< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السابع والتسعون: الصورة الرابعة إذا كان المالك والمقدار معلومين

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى:

<وإن علم المالك والمقدار وجب دفعه إليه>.

حكم هذه الصورة واضح جداً فالمال أولاً متشخص ومتميز، والمالك ثانياً أيضاً متشخص، والحكم وجوب دفع المال إلى مالكه الأصلي بلا خلاف ولا إشكال.

يبقى الكلام في أن هذا مقدار المعلوم قد يكون متميزاً في نفسه كما لو كان معزولاً فحينئذٍ يعطى لمالكه، وقد يكون غير متميزاً كما لو كان ممتزجاً كما لو كان دهناً وامتزج بدهنٍ آخر أو كان متفرقاً في أمواله ولم يشخص عين ماله وعين مال غيره وإنما علم مقداره، ففي هذه الحالة لابدّ من القبول بالتراضي أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي أو القرعة لتشخيص المقدار.

هذا تمام في المسألة سبعة وعشرين بصورها الأربع.

المسألة مئة وثمانية وعشرون:

<لا فرق في وجوب إخراج الخمس وحلية بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها كما إذا اشتبه الحرام بين أفرادٍ من جنسه أو من غير جنسه>.

هذه المسألة تتطرق إلى عدم الفرق في الحكم عند اختلاف الاختلاط.

والوجه في ذلك: التمسك بإطلاق الأدلة فقوله ـ عليه السلام ـ : <لا اعرف حلاله من حرامه>[1] .

فقول السائل: <لا اعرف حلاله من حرامه> ظاهره الشمول لجميع أنحاء الاختلاط بلا فرق بين أن يكون بنحو الإشاعة الموجبة للشركة وبين الاختلاط صرفاً في الأعيان الخارجية كالدراهم والدنانير أو غير ذلك من الأعيان كالكتاب والأمتعة، فالرواية ألفاظها مطلقة تشمل جميع أنحاء الاختلاط فكل عينٍ تبقى على ملكية مالكها الواقعي وإن لم تتميز يشملها هذا البحث.

هذا تمام الكلام في المسألة مئة وثمانية وعشرين.

المسألة مئة وتسعة وعشرين:

وهي تتكلم عن حالة وجود علم إجمالي بمقدار الحرام فإما أن يكون مقدار الحرام أكثر من الخمس، وإما أن يكون أقل من الخمس، وإما لا تعلم.

ففي صورة عدم العلم من الواضح أنه تشمله أدلة وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام يبقى الكلام في الصورة الأولى والثانية إذا علمت إجمالاً بأن مقدار الحرام أكثر من الخمس كما لو علمت إجمالاً بأن ثلاث أرباع المال حرام، وهذا أكثر من مقدار الخمس.

الصورة الثانية إذا علمت إجمالاً بأن مقدار الحرام أقل من مقدار الخمس كما لو علمت إجمالاً بأن المال الحرام لا يزيد على العُشر وهذا أقل من مقدار الخمس، فما هو حكمه في هاتين الصورتين؟

يبدو من صاحب العروة أنه تمسك بالإطلاق وأن الخمس يجري في الصور الثلاث يجب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام تعبداً في هذه الصور الثلاثة.

نقرأ المسألة مئة وتسعة وعشرين من العروة الوثقى ثم نشرحها، قال صاحب العروة ما نصّه:

<لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية في صورة الجهل بالمقدار أو المالك بين أن يعلم إجمالاً زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس، وبين صورة عدم العلم ولو إجمالاً، ففي صورة العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس فإنه مطهرٌ للمال تعبداً، وإن كان الأحواط مع إخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضاً بما يرتفع به يقين الشغل وإجراء حكم مجهول المالك عليه، وكذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس، والأحوط من ذلك المصالحة معه بعد إخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة> انتهى كلامه في علو مقامه.

هذه المسألة تطرقت إلى ثلاث صور:

الصورة الأولى إذا لم يعلم مقدار المال الحرام الذي اختلط بالحلال، فهل هو أكثر من مقدار الخمس أو أقل من مقدار الخمس؟ لكنه لا يعلم، ومن الواضح أن هذه مصداق واضح لأدلة وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام الذي لا يعلم صاحبه ولا يعلم مقداره.

الصورة الثانية إذا إجمالاً بأن المال الحرام المختلط أكثر من المال الحلال الذي اختلط به، كما لو علم إجمالاً بأن المال الحرام أكثر من ثلاثة أرباع المال، فهل يجب التخميس الذي هو أقل من ثلاثة أرباع وتحل الأربعة أخماس تعبداً أو لا؟

الصورة الثالثة إذا علم إجمالاً بأن مقدار الحرام أقل من مقدار الخمس كما لو علم إجمالاً بأن المال الحرام لا يزيد على العشر في هذه الحالة مقدار العشر أقل من مقدار الخمس لأن الخمس عشرين في المئة والعشر عشرة في المئة، وهو يعلم إجمالاً بأن المال الحرام لا يزيد على العشر، فهل يحكم بوجوب التخميس أن يدفع عشرة في المئة زيادة أم يكتفى بإخراج مقدار العشر صدقةً عن صاحبه فيكون حكمه حكم المال المجهول مالكه؟

ذهب صاحب العروة ـ رحمه الله ـ إلى وجوب التخميس في الصور الثلاث أما الصورة الأولى فواضحة لكن يبقى الكلام في الصورة الثاني والثالثة، إذا علم إجمالاً بزيادة مقدار الحرام أو قلة مقدار الحرام عن مقدار الخمس.

صاحب العروة ـ رحمه الله ـ قد حكم بوجوب التخميس وأن التخميس يطهر المال تعبداً وذلك بمقتضى روايات التخميس كمعتبرة عمار بن مروان[2] فإن رواية ومعتبرة عمار بن مروان تشمل ما إذا كان المعلوم إجمالاً أنه حرام سواء كان أقل أو أكثر.

وأما ما ورد في باب المال المجهول مالكه فإن موردها المالك وهي خاصة بالمال المتميز لا المال المختلط، وأما المال المختلط فلم يرد التصدق به، فتشمله روايات التخميس ولا تشمله روايات مجهول المالك لعدم تميزه.

ولكن هذا الكلام فيه تأمل لأن مطهرية الخمس تعبداً إنما هي في المتفاهم من الدليل القائم في المسألة وهي الجهالة المطلقة بالنسبة إلى المال وبالنسبة إلى المالك حين الدفع لكن مع وجود علم إجمالي بأن المال الحرام أكثر من الخمس أو أقل من الخمس فقد يقال أن أدلة وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام منصرفة عن هذين الموردين، فالحكم التعبدي بوجوب تخميس الماء إنما يفيد في خصوص المال المشكوك أي المال الحلال المختلط بالحرام الذي نشكّ أنه أكثر أو أقل ولا نعلم مقدار المال الحلال ومقدار المال الحرام، ولا يشمل المال المعلوم ولو إجمالاً.

والشكّ في الشمول كافٍ في عدم الشمول، إذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، فيقال إن أدلة وجوب تخميس المال الحلال المختلط بالحرام منصرفة عن المال المعلوم إجمالاً أنه أقل من مقدار الخمس أو أكثر من مقدار الخمس، بل ذكر المحقق النجفي في الجواهر أن تطهير مال الغير وتحليله من غير رضاه مخالف للضرورة[3] ، فالأظهر من الأدلة وجوب التصدق مع الإذن من الحاكم الشرعي كما عليه المشهور.

وهذا ما بحثناه في الصورة الثانية ولو لم يثبت اشتراط واعتبار أخذ الإذن من الحاكم الشرعي لكنه لا شكّ ولا ريب أنه أحواط لأنه تصرف في مال الغير بدون إذنه ومقتضى الأصل عدم جوازه.

خلاصة المسألة تسعة وعشرين: وجوب الخمس ثابت في خصوص الصورة الأولى وهو ما إذا لم يعلم أن مقدار الحرام أقل من الخمس أو أكثر، ولم يميز مقدار الحلال ومقدار الحرام.

وأما في صورة ما إذا علم إجمالاً بأن المال الحرام أقل من مقدار الخمس أو أكثر من مقدار الخمس في هذه الحالة يتعين التصدق نيابة عن صاحب المال نيابة عنه مع أخذ إذن الحاكم الشرعي على الأحوط إن لم يكن أقوى.

المسألة الثلاثون:

قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ :

<إذا علم قدر ولم يعلم صاحبه بعينه، لكن علم في عدد محصور، ففي وجوب التخلص من الجميع ولو بإرضائهم بأي وجه كان أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه أو استخراج المالك بالقرعة أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية وجوهٌ أقواها الأخير، وكذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصول فإنه بعد الأخذ بالأقل كما هو الأقوى أو الأكثر كما هو الأحواط يجري فيه الوجوه المذكورة>.

هذه المسألة تطرقت إلى حكم حالة معينة وهي وجود علم إجمالي بالمالك فالمسألة تسعة وعشرين تطرقت إلى وجود علم إجمالي بمقدار المال، والمسألة ثلاثين تطرقت إلى حالة وجود علم إجمالي بالمالك وأنه محصورٌ بين أفراد معدودين، هذه المسألة فيها وجوه بل أقوال ستة نذكرها تباعاً ثم نناقشها في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

القول الأول وجوب التخلص من المال ولو بإرضاء جميع الأطراف بأن يعطي كل فردٍ المقدار الذي تشخص من المال، وهذا القول مذهب جماعة واختاره السيد الخوئي[4] ـ رحمه الله ـ، وقيل هو المشهور[5] .

القول الثاني وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه.

القول الثالث القول باستخراج المالك للقرعة وهو مذهب جماعة منهم السيد محسن الحكيم[6] ـ رحمه الله ـ .

القول الرابع التقسيط وتوزيع المال على جميع الأفراد، وهذا القول قواه الماتن صاحب العروة ـ رحمه الله ـ .

القول الخامس أن يعطي المقدار المتيقن للحاكم ويطهر الباقي ويتولى الحاكم الشرعي تقسيط المال على الأفراد أو الإقراع بينهم وهو ما احتمله الشيخ الأعظم الأنصاري[7] ـ قدس الله نفسه الزكية ـ .

القول السادس التفصيل بين القول الأول الذي ذهب إلى وجوب التخلص من المال ورضى جميع الأطراف لكن في خصوص ما إذا كان الاستيلاء على المال بالعدوان وبين القول الثالث أو الرابع إذا كان الاستيلاء على المال بغير عدوان فنلتزم بالقول الثالث وهو القرعة أو القول الرابع التقسيط فيما إذا كان الاستيلاء على المال بغير عدوان كما لو كان أمانة في يدّه أو غصبها شخص ثالث فيده عليه ليست يدّ عدوانية، لكن شخص ثالث غصب المال وخلطه بماله، وهذا التفصيل اختاره المحقق الهمداني[8] ـ رحمه الله ـ .

هذه وجوه بل أقوال ستة في المسألة الثلاثين يبقى الكلام في بيان الرأي المختار من هذه الأقوال الستة وعرض أدلة هذه الأقوال الستة ومناقشة هذه المدارك وترجيح الرأي المختار، تنقيح الدليل والرأي المختار يأتي عليه الكلام.


[1] تهذيب الأحكام، ج4، ص109، الحديث 357.وأيضاً نفس تهذيب الأحكام، ج4، ص122، الحديث 389.وسائل الشيعة، ج9، ص505، الباب10، من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
[2] وسائل الشيعة، ج9، ص494، الباب3، من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
[3] جواهر الكلام، ص16، ص75.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص150.
[5] مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، ج14، ص176.
[6] مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص495.
[7] كتاب الخمس، ص274.
[8] مصباح الفقيه، ج14، ص176.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo