< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:حكم ما لو شك الوارث أن المورث لم يؤدي خمس ما تركه

 

تطرق صاحب العروة الوثقى في المسألة الخمسين من كتاب الخمس إلى حكم ما لو علم الوارث أن مورثه لم يؤدي الخمس لكنه لم يتطرق إلى حكم ما لو شك الوارث أن مورثه لم يؤدى الخمس.

نعم، تطرق صاحب العروة في نهاية كتاب الزكاة إلى مسائل ختامية وفي المسألة الخامسة من المسائل الختامية تطرق إلى حكم ما لو شك الوارث أن مورثه لم يؤدي الزكاة أو الخمس.

ولم يتطرق السيد الخوئي رحمه الله في المسألة الخمسين إلى حكم ما لو شكل وارث لكنه تطرق إلى حكم شك الوارث في كتاب الزكاة عندما تطرق إلى المسألة الخامسة من المسائل الختامية[1] .

وقد تطرق شيخنا الأستاذ الداوري حفظه الله إلى حكم الشك بشكل موجز[2] .

الصور الأربعة في المسألة

وهذه المسألة وهي إذا شك الوارث في اشتغال ذمة المورث بالخمس توجد فيها صور أربع نذكرها تباعاً، وسيتضح إن شاء الله أنه يجب على الوارث إخراج الخامس من التركة في الصور الثلاث الأولى دون الصورة الرابعة، والصور الأربع كما يلي:

في المسألة صور اربعة-الصورة الأولى أن لا تكون العين المتعلق بها الخمس موجودة ضمن التركة، ويعلم باشتغال ذمة المورث بالخمس سابقاً، لعدم أدائه للخمس من العين جزماً، إما لاتلافه أو تلف مضمون عليه أو لأجل النقل إلى الذمة بإجازة الحاكم الشرعي كما لو عمل معه مداورة أو مصالحة ونقل الخمس من جزئي في العين إلى كلي في الذمة، وأصبح ديناً في ذمة الميت، ثم شك الوارث في تفريغ ذمة المورث بعد ذلك، فهو لا يعلم هل أن الميت المورث أدى ما اشتغلت به ذمته التي تيقن بها أو لا؟

فهذه الصورة الأولى فهنا الوارث يشك في تفريق ذمة المورث الميت.

وقد ذهب صاحب العروة في كتاب الزكاة إلى عدم وجوب إخراج الخمس على الوارث لأن تكليف الوارث بإخراج الخمس فرع تكليف المورث بالأداء حال موته، وهو غير محرز، فلعله كان قد أدى ما عليه من الخمس، ولا يمكن إثباته بالاستصحاب لأن الاستصحاب متقوم بيقين وشك الميت، ولا عبرة بيقين وشك غيره كالوارث، وما دام شك الميت غير محرز فلا طريق لإثبات التكليف على الوارث.

مناقشة للسيد الخوئي علي صاحب العروة بوجهين

وناقشه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم بوجهين:

الوجه الأول إن غاية ما يترتب على عدم جريان الاستصحاب في حقّ الميت هو عدم تنجز التكليف عليه، فالميت غير مكلف ولا يتنجز عليه التكليف، لكن يكفي في تعلق الإخراج بالوارث ثبوت التكليف واقعاً، ولا يلزم أن يكون التكليف متنجزاً على الميت، فإذا ثبت التكليف واقعاً بمقتضى الاستصحاب، فنحن على يقينين بحسب الواقع من أن ذمة الميت كانت مشغولةً بخمسٍ وشككنا هل أدى الخمس أو لا؟ جرى الاستصحاب بلحاظ الواقع «لا تنقض اليقين بالشك» فنستصحب بقاء الخمس في ذمة الميت.

فإذا ثبت الخمس في ذمة الميت وجب على الوارث إخراجه وإن لم يكن التكليف متنجزاً على الميت لأنه غير مكلف حال موته.

يعني في نفس الأمر وفي الواقع الميت في أن ما وجب عليه الخمس هذا محرز أو غير محرز؟ محرز، أجرى مداورة صارت ذمته مشغولة بدين الذي هو الخمس، ثم شككنا أيضاً في الواقع في الواقع هل هذا الميت أدى هذا الخمس قبل موته أو لا؟ صار عندنا يقين واقعي وشك واقعي يجري الاستصحاب فإجراء الاستصحاب بلحاظ الواقع لا بلحاط تكليف الميت حتى تقول التكليف ليس منجزاً عليه.

الوجه الثاني يكفي في لزوم الإخراج من أصل التركة مجرد كون الميت مديناً، وإن لم يكن مكلفاً بالدين واقعاً لمانع كالنسيان أو الغفلة، فلو كان نسيان أو غافلاً لا يتوجه إليه الخطاب والتكليف فضلاً عن التنجز عليه، لأن مقدار الخمس ملك لأربابه فهو مدين لهم به، فيلزم إخراج الدين من التركة بعد ثبوته وإن لم يكن مكلفاً به واقعاً فضلاً عن التنجز عليه[3] .

وما ذكره رحمه الله من كلا الوجهين متين لا غبار عليه، فإذا ثبت الدين على الميت واقعاً وجب إخراجه ولو من تركته.

في المسألة صور اربعة-الصورة الثانية أن تكون العين موجودة ضمن التركة ونحتمل أن المورث أدى الخمس إما من نفس العين أو من مال آخر وكان الشك في أدائه في خمس السنة الحالية يعني في هذه السنة هل خمس أو لا؟ أفاد السيد الماتن صاحب العروة في الصورة الثانية أنه لا بد للوارث من أن يخرج الخمس لأن العين موجودة وكانت متعلقة بحق أرباب الخمس وقد ثبت تعلق الخمس بها، غاية ما في الأمر أن الوارث يشك في إخراج مورثه للخمس وما وجب عليه فنستصحب بقاء الحقّ فيها فيجب على الوارث الإخراج كما كان الإخراج واجباً على الميت لو كان حياً وشك.

في المسألة صور اربعة-الصورة الثالثة نفس الفرض المتقدم الا أن الشك في أدائه خمس السنة السابقة أو ما سبقها من سنوات فالعين موجودة في ضمن التركة، ونحتمل أن المورث قد أدى خمس العين إما من نفس العين أو من غيرها، لكن الشك ليس فيه خمس نفس هذه السنة كما في الصورة الثانية وإنما الشك في خمس السنوات السابقة والمتقدمة.

اختار صاحب العروة في الصورة الثالثة عدم وجوب إخراج الخمس على الوارث لقاعدة التجاوز ومضي المحل فمحل الخمس هو سنوات والمتقدمة وقد مضى ذلك فتجري قاعدة التجاوز إذا خرجت من شيء ودخلت في شيء آخر لا تعتني بشكك، وأيضاً تجري أصالة الصحة في فعل المورث وهو إبقاء العين تحت يده إبقاء يسوغ له شرعاً بأن ادى ما عليه إما من نفس العين أو من مال الآخر.

مناقشة السيد الخوئي علي صاحب العروة في الصورة الثالثة

وناقشه سيد أساتذتنا المحقق الخوئي ـ رحمه الله ـ بأن الخمس ليس من الواجبات المؤقتة كالصلاة والصوم وإن كان يلزم أن لا يؤخر الخمس إلى حدّ التهاون، وبالتالي لا يتحقق الشك بعد تجاوز المحل أو بعد خروج الوقت الذي هو ملاك قاعدة الفراغ والتجاوز، قاعدة الفراغ كل ما مضى منك فامضه كما هو.

أصالة الصحة و قاعدة الفراغ

يعني إذا خرج وقت الصلاة وشكيت صليت أو ما صليت؟ صلاتي صحيحة أو صلاتي فيها خلل؟ كل ما مضى منك فامضه كما هو، شكيت أن الصلاة صحيحة أو غير صحيحة؟

وهكذا قاعدة الفراغ والتجاوز أنت الآن تجاوزت الركوع دخلت في السجدة الثانية شكيت أن الركوع فيه خلل أو لا؟ أنت تجاوزت القراءة ودخلت في ركن آخر دخلت في السجود لا تعتني بشكك لأنك تجاوزت المحل.

قاعدة الفراغ والتجاوز إنما تجريان في الواجبات المؤقتة فهنا لا يصح التمسك بقاعدة التجاوز أو مضي الوقت قاعدة الفراغ لأنه الخمس ليس من الواجبات المؤقتة. نعم، السنة إرفاق بالمكلف وإلا يثبت الخمس من أول الربح.

وأما أصالة الصحة يعني أصل في فعل المسلم الصحة فنشك هذا عقد عقد نكاح يمكن عقد باطل تحمل عمل المسلم على الصحة، اشترى يمكن هذا عقد البيع باطل، صلى يمكن صلاته باطلة، تحمل عمل المسلم على الصحة.

وأما أصالة الصحة فلا تجري هنا لأن مجراها الفعل ينقسم إلى الصحيح والفاسد، وما صدر من المورث هو مجرد إبقاء العين ومثله لا ينقسم إلى الصحيح والفاسد، فالظاهر عدم الفرق بين هذه الصورة الثالثة والصورة الثانية فيجب الإخراج فيهما على الوارث[4] .

هو أبقى ما يدريك لعله أخرج الخمس هذا نفس الإبقاء لا ينقسم إلى الصحيحة والفساد.

في المسألة صور اربعة-الصورة الرابعة لاحظوا الصور الثلاث تشترك في وجود يقين سابق باشتغال ذمة الميت بالخمس الآن تفترق الصورة الرابعة في هذا الصورة الرابعة أن يشك في اشتغال ذمة الميت ببدل العين لكونها تالفة أو منتقلة إلى الغير، ويحتمل أن المورث لم يؤدي خمسها كي يكون مديناً وضامناً.

ذكر السيد الماتن صاحب العروة ـ رحمه الله ـ في الصورة الرابعة أنه لا يجب على الوارث الإخراج لأن تكليفه فرع تكليف الميت، ولم يحرز تكليف الميت، كما هو الحال في الصورة الأولى بناء على مبنى صاحب لا يتنجز التكليف على الميت.

مناقشة السيد الخوئي علي صاحب العروة في الصورة الرابعة

وناقشه السيد الخوئي رحمه الله بمناقشتين:

المناقشة الأولى ما قد مضى من أن الإخراج المتعلق بالوارث لا يدور مدار التنجز على الميت المورث، وإنه يكفي ثبوت التكليف واقعاً سواء تنجز التكليف على المورث أو لا؟

المناقشة الثانية إن موضوع الضمان هو إتلاف مال الغير وهو غير محرز في الصورة الرابعة لاحتمال أن المورث أدى الخمس من نفس العين فلا نحرز أن المورث اتلف الخمس، فلربما قد أداه.

إن قلت: نستصحب عدم أداء الميت المورث للدين.

قلنا: إن استصحاب عدم الأداء إلى حين الموت لا يثبت الاتلاف فلا ضمان، بل لو علم بعدم الأداء من العين أيضاً فإنه لا يحرز الاتلاف لاحتمال أن الميت قد أدى الخمس من مال آخر، حاملاً للميت على الصحة بعد جواز أداء الخمس من مال آخر، وعدم اشتراط أن يكون الأداء من نفس العين.

والخلاصة: الضمان فرع الاتلاف، والاتلاف غير محرز لاحتمال أن الميت قد أداه من مال آخر، وبالتالي لا نحرز واقعاً ثبوت الخمس وأن الميت لم يؤده فلا يجب على الوارث إخراج الخمس.

هذا تمام الكلام في صور الشك الأربعة.

الموافقة في النتيجة والمخالفة في المدرك

يوافقه في النتيجة يختلف معه في مدرك النتيجة، والسيد اليزدي يقول تكليف الوارث فرع تكليف المورث ولم يتنجز التكليف على المورث، السيد الخوئي يقول النتيجة صحيحة عدم وجوب الخمس على الوارث لكن لا بملاك عدم تنجز التكليف على الميت، المدار على ثبوت التكليف واقعاً هنا لا نحرز ثبوت التكليف واقع ولا نحرز موضوع قاعدة الضمان وهو الاتلاف.

النتيجة النهائية يثبت الخمس ويجب إخراجه من تركة الميت في الصور الثلاث الأولى دون الصورة الرابعة فإنه لا يجب إذ لا نحرز وجوب الخمس سابق على الميت بخلاف الصور الثلاثة الأولى فإنه كنا على يقين من ثبوت وجوب الخمس في ذمة الميت.


[2] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص112 إلى 115.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo