الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/04/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: جلسة115.إذا اسلم الذمي بعد شراء الأرض
إذا اشترى الأرض من المسلم ثم اسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس. نعم، لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه على القبض فاسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه لعدم تمامية ملكه في حال الكفر.[1]
قال سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: «أيما ذمي اشترى من مسلمٍ أرضاً فإن عليه الخمس»[2] .
إذا حكم الصورة الأولى وجوب الخمس على الذمي وعدم سقوطه عنه تمسكاً بإطلاق الرواية.
الصورة الأولى إذا اشترى الأرض الذمي من المسلم ثم اسلم بعد الشراء في هذه الحالة لا يسقط عنه الخمس الصورة الأولى لا أنه أدى الخمس الصورة الأولى اسلم الذمي بعد شراء الأرض وأداء الخمس. صحيح، إذا أدى الخمس واضح أنه لا عليه.
إذا اشترى الأرض من المسلم ثم اسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس. [3]
فهذا من قبيل ما لو اشترى أو اشتري للذمي من المسلم فضولياً فاسلم الذمي قبل تحقق الإجازة فحينئذ لم يتحقق موضوع الشراء والملكية ولم يصدر من الذمي الشراء حال كفره، فما وقع حال الكفر لم يتصف بعنوان الشراء وما اتصف به لم يقع حال الكفر، فلا يجب عليه الخمس لعدم تحققه تحقق موضوعه وهو الشراء حال الكفر.
هكذا ذكر سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي، وتبعه تلميذه الوفي الشيخ مسلم الداوري في كتاب الخمس في فقه أهل البيت.
وإن التزمنا أن القبض يكشف عن صحة المعاملة سابقاً فكشف القبض يكشف عن أن المشتري قد اشترى الأرض وكان ذمياً ولم يكن مسلماً، وبالتالي يثبت عليه موضوع وجوب تخميس الأرض التي اشتراها من المسلم.
والظاهر في هاتين الصورتين تحقق موضوع وجوب الخمس وهو ملكية الكافر الذمي لأرض المسلم حال كفره، فالصورتان تشتركان في أن الإسلام قد وقع بعد تملك الذمي للأرض، وإن كان في الصورة كان قبل القبض.
الصورة الثانية قبل أداء الخمس والصورة الثالثة قبل القبض.
مقتضى القاعدة وجوب الخمس عليه وعدم السقوط عنه.
وهنا يأتي بحثٌ مهم هو أنه هل يمكن التمسك بقاعدة الجب وأن الإسلام يجب ما قبله فإذا اسلم الكافر لم يجب عليه قضاء شيء كالصلاة والصيام والزكاة والخمس وغير ذلك حينما كان كافراً.
فالذمي إذا اسلم لا يطالب بما تعلقت به ذمته من الحقوق كالزكوات والأخماس والفرائض الثابتة عليه قبل إسلامه.
فقد ذهب مشهور الفقهاء إلى قاعدة وثبوت قاعدة تكليف الكفار بالفروع، وخالف في ذلك السيد أبو القاسم الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ وبحث هذه القاعدة بشكلٍ مفصل له محل آخر ويخرج البحث عن موضعه.
هذا يبحث في القواعد الفقهية أو في موضع في بحوث الفقه إذا استدعى الإطالة.
فلقائل أن يلتزم بأن قاعدة الجبّ توجب سقوط وجوب خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم إذا اسلم في الصورة الثانية والصورة الثالثة.
وقد ناقش سيد أساتذتنا السيد الخوئي في التمسك بها بثلاث مناقشات يمكن مراجعتها في كتاب الواضح في شرح العروة الوثقى تقرير الشيخ محمد الجواهري بحث السيد الخوئي كتاب الخمس الجزء السادس صفحة مئتين وسبعة. [5]
ولنذكر أولاً مدرك القاعدة، مدرك القاعدة حديث مروي عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وهو حديث نبوي مشهور مفاده: «الإسلام يجب ما قبله»[6] .
إن حديث الجب ضعيف السند وغير ثابت من طرقنا بطريق صحيح. نعم، المعلوم خارجاً هو قيام السيرة القطعية على عدم مطالبة الكفار بعد إسلامهم بما يخص الإسلام، فلم يعهد أن الكافر إذا اسلم يطالب بقضاء الصلاة هو الصوم والزكاة وغيرها من الأمور الواجبة والثابتة على المسلمين.
فقد يقال إن هذه السيرة العمل هي دليلٌ على عدم وجوب الخمس على الذمي إذا اسلم قبل أداء الخمس.
إذا التمسك بالحديث لا يمكن لأنه نبوي مروي من طرق العامة ولم يصلنا بطريق صحيح وسند صحيح، وإذا أريد التمسك بالسيرة العملية القطعية للمسلمين فهنا توجد ثلاث مناقشات:
لا نريد أن نجزم بعدم تكليف الكفار بالفروع ولكن يحتمل أن هذه السيرة من جهة أن الكافر لا يكلف بالفروع فتكون السيرة العملية لازم أعم.
تارة نستدل على سقوط الخمس عن الذمي إذا اسلم بحديث الجب، فنقول: إن حديث الجب نبوي وردنا من طرق العامة ولم يصلنا بطريق صحيح عندنا، وتارة نستدل على عدم وجوب الخمس بالسيرة العملية القطعية للمسلمين، والسيرة دليل لبي عملي وليست دليلاً لفظياً، فهنا نقول، يوجد الاحتمالان:
فقد يكون عدم الأخذ منه من جهة عدم ثبوت قاعدة تكليف الكفار بالفروع، وقد يكون من جهة قاعدة الجب
إذا لا يمكن التمسك بالسيرة التي هي دليل لبي لإثبات قاعدة الجب.
وموطن بحثنا هو ما مضى ولا يزال باقياً وهي الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، فالكافر لا يطالب بقضاء الصلاة والصوم والزكاة والخمس الذي مضى وتلف لكن إذا كان مورد الخمس لا يزال باقياً، وهي الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم في هذه الحالة قد يقال يبقى ذلك، والسيرة دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن ولا لسان له حتى نتمسك بإطلاقه والقدر المتيقن ما مضى وتلف دون ما مضى ولا يزال باقياً.
وهذا من قبيل ومثيل الأحكام المبنية على الضرر التي لا تشملها قاعدة لا ضرر، فمن الواضح أن قاعدة لا ضرار تثبت حكماً ثانوياً وهو سقوط الأحكام التي يلزم منها الضرر فالوضوء واجبٌ لكن لو تضرر المكلف من الماء فإنه يسقط وجوب الوضوء وينتقل إلى التيمم ببركة قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
ولكن هل يمكن أن نجري قاعدة لا ضرار في الجهاد؟ ونقول يسقط وجوب الجهاد لأنه يؤدي إلى إهلاك النفس ويسقط وجوب الزكاة لأن فيه ضرر مالي ويسقط وجوب الخمس لأنه فيه ضرر مالي؟!
كلا وألف كلا.
أن حكم وجوب الجهاد مبني على إتلاف النفس، وحكم وجوب الزكاة والخمس مبني على الضرر المالي فيقال: إن قاعدة لا ضرار لا تشمل التي مبنية من أساسها على الضرر كذلك الكلام في موطن بحثنا فحتى لو صححنا حديث الجب وأن الإسلام يجب ما قبله وحتى لو صححنا السيرة العملية القطعية والتزمنا بأن المسلمين قد جرت سيرتهم القطعية والعملية على عدم الأخذ من الكافر وعدم تكليف الكافر بما كان ثابتاً في حقه أيام كفره فإن هذا النصّ وهذه السيرة لا تشمل مورد بحثنا لماذا؟
لأن مورد بحثنا هو ثبوت وجوب الخمس بحيثية خاصة وهو أنه عند الشراء كان ذمياً وهذه الحيثية ثابتة ما يشملها حديث الجب ولا تشملها السيرة العملية القطعية.
نعم، لو قلنا أنه يجب الخمس على الذمي بلحاظ كونه مكلفاً بالفروع كالأصول كسائر آحاد المسلمين والتزمنا بحديث الجب أو السيرة القطعية أمكن إسقاط هذا الحكم، لكننا لا ندعي أن وجوب الخمس ثبت على الذمي بقاعدة تكليف الكفار بالفروع حتى يسقط بحديث الجب أو السيرة القطعية، بل نلتزم بأن وجوب الخمس عليه قد ثبت لحيثية خاصة وهو كونه ذمياً عند الشراء خصوصاً على مبنانا الذي نلتزم فيه بأن الخمس ضريبة وخراج على نتاج الأرض حتى أراضي المسلمين لا تذهب إلى الكفار فإنه على هذا المبنى يصير واضح أن الحيثية التي أوجبت هنا لا يكون الخمس كسائر موارد الخمس الستة التي هي عبارة عن غنيمة بل يكون هذا المورد السادس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم عبارة عن ضريبة وغرامة بمثابة الخراج وهذا الخراج بلحاظ كونه ذمياً وقد كان ذمياً فيتحقق الموضوع ولا يسقط هذا الموضوع بحديث الجب، لأنه لم يكلف بوجوب الخمس بلحاظ أن الكافر مكلف بالفروع بل لخصوصية خاصة وهي أنه كان ذمياً، فحينئذٍ لا يشمله حديث الجب ولا تشمله السيرة القطعية.