< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:جلسة107و108. كتاب الخمس- الأمر الثاني حمل صحيحة الحذاء على التقية

 

حمل صحيحة الحذاء على التقية

فهذه الصحيحة لا يراد الجد فيها ونحملها على التقية لأنها موافقة للعامة فلابدّ من طرحها، والمنسوب إلى مالك بن أنس أن الذمي إذا اشترى أرضاً من المسلم وكانت عشريات ضوعف عليه العشر وأخذ منه الخمس[1] .

فالروايات تجري مجرى التقية إذ أن سائر روايات الخمس خالية عن ذكر خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

الجواب عن حمل الرواية على التقية

وأجيب عن هذا الأمر بوجوه:

الوجه الأول عدم المقتضي للحمل على التقية لأن الترجيح بمخالفة العامة إنما يكون في خصوص حال التعارض، والرواية سالمة عن المعارض، ولا توجد رواية تنفي وجوب خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، حتى نضطر إلى حمل صحيحة أبي عبيدة الحذاء على التقية.

الحقّ والإنصاف هذا الوجه متينٌ.

عادة هكذا من المرجحات يعني مجرد أن هذه الفتوى موجودة عند العامة هذا يوجب الحمل على التقييه؟! نعم، في خصوص باب التعارض تحمل الرواية على التقية، وإذا قامت قرائن تدل على أن الظرف ظرف تقية حتى لو لم يكن في موطن المعارضة يمكن حمل الرواية على التقييه.

وأما مجرد كون الرواية موافقة للعامة من دون وجود قرائن تقتضي الحمل على التقية، ومن دون وجود معارضة فلا مقتضى للحمل على التقية، فتكون الجهة سليمة نتمسك بأصالة الجدّ أن الإمام ـ عليه السلام ـ جادٌ فيما أفاده.

الوجه الثاني إن مورد فتوى مالك بن أنس هو خصوص الأرض العشرية أي الأرض التي يثبت فيها العشر كالزكاة أو الخراج، وهذا مختص بالأرض الزراعية وليس مطلق الأرض الزراعية بل خصوص الزرع الذي يثبت فيه الزكاة أو الخراج بينما صحيحة أبي عبيدة الحذاء مطلقه تشمل الأرض الزراعية والأرض غير الزراعية، والأرض الزراعية العشرية وغير العشرية ففتوى مالك أخص وفتوى مشهور المتأخرين وفقاً لصحيحة أبي عبيدة الحذاء أعم.

وبالتالي لا موجب ولا مقتضٍ لتخصيص صحيحة أبي عبيدة الحذاء المطلقة بخصوص الأرض العشرية التي أفتى بخمسها مالك لكي نحمل رواية أبي عبيدة الحذاء على التقية.

وأيضاً هذا الوجه الثاني لا بأس به.

الوجه الثالث عدم المقتضي للحمل على التقية أيضاً فإن المخالف هو مالك بن أنس، وصحيحة أبي عبيدة الحذاء مروية عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ ، وكانت إمامة الإمام الباقر سنة خمسة وتسعين هجرية، وشهادة الإمام الباقر سنة مئة وأربعة عشر هجرية وولادة مالك بن أنس سنة ستة وتسعين هجرية، ووفاة مالك بن أنس سنة مئة وتسعة وسبعين هجرية، فقد عاش ثلاثة وثمانين سنة.

إذاً حينما ولد مالك أدرك سنتين من إمامة الإمام الباقر، الإمام الباقر بداية إمامته سنة خمسة وتسعين وولد مالك سنة ستة وتسعين، وعاش الإمام الباقر إلى سنة مئة وأربعة عشر يعني حينما استشهد الإمام الباقر كان عمر مالك بن أنس ثمانية عشر سنة قرابة العشرين.

وقيل: إن مولد مالك سنة تسعين من تسعين إلى مئة وأربعة وعشرين سنة.

عمر مالك لا يتناسب مع تقية الصادق عليه السلام

لذلك قال السيد الخوئي في مستند العروة الوثقى وشيخنا الأستاذ الدوري في الخمس فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة ثلاثة عشر، قال: <فكان عمر مالك حينئذ يقارب عشرين سنة> قال: يقارب عشرين سنة يدور بين الثمانية عشر والأربعة والعشرين.

وبالتالي مالك لم يكن مشهوراً أيام الإمام الباقر بل اشتهر أيام الإمام الصادق والمنصور الدوانيقي هو الذي أمر مالك بن أنس بكتابة كتاب الموطأ لكي يكون فقيه المدينة في مقابل فقاهة الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ .

والرواية صدرت عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ ولم يعلم أنها آخر حياته ربما بدايات إمامته يعني لم يبلغ الحلم مالك بن أنس، ولا أقل أنه لم يكن صاحب فتوى أو لم يكن مشهوراً، ولعل الرواية صدرت عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ قبل وفاته بسنين فلم يكن مالك بالغاً فضلاً عن كونه صاحب فتوى.

وبالتالي لا يمكن حمل الرواية على التقية.

المناقشة في هذا الوجه

لكن هذا الوجه ليس بتام فإن هذه الفتوى موجودة عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف صاحب أبي حنيفة بل إن هذه الفتوى أول من أسسها الخليفة الثاني فإنه هو الذي أخذ على الذمي ضعف العشر أي عشرين وهو عشرين في المئة أي الخمس.

وعندنا روايات تدل على ذلك وهذه سيرة الحكام منذ الخليفة الثاني إلى عصر قريب فإن الخلفاء كانوا يأخذون العشرين أو ضعف العشر على الذمي.

من هذه الروايات المقربة ما رواه الصدوق مرسلاً عن الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ <إن بني تغلب أنفوا من الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم> يعني ألغى عنهم الجزية حتى لا يذهبوا إلى الروم، <وضاعف عليهم الصدقة>، والمراد بالصدقة الصدقة الواجبة وهي الزكاة، والزكاة عشرة في المئة فيصير عشرين في المئة.

<وضاعف عليهم الصدقة ورضوا بذلك فعليهم ما صالحوا عليه ورضوا به إلى أن يظهر الحق> [2] .

ومن يراجع التاريخ يجد من الواضح أن أخذ ضعف العشر من الواضحات منذ زمن عمر بن الخطاب إلى عهد كثير من الخلفاء خصوصاً أيام الدولة العباسية.

ولقد أجاد وأفاد سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشهرودي ـ رحمه الله ـ إذ قال في كتابه[3] ما نصّه: <ولكن الإنصاف أن من يراجع المسألة في فقه العامة يجد أن جذور هذه الفتوى كانت ثابتةً بشكل وآخر لدى جملة من مذاهبهم، بل لعل مشهورهم أن الأرض العشرية أي التي فيها زكاة إذا إذا اشتراها الذمي ضوعف عليه ذلك فيؤخذ منه الخمس، بل الظاهر منهم أن عمل الخلفاء منذ عهد الخليفة الثاني كان على ذلك، فلم تكن هذه الفتوى من مختصات مالك ومذهبه في الفقه لينحصر وجه الحمل على التقية بصدور الرواية في زمنه، بل المتتبع يرى أن القول بمضاعفة العشر كان قول الأحناف حيث يعزيه أبو عبيد في كتاب الأموال إلى أبو يوسف، وأما مالك فكان يقول إن الذمي يؤمر ببيع الأرض لأن في ذلك إبطالا للصدقة>.[4]

إذاً الصحيح في معالجة هذا الأمر أن نحمل الرواية على الخمس لا على التقية، لكن نحملها على الخمس بمعنى الخمس بما ينتفع من الأرض لا الخمس في رقبة الأرض وأصلها فإن من يراجع النصوص والروايات خصوصاً فقهاء العامة وكلمات الشيخ الطوسي في الخلاف يجد من الواضح الجلي أن المراد بالخمس هو ضعف العشر وهذا يثبت في نتاج الأرض لا في رقبة الأرض.

