الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/05/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الرواية الثالثة عشر معتبرة يونس بن يعقوب
معتبرة يونس بن يعقوب بطريق الصدوق[1] لا الشيخ الطوسي فإن فيه محمد بن سنان قال يونس بن يعقوب: «كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقّك فيها ثابتٌ، وإنا عن ذلك مقصرون. فقال: أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم»[2] .
هذه الرواية من جهة السند تامةٌ بطريق الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ إلى يونس بن يعقوب، وأما طريق الشيخ الطوسي فضعيفٌ بمحمد بن سنان على اختلاف فيه.
وأما من ناحية الدلالة فقد يستظهر أنها ظاهرة في خمس أرباح المكاسب إذ أن السائل قد سأل عن الأموال والأرباح والتجارات التي يعلم أن حقّ الإمام ـ عليه السلام ـ فيها ثابتةٌ.
لكن الحقّ والإنصاف أن هذه الرواية أجنبية عن خمس أرباح المكاسب، وهي ناظرةٌ إلى ثبوت الخمس في المرحلة السابقة.
ولعلها تشير إلى ما كان ثابتاً ومركوزاً عند الشيعة الإمامية من أن أموال الإمام ـ عليه السلام ـ كالأنفال والخمس وغيره غصبها الغاصبون، والسلطان قد تصرف في فيء الأئمة ـ عليهم السلام ـ وقد وصل إلى الناس ومنهم الشيعة الإمامية أموال مختلطة فيها خمس وفيها أنفال وفيها فيء للأئمة ـ عليهم السلام ـ وهنا جاءت أخبار التحليل وأكثر التحليل ناظرة إلى هذا الخمس الثابت في المرحلة السابقة لا المرحلة اللاحقة وجواب الإمام عليه ينسجم مع ثبوت الخمس في المرحلة السابقة إذ قال ـ عليه السلام ـ : «ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم».
ومن الواضح أن إخراج المكلف بخمس أرباح مكاسبه ليس فيه كلفة عليه، والكلفة ناظرة إلى الأموال التي وصلت إلى المكلف وفيها شيء من أموالهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لذلك حللوها لشيعتهم.
رواية حكيم مؤذن بني عيسى وفي نسخة بن عيسى عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: قلت له: «واعلموا أنما غنمتم إلى آخر الآية، قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا ذلك في حلّ ليزكوا»[3] .
الحديث الثامن لكن هذه الرواية ضعيفة السند من جهة حكيم المؤذن ومحمد بن سنان.
فقد يستدل بها على عموم الآية لمطلق الفائدة وتكون هذه الرواية من القرائن ومن الروايات التفسيرية لآية الغنيمة في أنها ظاهرة في مطلق الفوائد لا خصوص غنائم دار الحرب.
لكن يمكن المناقشة في هذه الرواية والتمسك بقرينة التحليل فيكون المراد بها فوائد نفس الغنائم وحقوقهم التي تكون مستمرة لأن غصب الغاصبين لأموال أهل البيت مستمر يوماً بيوم وهذه الأموال كانت بأيدي السلاطين وبأيدي الناس والنماء تابع للأصل فتختلط أموال الناس وتحرم من أجل اختلاطها بذلك، هكذا أفاد سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[4] .
لكن الحقّ والإنصاف أن الرواية تامة الدلالة على خمس أرباح المكاسب لا على الأموال التي اختلطت وحللها الإمام لشيعته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، ويحمل جعل الإمام الباقر للشيعة في حلّ لكي يزكوا على الحكم الولائي فقد وجد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مصلحة في إيقاف الخمس لكي يروج الزكاة.
فظاهر كلامه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هو خصوص الحكم الولائي لا الحكم الشرعي وإن الإمام الباقر بنقل الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ قد جعل الشيعة في حلّ من خمس غنيمة لكي يزكوا فهذا حكم ثانوي وليس حكماً أولياً هذا حكم ولائي من الإمام الباقر ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
والرواية فسرت الغنيمة إذ أن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ قال: «هي والله الإفادة يوماً بيوم» هي ظاهرة في خمس أرباح المكاسب، والله العالم.
الرواية قلت له حكيم بن مؤذن يسأل الإمام الصادق: «واعلموا أنما غنمتم إلى آخر الآية، قال: الإمام الصادق هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا» فظاهر الرواية أن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ استفاد من الغنيمة معنى الإفادة يوماً بيوم ودفع دخل مقدر وإشكال مقدر.
ما ذكره محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن أبي محمد عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عن علي بن أسباط عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ هذه الرواية عن الإمام الباقر قال: من القائل؟ أبو حمزة الثمالي «قرأت عليه آية الخمس، فقال: ما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسوله فهو لنا، ثم قال: لقد يسر الله على المؤمنين أنه رزقهم خمسة دراهم وجعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة حلالاً، ثم قال: هذا من حديث فينا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان»[5] .
ويقع الكلام في هذا الحديث من جهة السند والدلالة.
أما من جهة السند فهو ضعيف فأبو محمد الوارد في أول السند مجهول، فحتى لو اعتبرنا كتاب بصائر الدرجات للصفار فإن جهالة أبي محمد الوارد في أول السند يضر بصحة الحديث كما أن محمد بن الفضيل فيه كلام وإن كان يمكن توثيقه، وأيضاً عمران بن موسى مردد بين الزيتون والأشعري ويمكن استظهار وحدتهما لكن هذه الرواية ليست نقية السند وتكفي جهالة أبي محمد الوارد في بداية السند.
وأما الدلالة فهذه الرواية ليست في مقام بيان مورد ثبوت الخمس حتى نستدل على أنها ظاهرة في خمس أرباح المكاسب أو مطلق الفائدة، بل هي في مقام بيان كيفية إخراج الخمس وأنه درهم من خمسة لو ثبت الخمس فالإمام الباقر ـ عليه السلام ـ لم يتعرض إلا لبيان من له الخمس، من الذي له الخمس؟ الله ورسوله والأئمة ـ عليهم السلام ـ ويثبت لهم واحد من خمسة فهي تشير إلى ضئالة ما يثبت لهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ عشرين في المئة وحلية أكل ثمانين بالمئة وهي الأربعة الباقية فحلية الأربعة منوطة بدفع الواحد.
وهذا ما يشعر به السياق والترتيب والتفريع فليست الرواية في مقام بيان ما يجب فيه الخمس من أرباح المكاسب أو مطلق الفائدة أو الغنيمة أو الكنز أصلاً الرواية غير ناظرة ولم تتطرق إلى ذلك، الرواية ناظرة إلى أن الخمس يثبت لمن؟ وكيف يستخرج؟ والله العالم.
ما نقله السيد علي بن موسى بن طاووس في كتاب الطراف بإسناده عن عيسى بن المصطفى عن أبي الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ عن أبيه الإمام الصادق «إن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: لأبي ذر وسلمان والمقداد أشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا اله إلا الله». [6]
إلى أن قال: «وإن علي بن أبي طالب وصية محمد وأمير المؤمنين وإن طاعته طاعة الله رسوله والأئمة من ولده وإن مودة أهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن ومؤمنة مع إقام الصلاة لوقتها وإخراج الزكاة من حلها ووضعها في أهلها وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى ولي المؤمنين وأميرهم ومن بعده من الأئمة من ولده».
إلى أن قال: «فهذه شروط الاسلام ما بقي أكثر».[7]
وهذه الرواية ضعيفة من جهة السند بعيسى بن المستفاد وبغيره.
كما أن في دلالتها إشكالاً وكلاماً نظراً لوضوح عدم وجوب الخمس في كل ما يملكه أحد من الناس فخمس أرباح المكاسب ومطلق الفوائد يثبت في خصوص ما يفضل ويزيد عن مؤونة المكلف لا أنه يثبت في كل ما يملكه المكلف.
وهذا يشكل قرينة على أن المراد بإخراج الخمس ليس الخمس الثابت في المرحلة اللاحقة وهي خمس أرباح المكاسب بل الخمس الثابت في المرحلة السابقة يعني قبل أن يملكه هذا المال كان مختلطاً، هذا من الأموال المختلطة يعني السلطان تصرف في فدك وغيرها من الخمس والفيء الذي هو للأئمة ـ عليهم السلام ـ ثم ملك بعضه بعض الشيعة بمعاملةٍ ملكه، هذه الرواية فيها قرينة هكذا.
وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى ولي المؤمنين وأميرهم فالمراد ما كان خمساً وحقّاً للإمام في المرتبة السابقة فاختلط ودخل في أموال كل أحد نتيجة غصب الظالمين للخمس.
وهذا التعبير وارد في روايات عديدة حيث أصبح الخمس والفيء والأنفال عنواناً لما كان من حقهم الخاص في موارده فدخلت في أموال الناس، وبهذا عاش الناس في فضل مظلمتهم، وهذا يظهر لمن يراجع الروايات الصادرة عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ في هذه الأبواب.
ما رواه الحسن بن شعبة الحراني في كتابه تحف العقول عن آل الرسول عن الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ في كتابه إلى المأمون «الخمس من جميع المال مرة واحدة»[8] .
وهذه الرواية دلالتها واضحة على وجوب الخمس، الخمس من جميع المال مرة واحدة، لكنها من مرسلات ابن شعبة الحراني إذ أن كتاب تحف العقول مراسيل، وقد حذف ابن شعبة الحراني أسانيد الروايات فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية.
يمكن الدغدغة فيها والإشكال بأنها ربما ناظرة إلى الخمس الذي ثبت في أموال الناس في المرتبة السابقة يمكن المناقشة فيها يمكن تكون كالسابق ويمكن استظهار لو قلنا الخمس من جميع المال مرة واحدة ناظرة إلى خمس أرباح المكاسب وهي ليست في مقام بيان استثناء المؤونة هذا لوضوحه الإمام ـ عليه السلام ـ يذكره يمكن استظهاره في هذا أو ذاك أو دعوى الإجمال ولكن هي ضعيفة السند فلا داعي للإطالة فيها.
ما رواه محمد بن زيد الطبري قال: «كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ يسأله الإذن في الخمس.
فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهم لا يحل مال إلا من وجه أحله الله، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من أعراضنا مما نخاف سطوته فلا تزوه عنا»[9] .
هذه الرواية ضعيفة السند ففي سندها أكثر من مجهول كمحمد بن زيد الطبري وأحمد بن المثنى وفي السند أيضا سهل من زياد المختلف في توثيقه.
وأما دلالة هذه الرواية على وجوب الخمس في أرباح المكاسب فهو مبني على استظهار ذلك من كتابة التاجر إليه حيث يكون موحياً بأن الخمس كان ثابتاً في أموال تجارته وأرباحها، وقد يستظهر ذلك من تشديد الإمام وعدم تحليله أيضاً فهذا شاهد على إرادة خمس أرباح المكاسب لا الخمس الثابت في الغنائم ونحوه والتي لا تقع بيد الشيعة ابتداء.
وهناك رواية أخرى بهذا المضمون يراجع التهذيب للشيخ الطوسي الجزء الرابع، الصفحة مئة وأربعين، كتاب الزكاة، باب تسعة وثلاثين حديث ثمانية عشر.[10]
هذه الرواية لا يمكن الاستدلال بها لضعفها سنداً، وأما من ناحية الدلالة قد يستظهر أرباح المكاسب وقد يناقش أيضاً في ذلك.
ما رواه علي بن الحسين بن عبد ربه، قال: «سرح الرضا ـ عليه سلام ـ بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي هل عليّ فيما صرحت إلي خمسٌ؟ فكتب إليه لا خمس فيما صرح به صاحب الخمس»[11] .
فهذه الرواية قد يدعى دلالتها على ارتكازية ثبوت الخمس في ذهن الراوي في كل فائدة، والإمام ـ عليه السلام ـ قد أمضاه على ذلك غاية الأمر أنه نفع ثبوت الخمس فيما يأخذه من صاحب الخمس.
لكن هذه الرواية ضعيفة السند ففي سندها سهل بن زياد.
وقد يناقش في لوجود احتمال وهو أنه ما كان مركوزاً في ذهن السائل وجوب الخمس في خصوص الجوائز والهدايا الخطيرة والتي هي من الفوائد المطلقة من دون عوض فلا يمكن استفادة خمس أرباح المكاسب منها، يعني هي ظاهرة في خصوص مطلق الفائدة يعني خصوص الجوائز من دون عوض.
كيف كان الرواية ضعيفة السند تسقط عن الاعتبار.
ما في كتاب فقه الرضا ـ عليه السلام ـ من ثبوت الخمس في مطلق الفوائد وأن ذلك كله غنيمة، ولكن كتاب فقه الرضا ـ عليه السلام ـ لم يعلم نسبة هذا الكتاب إلى الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ ، إلن لم ندعي الوقوف على العدم، ومحله في الأبحاث الرجالية، وقد تطرقنا في الأبحاث الرجالية إلى كتاب فقه الرضا ولم يثبت لدينا.
وقد اتضح أن الكثير منها تام الدلالة والسند على الأقل الروايات العشر الأول تقريباً، ولا أقل من دعوى التواتر الإجمالي فيثبت وجوب الخمس في أرباح المكاسب بل مطلق الفائدة، والله العالم.