الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه
45/05/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: المراد بمؤونة الرجل وعياله وما يتعلق بذلك
ويقع الكلام في هذه الجهة في أمور:
إذاً كيف تم استفادة مؤونة السنة من الروايات وإن لم يصرح بها؟
ويمكن استفادة مؤونة السنة من وجوه
وهنا توجد قرينة وهي خراج السلطان إذا أن خراج السلطان يكون في السنة فالسلطان يأخذ الضريبة على الأراضي الزراعية في كل عام وفي كل سنة، فهذه الرواية قد تشعر بأن المراد بالمؤونة مؤونة العيال هي مؤونة السنة.
لكن الإنصاف إن هاتين الروايتين لا يخرجان عن حدّ الاستئناس والاستشعار ولا يرقيان إلى مرتبة الظهور فضلاً عن الصراحة.
منها مرسلة حماد عن أبي الحسن الأول ـ عليه السلام ـ من هو الإمام أبو الحسن الأول؟ الإمام الكاظم قال: «يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء يستغنون عنه فهو للوالي، وإن عجز أو نقص عن استغناء كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم»[7] .
إن المستفاد من هذه الرواية أن المراد بالمؤونة عند الشارع هي مؤونة السنة من جهة لزوم إنفاق الوالي من عنده على الفقراء إذا ما إذا نقص ما يعطونه لمؤونة السنة ومن جهة أخذ الوالي للمقدار الباقي إذا زاد وفضل عن مؤونة سنتهم.
ودلالة هذه الرواية واضحة إذ نصّت على السنة لكنها مرسلة.
والصحيح عدم نهوض شيء من هذه المباني كلها لتصحيح الرواية، فلا نلتزم بصحة جميع هذه أحاديث الكافي، ولا نلتزم بحجية جميع روايات أصحاب الإجماع بل المستفاد من أصحاب الإجماع وما ذكره الكشي في حقهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء هو إجماع العصابة أي الطائفة على جلالة قدر هؤلاء الثمانية عشر.
ولا نستفيد لا فائدة رجالية ولا فائدة روائية أي لا نستفيد تصحيح الراوي وهي ثمرة رجالية ولا تصحيح المروي وهي ثمرة حديثية.
يعني تصحيح الذي يروي عنه أصحاب الإجماع لأن الثمرة الرجالية لأنه كليات في علم الرجال النص على وثاقة حماد هذه ليست ثمرة رجالية هذه مسألة رجالية الثمرة الرجالية لما تكون هناك قاعدة كلية عامة كل من روى عنه حماد فهو ثقة وهذه تصحيح الراوي تفصيله في المباني الرجالية ذكرنا في الدورة الأخيرة تحقيق المباني الرجالية.
أيضاً يمكن استفادة أن المراد بالمؤونة مؤونة السنة مما ورد في روايات الزكاة إذ لوحظت مؤونة السنة في الزكاة، وفسر بها المراد بالمؤونة
والرواية واضحة الدلالة إذ أن المدار في المؤونة والحاجة من سنة إلى سنة فما يؤخذ في مؤونة العيال هو مؤونة السنة.
هل المراد السنة القمرية؟ أو السنة الشمسية؟ أو السنة الافرنجية كالميلادية؟ أو السنة الأثيوبية؟ عندهم سنة خاصة بهم، أو المراد أي سنة أو كلاهما السنة القمرية والسنة الشمسية فكلاهما هجري.
الظاهر أن كل ما ورد في الشرع من أحكام مترتبة على السنة، يكون المراد بها خصوص السنة الهجرية القمرية، مثل ماذا؟ البلوغ، بلوغ الرجل إكمال خمسة عشر سنة قمرية، بلوغ المرأة إكمال تسع سنوات هجرية قمرية، ولا يؤخذ بالسنة الهجرية الشمسية أو الإفرنجية.
فالأحكام المترتبة على السنة في الفقه وفي الشريعة يراد بها خصوص السنة القمرية مثل البلوغ والحج والصوم وغير ذلك، الزكاة زكاة الفطرة.
سيأتي الآن على موطن بحثنا الآن عنوان السنة لم يرد في روايات الخمس نحن كلامنا الروايات التي نصت على سنة أي حكم شرعي يترتب على عنوان السنة وقد ورد لفظ السنة أو العام في الروايات فهذا يراد به خصوص السنة الهجرية القمرية.
إلا إذا دلت قرينة على أن المراد بها غير السنة القمرية، فمثلاً: لو كان المراد أحد فصول السنة وواضح أن الأدق في فصول السنة هو السنة الهجرية الشمسية التي تبدأ بالربيع النوروز، فلابدّ من اعتبار السنة لو كان الشيء مترتباً على عنوان الفصول الأربعة في السنة.
ولعل الأمر كذلك بالنسبة إلى الضياع والبساتين لأنها تابعة للفصول إثمار الفواكه والخضروات تابعة للفصول والسنة الشمسية دقيقة في فصولها فإن الاعتبار في الضياع بالوقت الذي يحصد فيه الزرع فتحسب حينئذ فتحسب السنة من هذا الوقت إلى الوقت القابل في عين الوقت، وهذا يكون دقيقاً في السنة الشمسية فيكون المراد السنة الشمسية.
وأما موطن بحثنا وهو الأرباح من التجارات والصناعات والزراعات والإيجارات ومن الواضح أنه لا وقت معين لها لا وقت معين للتجارة أو الصناعة فيلاحظ ما هو المتعارف عند الناس من السنة القمرية، فيجب عليه الخمس بعد تمام اثني عشر شهراً لا عند دخول الشهر الثاني عشر فالعبرة بالإتمام وليس بالدخول.
وذلك إما للنصّ الخاص الوارد فيه أو الاستظهار ذلك من التعبير بحولان الحول، هكذا أفاد شيخنا الأستاذ مسلم الداوري ـ حفظه الله ـ في كتاب الخمس في فقه أهل البيت[12] ،وقد أخذ هذا من كلام الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[13] ـ رحمه الله ـ .
إلا أن سيدنا الأستاذ خالف هذا المبنى وقال: إنه في الخمس يمكن الأخذ بالسنة الإفرنجية، ولا يجب الالتزام بالسنة القمرية كما التزم بذلك شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ .
إن عنوان السنة والعام لم يرد في روايات الخمس حتى ندعي أن السنة والعام ينصرف إلى السنة المتداولة وهي السنة القمرية بل ورد عنوان مؤونة العيال ومؤونة كل واحد بحسب العرف فلو كان العرف في بلدٍ قائم على السنة الهجرية الشمسية كما في إيران أو كان العرف في بلد قائم على السنة الميلادية كما في بريطانيا والبحرين أمكن الأخذ بالسنة الإفرنجية.
قال سيدنا الأستاذ سيد محمود الهاشمي الشهرودي[14] :
«ولكن الصحيح هو الثاني بمعنى جواز احتساب السنة الشمسية أيضاً لأنه لم يرد عنوان الحول والسنة في تحديد المؤونة ليمكن أن يتمسك به بمجرد تمام السنة القمرية وإنما استفيد ذلك من استثناء المؤونة بعد حمله بمثل الإطلاق المقام والمناسبات الارتكازية المعتمدة على ما هو المتعارف عند الناس والعرف في احتساب مؤوناتهم وأرباحهم خلال السنة.
ومن الواضح أن المتعارف أعم من السنة القمرية والسنة الشمسية إن لم نقل بمعهودية الثاني بالخصوص في باب الزراعات والمكاسب ونحوها» انتهى كلامه زيد في علو مقامه.
أقول: إن ما أفاده ـ قدس سره ـ تامةٌ، ولكن الاحتياط في محل إذ أن عنوان السنة لم يرد في الروايات الشريفة فقد ورد في روايات الخمس مؤونة الرجل ومؤونة عياله، فلو ورد عنوان السنة أو العام في روايات في روايات كروايات الزكاة فحينئذ نحملها على خصوص السنة القمرية.
وأما تنزيل الخمس منزلة الزكاة فهذا لا يعني أن تنزيل الخمس في جميع الحيثيات لو قام الدليل على تنزيل الخمس منزلة الزكاة في جميع الحيثيات لأمكن الالتزام بأن المراد بالسنة السنة القمرية لكن يفهم ذلك أن الخمس نزل منزلة الزكاة بالنسبة لبني هاشم إذا أن الله حرم عليهم الزكاة وأبدلهم بالخمس، فالخمس منزلة الزكاة بالنسبة إلى السادات زادهم الله شرفاً وعلواً، ولم ينهض دليل أن الخمس بمنزلة الزكاة في جميع الحيثيات.
وبالتالي يكون مع هذه ما أفاده سيدنا الأستاذ سيد محمود تام المراد مؤونة العيال ومؤنة العيال بحسب العرف لكن الاحتياط حسن على كل حال فنقول: الأحوط هو اعتبار خصوص السنة القمرية، والله العالم.
هذا ليس استدلال؛ استشعار. نحن ليس كل هذا إلا ذكرنا أدلة منه ما ينهض بالدلالة وأنه دليل ومنه ما يوجب الاستشعار والاستئناس.
فمن يرى أن بما أن الخمس نزل منزلة الزكاة إذا استظهر التمامية من جميع الوجوه يصير تصير هذه الروايات دليل، وأما إذا شكك في ذلك ما تصير دليل يستأنس، نحن قلنا: يمكن استفادة ذلك من هذه الروايات لم نقل نستدل، وراجع التعبير موجود ومسجل بارك الله بكم.
هل يكون تقييد الخمس بمؤونة السنة تقييداً للموضوع أو للحكم؟
هذا بحث مهم جداً.
فإذا قلنا أن الخمس بمؤونة السنة تقييد للموضوع يعني لا يتعلق الخمس إلا بالفاضل من مؤونة السنة ولا يشمل الخمس مؤونة السنة.
وأما إذا قلنا إن التقييد بمؤونة السنة تقيد للحكم التكليفي بوجوب دفع الخمس فهذا يعني أن الخمس يتعلق بمطلق المؤونة ما يصرفه في المؤونة وما يزيد على المؤونة غاية ما في الأمر الشارع المقدس من أجل الإرفاق بالمكلفين آخر وجوب دفع الخمس إلى نهاية السنة وأوجب عليهم الخمس في خصوص ما يزيد على مؤونتهم وأسقط عنهم وجوب الخمس في مؤونتهم.
واضح إن شاء الله الفارق.
وبناءً على الأول وهو أن مؤونة السنة تتعلق بالموضوع لا الحكم هنا أيضاً يوجد تفصيل هل يكون استثناء المؤونة من الموضوع شرطاً زمانياً والبعدية بعدية زمانية بحيث يتعلق الخمس بالفائدة الباقية آخر السنة أو أنها بعدية رتبية بمعنى أن ما عدا المقدار الذي يوازي المؤونة يتعلق به الخمس من أول حصول الربح.
هذه تفاصيل ستأتي إن شاء الله في المسألة اثنين وسبعين من العروة الوثقى وسيتضح إن شاء الله تعالى أن الصحيح أن استثناء مؤونة السنة قيدٌ للحكم وليس قيداً للموضوع.
لذلك يستطيع المكلف أن يخرج الخمس بمجرد حصول الربح ولا ينتظر إلى نهاية السنة ففرق بين الجواز وبين الوجوب، فالجواز يتحقق من أول ظهور الربح والوجوب يتعين عند رأس السنة، وعند رأس السنة هو ملزم بوجوب دفع الخمس بخصوص ما يزيد ويفضل عن مؤونة السنة دون مؤونة سنته لكن يجوز له أن يدفع خمس مؤونة السنة يجوز له ذلك لكن لا يجب عليه، وإنما يجب عليه دفع خصوص ما يفضل عن مؤونة السنة خمس خصوص ما يفضل عن مؤونة السنة هذا تمام الكلام في الأمر الثالث وتفصيله في مسألة اثنين وسبعين.