لذلك أفاد سيدنا الأستاذ محمود الهاشمي الشاهرودي بحقّ ما نصّه: <نعم، كان ينبغي أن يناقش كلام المنتقى ـ منتقى الجمان للشيخ حسن صاحب المعالم ـ بمناقش أخرى حاصلها أنه لو فرض ظهور الصحيحة في وجوب دفع خمس الأرض على الذمي فهذا ليس موافقاً مع العامة لأنهم لا يقولون بذلك، وإنما يقول بعضهم بوجوب أخذ العشرين أي الخمس من الناتج بدلاً من العشر في الأرض العشرية>.[5]

هذا تمام الكلام في مناقشة الأمر الثاني، واتضح أن حمل الرواية على التقية ليس بتام بل ينبغي حمل الرواية على الخمس لكن بمعنى خمس النتاج لا خمس رقبة الأرض كما سيأتي.

الأمر الثالث

وهو العمدة في مناقشة صحيحة أبي عبيدة الحذاء وهو ضعف الدلالة.

وذلك بحمل لفظ الخمس الوارد فيها على خمس نتاج الأرض لا على خمس رقبة الأرض وهو الخمس بالمعنى الاصطلاحي، فكما يحتمل أن يراد بصحيحة الحذاء الخمس الاصطلاحي وهو خمس رقبة الأرض يحتمل أيضاً أن يراد بها خمس نتاج الأرض الذي هو تكرار للعشر المتعلق بحاصل الأرض بعنوان الزكاة لا بعنوان الخمس لكن عبر عنه بالخمس لأن ضعف العشر عبارة عن عشرين في المئة وهو خمسٌ، وقد ضوعفت الزكاة وضوعف العشر على الذمي لكي لا يرغب أهل الذمة في شراء أراضي المسلمين.

وهذا الاحتمال وهو حمل الخمس على نتاج الأرض وإن كان خلاف المعنى المصطلح للخمس وهو خمس رقبة الأرض لكن يمكن توجيه وتقريب هذا الاحتمال بعدة جهات أكثرها قابل للمناقشة.

وسيتضح أنه إما أن نحملها على خمس النتاج أو لا أقل من الإجمال والاحتياط.

الجهات المقربة للحمل على النتاج

ولنشرع في هذه الجهات المقربة لحمل لفظ الخمس في صحيحة الحذاء على خمس النتاج لا على خمس رقبة الأرض.

الأولى عدم ذكر لفظ الخمس بمعنى خمس رقبة في كلمات الأصحاب قبل الشيخ الطوسي ـ قدس الله نفسه الزكية ـ .

وفيه عدم تعرض الفقهاء القدماء لوجوب تخميس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ليس بمعنى نفيهم للحكم فعدم التعرض لا يعني عدم ثبوت الحكم ولعلنا لم نجد للقدماء فتوى لعدم وصول فتاواهم إلينا فعدم الذكر لا يعني عدم الإفتاء ونفي وجوب الخمس، وإلا كيف ادعى السيد ابن زهرة في غنية النزوع الإجماع على وجوب الخمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

وابن زهرة الحلبي يا شيخنا الحلبي من أعمدة الفقهاء وأكبر إجازة للعلامة الحلي كتبها إلى السيد أبي المكارم ابن زهرة وهي من أهم الإجازات التي يستفاد منها في نظرية تعويض الأسانيد الرجالية.

الثانية عدم ذكر خمس رقبة الأرض في غير رواية أبي عبيدة الحذاء، فعندنا رواية واحدة فقط وهي صحيحة أبي عبيدة الحذاء هي التي دلت على وجوب الخمس في الأرض التي اشتراها الذمي من المسلمين، وأما رواية الشيخ المفيد وهي مرسلة فلعلها متحدة مع رواية الحذاء، لكن الراوي اشتبه في النسبة فروى مرسلة المفيد عن الإمام الصادق والحال إنها نفسها صحيحة الحلبي المروية عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ .

وفيه

أولاً لو سلمنا أنه لا توجد إلا رواية واحدة وهي صحيحة الحذاء فإنه يكفي لثبوت الحكم الشرعي وجود رواية واحدة فقط لإثبات الحكم الشرعي، فتكفي صحيحة الحذاء لإثبات وجوب خمس الرقبة لو استظهرنا منها أنها ظاهرة في خمس الرقبة لا خمس النتائج.

وثانياً الأصل هو التعدد وصحيحة الحذاء مروية عن الإمام الباقر ومرسلة المفيد مروية عن الإمام الصادق ولسان الروايتين مختلف بل إن مرسلة المفيد ظاهرة في الرقبة بينما الحذاء مطلقة تشمل خمس الرقبة وتشمل خمس النتاج، فكيف تحمل الروايتان على أنهما رواية واحدة مع اختلاف الإمام المروي عنه أولاً واختلاف لسان الرواية ثانياً وعدم وجود قرينة على الاتحاد ثالثاً.

إذاً الجهة الثانية ليست تامة.

الجهة الثالثة إن ثبوت خمس الرقبة للأرض مخالفٌ للروايات التي حصرت موارد الخمس في خمسة موارد، وكل الروايات الحاصرة لموارد الخمس والإمام في مقام بيان موارد الخمس لكنه لم يذكر مورد الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم فمفهوم الروايات الحاصرة ينفي ثبوت وجوب الخمس في الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

وفيه نقضاً وحلاً:

أما النقض

فأبرز مصداق عملي لوجوب الخمس هو وجوب خمس أرباح وهو لم يرد في الروايات الحاصرة، وأيضاً غيره لم يرد في الروايات الحاصرة.

وأما الحل

فالحصر الوارد في الروايات الحاصرة إنما هو حصر إضافي قطعاً وليس حصر حقيقياً وإلا يلزم خروج الموارد التي قطعاً يثبت فيها الخمس كمورد خمس أرباح المكاسب الذي اتفق الفقهاء على وجوب الخمس فيه.

إلى هنا ذكرنا ثلاث جهات واتضح أنها ليست تامة تبقى الجهة الرابعة والخامسة إن شاء الله تراجعونها في كتاب شيخنا الأستاذ الدوري الخمس في فقه الخمس البيت الجزء الثاني صفحة أربعة عشر وسيتضح أن بعضها تام وبعضها ليس بتام خلافا لشيخنا الأستاذ الدوري وسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي.

 

الموضوع: جلسة108. كتاب الخمس- الجهة الخامسة في بعض الروايات المراد من الخمس مضاعفة العشر

 

ما هو مضاعفة العشر؟

الجهة الخامسة

قد ورد التعبير بالخمس في بعض الرواية والمراد منه مضاعفة العشر فلو راجعنا بعض الروايات التي تتضمن أحكام أهل الذمة لوجدناها أنها ذكرت الخمس بمعنى ضعف العشر الذي هو ضريبة الخراب أو الزكاة.

من ذلك ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم قال: <قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أرأيت ما هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية؟> أي أن هؤلاء الحكام يأخذون الخمس من أهل الجزية أي ضعف العشر منه <ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم فما عليهم في شيء موظف.

فقال ـ عليه السلام ـ :كان عليهم ما أجازوا على نفوسهم وليس للإمام أكثر من الجزية إن شاء الإمام وضع ذلك على رؤوسهم وليس على أموالهم شيء وإن شاء فعلى أموالهم وليس على رؤوسهم شيء.

فقلت: فهذا الخمس؟

فقال: إنما هذا شيء كان صالحهم عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ> [6] .

وعنوان الخمس في الرواية وإن ورد في لسان السائل وهو محمد بن مسلم إلا أن لسان الرواية يظهر منه أن هذا الاصطلاح كان شائعاً كما أن الإمام ـ عليه السلام ـ لم ينكر عليه حينما أورد مصطلح الخمس، وقد يستظهر منه أن هذا الاصطلاح كان متدأولاً أيام الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ وأصحابه ـ رضوان الله عليه ـ .

الرواية الثانية ما رواه الصدوق مرسلاً عن أبي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ : <إن بني تغلب> والمراد بهم نصارى العرب <إن بني تغلب أنفوا من الجزية> يعني استكرهوا أن يدفعوا الجزية وهم عرب لكنهم نصارى مسيحيين <وسألوا عمر أن يعفيهم فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم> يعني لم يأخذ المال على رأس كل فرد فرد منه لم يأخذ جزية على رأس كل فرد من النصارى <وضاعف عليهم الصدقة> صدقة عشرة ضاعفها عشرين <وضاعف عليهم الصدقة> والصدقة إنما تكون على نتاج الأرض <وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك فعليهم ما صالحوا عليه ورضوا به إلى أن يظهر الحق>[7] .

يظهر من هذه المرسلة أن مضاعفة العشر كان شائعاً ومعمولاً به عند من تصدى للخلافة وأن الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ الإمام الرضا أمضى ذلك إلى أن يظهر الحقّ ويظهر قائم على محمد المهدي بن الحسن ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ .

والحاصل أنه بقرينة هاتين الروايتين يمكن حمل رواية أبي عبيدة الحذاع على هذا المعنى وهو الخمس بمعنى مضاعفة عشر النتاج وليس بمعنى خمس رقبة الأرض وهو المعنى المصطلح للخمس.

المناقشة في هذه الجهة

وناقش في الجهة الرابعة شيخنا الأستاذ الداوري الذي جعلها جهة خامسة بما نصّه:

أولاً إن إطلاق الخمس على تضعيف العشر في مورد مع القرينة لا يوجب رفع اليد عن ظهور الخمس في معناه الاصطلاحي الظاهر فيه في لسان الروايات[8] .

وفيه إننا نسلم بالشق الأول فورود الرواية في الخمس بمعنى ضعف العشر لقرينة لا يوجب رفع اليد عن ظهور كلمة الخمس في الخمس الاصطلاحي، لكننا لا نسلم بالشق الثاني وهو ظهور لفظ الخمس الوارد في صحيحة أبي عبيدة الحذاء على خصوص الخمس الاصطلاحي، فإن مرسلة المفيد ظاهرةٌ في خصوص المعنى الاصطلاحي لكن صحيحة الحذاء تحتمل كلا الوجهين الخمس بالمعنى الاصطلاحي أي رقبة الأرض والخمس في نتاج الأرض بمعنى ضعف العشر.

فلاحظوا مرسلة مفيد عن الصادق ـ عليه السلام ـ قال: <الذمي إذا اشترى من الأرض فعليه فيها الخمس>[9] فإذا تمسكنا بقوله: <فيها> تكون الرواية ظاهرة كل الظهور أن الخمس يتعلق برقبة الأرض وأصل الأرض لا نتاجها إلا أن الرواية مرسلة وساقطة عن الاعتبار.

وأما الرواية المعتبرة وهي صحيحة الحذاء فهي وإن كانت تامة سنداً لكن يمكن التشكيك في دلالتها على خصوص الخمس المصطلح إذ لا قرينة فيها على إرادة خصوص الخمس المصطلح ولا قرينة فيها على إرادة خصوص خمس نتاج الأرض فقد يدعى الإطلاق وأنها مطلقة تعم كلا الخمسين وقد يدعى الإنصراف إلى احد المعنيين.

فلنقرأ صحيحة الحذاء عن يقول: <سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس>[10] ، وقوله ـ عليه السلام ـ <عليه الخمس> أي على الذمي الخمس يعم ويشمل خمس رقبة ويشمل أيضا خمس النتاج، فهل المراد كلا الخمسين؟ هذا بعيد، وهل المراد أحد الخمسين؟ ولا معين له.

فقد يدعى إن هذه الرواية لا أقل تكون مجملة فالأوفق هو العمل بالاحتياط كما سيأتي.

المناقشة الثانية من الشيخ الداوري

وناقش شيخنا الأستاذ مناقشة ثانية في الجهة الرابعة قائلاً: <لعل المراد بالخمس فيها غير الزكاة بل أريد المعنى المصطلح كما يستفاد من رواية ابن شهر آشوب في المناقب، قال: <وكتب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ عهداً لحي سلمان بكازرون هذا كتاب من محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ سأله الفارسي سلمان وصية لأخيه مهاد بن فروخ بن مهيار وأقاربه وأهل بيته وعقبه إلى أن قال> طبعاً عقب أخيه لأن سلمان لم يتزوج ولم يعقب.

<وقد رفعت عنهم جز الناصية الجزية والخمس والعشر وسائر المؤون والكلف> إلى آخر الرواية.

قال: <والكتاب إلى اليوم في أيديهم[11] .

قال المحدث النوري صاحب المستدرك: <ووجدت العهد بتمامه في طومار عتيق منقولاً من نسخة الأصل> إلى أن يقول: <وفي آخره كتب علي بن أبي طالب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأمر رسول الله ـ عليهما السلام ـ بحضوره> النبي حاضر والإمام علي النبي يملي والإمام علي يكتب[12] .

والمستفاد من هذه الرواية أنه يؤخذ من أهل الذمة الخمس والزكاة معاً إذ الأصل في العطف المغايرة والأصل هو الاستئناف لا عطف البيان.

وفيه إن روايات استعمال الخمس في ضعف العشر واضحة لا غبار عليها وقد سلم بذلك الشيخ الداوري في المناقشة الأولى حينما قال: إن إطلاق الخمس على تضعيف العشر في مورد مع القرينة، فإذا كان هذا المعنى واضحاً ولو مع القرينة لا حاجة للإتيان بروايات أخرى يدعى أنه قد استخدم فيها الخمس بالمعنى الاصطلاحي.

ولعل هذا هو السرّ: في أن شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري ذكر العبارة بنحو التشكيك قال: وثانياً لعل المراد بالخمس المذكور فيها، إذ أنه من الواضح أن المراد بالخمس المذكور فيها هو ضعف العيش وليس بخمس المصطلح.

هذا تمام الكلام في الجهة الرابعة.

الجهة الخامسة

وهي العمدة والمهمة إن أول من تعرض لمورد خمس الأرض التي اشتراها ذمي من المسلم هو شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ـ رحمه الله ـ ، لكنه ذكر هذا الخمس بمعنيين ففي الخلاف وهو متأخر ذكره في المسألة خمسة وثمانين وستة وثمانين وسبعة وثمانين[13] ، وكان بمعنى ضعف العشر> أي أن الخمس يثبت في نتاج الأرض، ولم يكن ناظراً إلى رقبة الأرض وخمس الاصطلاحي.

لكنه في المبسوط ذكر الخمس بالمعنى الاصطلاحي أي أن الخمس يتعلق بأصل الأرض ورقبتها[14] .

ومن المعلوم أن كتاب الخلاف متقدم وكتاب المبسوط متأخر فيحمل كلام الشيخ الطوسي على إرادة الخمس المصطلح لهذا اشتهر بين الفقهاء المتأخرين ثبوت الخمس المصطلح وهو الخمس في رقبة الأرض في الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

لكننا لو راجعنا كلمات المحقق الحلي في المعتبر في شرح المختصر[15] لوجدنا أنه أيضا نظر إلى المسألة وإلى الرواية وحمل الخمس بمعنى ضعف النتاج، وهذا قد يوجب التشكيك إذ أن شيخ المتقدمين الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف فهم الخمس بمعنى خمس النتاج، وشيخ المتأخرين المحقق الحلي صاحب شرائع الإسلام فهم الخمس خمس النتاج أيضاً، فكيف نجزم بضرس قاطع بأن هذا خمس هو الخمس المصطلح وخمس رقبة الأرض؟!

فلنقرأ كلمات الطوسي والمحقق الحلي:

المورد الأول قال الشيخ الطوسي مسألة كتاب الزكاة مسألة خمسة وثمانين[16] : <إذا اشترى الذمي أرضاً عشريه وجب عليه الخمس وبه قال أبو يوسف فإنه قال: عليه فيها عشران> إلى أن قال: <دليلنا إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة وهي مسطورة لهم منصوص عليها روى ذلك أبو عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس>.

يكشف أن الشيخ الطوسي فهم من الخمس في صحيحة الحذاء هو ضعف العشر وما يؤخذ من أهل الذمة.

المورد الثاني المسألة ستة وثمانين: <إذا باع تغلبي> وهم نصارى العرب <أرضه من مسلمين وجب على المسلم فيها العشر أو نصف العشر ولا حراج عليه، وقال الشافعي: عليه العشر، وقال أبو حنيفة: يؤخذ منه عشران. دليلنا: أن هذا ملك قد حصل لمسلم ولا يجب عليه في ذلك أكثر من العشر، وما كان يؤخذ من من الخراج كان جزية فلا يلزم المسلم ذلك>.[17]

المورد الثالث المسألة سبعة وثمانين: <إذا اشترى تغليبي من ذمي أرضاً لزمته الجزية كما كانت تلزم الذمي/ وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه عشران، وهذان العشران عندهم خراج يؤخذ باسم الصدقة ـ تصريح ـ وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج.

دليلنا: أن هذا ملك قد حصل لذمي فوجب عليه فيه الجزية كما يلزم في سائر أهل الذمة>[18] .

الشاهد الثاني يقول: <هذا إذا باع تغلبي وهم نصارى العرب أرضه من مسلم وجب على المسلم فيها العشر أو نصف ولا حرج عليه، وقال الشافعي: عليه العشر، وقال أبو حنيفة: يؤخذ منه عشران> هنا الشاهد أبو حنيفة قال: يؤخذ منه عشران هذا ناظر إلى ماذا؟ إلى بيع التغلبي.

<دليلنا: أن هذا ملك قد حصل لمسلم ولا يجب عليه في ذلك أكثر من عشر وما كان يؤخذ من الذمي> هنا شاهد <وما كان يؤخذ من الذمي> يعني ولا يجب عليه في ذلك أكثر من العشر يعني المسلم عليه عشر واحد مو عشرين <وما كان يؤخذ من الذمي من الخراج كان جزيتان فلا يلزم المسلم ذلك> يعني ما يؤخذ من الذمي عشران عشر الضريبة والعشر الخراج هذا هو الشاهد أنه استخدم في هذا السياق.

طبعاً لم يرد لفظ الخمس فيها، ولكن هذا ظاهر السياق لأنه يتكلم عن كتاب الزكاة ومسائل متتابعة خمسة وثمانين التي طبق هذه الموارد على صحيحة الحذاء ثم جاء بهذه المسألة ستة وثمانين ثم المسألة سبعة وثمانين وإن كان هذا الشاهد الثاني لم يصرح فيه لا باسم الصدقة كما في الشاهد الثالث ولا بتطبيق الرواية يمكن بقرينة السياق.

جيد ويؤيد فهم الشيخ الطوسي كلام المحقق في المعتبر قال: <روى جماعة من الأصحاب أن الذمي إذا اشترى أرضاً من مسلم فإن عليه الخمس ذكر ذلك الشيخان ومن تابعهما> من هما الشيخان هنا؟ الشيخان المفيد والطوسي يعني المحقق الحلي يرى أن المفيد والطوسي يفهمان أن الخمس بمعنى ضعف العشر خمس النتاج.

<ذكر ذلك الشيخان ومن تابعهما ورواه الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء> يعني المحقق في المعتبر فهم من صحيحة الحذاء هذا المعنى.

إلى أن يقول: <وقال مالك: يمنع الذمي من شراء أرض المسلم إذا كانت عشرية لأنه يمنع الزكاة فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس، وهو قول أهل البصرة وأبي يوسف ويروى عن عبيد الله بن الحسن العنبري وظاهر هذه الأقوال يقتضي أن يكون ذلك مصرف الزكاة عندهم لا مصرف خمس الغنيمة> صريح كلامه، <وقال الشافعي وأحمد يجوز بيعها من الذمي ولا خمس عليه ولا زكاة>[19] .

مناقشة الأستاذ الداوري على الجهة الخامسة

وناقش شيخنا الأستاذ الداوري في الجهة الخامسة قائلاً: <فإن الشيخ ـ قدس سره ـ وإن جعل محل الخلاف الأرض العشرية واستدل برواية الحذاء وطبقها عليها إلا أن هذا لا يدل على أن نظره إلى أن تمام مورد الرواية هي الأرض العشرية فقد يكون نظره إلى أنه لما وقع الخلاف في الأرض العشرية جعلها ـ قدس سره ـ محلاً للكلام، وحيث أن الرواية شاملة بعمومها للأرض العشرية أيضا بنظرهم فلذلك استدل بها لا أن تمام موردها هي الأرض العشرية>[20] .

وفيه أن هذا مجرد احتمال هو صحيح أنهم يقولون إذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال لكن ما لم يكن استظهار فما ذكره شيخنا الأستاذ الداوري من أن الشيخ الطوسي ذكر الخمس بمعنى خمس النتاج من باب الكلام يجر الكلام لأنه تطرق في كتاب الزكاة إلى الأرض العشرية وهذا المعنى يندرج تحت العموم فنتمسك بإطلاق لفظ الخمس الوارد في صحيحة الحذاء، ولفظ الخمس كما يعم الخمس الاصطلاحي في رقبة يعم أيضا خمس النتاج.

إلا أن الكلام كل الكلام فيه إثبات هذا الإطلاق وهذا الاستظهار.

ومن هنا ذهب سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وتبعه شيخنا الأستاذ الدوري[21] وجمع من أعلام العصر والفقهاء البارزين كالشيخ مرتضى الحائرين في كتاب الخمس فقد استظهر واستظهروه بضرس قاطع أن المراد بالخمس الوارد في صحيحة الحذاء هو خصوص الخمس الاصطلاحي.

إلا أن الجزم بذلك مع ملاحظة وفرة الروايات والأقوال قبل الشيخ الطوسي وكلمات الشيخ الطوسي في الخلاف التي ذكر فيها الخمس بمعنى خمس النتاج يوجب التشكيك في حمل لفظ الخمس على خصوص الخمس الاصطلاحي في صحيحة الحذاء.

نعم، مرسلة المفيد ظاهرة في خمس رقبة الأرض لكننا لا نجزم بظهور صحيحة الحذاء في خصوص الخمس الاصطلاحي.

فإما أن نحملها على خصوص خمس النتاج كما هو شائع منذ عهد عمر بن الخطاب إلى زمن بني العباس وقبلهم بني أمية، ولا أقل من الشك وهذا التشكيك لا يوجب حمل لفظ الخمس على خصوص المعنى الاصطلاحي.

ومن هنا شكك الشيخ حسين على المنتظري[22] في حمل اللفظ على الخمس الاصطلاحي، وكذلك شكك شهيد العصر السيد محمد باقر الصدر ـ رضوان الله عليه ـ في حملها على المعنى الاصطلاحي[23] ، وتبعه سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في كتابه[24] ، وأيضا ماله ذلك شيخنا الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه[25] وانتهى إلى شيء متين وهو لزوم الاحتياط، فما هو مقتضى الاحتياط؟

مقتضى الاحتياط الجمع يعني أن يجمع الذمي بين خمس رقبة الأرض وخمس النتاج ولكن هذا يتعارض يتعارض مع أن الأصل يكون خمس واحد لا خمسان فيكون مقتضى الاحتياط المصالحة أن يصالح الحاكم الشرعي الذمي.

قال شيخنا الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي[26] قال: <يشكل الفتوى بوجوب الخمس بمعناه المعروف في هذه الأراضي فالأحوط المصالحة مع الذمي بالنسبة إلى رقبة الأرض وبالنسبة إلى عوائدها للعلم الإجمالي بتعلق الخمس بأحدهما من غير تعيين خاص. نعم، مقتضى الأصل وجوب الاحتياط عليه بالجمع بينهما ولكن مقتضى الأصل أيضاً عدم جواز الأخذ منه من ناحية الحاكم الشرعي الزائد من القدر المتيقن> طبعا تقديم وتأخير في العبارة، هو يريد أن يقول: عدم جواز أخذ الزائد من القدر المتيقن ما يجوز للحاكم الشرعي <فالطريق هو المصالحة فتدبر جيداً>.

النتيجة النهائية التي نخرج بها: أننا لا نجزم بحمل لفظ الخمس في صحيحة الحذاء على خصوص الخمس الاصطلاحي ويقرب حملها على خمس النتاج ولو شككنا في ذلك فالأحوط هو المصالحة والاحتياط طريق النجاة والله هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

أصل المسألة الجهة الثانية في متعلق الخمس يأتي عليه الكلام.

 


[1] الحدائق الناظرة، الشيخ يوسف البحراني، ج12، ص360..جواهر الكلام، المحقق النجفي، ج16، ص67
[8] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص18.
[11] مناقب آل أبي طالب - ط المكتبة الحيدرية، ابن شهرآشوب، ج1، ص97.الوسائل، ج11، ص99 الباب41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح1.
[14] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج1، ص237.كتاب النهاية ونكتها، الشيخ الطوسي، ج1، ص448.
[20] الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص18.
[21] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص19.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo