الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/04/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الصورة الثالثة إذا كان البائع للأرض المفتوحة عنوة من آحاد المسلمين
فعموم هذه الرواية يشمل مطلق الأرض ومنها الأرض المفتوحة عنوة، وحينئذ لا إشكال في وجوب الخمس على الذمي.
فإذا قلنا بثبوت الآثار تتحقق ملكية متزلزلة ومحدودة تزول بزوال الآثار فحينئذ تكون الأرض ملكاً لشخص من أحياها بإحياء الآثار فيها إلا أن ملكيته تكون ملكية مؤقتة غير دائمة، ولا فرق في وجوب الخمس على الذمي بينما إذا كانت الأرض المشتراة من المسلم ملكاً دائمياً للمسلم أم كانت ملكاً مؤقتاً نظراً لإطلاق الدليل الشامل لصورة الملك المؤقت للأرض.
إذاً يجب على الذمي الذي اشترى الأرض التي أحياها آحاد المسلمين سواء كانت الأرض خربة فأحياها المسلم أو كانت محياة فأحيا فيها الآثار لكن بناء على هذين المبنيين.
أما بالنسبة للاحتمال الأول فيثبت الخمس إذا قلنا إن إحياء الأرض يثبت الملكية مطلقاً حتى لو كانت الأرض مفتوحة، وفي الاحتمال الثاني يثبت الخمس على الذمي بناء على القول بثبوت الملكية المتزلزلة للمسلم الذي أحيا الأرض.
ولكن قد يتأمل بناءً على مباني أخرى فإذا قلنا إن الأرض المفتوحة عنوة لا يشملها دليل من أحيا أرضاً مواتاً فهي له ولا تثبت الملك لأي أحد إذا أحيا الأرض المفتوحة عنوة ولو بالآثار فسواء أحياها وهي خربة أو أحيا فيها الآثار وهي محياة فإن الأرض المفتوحة عنوة تبقى ملكيتها ملكاً عاماً لعامة المسلمين وليس لمن أحياها إلا الانتفاع بها، ويعبر عنه بحق الاختصاص، فبما أنه أحيا الأرض المفتوحة عنوة يثبت له حق الاختصاص، وليس هذا ببعيد.
هذا الحقّ نظير الحقّ الثابت في الأوقاف من أن من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحق به[2] .
القول الأول ما يظهر من الشيخ الأنصاري[3] والسيد محمد كاظم اليزدي في المسألة أربعين من العروة الوثقى من وجوب الخمس على الذمي أيضاً لأننا وإن لم نقل بملكية الأرض وقلنا بالاختصاص إلا أن الأرض تبع للآثار وقد صارت الأرض تحت تصرف الذمي وصار الذمي مستحقاً لها فهذه الأرض وإن كانت غير مملوكة لكن هذه الأرض تقابل بمال من حيث إنها مستحقة غير مملوكة.
فهذه الأرض وإن لم تملك حقيقة لكنها في حكم الشراء عرفاً ويصدق عرفاً على الذمي أنه اشترى الأرض والآثار فيثبت عليه خمس ذلك المال.
وتبعه على ذلك تلميذه الوفي شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[5] ، وما ذهب إليه تام لا غبار عليه إذ الأصل حمل العناوين على الموضوعية والاستعمال الحقيقي، والرواية تقول: الذمي إذا اشترى الأرض المسلم>[6] أي اشتراها حقيقة لا عناية، فما أفاده سيد أساتذتنا السيد الخوئي تامٌ لا غبار عليه.
قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى: لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكية الذمي بعد شرائه أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر كما لو باعها منه بعد الشراء أو مات وانتقلت إلى وارثه المسلم أو ردها إلى البائع بإقالة أو غيرها فلا يسقط الخمس بذلك بل الظاهر ثبوته أيضاً لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره[7] .
المسألة الحادية والأربعون تتطرق إلى أنه لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم بين بقاء الأرض على ملكية الذمي أو انتقالها عنه.
ظاهر الأدلة أن الخمس قد ترتب على حيثية الحدوث دون حيثية البقاء وسنتطرق إن شاء الله تعالى إلى عدة صور وسيتضح إن شاء الله ثبوت الخمس على الذمي في جميع هذه الصور إذا تحقق عنوان حدوث الشراء وحدوث الملكية وإن زالت الملكية بعد لحظات.
إذاً هل يكفي مجرد حدوث الملك بالشراء في وجوب الخمس على الذمي أم أن هذا الوجوب مشروط بالبقاء فيسقط الخمس عن الذمي بخروج ملكية الأرض عن ملكه؟
ظاهر النصّ هو عنوان الحدوث ولم يقيد بالبقاء، فلو اشترى الذمة الأرض من مسلمٍ ثم باعها أو وهبها أو مات وانتقلت إلى وارثه أو ردها بإقالة وقال للبائع اقلني أو ردها بفسخٍ كما لو كان للبائع حقّ خيار الفسخ ضمن العقد وفسخ البائع إذا الانتقال والخروج عن ملكية الذمي يتحقق بأمور:
ونتطرق إلى أهم هذه الصور فنذكر ثلاث صور بلحاظ حكم هذه الصور:
فالبيع بالاضافة إلى المقدار مقدار الخمس المتعلق بالأرض يكون باطلاً، ويتوقف على إجازة ولي الخمس وهو الحاكم الشرعي.
نعم، إذا اجاز الحاكم الشرعي البيع أو النقل انتقل الخمس المتعلق بالعين إلى العوض وهو الثمن في مثل البيع وينتقل إلى ذمة الذمي في غير المعاوضة كالهبة.
قد يقال بأن أخبار التحليل تشمله فإذا قلنا إن أخبار التحليل مالنا لشيعتنا تشمل التجارات فحينئذ إذا تلقى الإمامي مالاً ممن لا يعتقد الخمس أو ممن يعتقد الخمس إلا أنه لا يخمس عصياناً فحينئذ لا يجب عليه التخميس.
بعض الروايات هكذا الأب لا يخمس الأولاد ورثوا الإمام ـ عليه السلام ـ يقول: <عليه الغرم ولكم المهنأ فإننا قد طيبناه لكم> فإذا التزمنا بروايات التحليل والتزمنا بعمومها وقلنا إنها تشمل حتى التجارات ولا تختص بالإرث وغيره فحينئذ لا يجب الخمس على من انتقلت إليه.
لكن هذه مسألة ومسألة وجوب الخمس على الذمي مسألة أخرى إذا هاتان مسألتان لا ينبغي الخلط بينهما فإن وجوب الخمس على الذمي ثابتٌ بمجرد شراء الأرض فبمجرد حدوث ملكية الأرض يجب على الذمي الذي ملك الأرض أن يخمسها سواء باعها بعد ذلك أو وهبها أو مات عنها وورثها مسلم أو حدثت إقالة أو أو إلى آخره
فيكفي عنوان حدوث ملكية الذمي للأرض لثبوت وجوب الخمس على الذمي هذه مسألة.
يراجع بحث السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ مستند العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة مئة وسبعة وثمانين كذلك ما أفادة شيخنا الأستاذ تبعاً للسيد الخوئي كتاب الخمس في فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة ستة وثلاثين الشيخ مسلم الداوري.
ولعل الوجه في السقوط أحد أمرين:
فالصحيح في الصورة الثانية أيضاً هو ثبوت الخمس على الذمي.
القول الأول ثبوت الخمس وعدم سقوطه.
وقد اختار ذلك الماتن السيد محمد كاظم اليزدي في هذه المسألة واحد وأربعين من العروء الوثقى، والسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة مئة وسبعة وثمانين.
والسرّ في ذلك هو التمسك بإطلاق النصّ وشموله للملك المستقر والمتزلزل معاً فالمدار على حيثية حدوث الملكية فإذا حدثت الملكية للذمي ولو للحظة واحدة ثبت الخمس.
فقد تأمل في صاحب الجواهر[9] والمحقق الهمداني[10] ، وقد تقدم تأمل الشهيد الأول في البيان والشهيد الثاني في مسالك الأفهام بدعوى التبادر من النصّ وانصرافه إلى خصوص الملك المستقر دون المتزلزل فلا يعم ما إذا ردّها بخيارٍ كان له بشرط أو غيره خصوصاً في مثل خيار المجلس فلو اعمل خيار المجلس فإن العرف لا يرون أن الذمي قد اشترى شيئاً مع حصول الفسخ.
والظاهر أن هذا التأمل في محله ومقتضى الأصل عدم وجوب الخمس حينئذ هذا إذا كان إعمال الخيار من البائع.
والصحيح ما صححه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي شيخ الصناعة العلمية فإن الظاهر من النصّ الشريف حدوث الملكية فمتى ما حدثت ملكية الذمي للأرض ويصدق عليه أنه اشترى أرضاً ثبت الخمس فإذا ثبتت الملكية وحدثت ثم زالت ولم تبقى بسبب إعمال البائع للخيار فإنه في العرف هل يقال هذا الذمي أصلاً ما اشترى أرض لأنه بطل البيع في الأثناء أو يقول العرف هذا الذمي مسكين اشترى الأرض لكن البائع أبطل البيع في أثناء المجلس ماذا يقول العرف؟
لا شكّ ولا ريب أن العرف يقول: إن الذمي قد اشترى لكن البائع قد فسخ ولا يقول العرف إن الذمي لم يشتري أصلاً بل يقول العرف إن الذمي قد اشترى لكن حظه تعبان البائع في نفس المجلس فسخ واعمل الخيار، ولا يقول العرف أن الذمي ما اشترى أصلاً.
فمن الواضح بلحاظ العرف أن عنوان الشراء قد تحقق والبائع فسخ والأحكام تابعة للعناوين ووجوب الخمس تابع لعنوان حدوث الملكية فإذا حدثت ملكية الذمي للأرض ولو للحظة واحدة ثبت وجوب الخمس عليه والله العالم.
إذا كنا والصناعة فإن الصناعة العلمية تقتضي وجوب الخمس على الذمي إذا أقاله البائع فيما بعد لأن حدوث الأرض حدوث ملكية الأرض قد ثبت للذمي غاية ما في الأمر أن ملكيته لم تبقى بسبب فسخ البائع والله العالم.
هذا تمام الكلام في مسألة واحد وأربعين.