< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: جلسة115.إذا اسلم الذمي بعد شراء الأرض

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى، المسألة أربعة وأربعون:

إذا اشترى الأرض من المسلم ثم اسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس. نعم، لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه على القبض فاسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه لعدم تمامية ملكه في حال الكفر.[1]

 

هذه المسألة فيها صور، ويمكن أن نذكر أربع صور:

الصورة الأولى أن يسلم الذمي بعد شراء الأرض وأداء الخمس.

الصورة الثانية أن يسلم الذمي بعد شراء الأرض وقبل أداء الخمس.

الصورة الثالثة أن يسلم الذمي بعد الشراء وقبل القبض ولم يكن الملك متوقفاً على القبض.

الصورة الرابعة أن يسلم الذمي بعد الشراء وقبل القبض وكان الملك متوقفاً على القبض.

 

ولنشرع في بيان حكم هذه الصور الأربع:

حكم الصورة الأولى وجوب الخمس على الذمي وعدم سقوطه عن ذمته لأن الذمي بإسلامه لم يخرج عن موضوع وجوب الخمس الظاهر في كونه كافراً حال شراء الأرض من المسلم فيشمله إطلاق صحيحة أبي عبيدة الحذاء.

قال سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: «أيما ذمي اشترى من مسلمٍ أرضاً فإن عليه الخمس»[2] .

إذا حكم الصورة الأولى وجوب الخمس على الذمي وعدم سقوطه عنه تمسكاً بإطلاق الرواية.

حكم الصورة الثانية والثالثة

الصورة الأولى إذا اشترى الأرض الذمي من المسلم ثم اسلم بعد الشراء في هذه الحالة لا يسقط عنه الخمس الصورة الأولى لا أنه أدى الخمس الصورة الأولى اسلم الذمي بعد شراء الأرض وأداء الخمس. صحيح، إذا أدى الخمس واضح أنه لا عليه.

المسألة أربعة وأربعون:

إذا اشترى الأرض من المسلم ثم اسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس. [3]

حكم الصورة الأولى هذا الكلام في الصورة الأولى لم يؤد الخمس.

السؤال: يعني بعد أن أدى الخمس هل له أن يقول إنني قد دفعت الخمس حينما كنت ذمياً والآن اسلمت فيسقط وجوب الخمس السابق عني حينما اسلمت ونفترض أن المال باقي فهل له أن يسترجعه؟

الجواب: ليس له أن يسترجعه وأن الخمس ثابتٌ في حقّه لأنه ثبت في حال كونه ذمياً وإسلامه اللاحق لا يسقط ما تقدم.

حكم الصورة الثانية والثالثة واحدٌ وسنذكره بعد ذكر حكم الصورة الرابعة لأن الكلام طويل في حكم الصورة الثانية والثالثة.

حكم الصورة الرابعة وهو أنه لو اسلم الذمي بعد شراء الأرض وقبل قبضها والتزمنا أن ملكية الأرض تتوقف على القبض واسلم قبل أن يقبض الأرض، فقد يقال إن الشراء لم يتحقق من الذمي لأنه لم يقبض الأرض، وما صدر منه حال كونه ذمياً ليس إلا مجرد الإنشاء إنشاء البيع المحقق للشراء لكن بعد كونه فاقداً للشرط وهو القابض وبذلك لم يتحقق موضوع وجوب الخمس وهو تحقق الشراء فعلاً.

فهذا من قبيل ما لو اشترى أو اشتري للذمي من المسلم فضولياً فاسلم الذمي قبل تحقق الإجازة فحينئذ لم يتحقق موضوع الشراء والملكية ولم يصدر من الذمي الشراء حال كفره، فما وقع حال الكفر لم يتصف بعنوان الشراء وما اتصف به لم يقع حال الكفر، فلا يجب عليه الخمس لعدم تحققه تحقق موضوعه وهو الشراء حال الكفر.

هكذا ذكر سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي، وتبعه تلميذه الوفي الشيخ مسلم الداوري في كتاب الخمس في فقه أهل البيت.

والتحقيق: ما ذهب إليه سيد والمستمسك السيد محسن الحكيم[4] ، فقد فصل السيد الحكيم بين كون القبض ناقلاً أو كاشفاً، فإن التزمنا بأن القبض ينقل المعاملة من حين القبض، فحينئذ يتم هذا المطلب وهو أنه اسلم.

وإن التزمنا أن القبض يكشف عن صحة المعاملة سابقاً فكشف القبض يكشف عن أن المشتري قد اشترى الأرض وكان ذمياً ولم يكن مسلماً، وبالتالي يثبت عليه موضوع وجوب تخميس الأرض التي اشتراها من المسلم.

هذا تمام الكلام في الصورة الرابعة.

وأما الصورة الثانية حكم الصورة الثانية إذا اشترى الذمي الأرض واسلم بعد الشراء وقبل أداء الخمس،

والصورة الثالثة أن يسلم الذمي بعد شراء الأرض وقبل القبض، ولم نلتزم أن الملك يتوقف على القبض.

والظاهر في هاتين الصورتين تحقق موضوع وجوب الخمس وهو ملكية الكافر الذمي لأرض المسلم حال كفره، فالصورتان تشتركان في أن الإسلام قد وقع بعد تملك الذمي للأرض، وإن كان في الصورة كان قبل القبض.

الصورة الثانية قبل أداء الخمس والصورة الثالثة قبل القبض.

قاعدة الجب

مقتضى القاعدة وجوب الخمس عليه وعدم السقوط عنه.

وهنا يأتي بحثٌ مهم هو أنه هل يمكن التمسك بقاعدة الجب وأن الإسلام يجب ما قبله فإذا اسلم الكافر لم يجب عليه قضاء شيء كالصلاة والصيام والزكاة والخمس وغير ذلك حينما كان كافراً.

فالذمي إذا اسلم لا يطالب بما تعلقت به ذمته من الحقوق كالزكوات والأخماس والفرائض الثابتة عليه قبل إسلامه.

وهنا توجد ثلاث قواعد:

القاعدة الأولى قاعدة تكليف الكفار بأصول الدين، وهذا واضح أنه يجب عليهم الاعتقاد بأصول الدين.

القاعدة الثانية قاعدة تكليف الكفار بالفروع وأن الكفار كما أنهم مكلفون بأصول الدين كذلك هم مكلفون بفروع الدين من صلاة وصوم وزكاة وحج وخمس غاية ما في الأمر لو جاء الكافر بهذه الفروع لا تصح منه لأن العبادات مشروطة بقصد القربة ولا يتأتى منه قصد القربة.

فقد ذهب مشهور الفقهاء إلى قاعدة وثبوت قاعدة تكليف الكفار بالفروع، وخالف في ذلك السيد أبو القاسم الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ وبحث هذه القاعدة بشكلٍ مفصل له محل آخر ويخرج البحث عن موضعه.

هذا يبحث في القواعد الفقهية أو في موضع في بحوث الفقه إذا استدعى الإطالة.

القاعدة الثالثة قاعدة الجب الإسلام يجب ما قبله، فإذا التزمنا أن الكفار مكلف بالفروع إذا يجب عليهم أداء الصلاة والصوم والخمس والزكاة حال كفرهم، فإذا اسلم جاءت قاعدة الجب وجبت وألغت ما ثبت عليه سابقاً، وكلامنا في القاعدة الثالثة الآن قاعدة الجبّ.

فلقائل أن يلتزم بأن قاعدة الجبّ توجب سقوط وجوب خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم إذا اسلم في الصورة الثانية والصورة الثالثة.

وقد ناقش سيد أساتذتنا السيد الخوئي في التمسك بها بثلاث مناقشات يمكن مراجعتها في كتاب الواضح في شرح العروة الوثقى تقرير الشيخ محمد الجواهري بحث السيد الخوئي كتاب الخمس الجزء السادس صفحة مئتين وسبعة. [5]

مدرك قاعدة الجب

ولنذكر أولاً مدرك القاعدة، مدرك القاعدة حديث مروي عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وهو حديث نبوي مشهور مفاده: «الإسلام يجب ما قبله»[6] .

هذا تمام الكلام في مدرك المسألة، حديث نبوي مشهور روي في كتب العامة،أما كتاب عوالي اللئالي فيقول فيه الشيخ الأعظم الأنصاري: «وقد طعن في المؤلف والمؤلف من ليس من ديدنه الطعن» ، وهو الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق الناضرة هذا الكتاب عوالي اللئالي فيه الكثير من الروايات العامية روايات أهل السنة. [7]

 

ويمكن المناقشة بثلاث مناقشات ذكرها السيد الخوئي:

إن حديث الجب ضعيف السند وغير ثابت من طرقنا بطريق صحيح. نعم، المعلوم خارجاً هو قيام السيرة القطعية على عدم مطالبة الكفار بعد إسلامهم بما يخص الإسلام، فلم يعهد أن الكافر إذا اسلم يطالب بقضاء الصلاة هو الصوم والزكاة وغيرها من الأمور الواجبة والثابتة على المسلمين.

فقد يقال إن هذه السيرة العمل هي دليلٌ على عدم وجوب الخمس على الذمي إذا اسلم قبل أداء الخمس.

ثلاث مناقشات علي السيرة لاثبات الجب

إذا التمسك بالحديث لا يمكن لأنه نبوي مروي من طرق العامة ولم يصلنا بطريق صحيح وسند صحيح، وإذا أريد التمسك بالسيرة العملية القطعية للمسلمين فهنا توجد ثلاث مناقشات:

المناقشة الأولى يمكن أن تكون هذه السيرة من جهة عدم تكليف الكفار بالفروع ومعه كيف تكون هذه السيرة دالة على سقوط وجوب الخمس بالإسلام فإن اللازم هنا أعم من السقوط، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال.

لا نريد أن نجزم بعدم تكليف الكفار بالفروع ولكن يحتمل أن هذه السيرة من جهة أن الكافر لا يكلف بالفروع فتكون السيرة العملية لازم أعم.

تارة نستدل على سقوط الخمس عن الذمي إذا اسلم بحديث الجب، فنقول: إن حديث الجب نبوي وردنا من طرق العامة ولم يصلنا بطريق صحيح عندنا، وتارة نستدل على عدم وجوب الخمس بالسيرة العملية القطعية للمسلمين، والسيرة دليل لبي عملي وليست دليلاً لفظياً، فهنا نقول، يوجد الاحتمالان:

الإحتمال الأول هذه السيرة من قبل المسلمين على عدم أخذ الزكاة والخمس من الكافر إذا اسلم يحتمل لإيمانهم بقاعدة تكليف الكفار بالفروع وإيمانهم بقاعدة الجب وأن الإسلام يجب ما قبله هذا الاحتمال الأول.

ويوجد احتمال ثاني وهو أن المسلمين يعتقدون بعدم تكليف الكفار بالفروع لذلك لم يطالبوا الكافر إذا اسلم بالواجبات التي كانت عليه أيام كفره لأنهم لا يعتقدون بثبوت واجبات فالسيرة العملية وهي عدم أخذ الخمس والزكاة وعدم قضاء الصلاة والصوم الكافر إذا اسلم لازم أعم.

فقد يكون عدم الأخذ منه من جهة عدم ثبوت قاعدة تكليف الكفار بالفروع، وقد يكون من جهة قاعدة الجب

إذا لا يمكن التمسك بالسيرة التي هي دليل لبي لإثبات قاعدة الجب.

المناقشة الثانية قد يقال إن سيرة المسلمين على عدم مطالبة الكافر والذمي بما مضى أيام كفره من جهة عدم ثبوتها في حقهم حقّ الكافر لا قابل ولا بعد الإسلام ولكن بالنسبة إلى خصوص ما مضى وتلف ولا يشمل ما مضى وبقي.

وموطن بحثنا هو ما مضى ولا يزال باقياً وهي الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، فالكافر لا يطالب بقضاء الصلاة والصوم والزكاة والخمس الذي مضى وتلف لكن إذا كان مورد الخمس لا يزال باقياً، وهي الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم في هذه الحالة قد يقال يبقى ذلك، والسيرة دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن ولا لسان له حتى نتمسك بإطلاقه والقدر المتيقن ما مضى وتلف دون ما مضى ولا يزال باقياً.

المناقشة الثالثة لو التزمنا أن السيرة أعم أيضاً ما مضى وتلف وما مضى وبقي لكن السيرة العملية القطعية لا تشمل مورد بحثنا لأن مورد بحثنا وهي الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ثبت وجوب الخمس في هذا المورد للكافر بعنوان كونه ذمياً فلا يشمل مورد بحثنا.

وهذا من قبيل ومثيل الأحكام المبنية على الضرر التي لا تشملها قاعدة لا ضرر، فمن الواضح أن قاعدة لا ضرار تثبت حكماً ثانوياً وهو سقوط الأحكام التي يلزم منها الضرر فالوضوء واجبٌ لكن لو تضرر المكلف من الماء فإنه يسقط وجوب الوضوء وينتقل إلى التيمم ببركة قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

ولكن هل يمكن أن نجري قاعدة لا ضرار في الجهاد؟ ونقول يسقط وجوب الجهاد لأنه يؤدي إلى إهلاك النفس ويسقط وجوب الزكاة لأن فيه ضرر مالي ويسقط وجوب الخمس لأنه فيه ضرر مالي؟!

كلا وألف كلا.

والسر في ذلك:

أن حكم وجوب الجهاد مبني على إتلاف النفس، وحكم وجوب الزكاة والخمس مبني على الضرر المالي فيقال: إن قاعدة لا ضرار لا تشمل التي مبنية من أساسها على الضرر كذلك الكلام في موطن بحثنا فحتى لو صححنا حديث الجب وأن الإسلام يجب ما قبله وحتى لو صححنا السيرة العملية القطعية والتزمنا بأن المسلمين قد جرت سيرتهم القطعية والعملية على عدم الأخذ من الكافر وعدم تكليف الكافر بما كان ثابتاً في حقه أيام كفره فإن هذا النصّ وهذه السيرة لا تشمل مورد بحثنا لماذا؟

لأن مورد بحثنا هو ثبوت وجوب الخمس بحيثية خاصة وهو أنه عند الشراء كان ذمياً وهذه الحيثية ثابتة ما يشملها حديث الجب ولا تشملها السيرة العملية القطعية.

نعم، لو قلنا أنه يجب الخمس على الذمي بلحاظ كونه مكلفاً بالفروع كالأصول كسائر آحاد المسلمين والتزمنا بحديث الجب أو السيرة القطعية أمكن إسقاط هذا الحكم، لكننا لا ندعي أن وجوب الخمس ثبت على الذمي بقاعدة تكليف الكفار بالفروع حتى يسقط بحديث الجب أو السيرة القطعية، بل نلتزم بأن وجوب الخمس عليه قد ثبت لحيثية خاصة وهو كونه ذمياً عند الشراء خصوصاً على مبنانا الذي نلتزم فيه بأن الخمس ضريبة وخراج على نتاج الأرض حتى أراضي المسلمين لا تذهب إلى الكفار فإنه على هذا المبنى يصير واضح أن الحيثية التي أوجبت هنا لا يكون الخمس كسائر موارد الخمس الستة التي هي عبارة عن غنيمة بل يكون هذا المورد السادس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم عبارة عن ضريبة وغرامة بمثابة الخراج وهذا الخراج بلحاظ كونه ذمياً وقد كان ذمياً فيتحقق الموضوع ولا يسقط هذا الموضوع بحديث الجب، لأنه لم يكلف بوجوب الخمس بلحاظ أن الكافر مكلف بالفروع بل لخصوصية خاصة وهي أنه كان ذمياً، فحينئذٍ لا يشمله حديث الجب ولا تشمله السيرة القطعية.


[4] مستمسك العروة الوثقى، ج16، ص234، من طبعة المستمسك المحقق، التي حققها وأبدع فيها السيد محمد القاضي ـ حفظه الله ـ خوش طبعه، بخلاف الطبعة السابقة التي فيها ما فيها من الأخطاء حتى قال الشيخ محمد الجواهري في كتابه الواضح في كتابه الواضح في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج6، ص210، الحاشية 1.:المستمسك طبعة بيروت المملوءة من قرنها إلى قدمها أخطاءً، وقد أساء الطابع إلى المستمسك كثيراً، لكن الحمد لله السيد محمد القاضي أبدع في تحقيق المستمسك
[6] عوالي اللئالي، لابن أبي جمهور الإحسائي، ج2، ص54، ح145.تفسير القمي، ج2، ص27.مستدرك الوسائل، المحدث النوري، ج7، ص448، الباب15 من أبواب كتاب الصيام، ح2.مسند أحمد بن حنبل، ج4، ص199، طبعه أخرى لمسند أحمد بن حنبل، ج5، ص223.وفي مسند أحمد هكذا ورد ما نصّه: .<فإن الإسلام يجب ما كان قبله>

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo