< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اشترط استقرار الربح في وجوب الخمس

 

قال السيد محمد ـ رحمه الله ـ المسألة سبعة وخمسين:

«يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره، فلو اشترى شيئاً فيه ربحه وكان للبائع الخيار لا يجب خمسه إلا بعد لزوم البيع ومضي زمن خيار البائع»[1] .

لكي يثبت الخمس في الربح أو الفائدة، هل يشترط استقرار الربح أو لا يشترط؟

الأقوال الأربعة في المسألة

يمكن أن تذكر أربعة أقوال في المسألة:

القول الأول ما اختاره السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى، وأكثر المحشين عليها من اعتبار الاستقرار، فيعد الربح بعد ذلك من أرباح السنة اللاحقة ويخرج منه الخمس»[2] .

فأكثر المحشين وافقوا صاحب العروة الوثقى واشترطوا استقرار الربح.

القول الثاني اعتبار الاستقرار أيضاً ولكن يعد الربح من أرباح السابقة بنحو الشرط المتأخر، وقد ذهب إلى ذلك السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى، الجزء التاسع، صفحة خمسمئة وثلاثة وثلاثين.

القول الثالث عدم اعتبار الاستقرار أصلاً، وأن الخمس إنما يتعلق بالربح الحاصل حتى مع الخيار والتزلزل، وقد ذهب إلى ذلك السيد حسين البروجردي[3] ـ رحمه الله ـ السيد حسين البروجردي وجملة من الأعلام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء والسيد عبدالله الشيرازي والسيد علي الفاني حيث قال: إن هذه المسألة لا معنى لها، فالمدار كل المدار على تحقق عنوان الربح والفائدة، ولا دخل للاستقرار في ثبوت الخمس.

القول الرابع ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من التفصيل بينما إذا الربح حاصلاً مع ملاحظة الخيار والتزلزل فيكون من أرباح السنة اللاحقة وهي سنة لزوم البيع، وبينما إذا كان الربح حاصلاً بدون لحاظ الخيار والتزلزل فيدخل في أرباح سنة البيع، فيخمس للسنة الماضية لا السنة اللاحقة.

والصحيح هو القول الأول إذ يشترط استقرار الربح لكي يثبت الخمس في ذلك الربح، ونتطرق إن شاء الله تعالى إلى أدلة الأقوال الأربعة، وسيتضح أن الصحيح هو القول الأول وهو اعتبار واشتراط الاستقرار في الربح، ومدرك ذلك هو دعوى الانصراف، إذ أن الروايات التي تثبت وجوب الخمس في الربح أو مطلق الفائدة منصرفة عن ربح الشيء الذي أصله ليس مستقراً كما لو كان البيع متزلزلاً بخياره.

أدلة الأقوال الأربعة

وأما بيان أدلة الاقوال الأربعة:

دليل القول الأول وهو اشتراط الاستقرار، هو إن موضوع الخمس منتفٍ قبل تحقق اللزوم، وذلك بأحد تقريبين:

التقريب الأول عدم صدق الربح والفائدة عرفاً قبل الاستقراء فإن من اشترى شيئاً ببيع متزلزلٍ كما لو كان الخيار للبائع إلى سنة مثلاً، فإن العرف لا يرى أن هذا المشتري قد ربح إلا بعد مضي زمن الخيار ولزوم البيع، إذ أن البائع قد يرجع في أثناء السنة فينتفي الموضوع فلا يثبت الخمس.

التقريب الثاني الانصراف فأدلت وجوب الخمس في أرباح المكاسب أو مطلق الفائدة منصرفة عن الربح المتزلزل وناظرة إلى الربح المستقر فالمنصرف من أدلة الخمس إرادة الربح الذي إذا أخرج خمسه لم تكن هناك خسارة على المالك.

كما أن المالك لا يكون ضامناً فالوارد في النصوص إن الخمس يتعلق بما زاد عن مؤونة الرجل ومؤونة عياله وسائر المؤون، فإذا فسخ البائع يكون المشتري ضامناً لما أعطاه من الخمس، ويلزم أن يكون ما دفعه كخمسٍ خسارة من كيسه، وهذا لا يلائم الأدلة الدالة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب، فلا يكون مثل هذا الربح مشمولاً للأدلة.

الإشكال على الدليل الأول والجواب عنه

وقد أشكل على ذلك ونقض عليه بالهبة والجائزة إذا لم تكن لازمة، فيلزم من ذلك عدم وجوب الخمس في الجائزة والهبة غير اللازمة.

لكن النقض بذلك لا يصح أولاً لصدق الفائدة عرفاً، وثانياً لعدم ضمانه ما أعطاه من الخمس فيما إذا رجع الواهب في هبته، إذ له حينئذ الرجوع في الباقي منها، وما أخرج خمساً لها فهو لأرباب الخمس ولا يقع من كيس المهدى إليه، ولا يكون مضموناً عليه.

هكذا أفاد وأجاد شيخنا أستاذ الداوري يراجع كتاب الخمس في فقه أهل البيت، الجزء الثاني، صفحة مئة وثلاثة وخمسين ومئة وأربعة وخمسين.

إلا أن شيخنا الأستاذ الداوري لم يناقش القول الأول ورجح ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وارجع قول السيد الخوئي إلى القول الأول، وسيتضح أن هذا الإرجاع ليس بصحيح.

دليل القول الثاني وهو اشتراط استقرار الربح لكن بنحو الشرط المتأخر.

ودليله إن متعلق الخمس هو الربح والفائدة وما يصدق عليه الربح واقعاً، وهذا مراعى بعدم الفسخ بنحو الشرط المتأخر، فإذا انقضى زمن الخيار ولم يفسخ البائع كشف ذلك عن تحقق الربح في السنة السابقة، وكان من أرباح السنة الماضية لا من أرباح السنة اللاحقة.

مناقشة السيد محمود الهاشمي على دليل القول الثاني

وقد ناقشه سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي[4] ، وقد ذكر شيخنا الداوري هذا الإيراد ولم ينسبه إلى قائل ولم يذكر المصدر، وقال ـ حفظه الله ـ : «وقد أورد عليه بأن التعليق في التكوينيات أمر غير معقول، فإن الأمور الخارجية ومنها الربح إما موجودة أو ليست موجودة، ولا يتصور أن تكون موجودة بشرط تحقق أمر الاستقبالي. نعم، يصح ذلك في الأمور الاعتبارية بلا رأي».

خلاصة إشكال الأستاذ الهاشمي

وخلاصة إشكال سيدنا الأستاذ الهاشمي أن اشتراط الشيء بشرط متأخر إنما يتم في الأمور الاعتبارية لا الأمور التكوينية، وما نحن فيه هو الربح الذي هو أمر تكويني ولا معنى لأن يشترط الربح التكويني بشرط متأخر.

مناقشة الشيخ الداوري على إشكال السيد الشاهرودي

وناقشه بحقّ شيخنا الأستاذ الداوري قائلاً، ولكن هذا الإيراد واضح الفساد لأن الامر الخارجي إذ إذا كان متوقفاً على أمر اعتباري فلا مانع من كونه معلقاً على شرط في الموقوف عليه كما في المقام، فإن صدق الربح والفائدة واقعاً متوقفٌ على الملكية المستقرة وهي أمر اعتباري قابل للتعليق.

والصحيح في رد ما ذهب إليه السيد الحكيم ـ رحمه الله ـ هو دعوى الانصراف فإن الروايات الدالة على وجوب خمس أرباح المكاسب منصرفه عن الربح المشروط بشرط متأخر، لذلك فإن التقريب الأول للقول الأول لا نقبله وهو عدم صدق عنوان الربح، فإن الربح يصدق عرفاً حتى في البيع المتزلزل، والعمدة في ترجيح الرأي الأول هو دعوى الانصراف، وقد ذهب إلى ذلك سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي[5] .

دليل القول الثالث وهو عدم اشتراط الاستقرار أصلاً وأن الخمس إنما يتعلق بالربح الحاصل ولو مع الخيار والتزلزل، وقد ذهب إلى ذلك المرجع الكبير السيد حسين البروجردي ـ رحمه الله ـ .

ومدرك هذا القول هو أن الخمس متعلقٌ بحدوث الربح فهو مترتبٌ على حيثية الحدوث لا البقاء، فلا يعتبر فيه البقاء كالجائزة والهبة.

وفيه: إن أدلة وروايات وجوب الخمس في أرباح المكاسب منصرفة عن الربح المتزلزل، فكيف نتمسك بحيثية حدوث الربح مع أنه لا يعلم شمول مورد التزلزل في الربح وأن الروايات الشريفة لا تشمله.

وأما الفارق بينما نحن فيه والهبة والجائزة فقد مضى الكلام فيه من أنه يلزم في مقامنا الضمان لكن لا يلزم في الهبة والجائزة الضمان.

إذاً القول الثالث كالثاني لا يمكن المساعدة عليه.

دليل القول الرابع للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وتقريبه: إن قيمة العين المشتراة بالبيع الخياري تنقص عادة عن قيمة العين المشتراة بالبيع اللازم فما يساوي عشرة آلاف في البيع اللازم قد يساوي ثمانية آلاف بالبيع الخياري، وعلى هذا فإذا كان الثمن المقرر في البيع الخياري المفروض في المقام معادلاً لقيمة العين بوصف كونه بيعاً خيارياً فلم يتحقق ثمة أي ربح في السنة السابقة ليجب خمسه، ولا يكشف اللزوم المتأخر عن الربح في هذه السنة بوجهٍ لعدم فائدة بعد أن اشترى شيئاً بقيمته المتعارفة.

نعم، في السنة اللاحقة عندما يزول النقص باعتبار استقرار البيع ترتفع القيمة، فيتحقق موضوع الخمس وهو الربح ويكون من أرباح هذه السنة دون السنة السابقة، إن كانت العين قد أعدها للتجارة وإلا فلا يجب الخمس إلا إذا باعها خارجاً كما هو الشأن في سائر موارد ارتفاع القيمة السوقية.

وأما إذا كان الثمن المقرر في البيع الخياري أقل من قيمة العين بوصف كون البيع خيارياً كما لو اشترى عيناً بخمسة آلاف وهي تساوي ثمانية آلاف بالبيع الخياري فقد تحقق الربح عند الشراء سواء لزم البيع بعد ذلك أم لا، لجواز بيعه من شخص آخر بثمانية آلاف فقد ربح فعلاً ثلاثة آلاف فيجب خمسه ويكون من أرباح هذه السنة لا السنة الآتية لكن يعتبر في العين كونها معدة للتجارة، وعليه فينبغي التفصيل في المسألة بين هاتين الصورتين وإن كان الظاهر من عبارة الماتن أن محل الكلام إنما هي الصورة الأولى على ما هو المتعارف في البيع الخياري من الشراء بالقيمة العادية[6] .

وقد رجح شيخنا الأستاذ الداوري ما نقله من كلام من نصّ كلام السيد الخوئي فقال ـ حفظه الله ـ [7] : «والظاهر تمامية هذا الوجه فليس الربح حينئذ للسنة السابقة لا واقعاً ولا ظاهراً، والتحقيق أن هذا القول يرجع إلى القول الأول ولكن بوجه آخر وهو عدم تحقق موضوع الربح والفائدة واقعاً في سنة البيع، وإنما يتحقق في سنة الاستقرار ومضي الخيار» انتهى كلامه زيده في علو مقامه.

لو افترضنا أن بيتاً من البيوت يباع بعشرة آلاف دينار إذا كان البيع ناجزاً لكن نفس هذا البيع إذا بيع بنحو التزلزل واشتراط الخيار يباع بثمانية آلاف دينار أي ينقص بألفين، فهنا المشتري إذا جاء واشترى هذا البيت بخمسة آلاف دينار فإنه يكون قد ربح ثلاثة آلاف دينار لأن مثل هذا بيع الخياري يباع هذا البيت بثمانية آلاف لكنه اشتراه بخمسة آلاف فحينئذ يكون قد ربح ثلاثة آلاف.

فهنا يثبت الربح ويجب الخمس في السنة التي مضت لأنه كلامنا بعد يعني يكون الخيار استقرار يعني استقرار البيع ولزومه يصير في السنة اللاحقه أما إذا في نفس السنة هذا خارج عن مسألتنا، هذه هي الصورة الثانية التي أشار إليها.

وأما إذا اشتراه بثمانية آلاف أي اشتراه وفق تسعيرة البيع الخياري فهنا لم يربح شيئاً اشتراه بالسعر العادي والمتعارف، فهنا لا يثبت الخمس للسنة الماضية، لكن في السنة القادمة لو أمضى البائع هذا البيع فحينئذ كم تصبح قيمة البيت؟ عشرة آلاف، فيكون المشتري قد ربح ألفين دينار فوق الثمانية آلاف، يقول السيد الخوئي: هذه الألفين ليست من أرباح السنة الماضية هذه الألفين ربح جديد للسنة اللاحقة.

ومن هنا قال السيد الخوئي بالتفصيل، الآن نوضح هذا التفصيل: بينما إذا اشترى الشيء بلحاظ قيمة البيع الخياري فحينئذ لا يثبت الخمس، وإذا أمضى البائع البيع فإن الخمس يكون في أرباح السنة اللاحقة لأنه ربح جديد ألفين زائدة وليس من أرباح السنة الماضية لأنه اشتراه وفقاً للمتعارف.

وظاهر كلام السيد اليزدي في المسألة سبعة وخمسين هو الصورة الأولى دون الصورة الثانية وهي ما إذا اشترى بأقل من قيمة البيع الخياري، فإذا كان البيت يباع بثمانية آلاف بالبيع الخياري واشتراه بخمسة آلاف فإنه يكون قد ربحها ثلاثة فيثبت الخمس، واضح كلام السيد في التفصيل.

أقول كلام السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ مبني على أن المدار هو تحقق عنوان الربح فمتى ما صدق الربح ثبت الخمس، ومن هنا ارجع شيخنا الأستاذ الداوري قول السيد الخوئي الذي عده قولاً ثالثاً إلى القول الأول الذي يشترط ماذا؟ استقرار الربح.

لكن هذا ليس بصحيح إذ أن ما نبني عليه في ذهابنا إلى القول الأول هو دعوة الانصراف فحتى لو صدق الربح وعنوان الفائدة، فما الفائدة في هذه الفائدة الحاصلة من البيع الخياري المتزلزل الذي لا تشمله روايات أدلة وجوب الخمس؟!

فليس مدركنا في القول الأول هو التقريب الأول الذي يرى عدم صدق عنوان الربح والفائدة، بل عنوان الربح والفائدة قد يصدق في موارد كثيرة، مثال ذلك: لو اشترى البيت بالبيع الخياري ثم باعه والتزمنا بجواز بيع الشيء في مدة الخيار.

اشترى البيت بثمانية آلاف وباعه بخمسة عشر ألف فهنا لو فسخ البائع الأولي والأصلي، وقلنا بصحة المعاملة الثانية ففي هذه الحالة يثبت للبائع الأصلي قيمة المسمى، كم يثبت إليه؟ ثمانية آلاف، يرجع له ثمانية آلاف، ويكون قد ربح سبعة آلاف، ولا يلزم أن يرجع عين البيت لأن هذا بناء على صحة البيع اللازم في مدة الخيار، فليس كلامنا في صدق عنوان الربح والفائدة أو عدم صدقه، بل كلامنا في أن أدلة وجوب منصرف عن مثل هذا البيع ولا تشمله.

هذا تمام الكلام في المسألة سبعة وخمسين، واتضح أن الصحيح ذهب إليه صاحب العروة وأكثر المحشين فهذه المسألة لها معنى وليس ليس لها معنى.

المسألة ثمانية وخمسين يأتي عليها الكلام.


[2] تعليقة العروة الوثقى، ج4، ص282 و 283.ونسخة العروة الوثقى، تعليقات، ج12، ص134 و 135.
[3] تعليقته في العروة الوثقى، ص282.
[7] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص156.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo