< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأحوط تخميس رأس مال التجارة مطلقاً

 

محل البحث: حكم رأس المال إذا كان من أرباح المكاسب إذا يحتاج إليه في أمر معاشه-القول الثالث، التفصيل- الوجوه الأربعة في التفصيل

 

الأحوط إن لم يكن أقوى تخميس رأس مال التجارة مطلقاً من دون تفصيل، وقد ذكرت وجوه أربعة للتفصيل في تخميس رأس المال نذكرها تباعاً مع مناقشتها، وليرجع إلى كتاب سيدنا الأستاذ السيد محمود ـ رحمه الله ـ الذي نعيش اليوم الذكرى السنوية الخامسة لرحيله المفجع كتاب الخمس بحوث في الفقه كتاب الخمس الجزء الثاني صفحة مئتين وستة وعشرين[1] .

الوجوه الأربعة في التفصيل

والوجوه التي يمكن أن تذكر في التفصيل أربعة:

الوجه الأول التفصيل بين رأس المال الذي يكون من شأن المكلف تملكه له من أجل الإتجار وغيره كما إذا فرض أنه كان في مجتمع أو قوم أو طبقة يكون خلاف ذلك مهانة وضعةً له عرفاً واجتماعياً فيصدق المؤونة عندئذ على ما يتخذه رأس المال للتجارة فلا يجب خمسه.

وفيه: إن مجرد الشأنية أو اللياقة لا تكفي لصدق المؤونة عرفاً فإنه قد أخذ في المؤونة مجموع قيدين:

الإشكال الأول أن يكون الصرف استهلاكياً وفيما ينتفع به ويعتاش به مباشرة لا بالتسبيب والاستفادة من أرباحه ونماءاته.

الإشكال الثاني أن يكون المقدار المتعارف والذي يكون الصرف من شأنه لا أكثر كموارد الإسراف والتبذير في الاستهلاك.

ومن مجموع هذين القيدين أي الصرف المباشر الفعلي، وأن يكون الصرف بالمقدار المتعارف، يظهر وجه رد جميع التفصيلات الأربعة والتي سنرد عليها مفصلة.

إذا التفصيل الأول والوجه الأول ليس بتام.

الوجه الثاني التفصيل بينما يتوقف مؤونته على اتخاذه رأس المال للتجارة أو العمل فلا خمس فيه، وبين غيره ففيه الخمس، وهذا يصدق على ذلك المقدار من رأس المال الذي يتوقف تحصيل مؤونته على الإتجار به لا أكثر وعلى أن يكون محتاجاً إليه.

وهذا هو المذكور في كتاب الغنائم والذي وافقه الشيخ الأعظم الأنصاري ـ رحمه الله ـ .

ووجه هذا التفصيل يمكن أن يكون صدق المؤونة عرفاً على نفس رأس المال في فرض الاحتياج إليه في تحصيل مؤونته، لأن العرف يتوسع ويرى أن ما تتوقف عليه المؤونة مؤونة أيضاً كما في الشجرة التي تكون ثمرتها مؤونة أو الدار التي تكون سكونتها مؤونة، وهكذا.

وفيه: إن مجرد توقف حصول الربح الذي يحتاجه في مؤونته على اتخاذ رأس المال لا يكفي لصدق المؤونة نظراً لظهور عنوان المؤونة في خصوص كون الصرف على سبيل الاستهلاك المباشر لا بالتسبيب، فالمراد المعيشة مباشرةً لا بنحو الواسطة، وما ذكر من الأمثلة لا يكون صدق المؤونة فيها بنكتة التوقف كتوقف الثمرة على الشجرة أو الاحتياج كاحتياج السكنى إلى دارٍ لكي نتوسع إلى المقام وهو مال التجارة، بل الأمر هو عبارة عن اعتبار تكويني هناك أمر تكويني طبيعي وهو أن كيفية الانتفاع المباشر بالشجرة لا يكون إلا بأكل ثمرتها لا بأكل نفس الشجرة.

وهكذا السكنة لا تكون تكويناً إلا بالدار وهذه النكتة غير محفوظة في رأس المال فإنه يمكن أن يعيش بصرف نصف رأس المال في معيشته مباشرة ويمكن أن يعيش باستثمار رأس المال والمتاجرة به.

فالحاصل أن مجرد توقف تحصيل ما يصرفه في مؤونته على اتخاذ رأس مال للتجارة أو إلى ذلك رأس المال لا يكفي حتى عرفاً لصدق المؤونة الفعلية على رأس المال، مؤونته ما يصرفه بالفعل على احتياجاته الاستهلاكية المباشرة لا بنحو الواسطة والتسبيب.

إذاً الوجه الثاني بالتفصيل ليس بتام.

الوجه الثالث التفصيل بين المقدار من رأس الذي يعادل مؤونة سنته فلا خمس فيه بشرط الاحتياج إليه بأن يفرض عدم وجود آخر لمؤونته وبين الزائد على ذلك المقدار أو فرض وجود مورد آخر لمؤونته فيجب فيه الخمس، وهذا ما ذهب إليه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ قال ما نصّه:

«والتفصيل وهو الصحيح بين رأس مال يعادل مؤونة سنته وبين الزائد عليه فلا خمس في خصوص الأول والوجه فيه استثناء المؤونة مما فيه الخمس ولا ينبغي التأمل في أن المستثنى إنما هو مؤونة السنة لا مؤونة عمره وما دام حياً، وعليه إذا اكتسب مقداراً يفي بمؤونة سنته كما لو كان مصرفه في كل يوم ديناراً فحصل على 360 ديناراً ـ بعدد أيام السنة ـ وكان بحتاجاً لرأس المال في إعاشته وإعاشة عائلته جاز أن يتخذه رأس مالٍ من غير تخميس نظراً إلى أن صرف المبلغ المذكور في المؤونة يمكن على أحد وجهين:

إما بأن يضعه في صندوق ويسحب منه كل يوم ديناراً أو بأن يشتري به سيارة مثلاً ويعيش بأجرتها كل يوم ديناراً إذ الصرف في المؤونة لم ينحصر في صرف نفس العين وإتلاف المال بذاته بل المحتاج إليه هو الجامع بين صرف العين وصرف المنافع لتحقق الإعاشة بكل من الأمرين فهو مخير بينهما ولا موجب لتعين الأول بوجه.

إذاً لابد من التفصيل بينما إذا كان محتاجاً إلى رأس المال ولم يكن له رأس مال آخر بحيث توقفت إعاشته اليومية على صرف هذا المال عيناً أو منفعة فلا خمس فيه، وبين غيره ففيه الخمس ضرورة عدم كون مطلق رأس المال بلغ ما بلغ كعشرة آلاف مثلاً من مؤونة هذه السنة، وقد عرفت أن المستثنى هو مؤونة السنة لا غيرها»[2] انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

الإستدلال على تفصيل السيد الخوئي والمناقشة عليه

ويمكن أن يستدل على التفصيل الذي ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ بأحد أمرين كل منهما قابل للمناقشة:

الأمر الأول دعوى أن المستثنى من الأرباح مقدار المؤونة ـ مؤونة السنة ـ فلو كان مؤونته خلال السنة ثلاثمائة دينار أمكنه احتساب هذا المقدار من الفوائد التي استحصلها، فهي كما إذا كان قد صرفها بعينها في مؤونته فلا خمس فيه.

وفيه: إن المستثنى ما يصرف في المؤونة فعلاً كما هو ظاهر روايات أرباح مكاسب خمس أرباح المكاسب لا ما يعادل مقدار المؤونة ولو لم يصرفه فيها بالفعل، فإذا فرض عدم صرف مبلغ المؤونة في مؤونته بالفعل بل جعله رأس مال للتجارة وربح بمقداره وصرف الربح في مؤونته لم يسقط خمسه لأنه ربح أو فائدة لم تصرف في مؤونته بالفعل.

وهكذا يقال لو كان يحتاج إلى ثلاثمئة وستين ديناراً وقطر على نفسه وضيق على عياله وصرف ستة دنانير وبقي ثلاثمائة دينار أو أقل أو أكثر فإنه يجب عليه أن يخمسها لأنه لم يصرف بالفعل فكذا الحال بالنسبة إلى رأس مال التجارة.

الأمر الثاني إن مقدار المؤونة المستثناة قد أجيز للمالك صرفه فيها سواء بنحو مباشر أو بالتسبيب لأن كلا من الطريقتين يعتبر عرفاً صرفاً في المؤونة فيكون المكلف مخيراً بينهما، ولا موجب لتعين الصرف المباشر عليه بعد أن كانت حاجته إلى الجامع بين صرف العين وصرف منافعها لتحقيق الإعاشة، والجامع نسبته إلى أفراده على حد واحد.

وفيه:

أولاً منع صدق المؤونة على الصرف التسبيبي واختصاصه بخصوص الصرف المباشر الفعلي فالصرف مع الواسطة والتسبيب ليس صرفاً استهلاكياً لنفس المال بل صرف واستهلاك لأرباح المال وريعه عقلاً وعرفاً.

وثانياً لو سلم صدق المؤونة على رأس المال في الحالة الثانية أي صرف المنافع فلماذا قيد ذلك بما إذا كان محتاجا إلى اتخاذه للتجارة بأن لا يكون له مورد آخر لإعانة نفسه وعائلته؟! فإن وجود مال آخر لا خمس فيه أو مخمس لا يضر بصدق المؤونة على ما يصرفه فيها بالفعل من الأرباح.

فإذا فرض صدق المؤونة على المقدار المتخذ كرأس مال لكون الصرف في المؤونة أعم من الصرف المباشر أو التسبيبي فالمفروض أنه يسقط عنه الخمس سواء كان له مال آخر أو لم يكن له مال آخر، لأنه لا يشترط في سقوط عما يصرف في مؤونته الفعلية عدم وجود مال آخر له.

المناقشة الثالثة لسيدنا الأستاذ الهاشمي إن شاء الله تقرؤونها لا وقت لمزيد من التفصيل.

إذاً الوجه الثالث والتفصيل الذي ذهب إليه سيد أساتذتنا المحققين السيد الخوئي لا يمكن المساعدة عليه.

الوجه الرابع ما ذهب إليه سيد أساتذتنا الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ في تعليقته على منهاج الصالحين[3] .

فقد ذهب الشهيد الصدر إلى التفصيل بينما إذا كان رأس المال بمقدار مؤونته ولم يكن له مال آخر يعتاش به وكان يتوقف الإتجار أو العمل على ذلك المقدار من المال بحيث له نقص منه خمسه لم يكن يكفي لاتخاذه رأس المال فيسقط الخمس في مثل ذلك.

وبينما إذا زالت إحدى القيود المذكورة فيجب الخمس عندئذ في تمام رأس المال.

التقريبين لهذا الوجه والمناقشه عليهما

والوجه في ذلك أنه في مثل هذه الحالة سوف يكون التكليف بالخمس مساوقاً لاضطرار المالك إلى صرف المال المذكور في مؤونته وعدم اتخاذه رأس مال للتجارة، وبالتالي عدم وصول الخمس لأصحابه وأربابه فإن المالك إذا كان يجب عليه دفع خمس هذا المال فسوف لا يمكنه أن يتخذه رأس مال للتجارة لعدم وجود مال آخر له ليدفع منه خمسه أو يصرفه في مؤونته فيضطر إلى أن يصرف نفس المال نفس الثلاثمائة وستين ديناراً مباشرة، ولا يؤدي الخمس ولا يتاجر بهذا المال، وبالتالي لا يكون لأصحاب الخمس شيء ومثل هذه الحالة لا تشمله أدلة الخمس لا من جهة صدق المؤونة على رأس المال بل لأحد تقريبين يمنعان عن شمول حكم الخمس لمثل هذا الربح، كلا التقريبين قابل للمناقشة.

التقريب الأول إنه يلزم من شمول أدلة لمثل هذا المورد عدم شمولها له بحسب النتيجة الخارجية، وهو لغو عرفاً، واضح هذا التقريب؟ لأنه إذا أخرج الخمس لن يستطيع المتاجرة فيضطر أن يصرف كل المبلغ وبالتالي تكون النتيجة خارجة عدم إخراج الخمس وإيصاله إلى أربابه فيلزم من فرظ التخميس وجوب الخمس عدم إخراج الخمس خارجاً.

وفيه: إن الخمس يتعلق بكل فائدة لم تصرف في المؤونة ومن الواضح أن هذا المحذور إنما يتم إذا كان دليل الخمس في خصوص هذا المورد فيلزم منه اللغوية، وأما إذا كان دليل الخمس وارداً في طبيعي الربح أو الفائدة الشامل لهذا الربح والمورد ولغيره ففي هذه الحالة لا تلزم اللغوية لو فرض من افتراض وجوب في موردنا عدم إخراجه في الخارج لأن أخذ الخمس من كل فائدة تحقق بأي سبب كان ليس لغواً وإنما اللغو جعله في مورد بالخصوص وهذا المورد بالخصوص يلزم منه خارجاً عدم إخراج الخمس هذا أولاً.

وثانيا يمكن المناقشة في أصل اضطرار المالك إلى الصرف المؤونة وعدم اتخاذ المال للتجارة فنحن نلتزم بوجوب دفع الخمس بمجرد ظهوره وبمجرد الشروع في المتاجرة به بل يمكن تأخير إخراج رأس المال إلى آخر السنة، ويحتمل عادة حصول مال آخر له يدفع به خمسه كما يمكنه المصالحة مع الحاكم الشرعي بالتأجير أو غير ذلك فلا موضوع لأصل اللغوية حتى عرفاً.

القدر المتيقن بناء على وجوب تخميس مال التجارة أن الخمس يثبت في مال التجارة لكن متى يجب إخراجه؟ هل يجب إخراجه حين الشروع في التجارة أو يجب إخراجه في رأس سنة؟ الفقهاء يحتاطون يقولون الأحوط أن يخرج خمس رأس المال ثم يتاجر به القدر المتيقن هو ثبوت وجوب رأس المال في رأس السنة، وأما الاحتياط بإخراجه قبل المتاجرة به فلربما للخروج عن شبهة أن هذا أمر متيقن أنه يصرف في غير المؤونة.

فلو لم نوجب الاحتياط فإنه لا يجب إخراج خمس رأس المال عند الشروع في المتاجرة، ولو أوجبنا إخراج خمس رأس المال عند الشروع في المتاجرة فإنه يمكن المصالحة مع الحاكم الشرعي وتحويل الخمس من العين الخارجية إلى كلي في الذمة يكون دين في ذمته ويون أخرج الخمس بالمداورة مع الحاكم الشرعي أو وكيله ويشرع في التجارة.

التقريب الثاني إن ظاهر أدلة الخمس الإرفاق بالمكلفين وجعل الخمس على أرباحهم بنحو لا يستوجب الإحراج والتضييق عليهم وتركهم لتجاراتهم وأعمالهم فتكون الإطلاقات منصرفة عن مثل هذه الحالة.

وفيه: إن ما ذكر من ظهور أدلة الاستثناء في استثناء المؤونة في الإرفاق وإن كان مسلماً إلا أن الإرفاق بمقدار المؤونة لا أكثر فلا يمكن أن يستفاد منها الإرفاق زائداً على مقدار المؤونة، وهنا توجد ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول أن يراد إن أصل وجوب الخمس هنا خلاف الإرفاق.

فإن قيل هذا كان الجواب أن دليل وجوب الخمس ليس ظاهراً في الإرفاق والاستثناء أصلاً، وإنما هو دليل جعل الضريبة الخمسية والتي لا بد من دفعها إلى صاحب الخمس فوراً لولا دليل الاستثناء.

الاحتمال الثاني أن يراد إن استثناء المؤونة ليس إرفاقاً بحق المكلف.

وفيه أنه من الواضح أنه إرفاق بحق المكلف لأنه لو كان يجب عليه خمس المال فوراً وبلا استثناء مؤونة سنته كان يجب عليه دفع خمسه على كل حال وعدم صرف مقدار الخمس حتى في مؤونته.

الاحتمال الثالث أن يراد أنه في طول هذا الإرفاق.

وفيه إن المستفاد من دليل الاستثناء الإرفاق بمقدار الصرف الفعلي في المؤونة لا استثناء كل ما يكون استثناؤه رفقاً بحال المكلف ويكون في طول هذه المؤونة.

إذاً المقدار المتيقن من الرفق بالمكلف استثناء مؤونة معيشته التي تستهلك بشكل مباشر لا بالواسطة والتسبيب.

الخلاصة هذه التفصيلات الأربعة مترتبة كل واحد منها أوسع مما بعده وأضيق من ما قبله فالتفصيل الأول يجعل المدار ما هو المناسب لشأن المكلف والذي قد يكون ريعه أكثر من احتياجه الفعلي، التفصيل الثاني يجعل المدار ما يحتاج إلى جعله رأس المال لتحصيل مقدار من الربح يفي بإعاشة نفسه وعياله، ولو فرض أن مقدار رأس المال أكثر من المعاد لمؤونة سنته.

التفصيل الثالث يجعل المقدار المعادل مستثنى من الخمس مطلقاً ولو كان مجموع رأس ماله أكثر من ذلك بخلاف الرابع.

يستفاد من الروايات وجود قيدين

وقد اتضح أن هذه التفصيلات الأربعة لا وجه لها فبالرجوع يعني المدار والضابطة الرجوع إلى لسان الروايات، ويفهم من روايات استثناء مؤونة السنة وجود قيدين:

القيد الأول أن يكون الصرف استهلاكياً بنحو مباشر.

والقيد الثاني أن يكون الصرف بالمقدار المتعارف اللائق بشأنه لا أكثر من ذلك.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة.


[2] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج25، ص249..الواضح في شرح العروة الوثقى، ج6، ص268، تقرير الشيخ محمد الجواهري ـ حفظه الله ـ .كتاب الخمس، ص375، تقرير السيد مجتبى الرودباري
[3] ج1، ص465، طبعة دار التعارف للمطبوعات، بيروت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo