهما، وهذا ما يظهر من كلام صاحب الجواهر والسيد الخوئي ـ رحمة الله عليهما ـ إذ أن قاعدة العدل والإنصاف تختص بمن كان المال أو الشيء في يده، ولا تشمل ولا تعم ما إذا كان الشيء ليس في يده هذا أولاً.

وثانياً قد يقال بأنها تختص بما إذا كان الشيء مالاً، ولا تشمل ما عداه بخلاف قاعدة القرعة فقاعدة القرعة لا تعم ما إذا كان المال في يده فهو مورد لقاعدة العدل والإنصاف، وأما إذا لم يكن في يده فهو مورد قاعدة القرعة.

إذا لا حكومة لقاعدة العدل والإنصاف على قاعدة القرعة كما في القول الأول، ولا حكومة لقاعدة القرعة على قاعدة العدل والإنصاف كما في القول الثاني، ولا معارضة بينهما نظراً لاختلاف موردهما والتعارض إنما فرع أن يكون المورد واحد كما في القول الثالث، فيكون الصحيح هو القول الرابع أنه لا تعارض في البين نظراً لاختلاف مورد منهما فمورد قاعدة العدل والتنصيف أخص وهو خصوص المال الذي يكون في اليدّ، ومورد قاعدة القرعة أعم فهو في كل مورد مشكل، خرجنا عن مورد المشكل في خصوص المشكل الذي يكون مورده المال الذي في يده.

قال صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

<فالتحقيق: أن يقال أنه يمكن استفادة ترجيح الحكم المزبور في خصوص هذه الصورة بتخصيص نصوص القرعة بما إذا تساوت البينتان عدداً وعدالة ولم تكن العين في أيديهما، أما الأول فواضح> يعني إذا تساوت البينات تتساقطا <وأما الثاني> يعني إذا لم تكن العين في أيديهما <وأما الثاني فلما سمعته من النصّ الدال على التنصيف فيما إذا كان في أيديهما>[5] ومن الواضح أن صاحب الجواهر يفتي بأنه عند وجود مشكلة وتنازع على العين فإذا كانت العين في يدي أحدهما جرت قاعدة العدل والإنصاف وخصصت قاعدة القرعة.

أما المحققين السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فقد قال ما نصّه:

<وقد يتوهم معارضة هذه المعتبرات> أي معتبرة إسحاق بن عمار <بصحيحة عبد الرحمن ابن أبي عبد الله المتقدمة الدالة على أن اليمين إذا تساوت الشهود عدلاً وعدداً تتعين بالقرعة من دون فرقٍ بين كون المدعى به في يدّ أحدهما أو في يدّ كليهما أو لا يدّ لأحد عليه، ولكنه يندفع بأن مورد الصحيحة ليس خصوص دعوة المال، فتكون معتبرة إسحاق أخص لاختصاصها بدعوى المال. نعم، نلتزم بالقرعة في دعوى المال في مورد واحد على ما تقدم>[6] .

والمستفاد من كلام هذين العلمين القول بأخصية قاعدة العدل والإنصاف، وإن كان ظاهر الجواهر أنه أخص من جهة واحدة وهي جهة أن تكون العين في يده، وظاهر السيد الخوئي أنه أخص من جهتين: من جهة كون العين مالاً أولاً وأن تكون في يدّه ثانياً، فلابد من مناقشة هاتين الحيثيتين.

وقد يشكل على السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في دعواه اختصاص قاعدة العدل والتنصيف بالمال بأن بعض الروايات دلت على جريان قاعدة القرعة في المال أيضاً، فلا خصوصية للمال.

وينقض عليه بروايات:

منها موثقة سماعة عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <إن رجلين اختصما إلى علي ـ عليه السلام ـ في دابة، فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوذه> المراد بالإنتاج هنا كما أن القابلة تنتج الولد، يعني ماذا؟ يعني تستخرج الولد من أمه فهنا صاحب الشاة يذوذ عن شاته حتى تنتج الولد، يعني هو لم يشتري هذا الولد من السوق وإنما زاد عنه ونتج تحت يديه هذا أبلغ في الملكية، يعني لم يدعي أنه اشتراها من السوق وإنما ولدت عنده.

لاحظ الرواية <فزعم كل واحدٍ منهما أنها نتجت على مزودة، وأقام كل واحد منهما بينةً سواءً في العدد، فأقرع بينهما سهمين>[7] .

ومنها معتبرة عبد الله بن سنان قال: <سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول: إن رجلين اختصما في دابة إلى علي ـ عليه السلام ـ فزعم كل واحد منهما أنها نتجت عنده على مزودة، وأقام كل واحدٍ منهما البينة سواءً في العدد، فأقرع بينهما سهمين[8] .

وسند الرواية الثانية وإن كان فيه علي بن مطر لم يرد فيه توثيق، ولكن يمكن توثيقه بلحاظ رواية صفوان بن يحيى بياع السابري عنه كما في نفس هذه الرواية ونحن نبني على أن المشايخ الثلاثة صفوان بن يحيى بياع السابوري، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البيزنطي، ومحمد بن زياد بن أبي عمير لا يرويان ولا يرسل إلا عن ثقة، وهذا المبنى تامٌ عندنا وعند شيخنا الأستاذ الداوري[9] إلا أن السيد الخوئي لا يرى حجية مراسيل الثلاثة ولا يرى مبنى الثلاثة أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

إذاً كلتا الروايتان معتبرتان على مبنانا ومبنى الشهيد السيد محمد باقر الصدر والشيخ الداوري وموردهما المال فما ذكره السيد الخوئي ـ قدس سره ـ غير تام هكذا أفاد شيخنا الأستاذ الدواري ـ حفظه الله ـ .

ولكن مورد الرواية العين وهي الدابة فقد يكون مراد السيد الخوئي موردها المال يعني النقد وليس العين التي لها مالية وإلا فتكون كل الأشياء داخلة، الأعيان أكثر الأعيان لها مالية، فحينما يقول: أن مورد قاعدة العدل والإنصاف أو التنصيف هو المال يعني المال النقدي وليست الأعيان التي لها مالية، فالأعيان تكون مورد قاعدة القرعة على القاعدة عند السيد الخوئي، فقد يلتمس هذا المخرج ولا يصح النقض على السيد الخوئي بهاتين الروايتين[10] .

وأما ما ذكره صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ :

<فالظاهر أنه تام، وأن قاعدة العدل والإنصاف تجري في خصوص ما إذا كان المال في يدّ المدعي لأنه وإن ورد الحكم بالتنصيف في موثقة السكوني الواردة في الودعي مع عدم كون الدراهم في أيديهما إلا أنه يمكن أن يقال أن اعتراف الودعي> يعني المستودع <بأن لأحدهما درهمين وللآخر درهماً هو في حكم كون المال في أيديهما، وكذا ما ورد في اختلاف الزوجين على متاع البيت> ظاهر الرواية في أيديهما معاً، أثاث في البيت في يدّ الزوجين الآن أرادوا يطلقون كل واحد يدعي أن الأثاث له وأن المال ماله.

ويؤيده ما ورد في كتاب دعائم الإسلام عن علي ـ عليه السلام ـ <أنه قضى في البينتين تختلفان في الشيء الواحد يدعيه الرجلان أنه يقرع بينهما فيه إذا عدلت بينة كل واحد منهما وليس في أيديهما، فأما إن كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان بعد أن يستحلف فيحلفا أم ينكلا عن اليمين، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان ذلك لمن حلف منهما، وإن كان في يدي أحدهما فإنما البينة فيه على المدعي>[11] ، وإنما قلنا هذه الرواية مؤيد لأننا لا نرى اعتبار كتاب دعائم الإسلام.

الخلاصة والزبدة:

إذا اختلف المتنازعان فإن كان المال في أيديهما جرت قاعدة العدل والإنصاف ولا تجري قاعدة القرعة لتوفر الخصوصيتين:

أولاً المتنازع عليه مال.

وثانياً في أيديهما.

ولكن لو تنازعا في عينٍ ولم تكن في أيديهما جرت عمومات القرعة لكل أمرٍ مشكل، في مورد مسألتنا أنه يدفع مقدار الأقل إذا لم يمكن صلح بينهما تنازعا على مال ولم يمكن الصلح، ما دام في يديهما أو يدّ أحدهما في هذه الحالة مقدار الأقل هذا يجري في قاعدة العدل الإنصاف، لأنه في أيديهما.

والحاصل:

يبقى فروع ذكرها شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ هذه الفروع كلها هذه زبدتها خلاصتها، هل هذا المتنازع عليه مال وفي اليد؟ فتجري قاعدة العدل والإنصاف، أو ليس بمال عين أو لم يكن في اليد تجري قاعدة القرعة.

طبعاً، متى تصل النوبة إلى قاعدة القرعة وقاعدة العدل والإنصاف؟

مع عدم وجود بينة فتأتي هذه التفاصيل: لو تعارضت البينتان، لو حلف، لنكل.. هذه التفاصيل كلها مبنية على هذا الأساس، نقرأها[12] من كتاب شيخنا الأستاذ الداوري كلها تفاصيل ينبغي أن تكون واضحة، قال ـ حفظه الله ـ :

<والحاصل: أن مقتضى الجمع بين الأخبار قاعدة التنصيف وأخبار قاعدة القرعة هو تخصيص أخبار قاعدة التنصيف بالمال الذي يكون في أيدي المتنازعين، وأما في غير هذه الصورة من الحقوق والأموال التي ليست في أيديهما فهي مورد لأخبار القرعة.

وقد ظهر مما تقدم حكم صور المسألة فإن المال إذا كان تحت يدّه فإن رضي بالتصالح فهو وإلا فإن ادعى المالك بأن الزائد له وأقام البينة حكم له به لأنه أقام البينة، وإن لم يقم البينة فلابدّ من إحلاف من بيده المال، فإذا نكل وحلف المالك حكم له به، وإلا ـ يعني أن لم ينكل وحلف ـ فيثبت المال لمن بيده، فلا إشكال في كون المال المشكوك للمالك أو له.

وإنما الإشكال في تشخيص مال المالك وتمييزه عنه> هنا من خلال القرى لابدّ من أخذ النسبة بينما ثبت للمالك وبين ما ثبت له كالخمس والربع، وتكتب رقاع بهذه النسب وتجرى القرعة، وبالقرعة يتميز المال إذ لا وسيلة أخرى للتمييز غير القرعة، بلا فرق أن يكون اشتباه المال من جهة الاختلاط أو من جهة الامتزاج بين المالين لا فرق في المال بين كونه مثلياً أو قيمياً في جميع هذه الصور يتميز المال بالقرعة.

<لكن إذا كان المال تحت أيديهما وقد استوليا عليه فإما أن يتصالحا فبه ونعمته، وإن لم يترضى بالصلح فإن أقام كل واحد منهما بينة أو حلفا معاً فالمال بينهما نصفان عملاً بقاعدة العدل والإنصاف أو التنصيب> يصير حكم هذه المسألة من باب حكم التداعي.

النتيجة النهائية:

ما حكم به السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أنه لابدّ من الرجوع إلى القرعة هذا صحيح، لكن لا من جهة عدم تمامية قاعدة العدل والإنصاف بل من جهة اختلاف مورد قاعدة القرعة عن مورد قاعدة العدل والإنصاف، فإن المتنازع عليه مالاً أولاً، وفي يدهما ثانياً، جرت قاعدة التنصيف، وإن لم يكن مالاً، ولم يكن في أيديهما فعند التساوي تساوي البينة إلى آخره جرت قاعدة القرعة.

هذا تمام الكلام في حكم الصورة الثالثة.

الصورة الرابعة العلم صاحب المال ومقدار المال، يأتي عليه الكلام.


[1] كتاب القضاء، مسألة تعارض البينتين، ولم يكن المال في أيديهما أو يدّ أحدهما.
[2] كتاب القضاء، المحقق الآشتياني، ج2، ص962.
[3] كتاب القضاء، ج2، ص965.
[4] كتاب القضاء، ج2، ص966.
[5] جواهر الكلام، ج40، ص426.
[6] مباني تكملة المنهاج، السيد الخوئي، ج1، ص64.
[7] وسائل الشيعة، ج27، ص254، الباب12، من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 12.
[8] وسائل الشيعة، ج27، ص255، الباب12، من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 15.
[9] أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، ج2، ص144.
[10] الخمس في فقه أهل البيت، الشيخ مسلم الداوري، ج1، ص528، حيث نقض على السيد الخوئي بهاتين الروايتين.
[11] دعائم الإسلام، للقاضي النعمان، ج2، ص522، الحديث 1863.مستدرك الوسائل، المحدث النوري، ج13، ص444، الباب6، من أبواب كتاب الصلح، الحديث 1.
[12] الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص28.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo