< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم الزيادة السوقية

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة الثالثة والخمسون:

«وأما لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادةٍ عينية لم يجب خمس تلك الزيادة لعدم صدق التكسب ولا صدق حصول الفائدة. نعم، لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن، هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها»[1] إلى آخر المسألة.

اختلاف الفقهاء في هذه المسألة

اختلفت كلمات الفقهاء المتأخرين في هذه المسألة فذهب بعضهم إلى وجوب تخميس الزيادة السوقية مطلقاً، وذهب البعض الآخر إلى عدم وجوب تخميس تلك الزيادة مطلقاً، وتنظر بعضهم وتأمل، وقال بعضهم بالتفصيل بين ما قبل البيع وما بعد البيع، وقال بعضهم بالتفصيل بين مال التجارة وبين غيره.

ولنقرأ كلمات الفقهاء ونذكر آراءهم ثم بعد ذلك نتطرق إلى صور المسألة، وهذه المسألة بمختلف صورها وأقوالها عمدتها تشخيص معنى مطلق الفائدة، وهل عنوان مطلق الفائدة والربح يصدق على مختلف صور الزيادة السوقية والمالية أو لا يصدر؟

فمن رأى صدق ذلك ذهب إلى وجوب الخمس، ومن رأى عدم صدق ذلك لم يذهب إلى وجوب الخمس.

إذا الكلام في تشخيص الموضوع العرفي وأن الزيادة السوقية هل يصدق عليها فائدة ومنفعة أو لا؟

أقوال العلماء في المسألة

القول الأول

ولنتطرق الأقوال في المسألة ذهب السيد الماتن ـ رحمه الله ـ إلى عدم وجوب خمس الزيادة السوقية، وكذلك العلامة الحلي في تحرير الأحكام، الجزء الأول، صفحة أربعمئة وتسعة وثلاثين،[2] واستجوده المحقق البحراني في الحدائق الناضرة، الجزء اثنا عشر صفحة وأربعة وخمسين،[3] وكذلك العلامة الحلي في المنتهى منتهى المطلب الجزء الثامن صفحة خمسمئة وواحد وأربعين،[4] والمحقق القمي في غنائم الأيام الجزء الرابع صفحة ثلاثمئة وستة وعشرين،[5] وجزم به صاحب الجواهر في جواهر الكلام ستة عشر صفحة ستة وخمسين،[6] واستظهره أيضاً الشيخ الأعظم الأنصاري في كتاب الخمس صفحة مئة وخمسة وتسعين.[7]

فهذا القول الأول هذا وجوب الخمس.

القول الثاني

لكن الشهيد الثاني في مسالك الأفهام تنظر في ذلك وقال ما نصّه: «وفي الزيادة لارتفاع السوق نظراً» أي إشكال وتأمل[8] .

القول الثالث

الجزم بوجوب تخميس الزيادة السوقية، وهو ما ذهب له الشهيد الثاني في الروضة البهية الجزء الثاني، صفحة سبعة وستين.[9]

فهذه أقوال ثلاثة، تراجع هذه الكتب يراجع:

     كتاب البيان، الشهيد الأول، صفحة ثلاث مئة وثمانية وأربعين.

     والعلامة الحلي في منتهى المطلب الجزء الثامن صفحة خمس مئة وواحد وأربعين.[10]

في نظر الشهيد الثاني. نعم، في المسالم تنظر وفي الروضة جزم بالوجوب.

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال في المسألة.

صور المسألة:

وقد تطرق السيد الماتن إلى صورتين، وذكر بعض الأعلام والكثير من المعاصرين ثلاث صور في المسألة، ولنتطرق لها تباعاً:

الصورة الأولى إذا ملك المال بغير معارضة كما لو انتقل إليه بإرث أو أحيا أرضاً فملكها مع حاجته إلى إحياء إلى الأرض التي أحياها لأجل الصرف للسكنى مثلاً، أو استولى على مال مباح لا ربّ له من البر أو البحر فملكه، هناك مباحات عامة الماء والعشب والكلئ، أو حصل على هبة فصرفها في المؤونة كما لو أهدي له قلادة فأعطاها زوجته وكان من شأنها أن تتقلد تلك القلادة ثم ارتفعت القيمة السوقية، فهل يجب الخمس في هذه الصورة؟

دليل عدم وجوب الخمس إذا زادت القيمة السوقية

وقد حكم السيد الماتن ـ رحمه الله ـ في هذه الصورة بعدم وجوب الخمس إذا زادت القيمة السوقية، لعدم صدق عنوان التكسب وعدم صدق عنوان الفائدة أيضاً.

أما عدم صدق التكسب فواضح لأنه لم يتاجر ويتكسب بما ملكه، وأما عدم صدق الفائدة فإنه لم يستفد شيئاً وإن باع العين بأغلى الثمن فإن غايته أنه بدل عيناً مكان عين فهو لم يشتري شيئاً حتى يربح أو يخسر، وزيادة القيمة المالية والسوقية أمرٌ اعتباري ينتزع من كثرة الباذل، فلا يصدق على هذه الزيادة السوقية عنوان الربح والفائدة.

ويلحق بهذه الصورة ما هو شبه المعاوضة كالمهر الذي هو بإزاء الزوجية فلو أمهر زوجته داراً أو عقاراً فترقت القيمة السوقية لها لم يجب الخمس، سواء باعتها أم لم تبعها، هكذا أجاد وأفاد سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ في تقريراته الثلاثة:

     المستند في شرح العروة الوثقى، للشهيد الشيخ مرتضى البروجردي، ج 25، من موسوعة الإمام الخوئي، صفحة مئتين وخمسين.[11]

     والواضح في شرح العروة الوثقى، تقرير الشيخ محمد الجواهري، الجزء صفحة مئتين وخمسين.[12]

     والسيد مجتبى الرودباري، كتاب الخمس الذي هو عين كلمات السيد الخوئي وعين ما درسه، وهو بمثابة تفريغ الأشرطة لبحث السيد الخوئي، صفحة ثلاث مئة وستة وأربعين وما بعد.

     وقد قرر كلامه كلام السيد الخوئي تلميذه الوفي الشيخ شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري في كتاب الخمس فقه أهل البيت، الجزء الثاني، صفحة مئة وثمانية وعشرين مئة وتسعة وعشرين، وناقشه بما هو نصّه هكذا قال:

«ولكن يلاحظ عليه بأن الظاهر أن صدق الربح والفائدة لا يتوقف على كون الملك واقعاً عن شراءٍ ومعاوضة بل يصدق الربح حتى لو حصل في الملك ما يوجب الزيادة فيه متصلةً أو منفصلةً مع كونه مملوكاً بغير معاوضة، وفي حكم المتصلة ما إذا تغيرت العين كما إذا كان خلاً حديثاً فصار عتيقاً أو صوفاً فصار قماشاً، وفي حكم المنفصل ما إذا زادت قيمة العقار مثلاً لمناسبة موقعه لافتتاح مؤسسة مهمة فيه أو محل تجاري كذلك بحيث زادت قيمته أضعافاً بذلك فلا ينبغي الريب في صدق الفائدة والربح حينئذ. نعم، لو فرض أن الزيادة كانت بحيث إنه لو أريد تعويضه عن العقار لما أعطي غير القيمة الأولى لم يصدق على ذلك عنوان الربح كما لا يخفى».

والخلاصة في الصورة الأولى ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى عدم وجوب الخمس سواء بقيت العين أو باعها وخالفه شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ فقال بصدق الفائدة والربح ووجوب الخمس.

وقد ذهب جملةٌ من المعاصرين إلى وجوب الخمس في الصور الثلاث الآتية كالسيد محمد الروحاني ـ رحمه الله ـ في تقرير الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم المرتقى إلى الفقه الأرقى، كتاب الخمس، صفحة مئة وتسعة وتسعين.

وهكذا ذهب إلى وجوب الخمس في الصور الثلاث شيخنا الأستاذ الداوري، وذهب أيضاً إلى وجوب سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، كتاب الخمس، الجزء الثاني، صفحة مئة وتسعين، فقال: «إذا ارتفعت القيمة السوقية ارتفاعاً معتداً به، واستقرت القيمة السوقية خلال السنة فإنه يصدق عنوان الفائدة، فالأقوى ثبوت الخمس وإن شككنا في ذلك فهو أحوط».

والصحيح ما ذهب إليه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ والسيد محسن الحكيم ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

والسرّ في ذلك: أن الكلام في صدق عنوان الفائدة والربح عرفاً، فما هو ملاك صدق الفائدة والربح عرفاً؟ خصوصاً إذا لاحظنا النصوص الشريفة الواردة في أرباح المكاسب ومطلق الفائدة، كقوله ـ عليه السلام ـ : «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[13] فهل المراد مطلق الفائدة بما يعم الزيادة السوقية أو لا؟

الظاهر من الفائدة والغنيمة الزيادة في المال قال تعالى: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة﴾[14] وهذه الآية هي المدرك المهم لأرباح المكاسب إذ بعمومها نستدل على وجوب الخمس، فقوله تعالى: ﴿غنمتم من شيء﴾ ناظر إلى الزيادة في المال، فملاك الفائدة هو الزيادة في المال لا الزيادة في القيمة المالية، ملاك الصدق العرفي لعنوان الفائدة هو الزيادة في المال لا الزيادة في القيمة المالية إذ في القيمة المالية لا توجد زيادة في المال، فالبيت هو البيت والعقار هو العقار والقلادة الذهبية هي القلادة الذهبية، وإنما تكون الزيادة في القيمة المالية والقيمة المالية وصفٌ وأمر اعتباري منتزعٌ من وجود الراغب والباذل، فالذهب والفضة والألماس والحديد مالٌ، فهذه الأعيان أموال، ولكن تختلف في الدول باختلاف الراغب وتختلف في السوق باختلاف العرض والطلب.

المدار في صدق عنوان الفائدة

إذاً المدار في صدق عنوان الفائدة هو الزيادة في المال لا الزيادة في القيمة المالية، ففي النماء المتصل إذا سمنت الدابة تحققت الزيادة في المال، وفي النماء المنفصل إذا ولدت الدابة تحققت الزيادة في المال، وأما في موطن بحثنا وهو أنه ورث من أبيه بيتاً، وارتفعت القيمة السوقية لهذا البيت، وربما يوم من الأيام تنخفض القيمة السوقية لهذا البيت، فهذا البيت مالٌ لكن لما انخفضت القيمة السوقية لم يطرأ عليه نقص يبقى المال وهكذا إذا زادت القيمة السوقية إذ لا توجد زيادة عينية.

وناقش سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ في أن عنوان المال لم يرد في الروايات الشريفة حتى نجعل المدار هو الزيادة في المال.

أقول ما أفاده ـ رحمه الله ـ صحيح لكن هذا يخضع لاستظهار الفقيه فالفقيه إذا استظهر أن الفائدة تتحقق عند الزيادة في المال فهنا هذا العنوان لا يصدق على الزيادة السوقية.

والخلاصة: أن استظهرنا من عنوان الفائدة أنها عبارة عن الزيادة في المال ولا يشمل زيادة القيمة المالية يعني الزيادة في العين لا الزيادة والنقيصة في الوصف، فنحن نسلم أن الزيادة السوقية أو نقص القيمة السوقية أنه زيادة ونقص، ولكن هذا زيادة ونقص في الوصف لا في العين يعني عين البيت وعين القيادة لم يطرأ عليها زيادة ولم يطرأ عليها نقص، ومتعلق الزيادة والنقص هو الوصف لا العين.

فبناءً على أن ملاك الفائدة هو الزيادة في المال لا القيمة المالية تكون الصورة الأولى لا خمس فيها، وأما بناءً على أن الملاك هو مطلق الزيادة سواء كان في العين أو الوصف يتم ما أفاده شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ والسيد محمود الهاشمي والسيد الروحاني ـ رحمه الله ـ .

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.

الصورة الثانية ما إذا ملك المال بسبب المعاوضة وكان الغرض الانتفاع من نفس العين كسكنى الدار أو ركوب السيارة أو من أجرتها كما لو أعد الدار والسيارة للإيجار أو من نمائها أو نتاجها كما لو اشترى غنماً أو بقراً لينتفع من أصوافها أو ألبانها أو ما يولد منها ولو ببيع مع التحفظ على أصل العين كما هو الفرض يعني تبقى البقرة والغنمة عنده.

وقد قوى جماعة عدم وجوب الخمس مطلقاً وفصل آخرون بين البيع وعدمه، فيجب الخمس فيما لو باع ولا يجب الخمس إذا لم يبع لعدم صدق عنوان الفائدة، وأما لو باع وكان ما باع أزيد مما اشتراه فإن المقدار الزائد يصدق عليه أنه ماذا؟ أنه فائدة.

وناقش في ذلك شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ وقال: لا معنى للتفصيل بينما قبل البيع وما بعد بيع إذ أن ارتفاع القيمة السوقية نماءٌ فيصدق عليه أنه فائدة وربح فيجب الخمس سواءً باع العين أو لم يبعها خلافاً لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي والسيد محسن الحكيم اللذين ذهبا إلى التفصيل.

والصحيح هو التفصيل وفاقاً للعلمين الخوئي والحكيم إذ أنه قبل البيع لا توجد زيادة في المال فالبيت الذي أخذه للسكن أو للإيجار على حاله لم تطرأ عليه زيادة مالية، وهكذا الدابة التي أخذها لكي يعيش منها يشرب من حليبها لم تطرأ عليها زيادة مالية. نعم، لو باع العين التي اشتراها أو عاوض عليها وحصل فارق في القيمة كما لو اشترى الدار أو الدابة بألف دينار وباعها بثلاثة آلاف دينار فإنه يصدق عنوان الربح والفائدة نظراً لزيادة المال فيجب عليه أن يخمس ألفين دينار الزائدة.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون الثمن من جنس ما اشترى به كأن يكون دينار أو تومان، أو أن يكون عرضاً كان يبيع الشاة ببقرة أو فرس وغير ذلك.

الصورة الثالثة ما إذا ملك المال بسبب المعاوضة وكان الغرض الإتجار لكي يحصل التحفظ على المالية وازدياد المالية من دون النظر إلى خصوصية الفرد من المال كما هو الحال في أغلب التجار، فليس المهم نفس البضاعة بل المهم مالية البضاعة.

والظاهر هنا عدم الإشكال في تعلق الخمس بالزيادة لصدق الزيادة المكتسبة وهي المنصوصة في الروايات التي تقدمت.

الوجهين في الصورة الثالثة

لكن الكلام في أنه هل يعتبر في ذلك الصدق فعلية البيع كما عن جماعة منهم: السيد حسين البروجردي والسيد أحمد الخونساري ـ رحمة الله عليهما يراجع تعليقة العروة الوفق الجزء الرابع صفحة مئتين وثمانية.

أو يكفي مجرد إمكان البيع وأخذ القيمة كما يظهر من صاحب العروة في هذه المسألة والسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس صفحة مئتين وثلاثة وثلاثين.[15]

أما الوجه الأول وهو اشتراط الفعلية فعلية البيع فواضح فمع تحقق البيع وقبض القيمة لا يبقى شك في صدق الربح والفائدة وهذا هو القدر المتيقن من الفائدة المكتسبة.

وأما الوجه الثاني وهو كفاية إمكان البيع وأخذ القيمة فلما يقال من عدم توقف صدق الفائدة والربح عرفاً على تحقق البيع في الخارج لأن الاستفادة منوطة في نظر العقلاء بزيادة القيمة المقتضية لإمكان التبديل بمالٍ أكثر ولا يعتبر فعالية التبديل.

ولذا يقال بهذا الاعتبار أن فلان أكثر ثروة من فلان بمعنى أن الأموال التي يملكها يمكن بيعها بأكثر مما يباع به مال الآخر، فالعبرة بنظر التجار أوفرية القيمة لا بفعلية التبديل خارجاً.

وبناءً على ذلك يجب الخمس في زيادة القيمة سواء باع بالزيادة أو لم يبع، فليس المدار على البيع الفعلي بل المدار على إمكان البيع. نعم، لو لم يمكنه البيع هذا ما يعد، السوق راكد وما حدّ يشتري.

والصحيح ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ والسيد الماتن من إمكان البيع وأخذ القيمة يعني متى ما أراد أن يبيع يوجد شراي، والفعلية ليست مشترطة، فعلية البيع ليست مشترطة في تقييم الأشياء.

النتيجة النهائية

في الصورة الأولى لا يجب الخمس مطلقاً سواء باع أم لم يبع.

الصورة الثانية نلتزم بالتفصيل لا يجب الخمس إذا لم يبيع وإذا باع مع الزيادة يجب الخمس.

الصورة الثالثة يجب الخمس مطلقاً باع أو لم يبع، ولا نشترط فعلية البيع إذا المال كان للتجارة، يكفي إمكان البيع وقبض القيمة.

هذا تمام الكلام في زيادة السوقية.

المسألة أربعة وخمسين يأتي عليها الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo