الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/05/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الجهة الثانية في متعلق الحكم
قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى:
«بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب»[1] .
انتهينا بحمد الله عزّ وجل من الجهة الأولى واتضح أن الأدلة الأربعة تدل على ثبوت الخمس في أرباح المكاسب فالأدلة من القرآن والروايات والإجماع والسنة القطعية العملية للمتشرعة تدل على وجوب الخمس في أرباح المكاسب، والقدر المتيقن من هذه الأدلة هو ثبوت الخمس في خصوص أرباح المكاسب من التجارات والصناعات والزراعات والإيجارات وغير ذلك من أنحاء التكسب أي الفوائد المقصود فهي القدر المتيقن من أخبار الباب.
لكن وقع الكلام في الفوائد الحاصلة بغير اكتساب كالهدية والهبة والجائزة والميراث وغير ذلك، المهر عوض الطلاق.
فهل المورد السابع من موارد وجوب الخمس يختص بخصوص أرباح المكاسب وما يحصل بالتكسب والعمل أو يعم مطلق الفائدة كالجائزة وإن لم تحصل باكتساب؟
الصحيح أن المورد السابع يعم مطلق الفائدة، ومن هنا يقع البحث في محورين:
وسيتضح إن شاء الله تعالى أن الصحيح هو الإطلاق وأن المورد كما يشمل أنحاء التكسب يشمل أيضاً مطلق الفائدة، ويمكن أن تذكر وجوه لإثبات ذلك أهمها وجهان:
فالاغتنام ظاهر في الحدث والافتعال والقصد لكن الآية قالت: «غنمتم» ولم تقل «اغتنمتم».
ولفظ غنم وإن أسند في الآية الكريمة للمخاطبين فيفهم أي ما حصلتم من الغنائم.
وقد يكون من دون مقابل فهذا نظير قوله ـ عليه السلام ـ : «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[3] فلاحظوا أفاد قد يدعى أنه ظاهر في القصد، ولكن بحسب الاستعمالات العرفية ليس المراد بأفاد خصوص ما قصد الاستفادة به أو منه بل المراد ما أصابه الناس وحصل عندهم فهو مما أفادوا.
موثقة سماعة قال: «سألت أبا الحسن ـ عليه السلام ـ عن الخمس، فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».[4]
وهذه الرواية دلت بالعموم وضعي كل ما أفاد الناس على تعلق الخمس بمطلق الفائدة، فكلمة أفاد لا تختص بالتكسب والقصد بل هي للأعم من ذلك، ويظهر هذا خصوصاً بعد قوله ـ عليه السلام ـ : «من قليل أو كثير».
وقد يقال إن كلمة أفاد كما في معاجم اللغة العربية لها معنيان:
الأول الإعطاء ويتعدى لمفعولين، يقال: أفاد زيدٌ عمراً أي أعطاه مالاً أو علماً أو غير ذلك.
الثاني الاكتساب ويتعدى لمفعول واحد، يقال: أفدت المال أي اكتسبته.
تراجع معاجم اللغة العربية:
• المصباح المنير، للفيومي، الجزء الثاني، صفحة أربعمائة وخمسة وثمانين.[5]
• الصحاح للجوهري، الجزء الثاني، صفحة خمسمئة وواحد وعشرين. [6]
• لسان العرب لابن منظور، الجزء الثالث، صفحة ثلاثمئة وواحد وأربعين مادة «فيد».[7]
طبعاً هذه الروايات كلها أخذناها في ضمن الروايات العشرين.
صحيحة علي بن مهزيار حيث ورد فيها تفسير الغنائم والفوائد بقوله ـ عليه السلام ـ : «والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن»[8] هذه صحيحة علي بن مهزيار الأولى.
وهذه الرواية صريحة في وجوب الخمس في الفائدة غير المكتسبة وغير المقصودة وعد فيها من أنواع الفائدة الجائزة التي لها خطرٌ يعني الجائزة الكبيرة والعظيمة.
والمتاع يشمل ما يتم الحصول عليه عن طريق التكسر ويشمل ما يتم الحصول عليه عن طريق الهبة.
فيقال بأن بعض فقرات صحيحة علي بن مهزيان موهونة نظراً لمخالفتها للإجماع فتسقط عن الاعتبار.
فالرواية لو كانت في مقام بيان موارد ما يجب فيه الخمس سيأتي الإشكال لكن الرواية ليست في مقام بيان موارد ما يجب فيه الخمس بل في مقام بيان تخفيف الخمس على المكلفين، وهنا الإمام ـ عليه السلام ـ في صحيحة علي بن مهزيار تكلم حول ثلاثة أقسام:
ما رواه ابن إدريس الحلي في آخر السرائر عن أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب ـ عليه السلام ـ الخمس في ذلك».[9]
وهذه الرواية صريحة في وجوب الخمس في الهدية، ولكن نوقش في هذه الرواية من جهة السند نظراً لاشتمالها على أحمد بن هلال العبرتائي الضعيف على ما صرح به الشيخ الطوسي في الاستبصار[10] .
كما أن محمد بن الحسن بن الوليد قد استثنى العبرتائي من إسناد كتاب نوادر الحكمة، وتبعه على هذا الاستثناء أبو جعفر بن بابويه الصدوق وأبو العباس بن نوح السيرافي[11] .
واستثناء الوليد وإمضاء الصدوق والسيرافي أمارة ضعف العبرتائي، بل ورد الأمر بالتبري منه[12] ، إلا أن سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ قال بعدم منافاة ذلك لوثاقته في الحديث[13] .
والصحيح ما أفاده سيد أساتذتنا السيد الخوئي، وتبعه على ذلك شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[14] فالمدار كل المدار على الوثاقة وهي عدم تعمد الكذب، وأما فساد العقيدة والمذهب فلا يضر ما دام صحيح الحديث وما دام صدوقاً لا يتعمد الكذب، ولا أقل من القول بالتفصيل وهو الأخذ برواياته أيام استقامته وترك روايات بعد انحرافه إذا ثبت أنه قد تعمد الكذب.
فالعبر تائي وإن كان فاسد العقيدة بل عن الشيخ الانصاري إن مثله لم يكن يتدين بدين، وقد رجح شيخنا الأستاذ الداوري ضعفه في خاتمة كتاب أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق[15] ، مع ذلك قال بإمكان الأخذ بروايته حال استقامته.
وأينك من الغضائري الذي قيل في حقّه أنه لم يسلم أحدٌ من الرواة من تضعيفه، وعلى الرغم من تشدد الغضائر فقد نسب إلى ابن الغضائر أنه قال مع توقفه في روايته عن العبرتائي قال: «أنه العبرتائي إذا روى عن ابن محبوب أو ابن أبي عمر أخذ بروايته»[16] .
ومقامنا منه فإن الغضائر في هذه الرواية فإن العبرتائي أحمد بن هلال العبرتائي في هذه الرواية روى عن ابن أبي عمير وهذا تام على فرض التسليم بثبوت كتاب ابن الغضائري لأن هناك كلام لأن كان عنده كتابان والشيخ الطوسي في ديباجة الفهرس صرح أنه عمد ورثته إلى إتلاف الكتابين هذا بعد تفصيله بحثنا في الرجال أنه للغضائري الحسين بن عبيد الله، أو للغضائري الابن أحمد بن الحسين.
بعد يا أخي يا أخي لو تنزلنا وقابلنا كل هذا وضعفنا العبر تائي فقد مضى الكلام حينما تطرقنا إلى الرواية العشر وقلنا إن بن إدريس الحلي له طريق صحيح من جهة الشيخ الطوسي جده وعنده نسخة بخطّ جده إلى جميع كتب وروايات ابن أبي عمير عنده نفس النسخة وعنده طريق إلى جميع كتب وروايات ابن أبي عمير وبهذا الطريق الصحيح يرتفع الإشكال من جهة السند.
ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد، وفي نسخة ابن يزيد، والصحيح ما أثبتناه في المتن، قال: «كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة؟ وما حدها؟ رأيك أبقاك الله أن تمن عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة ولا صوم، فكتب الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة»[17] .
وهذه الرواية تامة الدلالة وواضحة في ثبوت الخمس في الجائزة إنما الكلام في سندها فإن لفظ ابن يزيد غلط إذ لم يعرف بن محمد جد ولو غير مباشر باسم يزيد جده عبد الله الصحيح عن يزيد.
والظاهر أنه يزيد بن إسحاق شعر تكلمنا أنه يدور بين الشعراني وغيره هذا يزيد بن إسحاق شعار الشعراني يروي عنه أحمد بن محمد بن عيسى ويرويه عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ وهو صاحب كتاب مشهور فعند الإطلاق ينصرف إلى المشهور، وهو ثقةٌ طبعاً ثقة على مبنانا نظراً لوروده في إسناد نوادر الحكمة ولم يستثنى، ونحن نقبل هذا المبنى وفاقاً لشيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ فيمكن تصحيح هذه الرواية على هذا المبنى.
صحيحة علي بن مهزيار قال: «قال لي أبو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك إلى أن قال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم»[18] .
فإننا نتمسك بإطلاق قوله ـ عليه السلام ـ : «في أمتعتهم» والمتاع اسمٌ لمطلق ما يتمتع به الإنسان ويستفيد منه.
ما رواه محمد بن الحسن الأشعري قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الظروف وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه الخمس بعد المؤونة».
وهذه الرواية ظاهرة وواضحة من حيث الدلالة لكن نوقش فيها من جهة السند فمن جهة السند عدم توث محمد بن الحسن الأشعري ولكن يمكن توثيقه لأنه ورد في إسناد نوادر الحكمة[19] .
وأما في الدلالة فما ورد في مناقشة موثقة سماعة في كلمة أفاده إذا قلنا أنها ناظرة إلى خصوص الاكتساب دون مطلق الفائدة.
وقد أجبنا بأن لفظ أفاد يشمل الاكتساب ويشمل مطلق الفائدة سواء حصلت بالاكتساب والقصد أو غير ذلك.
خصوصا مع قوله ـ عليه السلام ـ في هذه الرواية «من قليل وكثير من جميع الظروف» فيؤكد هذا المعنى.
لكنها مرسلة وضعيفة السنة فلا تصلح للاستدلال والاحتجاج وإنما مضمونها يؤيد مضمون الروايات الصحاح المتقدمة.
هكذا ذكرها شيخنا الأستاذ الداوري أنها مؤيد، والصحيح أنها لا تصح مؤيداً فقد استظهرنا من أنها ناظرة إلى ثبوت الخمس في المرتبة السابقة، وأن ما يملكه الناس مما اختلط من أموال الإمام ـ عليه السلام ـ من خمس وأنفال قد اغتصبها السلاطين والظلمة ووصلت إلى ملك الشيعة، فهذه الرواية دلالتها لا تصلح أن تؤيد الروايات المتقدمة.
واتضح أن الدليل الأول وهو القرآني والدليل الثاني وهو الروايات ناهض بالدلالة على ذلك.