< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الجهة الثالثة شرط الحكم

 

محل البحث: الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة-في البحث جهات خمسة-تم الجهة الأولى (إثبات اصل الحكم) والجهة الثانية(متعلق الحكم)-البحث في الجهة الثالثة وهو شرائط الحكم

 

الجهة الثالثة شرط الحكم

يجب الخمس في مطلق الفائدة، ولكن متى يجب أداؤه؟ هل يجب أداؤه قبل المؤونة أم بعد المؤونة؟

والصحيح هو ثبوت وجوب الخمس بعد المؤونة، والمؤونة قسمين:

المؤونة قسمين

الأول مؤونة التحصيل.

الثانية مؤونة السنة.

 

إذاً يقع الكلام في مقامين

المقام الأول مؤونة التحصيل، فتحصيل أرباح التجارة والزراعة والصناعة يحتاج إلى مؤونة سابقة لكي يحصل الربح من الصناعة والتجارة، واشتراط وجوب الخمس بعد مؤونة التحصيل لا إشكال فيه ويدل على ذلك أمران:

الدليلان على أن الخمس بعد مؤونة التحصيل

الأول أنه هو مقتضى القاعدة، ولذلك لا يحتاج إلى دليل نظراً لعدم صدق الموضوع وهو الفائدة والربح إلا فيما زاد على المؤونة فلو افترضنا أن التاجر أو الصانع أو المزارع قد صرفا مائتا دينار وبعد السنة حصل على ثلاثمئة دينار فإنه لا يقال أنه قد ربح ثلاثمئة دينار، وإنما يقال إنه قد ربح واستفاد خصوص المئة دينار دون المئتا دينار التي صرفها في مؤونة التحصيل.

إذاً استثناء مؤونة التحصيل وهي مئتا دينار في المثال على مقتضى القاعدة.

ولذلك تستثنى مؤونة التحصيل في سائر الخمس أنواع الخمس كاستخراج الكنز أو المعدن أو الحصول على الغنيمة وغير ذلك.

خمس روايات تدل على استثناء مؤونة التحصيل

الثاني إن استثناء مؤونة التحصيل يستفاد من جملة من الروايات نذكر خمسة منها:

الرواية الأولى

صحيحة علي بن مهزيار، وجاء فيها «كتب ـ عليه السلام» ـ الإمام الجواد «عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عيالة وبعد خراج السلطان»[1] .

فإن السؤال كان عن مؤونة الرجل وعياله بعد المفروغية عن مؤونة نفس الصرف والتحصيل، والإمام الجواد ـ عليه السلام ـ أجاب بالشمول والعموم وأنه يعتبر استثناء مؤونة نفسه وعياله بالإضافة إلى مؤونة الضيعة، بل الإمام ـ عليه السلام ـ أكد هذا المعنى حينما ذكر في الأخير وبعد خراج السلطان أي أنه يستثني الضريبة التي يضربها السلطان على الأرض، فقد يتوهم أن المؤونة لا تشمل خراج السلطان والإمام ـ عليه السلام ـ أشار إلى أن جميع المصاريف التي تصرف على الأرض ينبغي أن تستثنى ومنها خراج السلطان فضلاً عن المؤونة التي يصرفها المزارع في زراعته.

الرواية الثانية

صحيحة علي بن مهزيار أيضاً عن محمد بن الحسن الأشعري قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع، وكيف ذلك؟ فكتب ـ عليه السلام ـ بخطه: الخمس بعد المؤونة»[2] .

تقريب الاستدلال:

ثلاثة احتمال في معنى المؤونة

يحتمل في المراد بالمؤونة ثلاثة معاني:

الأول خصوص مؤونة الصرف والتحصيل كما ادعي ذلك.

الثاني الأعم من مؤونة التحصيل ومؤونة القوت والعيال.

الثالث خصوص مؤونة الرجل وعياله.

وثبوت استثناء مؤونة التحصيل واضح على المعنى الأول إذ يراد بالمؤونة مؤونة التحصيل كما أنه واضح على الثاني وهو الأعم من مؤونة التحصيل والقوت إذ يشمل مؤونة التحصيل أيضاً، إنما الكلام في المعنى الثالث إذا حملنا لفظ المؤونة على خصوص مؤونة الرجل وعياله فقد يقال أنه لا يشمل مؤونة التحصيل.

ولكن قد يقال بشمولها لمؤونة التحصيل أيضاً تمسكاً بمفهوم الأولوية القطعية فإنه إذا ادعي في تعلق الخمس اشتراط استثناء مؤونة السنة فإن مراعاة مؤونة التحصيل يثبت بالأولوية القطعية.

وقد يتأمل في ثبوت الأولوية القطعية ولكن إذا التزمناه بثبوت استثناء مؤونة العيال الذي هو خارج مقتضى القاعدة فإن ثبوت استثناء مؤونة التحصيل الذي هو على مقتضى القاعدة قد يثبت بطريق أولى، إذا الرواية الثانية تم الدلال على تامة الدلالة على استثناء مؤونة التحصيل.

الرواية الثالثة

صحيحة البزنطي قال: «كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السلام ـ الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة فكتب ـ عليه السلام ـ : بعد المؤونة»[3] .

تقريب الإستدلال:

تقريب الاستدلال في الصحيحة الثالثة كالصحيحة الثانية إذ أن لفظ المؤونة يحتمل فيه ثلاثة معاني: الأول مؤونة التحصيل، الثاني الجامع بين مؤونة التحصيل ومؤونة العيال، الثالث خصوص مؤونة العيال وتجري فيه الأولوية.

الرواية الرابعة

رواية محمد بن علي شجاع النيسابوري «أنه سأل أبا الحسن الثالث ـ عليه السلام ـ عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكي؟ فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً» يعني ذكر مؤونة التحصيل عمارة الضيعة ثلاثون كراّ «وبقي في يده ستون كراً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع ـ عليه السلام ـ : لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته»[4] .

تقريب الاستدلال:

إن استثناء مؤونة التحصيل قد وقع في كلام السائل حينما قال: «وذهب منه بسبب الضيعة ثلاثون كراً» وقرره الإمام ـ عليه السلام ـ على ذلك، بل أن الإمام ـ عليه السلام ـ أضااف استثناء مؤونة الرجل أيضاً فهذه الرواية تامة الدلالة، إلا أن الإشكال في سندها إذ أن ابن شجاع لم يثبت توثيقه فتصلح هذه الرواية للتأييد.

الرواية الخامسة

معتبرة أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد قال: «كتبت جعل لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها؟» إلى أن قال «فكتب: الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد غرام أو جائزة»[5] .

وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن مطلق التجارة ليس متعلقاً للخمس بل متعلق الخمس هو خصوص ربح التجارة، إذ قال ـ عليه السلام ـ : «في تجارة من ربحها» كما أنه بالنسبة إلى الزراعة لا يثبت الخمس في مطلق الحرث بل في خصوص الحرث بعد الغرام أي ما يغرمه وما ينفقه، والخسارة التي يصرفها على الحرث.

فهذه الرواية تامة الدلالة لكن الكلام في سندها ويزيد مشترك فيحمل على الأشهر وهو يزيد بن إسحاق شعر ولم يثبت توثيقه، لكن يمكن توثيقه بناء على وروده في أسانيد كتاب نوادر الحكمة ولم يستثنى[6] .

إذا هذه الرواية تامة السند بناءً على مبنانا ومبنى شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري[7] .

الرواية الخامسة مضمرة

يبقى إشكال وهي أن هذه الرواية مضمرة لم يذكر فيها اسم الإمام كتبت فكتب، الكاتب واضح يزيد لكن من الذي كتب إليه؟ هذه الرواية مضمرة، ولكن يمكن حملها على الإمام ـ عليه السلام ـ بقرينة قول السائل: «جعلت لك الفداء» وهذا في لسان الرواة يذكر في حقّ الإمام فيمكن استظهار أن المسؤول هو الإمام الجواد ـ عليه السلام ـ فيتم الاستدلال بها، وتعيين الإمام بلحاط طبقة الراوي.

قد يكتب إلى بعض العلماء في ذلك الزمان، يعني هذا يحتاج إلى بحث وتتبع هل في ذلك الزمان كان المألوف التوقيع والمكاتبة لخصوص الأئمة المتأخرين الإمام الجواد والهادي والعسكري ـ عليهم السلام ـ دون غيرهم من علماء العامة أو قضاة السلطة أو لا أم أنه كان إفتاء السلطان وقضاة السلطان كان من المتداول بينهم الكتابة والتوقيع هذا يحتاج إلى تتبع تاريخي حتى نثبت أن هذه قرينة ناقصة.

كيفما كان دلت أربع روايات صحيحة على الأقل على استثناء خصوص مؤونة التحصيل، إذا الكلام في المقام الأول وهو استثناء مؤونة التحصيل تام بلا شك ولا ريب ومؤونة التحصيل كما يثبت في خصوص المورد السابع مطلق الفائدة تثبت أيضاً فيما تقدمه من موارد كالغنيمة والكنز والمعدن.

يقع الكلام في الجهة الثالثة في مقامين-المقام الثاني

استثناء مؤونة السنة

وهذا خاص بخصوص المورد السابع من موارد وجوب الخمس، ولا يشمل الموارد الستة المتقدمة، واستثناء مؤونة السنة في وجوب الخمس هو المشهور والمعروف بين الفقهاء، وفي الجواهر إنه صريح أكثر الأصحاب بل في المدارك نسبته إليهم مشعراً بدعوى الإجماع كنسبته في المنتهى والتذكرة إلى علمائنا بل في السرائر دعواه صريحاً عليه غير مرة كظاهر إجماع غيرها[8] .

إذاً قد يدعى الإجماع أو الشهرة على استثناء مؤونة التحصيل كما أن استثناء مؤونة التحصيل على خلاف القاعدة، استثناء مؤونة العيال على خلاف بينما استثناء مؤونة التحصيل على وفق القاعدة.

وبالتالي استثناء مؤونة السنة والعيال يحتاج إلى دليل لأن خروجه يكون خروجاً تخصيصيا بخلاف استثناء مؤونة التحصيل فإنه قد يدعى أنه حتى لو يقم الدليل على ذلك فهذا هو مقتضى القاعدة ولا نحتاج إلى دليل.

الإستدلال على استثناء مؤونة السنة

ويمكن أن يستدل على استثناء مؤونة السنة بوجهين:

الأول الإجماع المدعى في كلمات جملة من الفقهاء ظاهراً و صريحاً، وأيضاً إلى ذلك السيرة العملية للمتشرعة بحيث يطمئن ثبوت الإجماع وأنه كاشف عن قول المعصوم ـ عليه السلام ـ .

الثاني الروايات الدالة على استثناء مؤونة السنة، فلنذكر جملة من الروايات:

الإستدلال بخمس روايات

الرواية الأولى

صحيحة علي بن مهزيار فقد جاء فيها «عليه الخمس بعد ما مؤونته ومؤونة عياله» فقد تم التنصيص على مؤونة العيال[9] .

الرواية الثانية

صحيحة علي بن مهزيار الأخرى جاء فيها ما نصّه «ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»[10] .

ومرجع الضمير في قوله ـ عليه السلام ـ «مؤنتهم» يرجع إلى الرجل وعياله لا إلى مؤونة الصرف لمن لاحظ سياق الرواية.

الرواية الثالثة

صحيحة علي بن مهزيار الطويلة الأولى وقد جاء فيها «ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته»[11] .

الرواية الرابعة

رواية النيسابوري فقد جاء فيها «لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته»[12] .

فإنها ظاهرة في مؤونة الرجل لا في مؤونة المال، وقد استثنيت مؤونة الرجل في سؤال السائل، وكان سؤاله عن الباقي بعد استثناء مؤونة التحصيل.

الرواية الخامسة

صحيحة البيزنطي قال: «كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السلام ـ الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة، فكتب ـ عليه السلام ـ بعد المؤونة»[13] .

وهنا نتمسك بإطلاق قوله ـ عليه السلام ـ «بعد المؤونة» فإنه كما يشمل مؤونة التحصيل يشمل أيضاً مؤونة الرجل والعيال في مؤونة.

إلى هنا اتضح أنه ثبت استثناء مؤونة التحصيل في المقام الأول، وثبت استثناء مؤونة السنة في المقام الثاني.

يبقى الكلام في أمور هل المراد بمؤونة العيال هو مؤونة السنة أو لا؟

وثانياً ماذا يراد بالسنة؟ هل السنة القمرية؟ السنة الشمسية؟ السنة الإفرنجية؟

فهذه أمور ينبغي أن تبحث يأتي عليها الكلام.

 


[6] تهذيب الأحكام، ج7، ص73، ح341..أصول علم الرجال بين التطبيقية والنظرية، الشيخ مسلم الداوري، ج1، ص243
[7] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، الشيخ مسلم الداوري، ص84.
[9] تهذيب الأحكام، ج4، ص108، ح353..وسائل الشيعة، ج9، ص500، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح4
[10] تهذيب الأحكام، ج4، ص108، ح352..وسائل الشيعة، ج9، ص500، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح3

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo