< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مصرف خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى ـ رحمه الله ـ :

<ومصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصح>[1] .

الأقوال في مصرف خمس الأرض التي اشتراها الذمي

يمكن أن يذكر لهذه المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول أن يكون مصرف هذا القسم مصرف غيره من أقسام الخمس السبعة وهو ظاهر الأصحاب، بل عن الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ نفي الخلاف فيه بعد ذكره الإجماع عليه[2] .

القول الثاني مصرفه مصرف الزكاة، فقد استشكل صاحب المدارك السيد محمد العاملي سبط الشهيد وصاحب المنتقى الشيخ حسن صاحب المعالم ابن الشهيد الثاني في أن يكون مصرف خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم هو مصرف سائر موارد الخمس[3] .

القول الثالث مصرفه مصرف الخراج، فيكون في بيت المال وبيد الحاكم الشرعي، وهو قول سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[4] ، وشيخنا الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي[5] .

هذا تمام الكلام في ذكر الأقوال في المسألة.

 

مدرك الأقوال الثلاثة

مدرك القول الأول دعوة إنصراف إطلاق الخمس إلى إرادة الخمس المعهود، إما بدعوى صيرورة لفظ الخمس حقيقة شرعية في الخمس المصطلح في عهد الإمام الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ ، أو لا أقل من كون لفظ الخمس حقيقة متشرعية في الخمس المصطلح في عهد الأئمة، ومن جاء من بعدهم من الأصحاب بحيث أصبح لفظ الخمس ينصرف إلى خصوص الخمس المعهود والمصطلح، فإذا كان المراد من لفظ الخمس غيره وجب التنبيه عليه، وعدم البيان كاشف عن إرادة الخمس المعهود الذي يقسم بين أرباب الخمس.

وقد ذهب إلى هذا القول شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ مسلم الداوري[6] تبعاً لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[7] .

الإشكال على القول الأول

وفيه:

أولاً أن دعوى الإنصراف لا أب لها ولا أم فمن السهل إدعاء الإنصراف على شيء وأنت تدعي الإنصراف على شيء مقابل له فأصل كبر الإنصراف محل تأمل ما لم تقم القرائن الموجبة للوثوق والاطمئنان بتحقق هذا الإنصراف فأكثر دعاوى الإنصراف قابلة للتأمل، لذلك قال أحد الأعلام أن دعوة الإنصراف لا أب لها ولا أم.

وثانيا دعوة الإنصراف في خصوص هذه الصغرى وهي مورد بحثنا غير صحيحة وقد تطرقنا إلى الروايات الشريفة وإلى أقوال الفقهاء ومنهم الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف والتي ذكرت الخمس ضعف العشر وأنه يثبت في خمس نتاج الأرض لا في أصل رقبة الأرض الذي هو الخمس المصطلح، مما يعنيه أنه في زمن الأئمة وعصر فقهاء المتقدمين كما كان يطلق لفظ الخمس على الخمس المعهود الثابت في رقبة الأرض كان أيضاً يطلق لفظ الخمس على خمس نتاج الأرض الذي هو بمثابة ضريبة الخراج.

إذاً القول الأول ليس بتام وقابلٌ للتأمل.

مدرك القول الثاني

تخيل تقيد الأرض بالزراعة وأن الخمس متعلق بحاصل الزراعة بدلاً عن الزكاة فإنه خراج.

فقد استشكل صاحب المدارك وصاحب المنتقى في حمل لفظ الخمس على الخمس المصطلح فإذا لم يثبت الخمس في رقبة الأرض يحتمل يثبت الخمس في نتاج الأرض، وهو مضاعفة للزكاة فالزكاة على المسلم تثبت في العشر وقد ضوعفت الزكاة على الذمي فثبت له عشران وهو مقدار الخمس.

الإشكال على القول الثاني

وفيه: إن هذا مجرد احتمال، والاحتمال مالم تتجمع عليه القرائن المورثة للوثوق والاطمئنان لا عبرة به.

إذاً القول الثاني فيه تأمل كبير وليس بتام.

مدرك القول الثالث

والصحيح هو القول الثالث لما ثبت لدينا من أن لفظ الخمس الوارد في صحيحته أبي عبيدة الحذاء يحمل على خمس النتاج لا خمس رقبة الأرض، ومن الواضح أن خمس النتاج يثبت في خصوص الأرض الزراعية لا في مطلاق الأرض، وأن الذمي يكلف بالخراج خراج الأرض وخراج نتاج الأرض، وأن مصرف الخراج بيد الحاكم الشرعي فإن الخراج ضريبةٌ تؤخذ من الذمي وتوضع في بيت المال ويتصرف فيها الحاكم الشرعي الذي هو ولي بيت المال.

خلاصة الجهة الثالثة

مصرف خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم هو مصرف الخراج في بيت المال لا مصرف الزكاة ولا مصرف الخمس المعهود والله العالم.

هذا تمام الكلام في الجهة الثالثة.

 

الجهة الرابعة

هل يختص الحكم بشراء الأرض أو يعم الانتقال للأرض؟

أقوال ثلاثة:

القول الأول اختصاص خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم بخصوص الشراء ولا يعم سائر المعاوضات فلو انتقلت الأرض إلى الذمي بصلح أو معاوضة غير البيع والشراء فإنه لا يثبت فيها الخمس واختصاص الخمس بخصوص الشراء هو ظاهر المشهور، وذهب إلى هذا القول المحقق الهمداني والسيد محسن الحكيم[8] .

القول الثاني التعدي من الشراء إلى خصوص سائر المعاوضات دون مطلق الانتقال فيعم البيع والصالح لكنه لا يشمل الهبة التي هي انتقال وليس فيه عوض وكلامنا في الهبة غير المعوضة، وهذا القول يظهر من الشيخ جعفر كاشف الغطاء والسيد الماتن صاحب العروة الوثقى[9] .

القول الثالث التعدي من الشراء إلى مطلق الانتقال فالمدار كل المدار على سلطنة الذمي على الأرض فمتى ما تسلط الذمي على أرض مسلم بمطلق الانتقام ولو كان هبة فضلاً عن البيع والشراء بل سائر المعاوضات كالصلح وغير فإنه يثبت الخمس.

هذا القول قال به الشهيدان الأول والثاني والفيض الكاشاني فإنهم عنونوا المسألة بعنوان أرض المنتقلة، واختاره سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[10] .

هذا تمام الكلام في عرض أقوال المسألة.

أدلة المسألة:

دليل القول الأول وهو أن يختص خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم بخصوص معاوضة الشراء، وهذا هو مقتضى الجمود على النص والفتوى، فإن صحيحة أبي عبيدة الحذاء ومرسلة المفيد وكلمات القدماء كالشيخ الطوسي قد ذكرت خصوص عنوان الشراء، والحكم بالخمس على خلاف القاعدة فنقتصر فيما خالف الأصل والقاعدة على خصوص القدر المتيقن.

والقدر المتيقن هو خصوص عنوان الشراء فلا نتعدى عنه إلا بدليل، ولم يثبت الدليل فتكون النتيجة اختصاص وجوب الخمس بخصوص عنوان شراء الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

دليل القول الثاني إلغاء خصوصية الشراء فإن العرف يرى مطلق المعاوضة فمطلق الانتقام بعوضٍ يثبت فيه الخمس فيتعدى من الشراء إلى سائر المعاوضات لكنه لا يعم سائر الانتقالات لأن البيع والشراء عبارة عن انتقال بعوض فهو من المعاوضات والتعدي من المعاوضة إلى مطلق الانتقال يحتاج إلى دليل والعرف يفهم التعدي من الشراء إلى مطلق المعاوضات لأنه لا توجد خصوصية للشراء.

دليل القول الثالث وهو التعدي من الشراء إلى مطلق الانتقال وهو التمسك بمناسبة الحكم والموضوع فهذه القرينة تقضي بمطلق الانتقال من المسلم إلى الذمي ولو لم يكن بمعاوضته إذ أن خصوصية الشراء بل المعاوضة ملغاة بحسب الفهم العرفي، وحالها حال حرمة بيع المصحف على الكافر، فإنه وإن ورد عنوان البيع في حرمة بيع المصحف على الكافر لكن بحسب مناسبة الحكم والموضوع يفهم العرف أن المراد عدم جواز تسليط الكافر على كتاب الله فلا خصوصية لخصوص البيع.

وبالتالي المصالحة تحرم مع الكافر على كتاب الله، تحرم هبة الكافر على كتاب الله وإن وردت الدليل خصوص عنوان البيع.

كذلك يفهم العرف أن الشريعة الغراء سعت لمنع انتقال أراضي المسلمين إلى أيدي الذميين لذلك غلظت الضريبة وأقرت الخمس، فمتى ما تسلط الذمي على أراضي المسلمين ولو ببيع أو مصالحة أو هبة وجب عليه التخميس.

إذاً العرف لا يرى خصوصية للشراء أو المعاوضة بل يرى إلغاء الخصوصية فبيع الأرض أرض المسلم للذمي هي من قبيل بيع العبد المسلم على الذمي ومن قبيل بيع المصحف الشريف للكافر، فالروايات منعت عن بيع العبد المسلم للكافر بقاعدة السبيل ولم يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وكذلك منعت من بيع المصحف من الكافر كذلك هذا المورد مورد بحثنا بحسب مناسبة الحكم والموضوع يفهم أنه لا خصوصية في البيع.

هذا ليس من باب بيع الغرار بيع الغرار هناك خصوصية في البيع لذلك نهي عن الغرر فيه فلا يمكن أن نتعدى من البيع الغرري إلى غيره نظراً لوجود خصوصية في البيع، وأما في بيع الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم فلا توجد خصوصية.

هذا تمام الكلام في عرض أدلة المسألة.

والصحيح: إنه تارةً نبني على أن الخمس هو خصوص الخمس المصطلح فتأتي هذه الأقوال الثلاثة، وتارة نبني على أن المراد بالخمس ليس هو الخمس المصطلح بل هو خمس نتاج الأرض كما هو الصحيح عندنا، وبالتالي تختص الأرض بخصوص الأرض الزراعية لا مطلق الأرض كما رجحنا ذلك في الجهة السابقة.

وكذلك لو بنينا على أن المراد بالخمس هو خمس نتاج الأرض كما هو الصحيح عندنا لا خمس رقبة الأرض ففي هذه الحالة هل نحمل الخمس هنا على خصوص الشراء أو مطلق المعارضة أو مطلق الانتقام واضح أو لا؟

الظاهر والله العالم أن البحث بناءً على أن الخمس عبارة عن ضريبة للأرض الزراعية سيخرج عن الخمس التعبدي المعهود والمصطلح لكي ننظر في الأدلة هل نقتصر على خصوص خصوصية الشراء وهي القدر المتيقن أو نتعدى منها ببركة العرف إلى مطلق المعاوضة أو نتعدى أكثر إلى مطلق الانتقال ببركة مناسبة الحكم والموضوع، هذا لو كان الخمس قد ثبت بدليل تعبدي.

ولكن إذا حملنا الخمس على خمس نتاج الأرض يعني صار الخمس تبع إلى ماذا؟ إلى الخراج، فيكون تابع لأصل الأرض كما أن أرض الذمي فيها خراجٌ كذلك نتاج أرض الذمي فيها خراج الذي هو مقدار الخمس[11] .

وقد أفاد السيد محمود الهاشمي الشاهرودي أنه لو حملنا الأرض على الأرض الرزاعية وخمس نتاج ففي هذه الحالة بعد ما يختص الموضوع بخصوص الشراء المهم تسلط ماذا؟ تسلط الذمي على الأرض وعلى نتاج الأرض.

البناء على الخمس المعهود

ولكن لو بنينا على الخمس المعهود فأي هذه الأقوال هو الصحيح؟

الجواب: لا يبعد أن يكون القول الثالث هو الصحيح تمسكاً بمناسبة الحكم والموضوع، لكن لو قامت شواهد تورث الوثوق والاطمئنان بأن الخمس ضريبة تعبدية شرعها الشارع المقدس لكي لا يحصل تساهل وتنتقل أراضي المسلمين إلى الذميين، فلو جزمنا بذلك أو لا أقل حصل الاطمئنان بأن تمام النكتة في تشريع ضريبة الخمس هو عدم انتقال الأرض إلى الذمة فحينئذ نقول بالقول الثالث مطلق الانتقال.

ولكن إذا لم نجزم ولم يحصل لدينا اطمئنان سيكون هذا القول قياس ورجم بالغيب وتنقيح للمناط من دون دليل فلابد من الاقتصار على القدر المتيقن وهو خصوص الشراء وعدم التعدي إلى مطلق المعاوضة فضلاً عن مطلق الانتقال.

الآن نختم بقراء نصّ صاحب العروة ـ رحمه الله ـ نحن آخرناه لأنه فيه احتياط، قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ : <وفي وجوبه في المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعارضات إشكال فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة، وإن كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوة>[12] .

ومن الواضح أن السيد محمد كاظم اليزدي في العروة يفتي بوجوب الخمس في مطلق المعاوضات التي توجب انتقال الأرض من المسلم إلى الذمي لكنه احتاط في اشتراط مقدار الخمس على الذمي في عقد المعاوضة، ووقع بحث لا نطيل فيه في أن هذا الشرط هل هو شرط النتيجة؟ أو هو شرط الفعل؟ واستظهر شيخنا الأستاذ الداوري بحق أنه شرط الفعل[13] ، وأما سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي فتكلم بناء على أنه شرط النتيجة أو بناء على أنه شرط الفعل وذكر الإيرادات عليه[14] .

فلو حملنا الشرط على شرط الفعل يعني أيها الذمي أبيعك الأرض بشرط أن تفعل هذا وهو أن تخرج مقدار الخمس إلا أن شرط الفعل هذا مبتلى بإشكالين مهمين:

الإشكالين لو حملنا الشرط على شرط الفعل

الأول يلزم أن نقول بوجوب الاشتراط على الذمي وعدم صحة المعاوضة بدون هذا الاشتراط، وهذا لا دليل عليه، لا يوجد دليل ينص على وجوب الاشتراط على الذمي وأن المعاوضة تكون باطلة عاطلة بدون هذا الشرط.

الثاني لزوم إعمال الخيار وهو الفسخ عند تخلف الشرط وعدم إمضاء العقد، فلو اشترط البائع المسلم على الذمي شرط الفعل هذا وهو وجوب إخراج الخمس وتمت المعاوضة إلا أن الذمي لم يخرج مقدار فهل نلتزم أنه يجب على المسلم أن يعمل الخيار خيار تخلف الشرط، ويجب عليه أن يفسخ العقد ولا يجوز له أن يمضي هذا العقد.

والحال أنه لا دليل يثبت الوجوب ويحق له أن يعمل خيار تخلف الشرط لكن لا يجب عليه، وهذا الوجوب يحتاج إلى دليل.

إذا هذه التخريجة التي ذكرها صاحب العروة ـ قدس سره ـ مبتلات بعدة إشكالات أهمها هذان الإشكالان بناءً على أن الشرط شرط فعل لا أن الشرط شرط نتيجة شرط النتيجة أيضاً بإشكالات لا داعي للتفصيل فيها تراجعون تقرير السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ .ه

هذا تمام الكلام في الجهة الرابعة

الجهة الخامسة كيفية استيفاء هذا الخمس يأتي عليها الكلام.

 


[3] مدارك الأحكام، ج5، ص386..ملتقى الجمان في الأحاديث الصحيحة والحسان، ج2، ص443
[6] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص22.
[11] كتاب الخمس، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ج1، ص409.
[13] الخمس في فقه أهل البيت، ج1، ص25.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo