< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعمير البستان للانتفاع بثمره أو الاكتساب به

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى المسألة الخامسة والخمسون:

«إذا عمر بستاناً وغرس فيه أشجاراً ونخيلاً للانتفاع بثمرها وتمرها لم يجب الخمس في نمو تلك الأشجار والنخيل، وأما إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته وفي نمو أشجاره ونخيله»[1] .

الصور الثلاثة في المسألة

يمكن أن تذكر ثلاث صور:

الصورة الأولى إذا عمر بستاناً وكان الغرض الانتفاع بثمره.

الصورة الثانية إذا عمر بستاناً وكان الغرض هو التكسب بأصل البستان ببيع أشجاره أو بيع نفس البستان.

الصورة الثالثة إذا عمر بستاناً وكان الغرض هو التكسب بنماء أشجاره، كأن يبيعها ويعيش بثمنها دون التكسب بأصل البستان ببيعه.

أما الصورة الأولى

وقد حكم السيد اليزدي رحمه الله في الصورة الأولى بعدم وجوب الخمس لأن النماء من الثمرة والتمر وغيرهما يعد من المؤونة، وهو نظير البقرة التي ينتفع من لبنها ولحمها فلا خمس فيها مطلقاً لا في النماء المتصل كالسمن ولا في النماء المنفصل كولدها، ولا في الزيادة الحكمية كارتفاع القيمة السوقية.

وأما الصورة الثانية

فقد حكم السيد اليزدي بوجوب الخمس في جميع النماءات المتصلة والمنفصلة وزيادة القيمة السوقية لأن الغرض من شراء البستان أو تعميره هو التكسب مطلقاً فيصدق عنوان الإفادة والتكسب فيتعلق وجوب الخمس بالبستان على جميع المباني.

أما الصورة الثالثة

يبقى الكلام في الصورة الثالثة وهي ما إذا كان قصده من تعمير البستان هو التكسب بنمو الأشجار لا بأصل البستان، ولم يتعرض السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ إلى هذه الصورة في المسألة خمسة وخمسين، ولكن يُعلم حكمها مما تقدم بشكل مفصل وأنه يجب عليه الخمس إذا باعها، وأما قبل البيع فلا يجب عليه الخمس.

ومما يدل على ذلك في خصوص النماءات المنفصلة ما رواه ابن إدريس الحلي في آخر السرائر[2] نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب مسنداً عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب ـ عليه السلام ـ الخمس فيها، وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب أما ما أكل فلا وأما البيع فنعم، هو كسائر الضيع»[3]

هذا تمام الكلام في المسألة خمسة وخمسين.

إذا دار الحول وفيه ما يزيد على مؤونة سنته يجب الخمس الكلام إذا استهلكه في مؤونة.

المسألة ستة وخمسون

«إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة، كأن يكون له رأس مال يتجر به، وخان يؤجره، وأرض يزرعها، وعمل يدّ مثل الكتابة أو الخياطة أو التجارة أو نحو ذلك، يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع، من حيث المجموع فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته»[4] .

هذه المسألة تتطرق إلى تعدد أنواع الاكتساب والفائدة فقد اتضح أن المورد السابع وهو خمس أرباح المكاسب بل مطلق الفوائد يستثنى منه مؤونة السنة له ولعياله، فلا بدّ أن يلحظ مؤونة السنة ويستثنيها بعد حلول الحول، واستثناء مؤونة السنة من الحول ومن الخمس مما يمتاز به المورد السابع عن بقية موارد الخمس، فإن الخمس يجب في الغنيمة والمعادن والكنوز وغيرها فوراً، ولا يؤجل إلى نهاية السنة، ولا يستثنى منه مؤونة نفسه وعياله خلال السنة، بخلاف الموارد السابع.

يقع البحث في عدة جهات

وبعد الفراغ عن أصل هذا الاستثناء يقع البحث في عدة جهات مع تطبيقاتها وأهمها أربعة:

الجهة الأولى هل تلحظ المؤونة المستثناة بالقياس إلى كل فائدة فائدة لوحدها أو يلحظ مجموع فوائد السنة الواحدة وأرباحها ولو كانت من تكسبات مختلفة؟

وبعبارة مختصرة: لو كان عنده عدة حرف ومهن، هل يجعل لجميعها سنة خمسية واحدة فقط أم أنه يجعل لكل كسب ولكل فائدة سنة خمسية خاصة بها ومستقلة عن غيرها؟

الجهة الثانية هل يكون مبدأ سنة المؤونة حين حصول الربح مطلقاً؟ يعني في التكسبات بل مطلق الفوائد يكون مبدأ السنة حين حصول الربح، أو نلتزم بالتفصيل فنقول: في التكسبات يكون مبدأ حين الشروع في التكسب أي في الوقت الذي صار فيه حلاق مثلاً، وأما في غير تكسبات كمطلق الفائدة يكون مبدأ السنة حين حصول الربح.

إذاً النقطة الثانية في مبدأ السنة هل هو حين التكسب؟ أو حين حصول الربح؟

الجهة الثالثة في مناط المؤونة وضابطها ومقدارها.

الجهة الرابعة في جواز تأخير الخمس إلى آخر السنة إرفاقاً والآثار المترتبة على ذلك.

وهذه المسألة ستة وخمسين من فروع مسألة استثناء المؤونة.

نشرع في الجهة الأولى

ونقول: إن الربح إذا كان واحداً أو متعدداً لكن في زمانٍ واحد كما لو شرع في الصناعة والتجارة والزراعة في أول محرم فإن نهاية السنة بالنسبة إلى الجميع سيكون في أول محرم القادم وبالتالي لا إشكال بالنسبة إلى تعيين السنة ومقدار استثناء المؤونة، وأما إذا كان الربح من أنواع متعددة وفي أزمنة متفاوتة فتحصل الأرباح متدرجة كما لو شرع في التجارة في أول محرم وشرع في الزراعة في أول ربيع وشرع الصناعة في أول رجب فهل يجعل سنة خمسية واحدة للجميع كأول رجب أو أول محرم للجميع؟ أو يجعل لكل ربح منها سنة مستقلة؟ فيكون سنة التجارة هي أو المحرم وسنة الزراعة هي أول الربيع وسنة الصناعة هي أول، وبالتالي مؤونة كل سنتين بحسبها.

يوجد قولان:

القول الأول ذهب المشهور ومنهم السيد اليزدي الماتن إلى القول الأول وهو وجود سنة خمسية واحدة لجميع المكاسب والفوائد المتعددة.

القول الثاني وذهب إلى الثاني الشهيد الثاني في الروضة[5] والمسالك[6] ، وسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[7] ـ رحمه الله ـ .

ولنقرأ الأقوال لفقهائنا الأعلام:

أما القول الأول: أولاً ما ذهب إليه مشهور المتأخرين بعد هذه مسألة من المسائل المتأخرة، قال الشهيد الأول في الدروس[8] والشيخ يوسف البحراني في الحدائق[9] ما نصّه:

«ولا يعتبر الحول في كل تكسب بل يبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه فإذا تم خمس ما فضل».

يعني هذا الرجل في اليوم الذي استقل عن أبيه وشرع في الاكتساب أول يوم يشرع فيه في الاكتساب أول يوم يعمل كأجير أو يعمل في الصناعة أو في التجارة أو في الزراعة هذا مبدأ سنته الخمسية وإن تعددت الموارد بل وإن تعددت موارد المورد الواحد كما لو كان عند عدة تجارات أو عدة زراعات أو عدة صناعات فإن مبدأ سنته الخمسية واحد وهو حين الشروع في الاكتساب هذا في أين؟ فيما يحصل عليه بالاكتساب.

وأما في الفوائد فحين حصول الفائدة يعني لو واحد ما يشتغل على باب الله يعطونه فأول فائدة يحصل عليها أول هدية هذا مبدأ سنته وإن تعددت الهدايا والعطايات، وبالتالي تكون له سنة خمسية واحدة لجميع التكسبات والفوائد.

فإذا شرع بالاكتساب في أول شهر رمضان أو حصل على الفائدة في أول شهر رمضان تكون سنة الخمسية أول شهر رمضان لجميع أرباح المكاسب والفوائد.

ومال إلى هذا في محكي المدارك[10] والكفاية[11] ، والحاكي لهما المحقق النجفي، بل حكي أيضاً عن حاشية الشرائع للمحقق الكركي، والحاكي هو المحقق النراقي في مستند الشيعة[12] .

قال المحقق النجفي رحمه الله في الجواهر ما نصّه:

«قد يدعى القطع به» يعني الأول «في نحو الصنائع المبني ربحها على التجدد يوماً فيوماً أو ساعةً بعد أخرى»[13] .

فظهور المؤونة في مؤونة السنة مساوقٌ لظهور الربح في ربح السنة بقرينة الارتكاز العرفي، ويشير إلى ذلك ما في صحيحة علي بن مهزيار، قال عليه السلام : «فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام»[14] .

السيد الحكيم رحمه الله في المستمسك فتكون الأرباح الواقعة في كل سنة ملحوظة بما أنها ربح السنة ويجب فيها الخمس بعد استثناء مؤونة تلك السنة.

إذاً إذا شرع في الكسب بأحد الأنواع أول محرم لاحظ مجموع الأرباح الحاصلة له من ذلك النوع ومن غيره من الأنواع إلى آخر ذي الحجة ربحاً واحد، كما يلاحظ جميع المؤون التي عليه في تمام السنة المذكورة مؤونة واحدة ويستثني مجموع المؤونة من مجموع الربح والباقي يجب فيه الخمس، هذا تمام الكلام في القول الأول.

أما القول الثاني ثانياً القائلون بالقول الثاني، قال الشهيد الثاني في الروضة ما نصّه:

«ولو حصل الربح في الحول تدريجياً اعتبر لكل خارج حول بانفراده. نعم، توزع في المدة المشتركة بينه وبين ما سبق عليهما، ويختص بالباقي، وهكذا»[15] .

وقال الشهيد الثاني في المسالك:

«وإنما يعتبر الحول بسبب الربح فأوله ظهور الربح فيعتبر منه مؤونة السنة المستقبله ولو تجدد ربح آخر في أثناء الحول كانت مؤونة بقية الحول الأول معتبرة منهما، وله تأخير إخراج خمس الربح الثاني إلى آخر حوله، ويختص بمؤونة بقية حوله بعد انقضاء حول الأول، وهكذا»[16] .

ومال إلى ذلك أيضاً كاشف الغطاء الشيخ جعفر في كتابه[17] .

وقد شرح السيد الحكيم في المستمسك[18] هذا القول الثاني قائلاً ما نصّه:

«فلو ربح في الأول من محرم عشرة دراهم، وفي الأول من رجب عشرة دراهم، وفي الأول من ذي الحجة عشرة دراهم، استثنى من الأول مؤونة السنة التي تنتهي بأول المحرم الثاني، ومن الثاني مؤونة السنة التي تنتهي بأول رجب الثاني، ومن الثالث مؤونة سنته التي تنتهي بأول ذي الحجة الثاني، فمؤونة ما بين محرم ورجب يختص استثناؤها بالربح الأول، ولا يجوز استثناءها من الربحين الأخيرين لعدم كونها في سنتيهما، كما أن مؤونة ما بين رجب وذي الحجة لا يجوز استثناؤها من الربح الأخير لعدم كونها في سنته بل تستثنى من الأولين».

إذاً هل الصحيح القول بوجود سنة واحدة لجميع الأرباح والفوائد أو الصحيح هو القول إنه لكل كسبٍ سنة مستقلة ولكل فائدة سنة مستقلة؟ وما هي الثمرة المترتبة على القولين؟ وما هو الدليل الذي قد يقام على كلا القولين؟

هذا ما يأتي عليه الكلام في الدرس القادم.


[11] كفاية الأحكام، المحقق السبزواري، ج1، ص215.والحاكي لهما المحقق النجفي، جواهر الكلام، ج16، ص82.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo