الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/05/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:الرواية السابعة مصحح البزنطي
مصحح البزنطي قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة، فكتب بعد المؤونة[1]
هذه الرواية صحيحة من جهة السند، وإذا نوقش فيها فإنه يمكن تصحيحها، لذلك عبر السيد محسن الحكيم عنها بمصحح البيزنطي، هذا من ناحية السند.
وأما من ناحية الدلالة فهي ناظرة إلى حكم استثناء المؤونة، ومن الواضح أن استثناء المؤونة ناظر إلى خمس أرباح المكاسب، فذكر حكم استثناء المؤونة يدل على ثبوت خمس في أرباح المكاسب.
فالخمس الثابت في سائر الأصناف الستة لا تستثنى منه إلا مؤونة التحصيل دون مؤنة العيال والمعيشة بخلاف المورد السابع وهو أرباح المكاسب فإنه يستثنى منه المؤونة.
نعم، لا يمكن أن تكون من أدلة وجوب الخمس في مطلق الفائدة، وإنما في خصوص خمس أرباح التكسب والمكاسب.
ما نقله الصدوق بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد الهمداني أن في توقيعات الرضا ـ عليه السلام إليه: إن الخمس بعد المؤونة[2] .
وسند هذه الرواية تامٌ بناءً على وثاقة بل جلالة شأن إبراهيم بن محمد الهمداني.
وأما من ناحية الدلالة فدلالتها كدلالة الرواية السابعة صحيحة فلو استظهرنا من لفظ المؤونة مطلق المؤونة الشامل لمؤونة التحصيل ومؤونة العيال فإنها تكون ظاهرة في خمس أرباح المكاسب.
إلى هنا جميع الروايات معتبرة وتامة الدلالة.
صحيحة الريان صحيحة ريان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمت هذه القطيعة، فكتب ـ عليه السلام يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى[3]
وهذه الرواية تامةٌ سنداً ودلالة ودلالتها واضحة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب، ما تشمل مطلق الفوائد لأن المذكور فيها تكسبات فلا تعم الجائزة ومطلق الفوائد.
صحيحة أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد وفي نسخة محمد أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد فبدل لفظة عن كُتب بن يزيد، قال: كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة؟ وما حدها؟ رأيت أبقاك الله أن تمن عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة[4] .
وأما من ناحية السند ففي سندها اضطراب فقد نقلها الكليني في أصول الكافي[5] ، وفي بعض النسخ بعنوان بن يزيد وفي نسخ أخرى بعنوان عن يزيد، وهنا يحتمل احتمالان:
كيف كان الرواية العاشرة معتبرة وهي تامة سنداً ودلالة، إذا استظهرنا إذا استظهرنا يزيد بن إسحاق تكون ضعيفة السند.
معتبرة أبي بصير التي ينقلها صاحب السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبدالله ـ عليه السلام قال: ـ هذه الرواية تمتاز أنها عن الإمام الصادق الروايات العشر المتقدمة عن الأئمة المتأخرين الإمام الجواد والهادي، والآن الإمام الصادق.
عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر فهل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه الخمس في ذلك، وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيان إنما يبيع الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس؟ فكتب أما ما أكل فلا وأما البيع فنعم هو كسائر الضيع[6] .
ويقع الكلام في هذه الرواية من ناحية السند ومن ناحية الدلالة.
أما من ناحية السند فالرواية معتبرة سنداً لأن كتاب محمد بن علي بن محبوب قد وصل إلى ابن إدريس بطريق الشيخ الطوسي كما أنه يدعي وصول الكتاب إليه من الشيخ بخطه هو حفيد الشيخ الطوسي ابن إدريس الحلي من جهة الأم، السرائر صفحة أربعمئة وثلاثة وثمانين، هو يدعي عنده نسخة جده. [7]
نعم في السند أحمد بن هلال العبرتائي لكن يمكن توثيقه بناء على كونه ثقة بشهادة الشيخ النجاشي[8] فرغم غلوه أو فسقه يتم السند.
هذه الرواية لو تمت فإنها تمتاز بأنها صادرة عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ فتكون دليلاً على ثبوت خمس أرباح المكاسب في عصر الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ أي قبل عصر الإمام الجواد والهادي ـ عليهما السلام ـ .
أما الاستظهار الأول فلعلها ظاهرة فيما كان يؤخذ من الحكام والخلفاء من الأموال، وكان الخلفاء يستحلون ويغصبون الخمس والفيء والأنفال وهذا ثابت تاريخياً، وقد وردت الروايات المؤكدة على ذلك وأن الخلفاء قد غصبوا حقّ أهل البيت ـ عليهم السلام وأن كل مال يدخل فيه مال هؤلاء الحكام فهو حرام ولابد من تطهيره ودفع خمسه، فيكون الخمس الوارد في هذه الرواية خمس الاختلاط والتطهير.
وقد ورد ذلك صريحا فيما يرويه العياشي عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير أنهم قالوا له: ما حقّ الإمام في أموال الناس؟ قال: الفيء والأنفال والخمس وكل ما دخل منه فيء أو أنفال أو خمس أو غنيمة فإن لهم خمسه، فإن الله يقول: ﴿واعلموا أنما غنمتم﴾[9]
والقرينة على أن المراد بالخمس هو خمس المال المختلط بالحرام وليس هو خمس أرباح المكاسب ما ورد في هذه المعتبرة لأبي بصير بقوله: يهدي إليه مولاه المنقطع إليه فما هو المقصود بمولاه المنقطع إليه؟ لعل المراد بالمولى ليس هو المولى والإمام الحقيقي بل يكون كناية عن الحكام والأمراء فهذا الحاكم والسلطان مولى لمن يهدي إليه، وهذا المهدى إليه قد انقطع إلى هؤلاء الظلمة وهؤلاء السلاطين، وقد ابتليت أكثر أموال الناس آنذاك بأموال السلاطين المختلطة.
لكن الحقّ والإنصاف أن هذا الاستظهار الأول بعيد، وهو يتنافى مع ما ورد ذيل الرواية في السؤال الثاني فبناء على أنها رواية واحدة لا روايتين نجد في المقطع الثاني الإمام ـ عليه السلام ـ يقول: <نعم هو كساير الضياع> وهذا التعبير ظاهر في التعليل وأن ثبوت الخمس في هذا المورد مثل ثبوته في سائر الضياع في نفسه لا من ناحية المال المختلط بالحرام.
الاحتمال الثاني أن تكون الرواية ناظرة إلى أرباح المكاسب ويكون التعبير بالمنقطع إليه لعله أراد السائل إشعار الإمام المعصوم ـ عليه السلام ـ بأن الهدية التي أخذها لم تكن غير محتسبة أو مجاناً بل في قبال الخدمة والانقطاع في العمل له فكأنها كانت مكافأة وأجراً على انقطاع العامل إلى مولاه.
وهذا هو الظاهر الحسن الظهور العرفي حينما قال السائل: في الرجل يهدي إليه مولاه المنقطع إليه هدية يعني هذا الرجل انقطع إلى مولاه وبما أنه اخلص لمولاه وانقطع إلى مولاه أهداه هدية فهذه الهدية متوقعة ومحتسبة هذه الجائزة متوقعة لا أنها جائزة مجانية ابتدائية أو غير محتسبة وغير متوقعة هكذا يفهم العرف.
فالإنصاف أن هذه الرواية لا يمكن إنكار دلالتها على إرادة ثبوت الخمس في مطلق الفائدة ولا رابط لها بخمس الاختلاط هكذا أفاد وأجاد سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[10] .
رواية عبد الله بن سينان قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ هذا أيضا الإمام الصادق: على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة ـ عليها السلام ـ ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونها حيث شاؤوا، وحرم عليهم الصدقة حتى الخياط ليخيط بخمسة دوانق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة إنه ليس من شيء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا إنه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ سل هؤلاء بما أبيحوا[11] .
أتذكر نحن حضرنا البحث الخمس عند أستاذنا المرجع الكبير السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ وشفاه أتذكر تطرق إلى رواية أبي سيار وستأتي أبو سيار جاء إلى الإمام وطرح المسألة قال: كم يثبت لكم من المال؟ كان السائل في ذهنه الخمس، قال: يا أبا سيار المال كله لنا، وما بقي احللناه لشيعتنا، وفي رواية يا أبا سيار كل الناس أولاد بغايا عدا شيعتنا لما أحللناه لهم وطيبنا لهم الفروج[12] .
وكذا ستأتي هذه الروايات روايات التحليل فكان السيد كاظم يقول: أبو سيار متعجب وهو جاي يظن أن الخمس، الإمام قال له: المال كله الفلوس كلها لنا.
هذه الرواية دلالتها واضحة خصوصاً مع التمثيل بالخياط أنه لو يربح خمسة دوانق فدانق منه للإمام إلا أن يحمل بقرينة ما في ذيلها من التحليل على إرادة ما ينتقل إلى الشيعي ممن لا يدفع الخمس، وهذا هو المنظور في أكثر روايات التحليل إذا انتقل مال من شخص لا يخمس إلى شيعي والأئمة حللوا هذا المال غير المخمس للشيعي.
لكن الإنصاف الرواية واضح الدلالة على الخمس في أرباح المكاسب لكن سند الرواية ضعيف بعبد الله بن القاسم الحضرمي فإنه متهم بالكذب والغلو والضعف، يراجع رجال النجاشي صفحة مئتين وستة وعشرين رقم الترجمة خمسمئة وأربعة وتسعين.