الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/05/08
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الروايات الدالة على وجوب الخمس في مطلق الفائدة
ويمكن أن يستدل على ذلك بخمس روايات، وسيتضح أنها ليست تامة الدلالة ولا تثبت عدم وجوب الخمس في مطلق الفائدة.
صحيح علي بن مهزيار الأولى الطويلة، فقد ورد فيها ما نصّه:
«فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام» إلى أن يقول: «والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب»[1] .
الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ قد جعل الخمس ثابتاً في الجائزة الخطيرة والميراث الذي لا يحتسب أي الذي لا يتوقع من ابن أو أب كما لو حصل على ميراث من قريب بعيد جداً في النسب، فهذه الرواية دلت على وجوب الخمس في خصوص هاتين الفائدتين دون غيرهما.
وبالتالي نقيد الروايات المطلقة الدالة على وجوب الخمس في مطلق الفائدة.
وأما تخصيص الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ بخصوص الجائزة الخطيرة والميراث الذي لا يحتسب وأضرابهما من الغنائم وإيجاب الخمس فيها فلأنها لا تعد من الأسباب المتعارفة لذلك نصّ عليها الإمام ـ عليه السلام ـ فإذا غضضنا النظر عن كونها فإنها داخلة لا شك تحت عنوان مطلق الفائدة.
ظاهر صحيحة علي بن مهزيار أن الإمام ـ عليه السلام ـ في مقام بيان موارد تخفيف الخمس عن شيعته وليس في مقام بيان موارد وجوب الخمس وموارد عدم وجوبه فلا يمكن أن نتمسك بالقيد الوارد في الصحيحة لنفي وجوب الخمس عن مطلق الفائدة، والله العالم.
ما عن علي بن مهزيار قال: «كتبت إليه يا سيدي رجلٌ دفع إليه مالٌ يحج به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب ـ عليه السلام ـ ليس عليه الخمس»[2] .
يتعين حمل هذه الرواية على ما إذا كان الدفع من باب الصلة وصرف المال في سبيل التسبب للحج فهذا هو الظاهر من السؤال أي أنه بذل له الحج لا أن الدفع كان من باب الأجرة حتى يدخل في أرباح المكاسب وبهذا تتم دلالة رواية على عدم وجوب الخمس في مطلق الفائدة إذ أن الظاهر من المال المدفوع إلى الشخص الذي يراد له أن يحج أنه بذل له إما بنحو البذل أو بنحو الهدية والإمام ـ عليه السلام ـ أجاب ليس عليه الخمس، فتتم دلالة الرواية على عدم وجوب في مطلق الفائدة ومنها البذل والهدية.
أما السند فلوجود سهل بن زياد الآدمي فيه.
وأما الدلالة فلأن السؤال لعله كان عن وقت وجوب الخمس فنفى الإمام ـ عليه السلام ـ أن يكون وجوب الخمس عليه فعلياً ولعله لعدم بقاء المال في يده إلى نهاية السنة.
وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، بل لعل هذا هو الظاهر من الروايات أن السائل لم يلحظ حيثية أن هذا المال هدية أو تجارة بل السائل سأل هل بمجرد أن يقبض المال المهدى إليه أو المبذول أو المدفوع إليه لكي يحج هل بمجرد القبض يجب عليه أن يخمس؟ أو يخمس على ما يفضل في يده بعد الحج؟ هذا ظاهر السؤال الإمام ـ عليه السلام ـ يقول ليس عليه الخمس أي أنه لم يحن وقت الخمس، الخمس عند رأس سنته فهذه الرواية لا تدل عنها عدم وجوب الخمس في مطلق الفوائد.
رواية علي بن الحسين بن عبد ربه قال: «سرح الرضا ـ عليه السلام ـ بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي هل عليّ فيما سرحت إلي خمس؟ فكتب إليه لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس»[3] .
هذه الرواية تدل على عدم وجوب الخمس في الهدية بعد إلغاء الخصوصية وهي أن المهدي هو الإمام ـ عليه السلام ـ الذي هو صاحب الخمس فإذا ألغينا هذه الخصوصية ثبت عدم وجوب الخمس في الجائزة والهدي والصلة أي في مطلق الفائدة.
فهذه الرواية تدل على العكس إذ أن المرتكز في ذهن السائل هو وجوب الخمس في الهدية لكنه شكّ في لحوق وجوب تخميس الهدية لما أهداه الإمام ـ عليه السلام ـ فلا بدّ من الأخذ بهذا الوصف لكونه موضوع في المقام لا في مطلق الهبة فدلالة الرواية على وجوب الخمس في غير مورد تسريح الإمام من الهدايا أظهر من دلالتها على عدم الوجوب.
رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد قال: «كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة؟ وما حدها؟ رأيك أبقاك الله أن تمن عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة»[4] .
إن الإمام ـ عليه السلام ـ قد فسر الفائدة بالفائدة الاختيارية كأرباح التجارات والزراعات والجائزة، فهو قد ذكر الفائدة الاختيارية دون غير الاختيارية مثل الإرث والوصية والدية وأمثالها.
فإذا استظهرنا أن الإمام ـ عليه السلام ـ لم يكن بصدد حصر الموارد بل كان بصدد ذكر أمثلة للفائدة فحينئذ لا تكون للرواية دلالة على الحاصر بل تكون دلالتها على مطلق الفائدة أظهر.
صحيحة علي بن مهزيار قال: «قال لي أبو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فاعلمت مواليك ذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقّه؟ فلم أدري ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس فقلت ففي أي شيءٍ؟ فقال: في أمتعتهم وضياعهم، قال: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»[5] .
إن الظاهر من التفريع بقوله: «التاجر عليه والصانع بيده» وهذا التفريع كان على ما ذكره الإمام ـ عليه السلام ـ من الأمتعة والصنائع، إذاً هذا التفريع يدل على كون متعلق الخمس هو المكتسب بمثل التجارة أو الصناعة لا مطلق الفائدة.
قال المحقق الهمداني ـ رحمه الله ـ وهو في مقام الاستظهار من هذه الرواية على خصوص أرباح المكاسب لا مطلق الفائدة ما نصّه:
«وظاهر هذه الرواية عدم تعلقه بمطلق ما يملكه الإنسان، فإن المتاع كما في القاموس: المنفعة والسلعة والمتاع وكل ما تمتعت به من الحوائج جمعه أمتعة، وفي المجمع ـ أي مجمع البحرين ـ المتاع المنفعة وكل ما ينتفع به كالطعام والبر وأثاث البيت. إلى أن قال: والجمع أمتعة والأنسب بالمقام إما ارادة المعنى الأول أي المنفعة أو السلعة، وعلى الثاني أيضاً لا يبعد انصرافها إلى إرادة الخمس فيما يستفيد بها لا في ذواتها، ولعل السائل أيضاً لم يفهم من كلامه ـ عليه السلام ـ إلا ذلك.
فأراد بقوله: «فالتاجر عليه والصانع بيده» التفريع على ما فهمه من كلامه ـ عليه السلام ـ من اقتضائه انحسار الخمس في التاجر ومن يكتسب شيئا بكد يمينه لا كل من ملك شيئاً ولو بإرث ونحوه فنبهه الإمام ـ عليه السلام ـ على أن ذلك أيضاً ليس على إطلاقه بل إنما ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»[6] .
ما لا يخفى من الضعف فإن الظاهر من الرواية أن السائل يريد تأكيد التعميم وأن هذا الحكم هل هو عام وشامل للتاجر ومن يكتسب بكد يمينه أو أنه يختص بغيرهما؟ فأجاب الإمام ـ عليه السلام ـ بشمول الحكم لهما ولكن بعد المؤونة، فدلالة الرواية على مطلق الفائدة أقوى.
لاحظ الرواية الإمام يقول: «يجب عليهم الخمس. فقلت: ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وضياعهم» هنا الإمام حينما قال: في أمتعتهم وضياعهم، السائل انقدح في ذهنه مطلق الفائدة مطلق المتاع ومطلق الضياع يعني ما يحصل بكسب وما يحصل بغير كسب أراد أن يتأكد هل هذا يشمل الكاسب؟ قال: «والتاجر عليه والصانع بيده» يعني حتى لو بيده اكتسب هذا الصانع، قال: «ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم».
إذا الرواية الخامسة ليست تامة.
وبذلك اتضح عدم تمامية دلالة الروايات الخمس التي استدل بها على عدم وجوب الخمس في مطلق الفائدة بل اتضح أن الوجوه التي أدعيت على عدم وجوب الخمس في مطلق الفائدة من إجماع وسيرة متشرعة وروايات لا تدل على ذلك وأن الصحيح في الجهة الثانية أن موضوع وجوب الخمس هو مطلق الفائدة لا خصوص أرباح المكاسب، والله العالم.