< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم نقصان القيمة السوقية بعد زيادتها

 

المسألة أربعة وخمسون من العروة الوثقى، قال السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله ما نصّه:

«إذا اشترى عيناً للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية ولم يبعها غفلةً أو طلباً للزيادة ثم رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقل قبل تمام السنة لم يضمن خمسة تلك الزيادة لعدم تحققها في الخارج. نعم، لو لم يبعها عمداً بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنهم»[1] .

يمكن أن تذكر أربعة صور في فروض المسألة وقد تطرق صاحب العروة إلى صورتين فقط، بيان الصور:

زيادة القيمة السوقية ورجوعها إلى رأس المال أو أقل منه إما أن يقع في أثناء السنة وإما أن يقع الارتفاع في أثناء السنة ورجوع الثمن بعد تمام السنة وقبل أداء الخمس فهذان احتمالان.

وعلى كلا الاحتمالين فإن عدم البيع عند الزيادة والارتفاع إما أن يكون عن عمد وبدون عذر شرعي وإما أن يكون بعذر شرعي كالغفلة أو طلب الزيادة في أثناء السنة.

أربعة صور في فروض المسألة

فهذه صور أربعة وقد تطرق الماتن لصورتين فقط، ونحن نتطرق إلى الصور الأربع كما يلي:

الصورة الأولى أن تحصل الزيادة في أثناء السنة، وكذلك رجوع الثمن يحصل أيضاً في أثناء السنة ولم يبع العين إما غفلة أو طلباً للزيادة أو لغير ذلك من الأمور التي تعد عذراً عند العقلاء.

وهنا لا إشكال في عدم ضمانه الخمس لأن المالك يحق له إبقاء المال في ملكه وعدم تعجيل أداء الخمس إذ أن ولي الخمس وهو الإمام ـ عليه السلام ـ قد رخص وأجاز في تأخير الخمس إلى نهاية السنة، فيّد المالك بالنسبة للخمس أثناء السنة هي يد أمانة والتلف لا يوجب الضمان إذ لم يكن بتفريط منه، والأذى أن نقول أن الخمس لم يستقر في ذمته بالنسبة إلى هذه الزيادة قبل تلفها إذ أن الخمس يثبت في أثناء السنة لكنه يستقر بعد نهاية السنة ودخول السنة الجديدة، وبعد ملاحظة أن المال زاد عن مؤونة السنة، فالتعبير بعدم استقرار الخمس عليه أدق من التعبير بعدم الضمان.

ولعل مقصود الماتن من التعليل الذي ذكره وهو عدم تحقق الزيادة في الخارج هو عدم تحقق الزيادة التي وجب واستقر خمسها لا مجرد فعلية الزيادة، فمن الواضح أن زيادة القيمة السوقية قد تحققت في الخارج في أثناء السنة بالفعل لكنها قد نزلت في أثناء السنة، وبالتالي لم تستقر الزيادة فعلاً في نهاية، فلا يشكل على صاحب العروة بما ورد في المستمسك من أن ما أفاده صاحب العروة في المسألة أربعة وخمسين من قوله لعدم تحققها في الخارج مخالفٌ لما ذكره في المسألة السابقة من الاكتفاء بمجرد إمكان البيع وأن فعلية التحقق هنا تخالف الاكتفاء بمجرد إمكان البيع وعدم اشتراط الفعلية.

فلو كان عدم التحقق خارجاً مانعاً لما افترق هذا الفرض عن المسألة السابقة كما أشكل السيد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى، الجزء التاسع، صفحة خمس مئة وتسعة وعشرين من الطبقة القديمة.

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى، واتضح فيها عدم استقرار وجوب الخمس إذ أن القيمة السوقية للسلعة قد نقصت قبل نهاية السنة بعد ارتفاعها في أثناء السنة، وقد أخر بيعها لعذرٍ شرعي فلم يستقر وجوب الخمس عليه، فلا يجب إخراجه التعبير بالاستقرار على عدمه.

الكلام كل الكلام في أن الخمس قد استقر عليه أو لا؟ فإذا حصل الربح في أثناء الصلاة وارتفعت القيمة السوقية للسلعة فإن الخمس قد ثبت لكنه لم يستقر، وبالتالي في نهاية السنة وقبل نهاية السنة إذا نزلت قيمة السلعة فحينئذ لم يستقر وجوب الخمس عليه، فالتعبير بعدم الاستقرار أدق من التعبير بعدم الضمان، وسيأتي ملاك ذلك في الفروع الآتية فلا تستعجل حتى لا أكرره.

الصورة الثانية وهي نفس الصورة الأولى لكن يكون عدم البيع عن عمدٍ ففي الصورة الثانية تحصل الزيادة في أثناء السنة وكذلك ترجع القيمة السوقية في أثناء السنة ولم يبع المالك العين عن عمد.

وهذه الصورة لم يتعرض الماتن لحكمها في المسألة أربعة وخمسين ولكن يمكن استفادة حكمها مما ذكره في المسألة اثنين وسبعين حيث أفاد أنه متى حصل الربح وكان زائداً على مؤونة السنة تعلق به الخمس، إلى أن يقول: فلو أسرف أو اتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس.

إذاً في الصورة الثانية لا يسقط الخمس لأنه تعمد ذلك بدون إذن شرعي.

الصورة الثالثة أن تكون الزيادة السوقية في أثناء السنة ورجوع القيمة السوقية بعد تمام السنة وقبل أداء الخمس وكان عدم البيع عن غير عمدٍ أي عن عذر شرعي كما إذا كان غافلاً عن البيع أو كان في طريق أداء الخمس فرجعت القيمة وتنزلت، فالظاهر هنا عدم الضمان لأن التأخير قد استند إلى عذر شرعي فلم يحصل منه موجب الضمان وهو التعدي أو التفريط.

نعم، لو آخر البيع لطلب الزيادة وهذا غرض عقلائي ففي هذه الحالة يضمن لأن الخمس قد استقر في العين ولا يحق له أن يؤخر الخمس إذ أن تأخيره تصرفٌ في مال الغير ولا يجوز إبقاؤه وعدم إخراجه إلا بإذن ولي الخمس فيستقر عليه وجوب الخمس إذا أخره بغرض طلب الزيادة.

ويمكن استفادة هذا الحكم من قول السيد اليزدي في المسألة خمسة وسبعين ما نصّه:

«ولو اتلفه بعد استقراره ضمنه، ولو أتجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضولية بالنسبة إلى مقدار الخمس»[2] .

الصورة الرابعة وهي المهمة وهي نفس الصورة الثالثة إلا أن عدم البيع كان عن عمد وبلا عذر شرعي ففي الصورة الرابعة تكون الزيادة السوقية في أثناء السنة ورجوع القيمة السوقية بعد تمام السنة وقبل أداء الخمس ويكون التأخير عن عمدٍ وبلا عذر شرعي كما لو عصى أو طلب الزيادة وهو غير معذور شرعاً إذ أن الخمس قد استقر في السلعة بعد تمام السنة ولا يجوز له تأخيره. و

قد حكم السيد اليزدي في العروة الوثقى بضمان خمس الزيادة، وظاهر كلامه ـ رحمه الله ـ أن الضمان يتعلق بالخمس من تلك الزيادة التالفة، وهذا الخمس قد يقل عما بقي عنده وقد يزيد وقد يساوي، فلو فرض أن العين كانت تساوي خمسين ديناراً فزادت قيمتها وبلغت مئة دينار ثم تنزلت قيمتها بعد تمام السنة إلى خمسين ديناراً فزادت قيمتها وبلغت مائة دينار، ثم تنزلت قيمتها بعد تمام السنة إلى خمسين ديناراً ضمن عشرة دنانير التي هي خمس الزيادة التالفة.

وهذا قد يوجب استيعاب الخمس تمام المال كما إذا بلغت الزيادة في المثال ثلاثمائة ثم رجعت إلى خمسين فإن خمس الزيادة وهو خمسون يساوي تمام المال، بل قد يزيد على ذلك حيث يحتاج في إتمام الضمان إلى مال آخر كما إذا بلغت الزيادة في المثال المذكور ثلاثمائة وخمسين ثم رجعت إلى خمسين فخمس الزيادة هو ستون وهو يزيد على المال بعشرة دنانير.

هكذا أجاد وأفاد شيخنا الأستاذ الداوري تبعاً لأستاذه السيد الخوئي يراجع الخمس في فقه أهل البيت الجزء الثاني الشيخ مسلم الداوري للصفحة مئة وأربعة وثلاثين ومئة، وكذلك يراجع المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفح مئتين وستة وثلاثين.

وقد ناقش والحكيم في المستمسك والسيد الخوئي في المستند صاحب العروة بعدة مناقشة تتعلق بالتعبير، وقد دافع عن صاحب العروة شيخنا الأستاذ الداوري وسيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ولا داعي للتطرق إلى هذه الإشكالات وردها، فيراجع مستمسك العروة الوثقى السيد محسن الحكيم الجزء التاسع صفحة خمسمائة وتسعة وعشرين، ومستند شرح العروة الوثقى السيد الخوئي كتاب الخمس صفحة مئتين وستة وثلاثين إلى مئتين وثمانية وثلاثين لمعرفة الإشكالات.

ولمعرفة الجواب يراجع كتاب الخمس في فقه أهل البيت الشيخ مسلم الداوري، الجزء الثاني، صفحة مئة وخمسة وثلاثين إلى صفحة مئة وثمانية وثلاثين، ويراجع كتاب الخمس السيد محمود الهاشمي الجزء الثاني صفحة مائة وخمسة وثلاثين.

ولنتطرق إلى أحد الإشكالات وجوابه نزولاً إلى رغبة سماحة الشيخ.

إشكال السيد الخوئي على صاحب العروة

فقد أشكل السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ على صاحب العروة في تعبيره بالضمان، فقال السيد الخوئي: إن هذا التعبير ليس بصحيح لأن موجب الضمان منحصرون بتلف العين ذاتاً أو وصفاً كما لو جعله معيباً فإنه يضمن حينئذ صفة الصحة وأما تلف المالية التي هي أمر اعتباري فلا تستوجب الضمان بتاتاً لأنها لا تقع تحت اليد فليس هو من موجبات الضمان إلا إذا اتلف تمام المالية بحيث كانت العين معه في حكم التالف، وإن كانت موجودة كما لو غصب نقداً رائج المعاملة كالدينار فسقط عن الاعتبار وأصبح قرطاساً لا يعادل بفلس واحد فهو نظير المال الملقى في البحر في السقوط عن المالية، وإن كانت العين موجودة ففي هذه الحالة يجب الضمان، وأما دون البلوغ لهذا الحد بحيث كانت المالية باقيةً وإن نقصت عما كانت عليه فطرأ التلف على مقدار من المالية لا على نفس المال فلم يدل دليلٌ على ضمانه.

ومن ثم كلام السيد الخوئي: لو غصب مالاً فأبقاه عنده حتى نزلت قيمته السوقية ثم رده إلى المالك خرج عن عهدة الضمان وإن كان آثماً إذ أن ضمان اليد مقيد بالأداء بمقتضى قوله ـ عليه السلام ـ على اليد ما أخذت حتى تؤدي[3] ، يراجع مستدرك الوسائل، جزء أربع عشر، الصفحة سبعة الباب الأول من أبواب كتاب الوديعة، الحديث الثاني.

وقد أدى العين بنفسها بحسب الفرض ولا دليل على ضمان المالية التالفة التي هي أمرٌ اعتباري لا تقع تحت اليد فالتعبير بالضمان في غير محله وكان الأولى أن يعبر ـ قدس سره ـ بعدم سقوط الخمس بدلاً عن التعبير بالضمان فإنه لا موجب لسقوط الخمس بعد استقراره بالتنزل بل الخمس باقٍ في العين بنفس النسبة التي كانت عليها.

إذاً الضمان ينحصر الخلاصة الضمان ينحصر في تلف العين ذاتاً أو وصفاً كما لو أعاب العين، وأما نقصان القيمة السوقية فلا يشمله لأنها لا تكون في المتناول وليست باليد فلا يصح التعبير بالضمان.

والصحيح هو التعبير بعدم استقرار الخمس في ذمته، ولكن إنبرا شيخنا الأستاذ الداوري للدفاع عن صاحب العروة على مبنى شيخنا الأستاذ فقال إن ارتفاع القيمة السوقية يكون بمنزلة النماء المتصل أو المنفصل مع ملاحظة أن الخمس متعلق به دون العين فيكون من المفروض عدم كون العين متعلقة بالخمس فبعد ملاحظة الأمرين يتم ما ذكره الماتن قدس سره من الحكم بالضمان لأنه قد اتلف النماء على أرباب الخمس أي اتلف المنافع التي كان جزء منها ملكاً لهم وليست يد المالك عليها يد أمانة بل هي يد غير مأذون لها شرعاً في التصرف، وقد تصرفت فيجب الضمان كما هو قول الأكثر في المنافع المغصوبة كمنفعة الدار المغصوبة فإنه يضمن منافعها حتى مع عدم استيفاءها فيضمن أجرة المثل للمدة المغصوبة لأنه اتلفها عليه، وكذا في مثل حبس الحرّ الكسول فإنه يضمن أجرة مثل عمله إلى غير ذلك من الموارد.

انتهى كلام شيخنا الأستاذ الداوري، كتاب الخمس في فقه أهل البيت، الجزء الثاني، صفحة وثمانية وثلاثين.

أقول لم يثبت لدينا أن الزيادة السوقية بمنزلة النماء المتصل أو المنفصل فهذا المبنى ليس بتام، وما بني عليه لا يكون تاماً بل المذاق على زيادة المال لا زيادة القيمة السوقية للمال.

ومن هنا فإن شيخنا الأستاذ استدرك في نهاية كلامه للدفاع عن السيد الخوئي، وقال: هذا كله إذا صدق عليها عنوان الفائدة غير الزيادة السوقية، وأما إذا كان الحاصل هو مجرد الزيادة السوقية فكلام السيد الأستاذ ـ قدس سره ـ متينٌ فيما إذا أراد أن يعطي من نفس العين، وأما إذا أراد إعطاء القيمة فالأحوط مراعاة القيمة الأعلى من وقت الضمان إلى زمان الأداء.

والخلاصة: لا يصدق عليه عنوان الفائدة لكي نقيسه على الزيادة المتصلة أو الزيادة المنفصلة أو نلتزم بأن الزيادة السوقية هي بمنزلة الزيادة المتصلة أو المنفصلة.

إذا ما أفاده شيخنا الأستاذ الداوري ليس بتام لا على مبنى السيد ولا على المبنى الذي ذهبنا إليه وفاقاً للسيد الخوئي والسيد الحكيم رحمة الله عليهما هذا تمام الكلام في المسألة أربعة وخمسين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo