< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: استدراك وتوضيح

 

استدراك وتوضيح

صاحب الحدائق تطرق إلى خمس الصداق دون عوض الخلع

نسبنا في الدرس السابق إلى صاحب الحدائق القول بالتفصيل، وقلنا إن صاحب الحدائق رحمه الله ذهب إلى تخميس الخلع وعدم وجوب تخميس الصداق والمهر.

لكني كنت قد اشتبهت في هذه النسبة وهذا الكلام ليس بصحيح، وبعد مراجعة كلمات يوسف بن أحمد البحراني ـ رحمه الله ـ في الحدائق اتضح أنه لم يتطرق أبداً إلى عوض الخلع بل تطرق إلى الصداق فقط دون عوض الخلع.

ومن هنا لا يعلم رأيه في عوض الخلع وإن علم رأيه في المهر فقد ذهب إلى عدم وجوب تخميس المهر، ولنرجع إلى كلام صاحب الحدائق لكي يكون الكلام دقيقاً.

قال في الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة[1] ، وكان في مقام الكلام عن ثلاثة أمور، وهي: حكم تخميس الميراث والصداق والهبة» وانتهى إلى وجوب تخميس الميراث والهبة نظراً لدخولهما تحت عنوان الغنيمة بالمعنى الأعم بخلاف الصداق فإنه قد ذهب إلى عدم وجوب تخميسه نظراً لعدم اندراجه تحت عنوان الغنيمة بالمعنى الأعم.

وقال: أنه لم يقف على قائل به، ولنرجع إلى نصّ كلامه رحمه الله قال ما نصّه:

«وبالجملة فإنه متى فسرت آية الغنيمة بما هو أعم من غنيمة دار الحرب كما عرفته من الأخبار فإن هذه الأشياء تدخل فيها البتة» والمراد بالأشياء ما ذكره من كلامه عن الميراث والهبة والهدية.

ثم قال:

«تدخل فيها البتة وتخرج الأحاديث الواردة في هذه الأشياء على الخصوص شاهدة لذلك، وبه يظهر قوة القول المذكور» يعني قوة القول بوجوب تخميس الميراث والهبة والهدية.

ثم قال:

«وأما عدّ الصداق في ذلك» يعني في الغنيمة الأعم من غنائم دار الحرب «فلم أقف على قائل به ولو قيل به فالظاهر أنه ليس من قبيل هذه لأن الصداقة عوض البضع كثمن المبيع فلا يكون من قبيل الغنيمة» انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

والخلاصة إن صاحب الحدائق ذهب إلى وجوب تخميس الميراث والهبة والهدية وأفتى بذلك، وذهب أيضاً إلى عدم وجوب تخميس الصداق، ولم يرد في كلامه شيء عن عوض الخلع فنسبة التفصيل إليه اشتباه مني وفي غير محله.

ومنشأ اشتباهي أنني قرأت كلمة شيخنا الأستاذ الداوري حفظه الله ولم أتأمل فيها، إذا قال شيخنا الأستاذ الداوري في كتابه[2] ما نصّه:

«وفصل بعضهم بين عوض الخلع والمهر فقال بالوجوب في الأول لصدق الفائدة عليه دون الثاني، حتى أن صاحب الحدائق قال: وأما عد الصداق في ذلك فلم أقف على قائل به».

فاشتبهت وظننت أن مراد شيخنا الأستاذ الدوري من قوله: «وفصل بعضهم» أن هذا البعض هو صاحب الحدائق ـ رحمه الله ـ إذ أنه بعد ذلك قال: «حتى أن صاحب الحدائق» والحال إن تعبير شيخنا الأستاذ حتى أن صاحب الحدائق تأكيد لما ورد في قوله دون الثاني أي أنه عدم وجوب الخمس في الصداق أيده صاحب الحدائق، وقال: أنه لم يجد من يقول أن الصداق يندرج تحت عنوان الغنيمة بالمعنى الأعم.

وبحثت عن هذا البعض مراجعة الكتب المفصلة والمطولة من كتب استدلالية وفتوائية فوجدت أن أكثر فقهاء الشيعة يقولون بقول المشهور وهو عدم وجوب الخمس في عوض الخلع والمهر معاً، والقليل قال بتخميسهما على نحو الاحتياط.

فإذا رجعنا إلى العروة الوثقى تعليقة واحد وأربعين مرجع جزء اثنا عشر، صفحة مئة وتسعة عشر، سنجد أن أكثر المراجع الإحدى والأربعين وافقوا صاحب العروة في عدم وجوب تخميس عوض الخلع والمال. نعم، خالف قرابة أربعة بنحو الاحتياط الوجوبي لا بنحو الفتوى.

فمن هو مراد شيخنا الأستاذ الدوري حينما قال: «وفصل بعضهم بين عوض الخلع والمهر» فقال بالوجوب في الأول لصدق الفائدة عليه دون الثاني.

أقول لعل مراده هو المرحوم الشيخ حسين المنتظري رحمه الله إذ فصل على نحو الاحتياط أيضاً، فقال في كتاب الخمس صفحة مائة وخمسة وسبعين ما نصّه تعليقة أربعة:

«لا يترك في عوض الخلع لاشتراكه مع الهدية والجائزة في صدق الفائدة والحصول باختيار. نعم، يمكن أن يقال بأنه ليس مصداقاً للغنيمة عند العرف فإنه عوض عن فوات البضع الحلال نظير المهر الذي قلنا بأنه عوض عن البضع واخترنا عدم الخمس فيه فتأمل».[3]

ومن الواضح أن الشيخ المنتظري ـ رحمه الله ـ يرى أن الأحوط الذي لا يترك هو تخميس عوض الخلع بينما اختار عدم وجوب تخميس المهر.

وقد وجدت من أفتى بهذا التفصيل وهو المرحوم السيد محمد الروحاني في كتابه المرتقى إلى الفقه الأرقى كتاب الخمس صفحة مائة وأربعة وتسعين إذ قال في تعليقه مئة وثلاثين ما نصّه:

«أما المهر والميراث من حيث يحتسب فعدم وجوب الخمس فيها واضح من جهة خروجهما عن مورد القدر المتيقن إذ ليسا من أرباح المكاسب فثبوت الخمس فيهما بنحو الاحتياط الاستحبابي لا بأس به، وأما عوض الخلع فقد يلتزم بثبوت الخمس فيه على المختار من جهة صدق الربح عليه باعتبار أنه بذل بإزائه البضع وأسقط حقّه من الزوجة بـ ـذاء العوض فهو أشبه بالجعالة».

والخلاصة ما ذكرناه من وجود أقوال ثلاثة صحيح وأكثر الفقهاء موافق للمشهور من عدم وجوب الخمس في عوض الخلع والمهر معاً، وخالف بعض المعاصرين وقال بالوجوب فيهما معاً، وخالف القليل من المعاصرين فقالوا بالتفصيل بين عوض الخلع فيجب فيه الخمس بينما المهر لا يجب فيه الخمس إلا أن صاحب الحدائق ليس من القائلين بالقول الثالث وهو التفصيل بل كلامه خاصٌ بخصوص المهر ويرى عدم وجوب تخميس المهر ولم نجد له كلاماً في عوض الخلع، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الاستدراك والتوضيح بالنسبة إلى عوض الخلع والمهر.

 

المسألة الخمسون

قال صاحب العروة رحمه الله:

«إذا علم أن مورثه لم يؤدي خمس ما تركه وجب إخراجه سواء كانت العين التي تعلق بها الخمس موجودةٌ فيها أو كان الموجود عوضها بل لو علم باشتغال ذمته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الديون». [4]

هذه المسألة تتطرق إلى أن الوارث لو علم أن المورث لم يؤدي خمس ما تركه ولم تتطرق إلى مسألة شكّ الوارث، فتارة الوارث يشك هل أن مورثه أدى خمس التركة أو لا؟

وقد تطرق صاحب العروة إلى حكم شكّ الوارث في كتاب الزكاة لا في كتاب الخمس ففي كتاب الزكاة تطرق إلى مسألة ما لو شكّ الوارث في أن نورثه هل دفع الزكاة أو لا؟ هناك تطرق صاحب العروة إلى فروع هذه المسألة وهي أربعة، وناقشها سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ [5] .

ولكن المسألة الخمسون تطرقت إلى خصوص علم الوارث لا إلى شكّه، فلو علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه فهل يجب عليه أن يخرج خمس التركة أو لا؟

توجد ثلاث صور:

الصورة الأولى أن يعلم الوارث بوجود العين التي تعلق بها الخمس في تركة المورث.

الصورة الثانية أن يعلم الوارث بوجود بدل العين التي تعلق بها الخمس في تركة المورث.

الصورة الثالثة أن لا يعلم الوارث بوجود العين التي تعلق بها الخمس أو بدلها في تركة الوارث لكنه علم وجزم باشتغال ذمة المورث بالخمس.

هذه صور ثلاث تطرق إليها صاحب العروة في المسألة الخمسين.

أما الصورة الثالثة

وهي ما إذا علم وجزم الوارث أن ذمة مورثه قد اشتغلت بالخمس، وأن المورث لم يدفع الخمس ولا يعلم بوجود العين التي ثبت فيها الخمس أو وجود بدلها لكنه يحرز أن ذمة المورث مشغولة بالخمس، فهنا لا شكّ ولا ريب أنه يجب على الوارث أن يخرج الخمس لأن الخمس دينٌ في ذمة المورث المتوفى.

قال تعالى: ﴿من بعد وصية يوصي بها أو دين﴾[6] .

والقاعدة معروفة التركة بعد إخراج الديون والوصايا فقبل أن توزع التركة على الورثة يجب أولاً أن تخرج ديون الميت وأن تنفذ وصية الميت بمقدار ثلث التركة فإن فضل شيءٌ عن الديون والوصايا تقسم بين الورثة للذكر مثل حظّ الانثيين.

ومن أبرز مصاديق الديون الخمس ولا إرث إلا بعد أداء الدين والخمس.

هذا تمام الكلام في الصورة الثالثة

وأما الصورة الأولى

وهي إذا مات المورث وعلم الوارث بوجود العين التي ثبت فيها الخمس وأن المورث لم يدفع هذا الخمس فهنا في الصورة الثالثة توجد ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول إذا لم يكن المورث معتقداً بالخمس كما لو كان كافرا أو كان مخالفاً لا يرى وجوب الخمس، وقلنا بأن الكفار مكلفون بالفروع وأن المخالف أيضاً مخاطب.

ففي هذه الحال يكون هذا المورد هو المورد المتيقن من أخبار التحليل «مالنا لشيعتنا قد طيبناه لكم» القدر المتيقن من أخبار التحليل ما يرثه الشيعي من مال الكافر أو المخالف، يعني من مال الذي لا يعتقد بالخمس، هذا هو القدر المتيقن.

الاحتمال الثاني أن يكون المورث معتقداً بالخمس لكنه لم يكن ملتزماً بدفع الخمس كما لو كان فاسقاً لا يؤدي فرائضه فهو يعتقد بوجوب الخمس لكنه فاسق لا يؤدي واجباته، فهل تشمله أخبار التحليل أو لا؟ هنا يوجد خلاف بين الفقهاء:

فمن تمسك بإطلاق أخبار التحليل ادعى شمول أخبار التحليل للكافر والمخالف والشيعي الفاسق الذي لا يلتزم فتشمله أخبار التحليل، وقد التزم السيد الخوئي رحمه الله بالشمول في هذا المورد تمسكاً بأخبار التحليل[7] .

وأما إذا التزمنا بأن أخبار التحليل لا تشمل مورد ولا إطلاق لها ولا شمول لها للشيعي الذي لا يؤدي خمسه فحينئذٍ يجب على الوارث أن يخرج الخمس.

الاحتمال الثالث أن يكون الميت المورث معتقداً بالخمس ومن ديدنه إخراج الخمس لكنه لم يخرجه كما لو فاجأه الأجل ولم يخرج الخمس أو تساهل في الأداء فلم يدفع الخمس مع كونه ملتزما بالأداء.

ففي هذه الحالة لا شكّ ولا ريبّ أنه يجب على الوارث إخراج الخمس لأن مال الميت أصبح مشتركاً بين المالك وأرباب الخمس، ولا دليل على رفع هذا الاشتراك واختصاص المال بخصوص الورثة، ولا دليل على سقوط الخمس بموت المورث، فنلتزم بوجوب إخراج الخمس في الاحتمال الثالث من الصورة الأولى، وفي الاحتمال الثاني من الصورة الأولى بناءً على عدم عموم روايات التحليل، ونلتزم بعدم وجوب الخمس بناءً على عموم روايات التحليل في الاحتمال الثاني وبناءً على الاحتمال الأول، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى والثالثة، بقيت الصورة الثانية

أما الصورة الثانية

وهي إذا ما علم الوارث بوجود بدل العين التي تعلق بها الخمس في تركة المورث، كما لو باع الميت أو اشترى في أثناء السنة أو بعد انتهائها شيئاً بمالٍ تعلق به الخمس، فهنا يوجد بدل الخمس لأنه اشترى متاعاً أو شيئاً بمالٍ قد تعلق به الخمس.

وهنا يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن تكون المعاملة شخصية جزئية بأن يشتري الميت بهذا المال وعين وشخص هذا المال الذي تعلق به الخمس متاعاً معيناً.

الاحتمال الثاني أن تكون المعاملة كلية بأن يشتري متاعاً بمال في الذمة فهذه معاملة كلية ويكون مصداق ما في ذمته هو المال الذي يدفعه وهو المال الذي تعلق به.

أما الاحتمال الأول من الصورة الثانية

وهي أن تكون المعاملة شخصية فهنا إما أن يمضي الحاكم الشرعي هذه المعاملة أو لا؟ لأن ولي الخمس والشريك مع الوارث بمقدار عشرين في المئة ومقدار الخمس هو الفقيه والحاكم الشرعي أو السادة النجباء أرباب الخمس، والحاكم الشرعي إما أن يمضي المعاملة أو لا.

الشق الأول

الاحتمال الأول أو الشق الأول أن يمضي الحاكم الشرعي هذه المعاملة فتدخل في الصورة الأولى بلا شكّ فتصح المعاملة وينتقل الخمس إلى العوض بناءً على تعلق الخمس بالعين بنحو الشركة في العين أو في المالية.

فإن المعاملة إذا كانت مع شيعي وقلنا بأخبار التحليل لما ينتقل إلى شيعي من شيعي آخر فيستفاد هنا إمضاء المعاملة من أخبار التحليل، وكذا إذا كان الميت مخالفاً فإن الخمس ينتقل إلى العوض.

الشق الثاني

الشق الثاني أن لا يمضي الحاكم الشرعي المعاملة، وحينئذ تكون المعاملة باطلة، وتكون ذمة الميت مشغولة بخمس المعوض، وخمس العوض هو من المقبوض بالعقد الفاسد.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول من الصورة الثانية ما هو الاحتمال الأول؟ إذا كانت المعاملة شخصية.

إذا ما أمضى المعاملة تكون المعاملة باطلة، إذا المعاملة باطلة تصير ذمة الميت مشغولة لا لأن الميت تصرف تصرف فضولي يصير من البدل أو قيمته سيأتي كيفية الإخراج الكلام يثبت الخمس.

الاحتمال الثاني من الصورة الثانية

وهو كون المعاملة كلية وقد دفع الميت في مقام الوفاء ما تعلق به الخمس فالمعاملة حينئذ صحيحة لأن المعاملة وقعت على الكلي لا على المال الشخصي أو البدل الذي تعلق به الخمس، والعوض ملك للميت بأجمعه لأن المعاملة على هذا العوض صحيحة لكن ذمة الميت تكون مشغولة بخمس المعوض لأن الميت قد اتلفه بإعطائه لغير مستحقه فيجب على الوارث إخراج الخمس من تركة الميت وإيفاء دين الميت لأصحاب الخمس، والله العالم.


[2] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص106.
[7] الواضح في شرح العروة الوثقى، تقرير الشيخ محمد الجواهري، ج6، لعله ص224.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo