< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إقالة البائع بعد لزوم البيع وتعلق الخمس

 

قال السيد محمد ـ ـ رحمه الله ـ ـ في العروة الوثقى المسألة ثمانية وخمسين:

«لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً فاستقاله البايع فأقاله لم يسقط الخمس إلا إذا من شأنه أن يقيله كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا رد مثل الثمن»[1] .

معنى الإقالة

الإقالة من الأمور المستحبة والمؤكد عليها شرعاً، وهي بمعنى قبول الفسخ، وهي تارة تقع في أثناء السنة وتارة تقع بعد انتهاء السنة، ويقع الكلام في أن حكم الإقالة هل حكمها هو حكم الفاسخ أو لا؟

الأقوال الثلاثة في المسألة

والأقوال ثلاثة في المسألة:

القول الأول سقوط الخمس مطلقاً سواء كانت الإقالة في أثناء السنة أو بعد انتهائها، وهذا ما يظهر من جماعة منهم السيد حسين البروجردي، والإمام الخميني رحمة الله عليهما [2] .

القول الثاني القول بعدم سقوط الخمس مطلقاً، وهذا ما يظهر من مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة المحقق الشيخ عبد الكريم الحائري.

القول الثالث التفصيل بينما إذا كانت الإقالة بعد انتهاء السنة فلا يسقط الخمس، وبينما إذا كانت الإقالة في أثناء السنة فيسقط الخمس إذا كان من شأنه الإقالة.

مدرك القول الثالث

والقول الثالث هو الظاهر من الأكثر فأكثر المحشين على العروة الوثقى وافقوا صاحب العروة في هذا القول الثالث، فما هو مدرك المسألة؟

إذا حدثت الإقالة بعد السنة

أما وجه عدم سقوط الخمس إذا حدثت الإقالة بعد انتهاء السنة فلأن الخمس قد ثبت عليه وتعلق مقدار الخمس بأرباب الخمس فلا يجوز له التصرف فيه بدون إذن أرباب الخمس وبالتالي لا تصح منه الإقالة بمقدار الخمس إلا بعد إذن أرباب بالخمس كالفقيه الجامع للشرائط أو السادة النجباء.

التفصيل فيما إذا حدثت الإقالة في أثناء السنة

وأما إذا وقعت الإقالة في أثناء السنة فهنا يوجد تفصيل:

فتارة يكون من شأنه الإقالة، وبالتالي يكون من مؤونته إقالة من تعاقد معهم، فيكون مستثنى من الأرباح أي أن الإقالة تصرف من شؤون مؤونة السنة فيسقط الخمس.

وتارة لا يكون من شأنه الإقالة فيكون التصرف بالإقالة على خلاف مؤونة السنة فيثبت الخمس.

مثال

فمثلاً: لو جاء البائع بالثمن قبل دقيقة أو خمس دقائق، بعد دقيقة أو ساعة من انتهاء مدة لزوم العقد، ولم تسعفه الدابة للوصول على أول الوقت فإن العرف يرى أن إقالة هذا البائع في محلها وأنه لم يقصر، لكن ازدحام السير منعه من فسخ المعاملة في وقتها.

فهنا لو أقاله المشتري بعد لزوم البيع فهذه الإقالة تصرف في المؤونة ومن شأن المشتري، وهذه الإقالة وقعت في أثناء السنة لا بعد انتهاء السنة، فلا يثبت الخمس حينئذ.

ولعل نظر الماتن وهو السيد اليزدي في سقوط الخمس إذا كان من شأنه الإقالة هو هذه الصورة، وهو وقوع الإقالة في أثناء السنة لا بعد انتهاء السنة.

والظاهر أن هذا التفصيل في القول الثالث تامُ لا غبار عليه.

التأمل في قول السيد البروجردي

ومن الغريب أن السيد البروجردي ـ رحمه الله ـ قد التزم بثبوت الخمس وعدم سقوطه في مسألة الفسخ لكنه التزم بسقوط الخمس في مسألة الإقالة، مع أن الإقالة والفسخ من باب واحد، فكلاهما يشتركان في رفع اليد عن العقد من حين الإقالة أو الفسخ.

نعم، لو كانت الإقالة ورفع اليد عن العقد من حين وقوع العقد يتم ما ذكره السيد البروجردي من سقوط الخمس لعدم تحقق الفائدة عرفاً، الآن وقع العقد وبعد دقيقة تمت الإقالة، فلا يرى العرف وقوع فائدة في البين.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة طبعا لفظ الإطلاق قد ورد في كلام السيد البروجردي والسيد الإمام الخميني وكذلك الشيخ عبد الكريم الحارثي سقوط مطلقاً عدم السقوط مطلقاً، لكن قلنا يظهر لأنه لعل نظرهم بالنسبة إلى الإطلاق من ناحية سواء أن كان من شأنه الإقالة أو لم يكن من شأنه الإقالة، وقد يحمل هذا الإطلاق على أنه سواء كان في أثناء السنة أو بعد انتهاء السنة.

المسألة تسعة وخمسين

حكم رأس المال إذا كان من أرباح المكاسب، وهي مسألة مهمة جداً نظرياً وعملياً.

قال السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله المسألة تسعة وخمسين:

«الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه فإذا لم يكن له مالٌ من أول الأمر فاكتسب أو استفاد مقدارا وأراد أن يجعله رأس المال للتجارة ويتجر به يجب إخراج خمسه على الأحواط ثم الإتجار به»[3] .

رأس المال على نحوين

النحو الأول أن يكون المال مما لا خمس فيه كما لو كان إرثاً أو مهراً أو هبة بناءً على عدم وجوب تخميس الهبة، وحينئذ لا شك ولا ريب لا يجب تخميس رأس المال عند الإتجار به.

النحو الثاني أن يكون المال مما يثبت فيه الخمس كأرباح المكاسب فإذا اكتسب ربحاً من تجارة أو صناعة أو زراعة وأراد أن يجعله رأس مال للتجارة، فهذا المال من أرباح المكاسب على قسمين أيضاً:

المال من أرباح المكاسب على قسمين

القسم الأول ما لا يحتاج إليه في أمر المعيشة كما لو كان هذا المال زائداً عن حاجته وفائضاً على مؤونة نفسه وعياله، وأراد أن يتجر لغرض الربح، وهذا لا يحتسب من المؤونة، فيجب فيه الخمس بلا إشكال ولا خلاف.

القسم الثاني ما تحتاج إليه في أمر معاشه وأراد أن يتجر به، فهل يعد من المؤونة فلا يجب فيه الخمس أو لا يعد من المؤونة فيجب فيه الخمس؟ وهذا هو موضوع المسألة تسعة وخمسين إذا كان رأس المال من أرباح المكاسب واحتاج إليه في مؤونته، فهل يجب تخميسه قبل الإتجار به أو لا؟

إذا اتجر بمال يحتاج إليه في أمر معاشه

في المسألة أقوال ثلاثة:

القول الأول إنه يعد من المؤونة مطلقاً.

القول الثاني بالعكس فليس من المؤونة مطلقاً.

القول الثالث التفصيل، وتوجد وجوه أربعة في التفصيل ستأتي تباعاً إن شاء الله تعالى.

أما القول الأول

وهو أن يعاد رأس مال التجارة الذي يحتاج إليه في معيشته من المؤونة، فيظهر من جماعة منهم الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري ـ رحمه الله ـ طبعا لكتاب غنائم الأيام[4] للمحقق القمي فإنه قال: «والظاهر أنه لا يشترط التمكن من تحصيل الربح منه بالفعل، فيجوز صرف شيءٍ من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرها ولو بعد سنين، وكذلك اقتناء إناث أولاد الأنعام لذلك»[5] .

ويظهر أيضاً من المحقق المدقق آقا ضيا الهمداني ـ رحمه الله ـ هذا فقد قال ما نصّه: «ما يحتاج إلى الانتفاع به بالفعل في تعيشه من بستان أو غنمٍ ونحوهما لا يبعد أن يعد عرفاً من المؤونة، وكذا ما يحتاج إليه أرباب الصنايع في صنائعهم من الآلات والأدوات»[6] .

هذا تمام الكلام في القول الأول.

وأما القول الثاني

وهو أن رأس المال مطلقاً لا يعد من المؤونة، فهو الظاهر من المحقق النجفي صاحب الجواهر حيث قال: «خصوصاً في رأس المال المحصل للربح فإن كلامهم كالصريح في عدم احتساب شيءٍ منه في المؤونة»[7] .

ويظهر هذا أيضاً من السيد الماتن صاحب العروة حيث احتاط بإخراج الخمس، ولعل مشهور المعاصرين هو القول الثاني وهو وجوب تخميس رأس مال مطلقاً، وهو الصحيح وفاقاً للمشهور المنصور كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ووفاقاً لسيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[8] رحمه الله فقد صال وجال بحق في رد التفصيلات الأربعة التي ستأتي وانتصر للمشهور.

القول الثالث

التفصيل، وفيه وجوه ثلاثة ذكرها الشيخ الداوري حفظه الله أستاذنا الخمس في فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة مئة وتسعة وخمسين، وأستاذنا السيد محمود الهاشمي ذكر أربعة وجوه.

في القول الثالث وجوه أربعة

الوجه الأول التفصيل بين رأس المال الذي من شأنه أن يكون عنده فلا يجب فيه الخمس، وبين رأس المال الذي ليس من شأنه أن يكون عنده، فمثلاً بحسب العرف قد يكون من مقام رئيس القبيلة أو الزعيم أو التاجر أن يكون رأس مال بمقدار مليون دينار وهو لا يحتاج إلى تمام المليون في مصرف ومعيشة عائلته وأولاده، لكن مثل هذا الشخص بدون المليون دينار لا يعد من زمرة التجار والأعيان، فحينئذ لا يثبت الخمس في المليون دينار.

وأما لو كان من شأنه أن يكون عنده رأس مال بمقدار ألف دينار فإنه لا يخمس الألف دينار وما زاد عليها إلى المليون يخمسه، هذا أوسع التفصيلات، الآن شيئاً فشيئاً نضيق التفصيلات.

الوجه الثاني التفصيل بين رأس المال الذي يحتاج إليه في إعاشة سنته أو حفظ مقامه بحيث إذا أخرج خمسه لزم التنزل إلى كسبٍ لا يفي بمؤونته أو لا يليق بمقامه وشأنه ويوجب له مهانةً عرفاً فيعد من المؤونة ولا يجب فيه الخمس، وبين ما لا يحتاج إليه في ذلك فيجب فيه الخمس لعدم صدق المؤونة عليه حينئذ.

وقد اختار هذا الوجه جماعة من المحققين منهم الميرزا النائيني والسيد حسين البروجردي رحمة الله عليهما ـ [9] .

الوجه الثالث التفصيل بين رأس المال المعادل لمصرف ومؤونة سنته، والمحتاج إليه في إعاشة نفسه ومؤنته بحيث لا يمكنه العيش بلا تجارة، فهذا داخلٌ في المؤونة ولا يجب فيه الخمس، وبين رأس المال الزائد على مؤونة السنة ففيه الخمس.

وقد اختار هذا الوجه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[10] .

الوجه الرابع نفس التفصيل الثالث للسيد الخوئي مع إضافة قيد آخر وهو أن لا يكون له مال آخر، وقد اختار هذا الوجه الشهيد الصدر السيد محمد باقر الصدر في حاشيته على المنهاج[11] .

منشأ الإختلاف في هذه الأقوال

هذه تفصيلات أربعة وفي كل تفصيل قيد وحد، ومنشأ هذه الأقوال هو الاختلاف في المؤونة المستثناة من الأربعة، فهل تختص المؤونة بما يصرف فعلاً في إعاشة نفسه وعياله من المأكل والمشرب والمسكن وغير ذلك من الأمور اللائقة به، أي يشترط الصرف المباشر، الصرف الفعلي المباشر لا الصرف التسبيبي أو أن المؤونة تشمل ما يصرف بالفعل مباشرة وما يصرف على نحو التسبيب أي ما يصرفه فيما يتولد منه إعاشة نفسه وعياله من التجارة أو الصناعة أو الزراعة؟

وبعبارة أخرى: هل المؤونة هي خصوص المؤونة المستهلكة مباشرة وبدون واسطة أو المؤونة تشمل المستهلكة مباشرة والمستهلكة مع الواسطة كما في التجارة والصناعة؟

وعلى التقدير الثاني أن المؤونة تشمل ما يصرف مع الواسطة، هل تصدق المؤونة على ما تكون فيه الواسطة لائقة بشأنه وإن لم تتوقف إعاشة نفسه على هذه الواسطة؟ أو لا يقتصر في الواسطة على خصوص ما يتوقف عليه إعاشة نفسه ولم يكن زائداً على مؤونة سنته؟ أو لا يعتبر إضافة قيد آخر على إعاشة نفسه وهو أن لا يوجد لديه مال آخر غير هذا المال الذي سيصرفه في التجارة؟

فبناءً على القول بأن المؤونة تشمل هذا المقدار من الواسطة، هنا يأتي كلام السيد الخوئي ويأتي كلام الشهيد الصدر، وأما إذا التزمناه بأن المؤونة ظاهرة في خصوص ما يصرف مباشرة ولا تشمل ما يصرف مع الواسطة، فهنا تنتفي التفصيلات الأربعة ونلتزم بالقول الثاني وهو ثبوت الخمس لأنه لم يصرف رأس المال مباشرة وإنما أبقاه واتجر به فأصبح رأس المال واسطةً في الإعاشة ولم يعتش بصرف نفسي رأس المال تحقيق هذه الأقوال يأتي الكلام.


[2] تعليقتهما على العروة الوثقى، ج4، ص283، طبعة جماعة المدرسين، التعليقات الخمسة عشر.
[9] العروة الوثقى، ج4، ص284، التعليقات الخمسة عشر، طبعة جماعة المدرسين.
[11] تعليقة الشهيد الصدر على منهاج الصدر للسيد محسن الحكيم، ج1، ص465، المسألة 35.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo