< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مبدأ سنة المؤونة

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى المسألة ستون:

«مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها حال الشروع في الاكتساب في من شغله التكسب، وأما من لم يكن مكتسباً وحصل له الفائدة اتفاقاً فمن حين حصول الفائدة»[1] .

الأقوال الأربعة في مبدأ السنة الخمسة

هذه هي الجهة الثانية من الجهات الأربعة وهي تبحث عن تعيين مبدأ السنة، ويمكن أن تذكر أقوال أربعة:

القول الأول

مبدأ السنة هو أول زمان التكسب، اختاره جماعة منهم الشهيد الأول في الدروس[2] والشيخ يوسف البحراني[3] والشيخ مرتضى الأنصاري[4] ، وكذلك اختاره السيد الماتن السيد محمد كاظم اليزدي، وهو ظاهر السيد البروجردي وغيره ممن حشىى على العروة ووافق صاحب العروة[5] ، ولعل هذا القول هو المشهور بين المتأخرين.

القول الثاني

مبدأ السنة أول ظهور الربح، واختاره الشهيد الثاني[6] ، وكذلك في المسالك[7] ، والسيد محمد العاملي[8] ، ومال إليه المحقق النجفي[9] ، واختاره سيد أساتذتنا السيد الخوئي[10] ، وهو الصحيح كما سيأتي إن شاء الله.

القول الثالث

التفصيل بينما إذا الربح تدريجياً يوماً فيوم فيكون المبدأ هو أول التكسب كما في التجارة والصناعة، وبين غيره ممن لا مما لا يكون الربح فيه تدريجياً كالزراعة وتربية الأغنام والمواشي فيكون مبدأ السنة من حين حصول الربح، واختار هذا القول السيد أبو الحسن الأصفهاني والسيد محمد الگلپايگاني[11] .

القول الرابع

التخير بين جعل المبدأ أول الشروع وبين جعله حين ظهور الربح، واختاره المحقق الشيخ آقا رضا الهمداني[12]

هذه الأقوال الأربعة بالنظر إلى من كان له مكسب وحصلت له فائدة عن طريق الاكتساب.

إبتداء السنة في الفائدة الإتفاقية

وأما بالنسبة إلى الفائدة الاتفاقية كالهدية والهبة والجائزة وكذلك الميراث الذي لا يحتسب بناءً على تعلق الخمس في كل فائدة، فمن الواضح أن مبدأ السنة في هذه الفوائد الاتفاقيه هو حين الحصول على الفائدة إذ لا يوجد اكتساب فهناك اتفاق على أن مبدأ السنة في الفائدة الاتفاقية حين تحقق الفائدة إنما الكلام بالنسبة إلى العمل والاكتساب.

حكم ابتداء السنة في الفائدة الإتفاقية

الحكمان في المسألة

فهل حكمه حكم الفائدة الاتفاقيه كما عليه السيد الخوئي رحمه الله أو نلتزم بالتفصيل؟

فالأعمال التي فيها ربح تدريجي يكون مبدأ السنة عند الشروع في الكسب بينما الفوائد الاتفاقية يكون مبدأ السنة هو ظهور الفائدة.

والثمرة تكمن في أمرين:

الأول مبدأ السنة، فلو افترضنا أنه شرع في التجارة أو الصناعة وغير ذلك من المهن في أول محرم، وظهر الربح في أول شهر رمضان، فإن انتهاء السنة بناءً على القول الأول وهو أن مبدأ السنة هو عند الشروع في الكسب، وعليه يكون مبدأ السنة الثانية على القول الأول هو أول محرم، وتنتهي السنة الماضية في آخر يوم من ذي الحجة.

وأما بناء على القول الثاني وهو أن مبدأ السنة هو ظهور الفائدة والحصول عليها فإن مبدأ السنة يكون أول شهر رمضان وآخر السنة يكون آخر يوم من شعبان.

الثمرة الثانية في استثناء المؤونة التي صرفت بين الشروع في الكسب وقبل ظهور الربح والفائدة، فلو صرف في مؤونته على نفسه وعياله بين شهر رمضان ومحرم ألف دينار، فبناءً على القول الأول وهو أن مبدأ السنة هو الشروع في الكسب فإن هذه الألف دينار تستثنى ولا تخمس لأنها من ضمن مؤونة السنة التي تبدأ عند الشروع بالاكتساب في أول محرم.

لكن بناءً على القول الثاني وهو أن مبدأ السنة هو ظهور الربح فإن الألف دينار قد صرفت قبل أول شهر رمضان الذي هو مبدأ ظهور الربح فتكون هذه المؤونة قبل بداية السنة فلا تستثنى هذه المؤونة من خمس السنة التي تبدأ بظهور الربح في أول شهر رمضان.

المثال

مثلاً هو الآن عمل له متجراً ابتدأ في أول شهر محرم وصرف مصاريف على الديكور وعلى وعلى وأيضاً صرف مصاريف على نفسه وعلى عياله وعلى فهذه المصاريف التي على نفسه وعياله تكون من مؤونة السنة التي تستثنى من السنة الخمسية بناء على القول الأول لكن بناء على القول الثاني تكون سابقة على مبدأ السنة فلا تستثنى.

وقد يقال أن من يلتزم بأن السنة انحلالية وأن لكل ربح وفائدة سنة مستقلة، وهذا ظاهرٌ في الفعلية، وبناءً على ذلك فإن من يرى أنه لكل ربح سنة مستقلة، فلابد أن يلتزم بأن مبدأ السنة هو ظهور الربح، بينما من يلتزم بأن السنة الجعلية واحدة، وهي لمجموع التكسبات فإنه يلتزم بأن مبدأ السنة هو الشروع في التكسب.

هكذا قد يفهم من كلمات سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي[13] .

ولكن هذا كلام قابل للتأمل، وقد أفاد شيخنا الأستاذ الداوري[14] أن هذه الجهة أي تعيين مبدأ السنة جهة مستقلة لا تتوقف على الجهة المتقدمة وهي كون المراد من السنة سنة الربح أو السنة الجاية، إذ يمكن على كلا التقديرين أن يجعل مبدأ السنة أول ظهور الربح أو يجعله حين الشروع في الاكتساب، فإنه على التقدير الأول وهو أن لكل ربح سنة، يمكن أن يقال أن مبدأه حين الشروع في اكتساب كل ربح، كما يمكن أن يقال إن المبدأ حين حصول الرابح.

كما أنه على التقدير الثاني وهو جعل سنة واحدة لمجموع يمكن أن يقال أن المبدأ حين الشروع في الاكتساب كما يمكن أن يقال أن المبدأ حين حصول الربح الأول.

وجل الأدلة المتقدمة والروايات التي قد يستدل بها على ظهورها في السنة المجموعية الجعلية أو ظهورها في السنوات الانحلالية التي تنحل لكل ربحٍ فأدلة كلا الطرفين والوجهين تأتي هنا ولابد من النظر إليها.

ولعل كل من قال بالأول وأن لكل ربح سنة التزم هنا بأن مبدأ السنة هو ظهور الربح بدليل ظهور الاستثناء في الفعلية وأنه هو القدر المتيقن من المخصص المنفصل، وهذا ما أدى إليه استظهاره من بعض الروايات.

وأما من قال في تلك المسألة بجواز جعل السنة لجميع الأرباح فقد استدل هنا بما تقدم من الروايات وبأنه هو المتعارف عند الناس.

قول الشيخ الداوري في المسألة

وانتهى شيخنا الأستاذ الداوري[15] إلى ترجيح القول الأول وأن مبدأ السنة هو عند الشروع في الاكتساب فإن سنة الربح وعام الربح في المهن هو عند الشروع في الاكتساب، فصاحب الدكان والحانوت يحسب سنة الربحية من حين الشروع في فتح الدكان والحانوت، وصاحب التجارة وصاحب الصناعة لكي يحسب ربحه في الأخير وأنه ربح أو لم يربح يحسب جميع المصاريف التي صرفها عند أول الشروع في الكسب هذا واضح بحسب العرف.

أن السنة الربحية للصناعة والتجارة والنجارة وأمثالها مما ربحه يحصل يومياً إنما تكون السنة فيه عند الشروع في الكسب، بخلاف الفوائد الاتفاقية كالهدية والجائزة فإن سنتها تكون عند الحصول على الفائدة، فمبدأ السنة هو مبدأ ظهور الفائدة، هكذا قد يقال.

أقول: علمنا شيخنا الأستاذ الداوري أن في مجلس الدرس أن نقرأ روايات الباب بالكامل قبل الشروع في البحث، وهذا منهج سيد أساتذتنا المحققين السيد حسين البروجردي ـ أعلى الله في الخلد مقامه

المراجعة إلى الروايات في الباب

ومن الجيد أن يقرأ الطالب روايات الباب مرتين، مرة بنظرة إجمالية قبل أن يشرع في جميع الأبحاث الفقهية، ومرة تفصيلية تدقيقية بعد أن يقرأ جميع الأقوال ويناقشها يرجع إلى الرواة من جديد.

ذكر روايات الباب في البابين

وإذا رجعنا إلى روايات الباب فإننا سنجد أنها ثلاثة عشر رواية، وقد ذكرها صاحب الوسائل في بابين:

الأول الباب الثامن من أبواب ما يجب فيه الخمس وفيه عشر روايات[16] .

الثاني وفيه ثلاثة روايات[17] .

وإذا رجعنا إلى هذه الروايات وقرأناها بأجمعها لا نجد رواية واحدة تصرح بعنوان سنة الربح أو عام الربح، فلو ورد هذا العنوان في الروايات الشريفة وهو عنوان سنة أو عامل الربح ولم تحدد هذه الروايات مبدأ السنة فإننا نرجع إلى العرف، فنقول: عرف التجار والصناع أن مبدأ السنة هو الشروع في الكاسب، وعرف المزارعين ومن يربي المواشي أن مبدأ السنة هو أول ظهور الربح، هكذا نقول لو ورد هذا العنوان في الروايات.

لكن لا يوجد عين ولا أثر لعام الربح أو سنة الربح في جميع الروايات الواردة في أرباح المكاسب. نعم، ورد لفظ العام في خصوص صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، وهي ناظرة إلى أن الامام الجواد يسقط عليهم في عامه الأخير من عمره المبارك أي شيء من الخمس ويثبت أي شيء من الخمس، وليس النظر إلى العام الذي هو السنة الربحية.

فيكون مقتضى الصناعة هكذا:

عندنا دليل عام مفاده الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير هذا عام يشمل المؤونة وغير المؤونة من الأدلة العامة ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة﴾[18] فمصطلح الغنيمة بالمعنى الأعم أي مطلق الفائدة يشمل المؤونة وغير المؤونة هذا عام.

وعندنا مخصص منفصل يقول:

الخمس بعد المؤونة[19] وفي بعض الروايات بعد مؤونته ومؤونة عياله[20] ولم تقل الرواية مؤونة السنة أو مؤونة سنة الربح أو الكسب وإنما قالت بعد المؤونة.

ومن الواضح عرفاً أن المؤونة تحسب بلحاظ السنة والخمس تعلق بالربح والفائدة في كل ما أفاد الناس، لاحظوا الآن مقتضى الصناعة العلمية:

الدليل العام يقول:

الخمس في كل ما أفاد الناس أي في كل ربح وعلى كل رابح، وهذا المشتق رابح وربح كغيره من الجوامد ظاهر في الفعلية، أي كل ربح فعلي ففيه الخمس، وكل فائدة فعلية كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير فعلاً ففيه الخمس، هذا بالنسبة إلى الدليل العام.

الدليل الخاص المخصص المنفصل يقول:

الخمس بعد المؤونة بعد استثناء مؤونته ومؤونة عياله، فالقدر المتيقن من المؤونة المستثناة هي المؤونة المصروفة بعد ظهور الربح الفعلي لا المؤونة التي صرفت قبل ظهور الربح فعلاً وكانت بعد الشروع في الاكتساب.

ولو تنزلنا وشككنا هل المؤونة المصروفة بعد الشروع في الاكتساب في أول محرم وقبل ظهور الربح في أول شهر رمضان، هل هذه المؤونة تستثنى من وجوب الخمس أو لا؟ فعند الشك نتمسك بعموم العام، الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير.

فتكون النتيجة

أن الحق والصواب في أن مبدأ السنة هو ظهور الربح وأول ظهور الربح والفائدة لأن الخمس إنما تعلق بالربح والفائدة لم يتعلق الخمس بالشروع بالكسب، ولم يرد في الروايات عنوان سنة الربح أو سنة الفائدة أو عام الكسب، ولو ورد في الروايات هذا العنوان لالتزمنا بأن مبدأ السنة هو عند الشروع في هكذا أجاد وأفاد سيد اساتذتنا المعاصرين السيد ابو القاسم الخوئي[21] ـ رحمه الله ـ .

وفي تقرير الشهيد البروجردي ـ رحمه الله ـ لا بأس نقرأ هذا المقدار لبيان الفارق بين التقريرات[22] ، يقول:

«والوجه فيه أن المشتق وما في حكمه من الجوامع ظاهر في الفعلية ولا يستعمل إلا في من قضى إلا بالعناية والوارد في النصوص لو كان عنوان عام الربح أو سنة الربح لأمكن أن يقال بأن إطلاقه على الكاسب يفترق عن غيره كما ذكر.

ولكن لم حتى لفظ السنة فضلاً عن عام الربح وإنما الوارد فيها استثناء المؤونة، فقد ذكر في صحيحة ابن مهزيار: «بعد مؤونته ومؤونة عياله»[23] ، وفي بعض النصوص غير المعتبرة «ما يفضل عن مؤونتهم» والمؤونة بحسب ما يفهم عرفاً المطابق للمعنى اللغوي كل ما يحتاج إليه الإنسان في جلب المنفعة ودفع الضرر.

وقد عرفت أن هذا ظاهر في المؤونة دون ما كان مؤونة سابقاً».

الشيخ محمد الجواهري في الواضح الجزء السادس الواضح في شرح العروة الجزء السادس الصفحة مئتين وسبعين ومئتين وواحد وسبعين[24] يعلق السيد الخوئي لم يذكر في البحث لفظ صحيحة ابن مهزيار، ولم يذكر في بعض النصوص غير المعتبرة، يقول هذا من كلمات المقرر، والبعض حينما أشكل على السيد الخوئي كيف تقول أن النصوص غير معتبرة والحال أنها معتبرة.

فيقول الشيخ الجوهري أن السيد الخوئي لم يقل ذلك في مجلس الدرس.

وهذا كلامه صحيح إذا ترجع إلى تقرير السيد مجتبى الرودباري فإن السيد الخوئي لم يذكر هذه الروايات وإنما ذكر بعض المواضع، قال: بعد مؤونته ومؤونة عياله ما يفضل عن مؤونتهم[25] ، ولم يتطرق إلى سند الرواية أو عنوان الرواية.

هذا تمام الكلام في المسألة الستين، واتضح أن مبدأ السنة هو ظهور الربح مطلقاً في جميع أصناف الاكتساب والفوائد.

مسألة واحد وستين يأتي عليها الكلام.


[5] العروة الوثقى، ج4، ص258، تعليقات الخمس عشر، طبعة جماعة المدرسين.العروة الوثقى، ج12، تعليقات واحد وأربعين، ص240.
[11] العروة الوثقى، ج4، ص285.
[14] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص265.
[15] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص166.
[21] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج25، ص250 و 251.الواضح في شرح العروة الوثقى، تقرير الشيخ محمد الجواهري، ج6، ص270..كتاب الخمس، للسيد مجتبى الرودباري، تقرير بحث السيد الخوئي، وهو عين كلمات السيد الخوئي، ص277 و 278

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo